فصل: قال عبد الكريم الخطيب في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال عبد الكريم الخطيب في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأرض وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ}.
لا يستحسرون: أي لا يملّون، ولا يكلّون.. لا يفترون: أي لا يتراخون، ولا ينقطعون عن العبادة، لحطة، أو فترة. والآية والآيات التي بعدها، تكشف عن بعض سلطان اللّه، وتحدث عن بعض ما له من قدرة قادرة على كل شىء، ممسكة بكل شىء.. فهو- سبحانه- المالك لمن في السموات والأرض، من عوالم.. من الذرة، وما دون الذرة، إلى الكواكب في مساراتها، والنجوم في أفلاكها.. إلى الملائكة الذين هم عنده، حافّين بالعرش.. وهو سبحانه المتصرف في هذه الموجودات، الموجه لها، المقدّر لوضعها الذي تأخذه في هذا الوجود.
وإذا كان هذا سلطان اللّه، وتلك قدرته الآخذة بناصية كل شىء، فإنه من غير المعقول أن يكون شيء من خلقه ذا سلطان معه، أو خارجا عن سلطانه.. والملائكة، الذين هم عند اللّه بهذا المكان الرفيع، لم تخرج بهم منزلتهم هذه عن أن يكونوا عبادا من عباد اللّه يدينون له بالولاء ويتقربون إليه بالعبادة: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ}.. إنهم في عبادة دائمة متطلة، وذكر للّه لا يفترون عنه! والسؤال هنا، هو: إذا كان الملائكة على هذا الصفاء النورانى الذي خلقوا منه، وعلى تلك العبادة الدائبة والطاعة الدائمة، فلم هذا الخوف؟ ولم تلك الخشيه؟ كما يقول سبحانه: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} (13: الرعد) والجواب على هذا، هو أن الملائكة لقربهم من اللّه سبحانه وتعالى، ولكمال معرفتهم بماله سبحانه وتعالى من جلال وكمال- هم أكثر عباد اللّه ولاء للّه، وانقيادا له، وفناء فيه.. فمن كان باللّه أعرف كان منه أخوف، ومن كان إلى اللّه أقرب كان لجلاله وسلطانه أرهب.! يقول اللّه سبحانه وتعالى: {إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ}.. فالعلماء باللّه، العارفون به، هم أكثر الناس خشية له، وولاء لذاته.. والملائكة يعلمون أكثر مما يعلم العالمون من جلال اللّه وسلطانه، وعظمته..
وقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرض هُمْ يُنْشِرُونَ} هو تسفيه لعقول هؤلاء المشركين، الذين يعبدون مما على الأرض، من ناطق أو صامت، مثل أولئك الذين اتخذوا من البشر آلهة، أو من الأحجار أصناما ينحتونها ويعبدونها.. فهؤلاء أحمق عقولا، وأغلظ جهلا من أولئك الذين عبدوا الملائكة، وإن كان هؤلاء وأولئك جميعا في ضلال مبين..
فلا الملائكة المقربون، ولا الجن، ولا البشر، ولا الأحجار، ولا أي شيء مما خلق اللّه، مما يصح في عقل عاقل أن يجعل له إلى اللّه نسبا، فضلا عن أن يجعله إلها مع اللّه، يشاركه التصريف والتدبير.
وفى قوله تعالى: {مِنَ الأرض} إشارة إلى مدى الانحطاط العقلي، الذي وصل إليه أولئك الذين يعبدون ما على هذه الأرض من مخلوقات.. فهى من معدن هذا التراب الذي تدوسه الأقدام، فكيف يكون هذا التراب المشكّل في أي صورة من الصور، إلها يعبد من دون اللّه، ويرجى منه ما يرجو المؤمنون باللّه، من اللّه رب العالمين؟.
وقوله تعالى: {هُمْ يُنْشِرُونَ}.. يمكن أن يكون استفهاما.. تقديره أهم ينشرون؟ أي أهؤلاء الآلهة الذين اتخذوهم من الأرض ينشرون الأموات ويبعثونهم من قبورهم، كما يفعل اللّه؟ والاستفهام هنا إنكارى..
