فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وما أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}.
إذن: فقضية التوحيد واضحة منذ بداية الرسالات إلى خاتمها، الكل جاء بقول لا إله إلا الله قضية مشتركة بين جميع رسالات السماء.
وقوله تعالى: {مِن رَّسُولٍ} [الأنبياء: 25] منْ هنا للشمول والتعميم، يعني: كل أفراد الرسل، كلّ مَنْ يُقَال له رسول. فلو قال لك شخص: ما عندي مال، لا يمنع هذا القول أن يكون عنده قليل من المال، قروش مثلًا لا يُقال لها مال، فإنْ قال لك: ما عندي من مال فقد نفى وجود جنس المال من بداية ما يقال له مال، ما عندي حتى مليم واحد.
إذن: ما جئتم به من مسألة الشرك بالله أو إنكاره عز وجل مسألة جديدة موضة طلعتُم علينا بها. {وَقَالُواْ اتخذ الرحمن}.
قوله: {سُبْحَانَهُ} [الأنبياء: 26] أي: تنزيهًا له أنْ يكون له ولد، فقُلْ: إنْ كان له، فله عباد مكرمون وهم الملائكة.
ومن صفات هؤلاء العباد المكرمين الذين هم الملائكة أنهم: {لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول}.
ومع أنهم عباد مكرمون إنما لا يسبقونه بالقول، فلا يقولون ما لم يقُلْه ولا يتقدمون عليه بقول حتى إنْ وافق مراد الله، ولا يفعلون ما لم يأمر به، وكأن الحق سبحانه يعطينا إشارة لبعض آفات المجتمع، فمن آفات المجتمع أن ترى العظماء المكرمين إلا أنهم يصنعون لأنفسهم سلطة زمنية من باطنهم، فيقولون ما لم يَقُلْه ربهم عز وجل، ويفعلون ما لم يأمر به، ويُقدِّمون أوامرهم على أوامره.
وقوله تعالى: {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27] أي: يأتمرون بأمره، فإنْ أمر فعلوا، وإنْ نَهَى تركوا.
ثم يقول الحق سبحانه: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ}.
الكلام هنا عن العباد المكرمين من الملائكة، فَمَع أن الله أكرمهم وفضَّلهم، إلا أنه لم يتركهم دون متابعة ومراقبة، إنما يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولم تُترك لهم مسألة الشفاعة يُدخلون فيها مَنْ أحبوا إنما {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} [الأنبياء: 28].
أي: لمن ارتضاه الله وأحبه، فإياكم أنْ تفهموا أنكم حين تقولون: الملائكة بنات الله، أو تعبدونهم من دون الله أنهم يكونون لكم شفعاء عند الله؛ لأنهم لا يشفعون إلا لمنْ أحبّه الله، وارتضاه من أهل الإيمان، فلا تظن أنهم {عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] أي: مُدلَّلُون يفعلون ما يحلو لهم، لا، إنهم مع ذلك ملتزمون بحدودهم لا يتعدونها، فما أكرمتهم كل هذا الإكرام إلا لأنهم مطيعون ملتزمون.
وهم مع هذه الطاعة {مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28] فليسوا مع هذا الإكرام مطمئنين آمنين، بل مشفقون خائفون وجلون من خشية الله ولذلك يقول الحق سبحانه: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إني إله مِّن دُونِهِ}. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {اقترب لِلنَّاسِ حسابهم} يعني: قربت القيامة كقوله: {اقتربت الساعة وانشق القمر} [لقمر: 1]، ويقال: معناه اقترب وقت حسابهم، ويقال: دنا للناس ما وعدوا في هذا القرآن، {وَهُمْ في غَفْلَةٍ}، أي: في جهل وعمى من أمر آخرتهم.
{مُّعْرِضُونَ}، يعني: جاحدين مكذبين؛ وهم كفار مكة ومن كان مثل حالهم.
ثم نعتهم فقال: {مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ مّن رَّبّهِمْ مُّحْدَثٍ}، يعني: ما يأتيهم جبريل بالقرآن محدث؛ والمحدث إتيان جبريل بالقرآن مرة بعد مرة، ويقال: قراءة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن مرة بعد مرة {إِلاَّ استمعوه وَهُمْ يَلْعَبُونَ}، يعني: يستمعون لاعبين، ويقال: {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} يعني: يهزؤون ويسخرون.
قوله عز وجل: {لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ}، يعني: ساهية قلوبهم عن أمر الآخرة.
{وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ}، يعني: أخفوا تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ويتناجون فيما بينهم، ثم بين أمرهم فقال: {الذين ظَلَمُواْ}، معناه وأسروا النجوى يعني: الذين ظلموا، ثم بين ما يسرون فقال: {هَلْ هذا}، يعني: يقولون ما هذا: {إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} أي: آدميّ مِثلكم؟ {أَفَتَأْتُونَ السحر}، يعني: أفتصدقون الكذب؟ {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} وتعلمون أنه سحر.