ويمكن أن يكون جملة خبرية، هي صفة للآلهة، وتكون الآية كلها مبنية على الاستفهام الإنكارى، ويدخل فيها إنكار الجملة الخبرية، كذلك..
قوله تعالى: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَا يَصِفُونَ}.
هذه قضية، هي تعقيب على ما وجه به المشركون الذين يتخذون من عباد اللّه، في السماء أو في الأرض: آلهة، فإن ذلك سفه وجهل، وسوء تقدير لما ينبغى أن يكون للإله المعبود، من صفات الكمال والجلال المطلقين..
وإذا كان الإله الذي يستحق العبادة موصوفا بصفات الكمال المطلق، فإن هذه الصفات- في إطلاقها- لا تكون إلا لإله واحد، لا يشاركه أحد فيها، إذ لو شاركه غيره فيها، أو كان له مثلها، لما كان له الكمال المطلق، ولما كان له التفرد بالألوهية.. إذ الكمال المطلق صفة واحدة، ولا يتصف بها إلا موصوف واحد، هو اللّه سبحانه..
ومن جهة أخرى.. فإن هذا الوجود، في علوه وسفله، وفى سمائه وأرضه- لو قام عليه أكثر من ذى سلطان واحد مطلق، لما استقام أمره، ولما استقرّ نظامه، ولكان لكل ذى سلطان أن يتصرف فيما له سلطان عليه، ولذهب كل منهم مذهبا، فمضى ذا مشرّقا، ومضى ذاك مغرّبا.. وأخذ هذا يمينا، وأخذ ذاك يسارا.. فيتصادم هذا الوجود، وتتضارب الوجودات، وينفرط عقدها، وتتناثر أشلاؤها..
فالإنسان مثلا، وهو العالم الأصغر، الذي يناظر العالم الأكبر.. يقوم على ملكة التفكير فيه، عقل واحد.. ويقوم على تغذيته بالدم- الذي هو ملاك حياته- قلب واحد..
وتصوّر أن يكون لإنسان عقلان.. ماذا يكون حاله؟ وكيف يكون مقامه في عالم البشر؟ إن لكل عقل مدركات، وتصورات وتقديرات.. فبأى عقل يسير؟ وبأى عقل يحكم على الأشياء ويتعامل معها؟ إنه بهذين العقلين إنسانان لا إنسان واحد..
إنه ذو شخصية مزدوجة، تتصارع فيها العواطف والنوازع، وتقتتل فيها الآمال والرغبات، ثم لا يسكن هذا الصراع، ولا ينتهى هذا القتال، حتى يتحطم هذا الكائن العجيب، الإنسان.. له رأسان، أو عقلان..!
وقل مثل هذا في القلبين، اللذين يفسد أحدهما عمل الآخر، وينقض أحدهما ما بناه صاحبه..
واللّه سبحانه وتعالى يقول: {ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (4: الأحزاب).
وقل مثل هذا في الجماعات البشرية.. إن كل جماعة يجب أن يكون على رأسها رأس واحد.. وإلّا فالتنازع والتصادم، والفساد..!
وقوله تعالى: {فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَا يَصِفُونَ}..
هو تنزيه للّه سبحانه عما يصفه به الواصفون، من صفات لا تخصّه بالكمال المطلق، بل تجعل له شريكا فيها، ويكون له بمقتضى ذلك سلطان مع سلطان اللّه، وعرش كعرش اللّه.. فاللّه سبحانه منزه عن أن يكون على تلك الصفة..
إنه سبحانه الإله المتفرد بالخلق والأمر..
قوله تعالى: {لا يُسْئَلُ عَمَا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ}..
هو أيضا تنزيه للّه سبحانه وتعالى عن أن يكون كهذه الآلهة التي يعبدها هؤلاء الضالون.. فهذه الآلهة، هي من مخلوقات اللّه، وهى خاضعة لمشيئته فيها، يصرّفها كيف يشاء، ويحاسب العاقل منها على ما كان منه.. أما هو سبحانه، فلا يسأل عما يفعل.. إذ لا يسأله إلا من هو فوقه، وهو- سبحانه- فوق كل ذي فوق.. {يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} (68: القصص).
قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ}..
أَمِ هنا للإضراب، بمعنى بل..
والمعنى: أنه مع هذه البديهيّات التي تقع في متناول كلّ عقل، والتي تقضى بما لا يدع مجالا للشك، بأنه لا يمكن أن يكون لهذا الوجود إلا إله واحد، يقوم عليه، ويدبّر أمره- مع هذا، فإن هؤلاء الضالين المشركين قد عموا عن هذه البديهيات، وقصرت أفهامهم عن إدراكها، وساغ لهم أن يعبدوا أكثر من إله، وأن يوزّعوا عقولهم وقلوبهم بين أرباب وأشباه أرباب، ولم يحاولوا أبدا أن يجيبوا على هذا السؤال: {أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ} (39: يوسف).. كما لم يحاولوا أن يقيموا دليلا يقبله العقل، ويرتضيه المنطق لعبادة هذه الآلهة المتعددة! وفى قوله تعالى: {قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ} دعوة لهؤلاء المشركين أن يرجعوا إلى عقولهم، وأن يأتوا منها بالدليل والحجة على ما يعبدون من دون اللّه..
{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ} (117: المؤمنون)..
وقوله تعالى: {هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي}.. هو إشارة إلى القرآن الكريم، الذي بين يدى الرسول، وهو برهانه على الإله الذي يعبده، ويدعو الناس إلى عبادته.. وهذا القرآن كما هو حجة وبرهان للرسول الكريم، هو حجة وبرهان لهؤلاء المشركين الذين يدعوهم الرسول إلى الإيمان باللّه، كما أنه حجة وبرهان على أهل الكتاب.. {هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي}.. فمن مع الرسول هم هؤلاء المشركون.. والذين من قبله هم أهل الكتاب.. والقرآن الكريم حجة على هؤلاء وأولئك جميعا..
وقوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ}.. هو اعتذار لكثير من هؤلاء المشركين، الذين عموا عن طريق الحق، فركبوا رءوسهم، وأبوا أن يستمعوا لداعى الحقّ، وأن يستجيبوا له.. ومن ثمّ، فإن الرسول قائم فيهم، لا يتخلى عن مكانه بينهم، ولا يمسك عن دعوتهم، وكشف معالم الطريق لهم، حتى يبصروا من عمى، ويهتدوا من ضلال..
وقد كان.. فما زال الرسول يغادى هؤلاء المشركين، ويراوحهم، بالحكمة والموعظة الحسنة، على مدى ثلاث وعشرين سنة، حتى استنارت بصائرهم، وتفتحت قلوبهم، وما كادت تختم الرسالة، وتنزل آخر آية من آياتها، حتى آمن هؤلاء المشركون، ودخلوا في دين اللّه أفواجا.. وكان مختتم الرسالة قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} (3: المائدة). اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرض هُمْ يُنْشِرُونَ (21)}.
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون} قال: يحيون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون} يقول: ينشرون الموتى من الأرض، يقول: يحيونهم من قبورهم.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {أم اتخذوا آلهة من الأرض} يعني مما اتخذوا من الحجارة والخشب. وفي قوله: {لو كان فيهما آلهة إلا الله} قال: لو كان معهما آلهة إلا الله {لفسدتا فسبحان الله رب العرش} يسبح نفسه تبارك وتعالى إذا قيل عليه البهتان.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {لا يسأل عما يفعل} قال: بعباده {وهم يسألون} قال: عن أعمالهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} قال: لا يسأل الخلاق عما يقضي في خلقه، والخلق مسؤولون عن أعمالهم.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر، عن ابن عباس قال: ما في الأرض قوم أبغض إلى من القدرية، وما ذلك إلا لأنهم لا يعلمون قدرة الله تعالى. قال الله: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}.