{قَالَ} محمد: {رَبّى يَعْلَمُ القول}، يعني: السر، فأعلمهم الله تعالى أنه يعلم قولهم، وأطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على سرهم وعلانيتهم فقال: {قَالَ رَبّى يَعْلَمُ القول}.
{فِى السماء والأرض}، أي: يعلم سر أهل السموات وسر أهل الأرض.
قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص {قَالَ رَبّى يَعْلَمُ} على معنى الخبر، وقرأ الباقون على معنى الأمر.
ثم قال: {وَهُوَ السميع} لمقالتهم، {العليم} بهم وبعقوبتهم.
{بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ}، يعني: أباطيل أحلام كاذبة؛ وقال أهل اللغة: لا يكون الضغث إلا من أخلاط شتى؛ فلذلك يقال أضغاث أحلام، أي: لما فيها من التخاليط.
وهو كل حلم لا يكون له تأويل ومن هذا قوله: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا}، أي: أخلاط العيدان عدد مائة، ويقال: في الآية تقديم ومعناه بل قالوا أضغاث أحلام.
{بَلِ افتراه}، يعني: اختلقه من تلقاء نفسه.
{بَلْ هُوَ شَاعِرٌ}، يعني: ينقضون قولهم بعضهم ببعض، مرة يقولون سحر، ومرة يقولون أضغاث أحلام.
{بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ بَلِ}، يعني: يقولون: فأتنا بآية أي: بعلامة كما في الرسل الأولين.
فأخبر الله تعالى أنهم لم يؤمنوا، وإن أتاهم بآية، فقال عز وجل: {مَا ءامَنَتْ قَبْلَهُمْ}، يعني: قبل كفار مكة.
{مِن قَرْيَةٍ} من للصلة والزينة، يعني: لم يصدق قبلهم أهل قرية للرسل، أي: إذا جاءتهم بالآيات.
{أهلَكِناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ}؟ يعني: أفقومك يصدقون إذا جاءتهم الآيات؟ أي: لا يؤمنون.
ثم قال عز وجل: {وما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالًا نُّوحِى إِلَيْهِمْ}، يعني: لم أرسل إليهم الملائكة بالرسالة وكانت الرسل من الآدميين.
{فاسألوا أَهْلَ الذكر}، يعني: أهل التوراة والإنجيل.
{إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ}، أي: لا تصدقون؛ وذلك أن أهل مكة قالوا: لو أراد الله تعالى أن يبعث إلينا رسولًا لأرسل ملائكة.
قرأ عاصم في رواية حفص {نُوحِى} بالنون وكذلك في قوله: {وما أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون} [الأنبياء: 25]، وقرأ حمزة والكسائي الأول بالياء والثاني بالنون، والباقون كليهما بالياء وهو اختيار أبي عبيد.
{وما جعلناهم جَسَدًا لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام}، يعني: ما خلقنا الرسل جسدًا لا يأكلون ولا يشربون، ولَكِن جعلناهم أجسادًا فيها أرواح يأكلون ويشربون.
وقال: {جَسَدًا} ولم يقل أجسادًا، لأن الواحد ينبىء عن الجماعة، ويقال: معناه وما جعلناهم ذوي أجساد لا يأكلون الطعام، لأنهم قالوا: {وَقَالُواْ مالِ هذا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِى في الاسواق لولا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: 7] ثم قال: {وما كَانُواْ خالدين}، يعني: في الدنيا.
{ثُمَّ صدقناهم الوعد}، يعني: العذاب للكفار والنجاة للأنبياء عليهم السلام.
{فأنجيناهم وَمَن نشاء}، يعني: فأنجينا الأنبياء عليهم السلام ومن نشاء من المؤمنين، {وَأَهْلَكِنا المسرفين}؛ يعني: المشركين.
قوله عز وجل: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ}، يعني: القرآن فيه عزكم وشرفكم، يعني: شرف العرب.
والذكر يوضع موضع الشرف، لأن الشرف يذكر، ويقال: {ذِكْرُكُمْ} أي: فيه تذكرة لكم ما ترجون من رحمة وتخافون من عذابه كما قال: {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [عبس: 11].
وقال السدي: {فِيهِ ذِكْرُكُمْ} يعني: ما تُعْنون به من أمر دنياكم وآخرتكم وما بينكم؛ وقال الحسن: {فِيهِ ذِكْرُكُمْ}، يعني: أمسك به عليكم دينكم وفيه بيان حلالكم وحرامكم، ويقال: وعدكم ووعيدكم ثم قال: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أن فيه عزكم وشرفكم فتؤمنون به.