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في بعض ما أنزل الله في الكتب: إني أنا الله لا إله إلا أنا، قدرت الخير والشر فطوبى لمن قدرت على يده الخير ويسّرْتُه له، وويل لمن قدرت على يده الشر ويسرته له.. إني أنا الله لا إله إلا أنا لا أُسْأَل عما أفعل وهم يسألون، فويل لمن قال وكيف».
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ميمون بن مهران قال: لما بعث الله موسى وكلمه وأنزل عليه التوراة قال: اللهم إنك رب عظيم، لو شئت أن تطاع لأطِعْت، ولو شئت أن لا تُعْصَى ما عُصِيت، وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تعصى! فكيف هذا يا رب؟ فأوحى الله إليه: إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون.
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن نوف البكالي قال: قال عزير فيما يناجي ربه: يا رب، تخلق خلقًا {تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء} [الأعراف: 155] فقال له: يا عزير، أعرض عن هذا. فأعاد، فقيل له: لتعرضن عن هذا وإلا محوتك من النبوّة، إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون.
وأخرج البيهقي عن داود بن أبي هند، أن عزيرًا سأل ربه عن القدر فقال: سألتني عن علمي، عقوبتك أن لا أسميك في الأنبياء.
وأخرج الطبراني من طريق ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال: لما بعث الله موسى عليه السلام وأنزل عليه التوراة قال: اللهم إنك رب عظيم ولو شئت أن تطاع لأطعت، ولو شئت أن لا تُعْصى ما عُصِيت، وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تعصى، فكيف يا رب!؟ فأوحى الله إليه: إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون. فانتهى موسى. فلما بعث الله عزيرًا وأنزل عليه التوراة بعد ما كان رفعها عن بني إسرائيل، حتى قال: من قال: إنه ابن الله؟ قال: اللهم إنك رب عظيم، ولو شئت أن تطاع لأُطِعْت، ولو شئت أن لا تُعْصى ما عُصِيت، وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تعصى، فكيف يا رب!؟ فأوحى الله أني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون. فأبت نفسه حتى سأل أيضًا فقال: أتستطيع أن تصرّ صرة من الشمس؟ قال: لا. قال: أفتستطيع أن تجيء بمكيال من ريح؟ قال: لا. قال: أفتستطيع أن تجيء بمثقال من نور؟ قال: لا. قال: أفتستطيع أن تجيء بقيراط من نور؟ قال: لا. قال: فهكذا إن لا تقدر على الذي سألت إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون، أما أني لا أجعل عقوبتك إلا أن أمحو اسمك من الأنبياء فلا تذكر فيهم. فمحي اسمه من الأنبياء فليس يذكر فيهم وهو نبي.
فلما بعث الله عيسى ورأى منزلته من ربه وعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، قال: اللهم إنك رب عظيم، لو شئت أن تُطاع لأطِعْت، ولو شئت أن لا تعصى ما عُصيت، وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تعصى! فكيف هذا يا رب؟ فأوحى الله إليه: إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون، وأنت عبدي ورسولي وكلمتي ألقيتك إلى مريم وروح مني، خلقتك من تراب ثم قلت لك كن فكنت، لئن لم تنته لأفعلن بك كما فعلت بصاحبك بين يديك... إني لا أسال عما أفعل وهم يسألون. فجمع عيسى من تبعه وقال: القدر سرّ الله فلا تكلفوه.
{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ}:
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم} يقول: هاتوا بينتكم على ما تقولون {هذا ذكر من معي} يقول: هذا القرآن فيه ذكر الحلال والحرام {وذكر من قبلي} يقول: فيه ذكر أعمال الأمم السالفة وما صنع الله بهم وإلى ما صاروا {بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون} عن كتاب الله {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} قال: أرسلت الرسل بالإخلاص والتوحيد لله، لا يقبل منهم حتى يقولوه ويقروا به، والشرائع تختلف في التوراة شريعة وفي الإنجيل شريعة وفي القرآن شريعة، حلال وحرام فهذا كله في الإخلاص لله وتوحيد الله. اهـ.