قوله عز وجل: {وَكَمْ قَصَمْنَا} القَصم الكسر يعني كم أهلَكِنا {مِن قَرْيَةٍ}، يعني: أهل قرية؟ {كَانَتْ ظالمة}، أي: كافرة، {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ}؛ يعني: خلقنا بعد هلاكها قوما آخرين خيرًا منهم، فسكنوا ديارهم.
{فَلَمَا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا}، يعني: رأوا عذابنا، {إِذَا هُمْ يَرْكُضُونَ}؛ يعني: يهربون ويعدون؛ وقال القتبي: أصل الركض تحريك الرجلين.
يقال: ركضت الفرس إذا أعديته بتحريك رجليك.
ومنه قوله: {اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}.
ثم قال عز وجل: {لاَ تَرْكُضُواْ} يعني: قالت الملائكة عليهم السلام لا تهربوا وقال قتادة: هذا على وجه الاستهزاء، وقال مقاتل: لما انهزموا قالت لهم الملائكة عليهم السلام كهيئة الاستهزاء: لا تركضوا وقال القتبي: هذا كما قال لبيد:
هَلا سَأَلْتَ جُمُوعَ كِنْدَة ** يَوْمَ وَلَّوْا أَيْنَ أَيْنَا

قال ابن عباس: إن قرية من قرى اليمن يقال لها حصور، أرسل الله تعالى إليهم نبيًّا فكذبوه ثم قتلوه، فسلط الله عز وجل عليهم بختنصر فقتلهم وهزمهم، فقالت لهم الملائكة عليهم السلام حين انهزموا: لا تركضوا يعني: لا تهربوا.
{وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} يعني: خولتم فيه من أمر دنياكم {ومساكنكم لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}.
عن قتل نبيكم؛ ويقال: عن الإيمان.
{قَالُواْ يا ويلنا قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظالمين} بقتل نبينا عليه السلام ويقال: بالشرك بالله عز وجل.
قوله تعالى: {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ}، يعني: كلمة الويل قولهم.
{حتى جعلناهم حَصِيدًا خامدين}، يعني: محصودًا.
وقال أهل اللغة: فعيل بمعنى مفعول، والحصيد بمعنى محصود، ويقع على الواحد والاثنين والجماعة؛ وقال السدي: الحصيد الذي قد حصد، ويقال: كداسة الغنم بأظلافها خامدين ميتين لا يتحركون؛ وقال مجاهد رحمه الله: {خامدين} بالسيف.
قوله عز وجل: {وما خَلَقْنَا السماء والأرض وما بَيْنَهُمَا} من الخلق والعجائب {لاَعِبِينَ}، أي: لغير شيء ولَكِن خلقناهم لأمر كائن، ويقال: وما خلقت هذه الأشياء، إلا ليعتبروا ويتفكروا فيها ويعلموا أن خالق هذه الأشياء أحق بالعبادة من غيره ويكون لِيَ عليهم الحجة يوم القيامة.
قوله عز وجل: {لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا} يعني: زوجةً بلغة حضرموت، {لاتخذناه مِن لَّدُنَّا}؛ يعني: من عندنا.
قال ابن عباس: اللهو الولد، وقال الحسن وقتادة: اللهو المرأة، وقال القتبي: التفسيران متقاربان، لأن المرأة للرجل لهو وولده لهو كما يقال: ريحانتاه وأصل اللهو الجماع؛ فكني به بالمرأة والولد كما كني عنه باللمس.
وتأويل الآية أن النصارى لما قالوا، في المسيح ما قالوا قال الله تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لاتخذناه مِن لَّدُنَّا} أي: صاحبةً وولدًا، لاتخذنا ذلك من عندنا لا من عندكم، لأن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده لا عند غيره.
ثم قال: {إِن كُنَّا فاعلين} يعني: ما كنا فاعلين.
ويجوز أن يكون إن كنا ممن يفعل ذلك، ولسنا ممن يفعله.
ثم قال عز وجل: {بَلْ نَقْذِفُ بالحق}، يعني: بالحق {عَلَى الباطل}، ومعناه نبيِّن الحق من الباطل.
{فَيَدْمَغُهُ}، أي: يبطله ويضمحل به. ويقال: يكسره.
وقال أهل الله: أصل هذا إصابة الرأس والدماغ بالضرب وهو مقتل.
{فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}، يعني: هالك، ويقال: زاهق أي: زائل ذاهب.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: في الآية دليل أن النكتة إذا قابلتها نكتة أخرى على ضدها سقط الاحتجاج بها، لأنها لو كانت صحيحة ما عارضها غيرها، لأن الحق لا يعارضه الباطل ولَكِن يغلب عليه فيدمغه.
ثم قال: {وَلَكُمُ الويل}، يعني: الشدة من العذاب وهم النصارى.
{مِمَا تَصِفُونَ}، يعني: تقولون من الكذب على الله.
{وَلَهُ مَن في السموات والأرض} من الخلق.
{وَمَنْ عِندَهُ} من الملائكة {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}، يعني: لا يتعظمون {عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} يعني لا يعيون. الحسير المنقطع الواقف إعياء.
روي عن عبد الله بن الحارث أنه قال: قلت لكعب الأحبار.
رضي الله عنه أرأيت قوله: {يُسَبّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ}.
أما شغلهم رسالة، أما شغلهم عمل؟ فقال لي: ممن أنت؟ فقلت من بني عبد المطلب.
فضمني إليه ثم قال: يا ابن أخي إنه جعل لهم التسبيح كما جعل لنا النفس ألست تأكل وتشرب وتذهب وتجيء وأنت تتنفس؟ كذلك جعل لهم التسبيح.
ثم قال عز وجل: {أَمِ اتخذوا الِهَةً}؟ الميم صلة معناه أعبدوا من دون الله آلهةً، ويقال: بل عبدوا آلهة.
{مّنَ الأرض}، يعني: اتخذوها من الأرض ويقال: من الأرض يعني: في الأرض.
{هُمْ يُنشِرُونَ}، يعني: هل يحيون تلك الآلهة شيئًا، وقرىء أيضًا {يُنشِرُونَ} بضم الياء ونصب الشين.
هل يحيون أبدًا لا يموتون.
ثم قال: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله} يعني: لو كان في السماء والأرض آلهة غير الله، {لَفَسَدَتَا}؛ يعني: لخربت السموات والأرض ولهلك أهلها، يعني: أن التدبير لم يكن مستويًا ثم نزّه نفسه عن الشريك فقال تعالى: {فسبحان الله رَبّ العرش عَمَا يَصِفُونَ}؛ يعني: عما يقولون من الكذب.
قوله عز وجل: {لاَ يُسْأَلُ عَمَا يَفْعَلُ}، يعني: عما يحكم في خلقه من المغفرة والعقوبة، لأنه عادل ليس بجائر.
{وَهُمْ يُسْئَلُونَ}، عما يفعلون بعضهم ببعض، لأنهم يجورون ولا يعدلون ومعناه، لا يسأل عما يفعل على وجه الاحتجاج عليه، ولَكِن يسأل عن معنى الاستكشاف والبيان، كقوله عز وجل: {قَالَ رَبِّ لِمَ حشرتنى أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا} [طه: 125].
وروي عن مجاهد أنه قال: لا يسأل عن قضائه وقدره وهم يسألون عن أعمالهم، ويقال: لا يسأل عما يفعل لأنه ليس فوقه أحد وهم يسألون، لأنهم مملوكون.
ثم قال عز وجل: {أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ ءالِهَةً} الميم صلة، يعني: أعبدوا من دونه آلهة؟ {قُلْ هَاتُواْ برهانكم}، يعني: حجتكم وكتابكم الذي فيه عذركم.
{هذا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ} إلى يوم القيامة {وَذِكْرُ مَن قَبْلِى}؛ يعني: خبر من قبلي، فلا أجد فيه أن الشرك كان مباحًا في وقت من الأوقات ويقال: {هذا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِى}، يعني: القرآن وكتب الأولين.
ثم قال: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق} يعني لا يصدقون بالقرآن ويقال بالتوحيد.
{فَهُمْ مُّعْرِضُونَ}، يعني: مكذبون بالقرآن والتوحيد.
ثم بين ما أمر في جميع الكتب للرسل، فقال عز وجل: {وما أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ}، كما يوحى إليك {أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون}، يعني: وحدون.
{وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَدًا} وذلك حين قال مشركو قريش في الملائكة ما قالوا فقال الله تعالى: {سبحانه} نزه نفسه عن الولد.
{بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ}، يعني: بل عبيد أكرمهم الله تعالى بعبادته.
{لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول}، يعني: لا يقولون ولا يعملون شيئًا ما لم يأمرهم.
{وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} يعني: يعملون ما يأمرهم به {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أمر الآخرة.
{وما خَلْفَهُمْ} من أمر الدنيا، {وَلاَ يَشْفَعُونَ}؛ يعني: الملائكة.
{إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} يعني لمن رضي عنه بشهادة أن لا إله إلا الله.
{وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}، يعني: من هيبته خائفون، لأنهم عاينوا أمر الآخرة فيخافون عاقبة الأمر. اهـ.