فصل: (سورة الأنبياء: آية 22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأنبياء: آية 22]:

{لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَا يَصِفُونَ (22)}.
فإن قلت: ما منعك من الرفع على البدل؟ قلت: لأنّ لو بمنزلة إن في أنّ الكلام معه موجب، والبدل لا يسوّغ إلا في الكلام غير الموجب، كقوله تعالى {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} وذلك لأنّ أعم العامّ يصح نفيه ولا يصح إيجابه. والمعنى: لو كان يتولاهما ويدبر أمرهما آلهة شتى غير الواحد الذي هو فاطرهما لفسدتا. وفيه دلالة على أمرين، أحدهما: وجوب أن لا يكون مدبرهما إلا واحدا. والثاني: أن لا يكون ذلك الواحد إلا إياه وحده، لقوله: {إِلَّا اللَّهُ} فإن قلت: لم وجب الأمران؟ قلت: لعلمنا أنّ الرعية تفسد بتدبير الملكين لما يحدث بينهما من التغالب والتناكر والاختلاف. وعن عبد الملك بن مروان حين قتل عمرو ابن سعيد الأشدق: كان واللّه أعزّ علىّ من دم ناظري، ولَكِن لا يجتمع فحلان في شول وهذا ظاهر. وأمّا طريقة التمانع فللمتكلمين فيها تجاول وطراد، ولأنّ هذه الأفعال محتاجة إلى تلك الذات المتميزة بتلك الصفات حتى تثبت وتستقرّ.

.[سورة الأنبياء: آية 23]:

{لا يُسْئَلُ عَمَا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23)}.
إذا كانت عادة الملوك والجبابرة أن لا يسألهم من في مملكتهم عن أفعالهم وعما يوردون ويصدرون من تدبير ملكهم، تهيبا وإجلالا، مع جواز الخطإ والزلل وأنواع الفساد عليهم- كان ملك الملوك وربّ الأرباب خالقهم ورازقهم أولى بأن لا يسئل عن أفعاله، مع ما علم واستقرّ في العقول من أن ما يفعله كله مفعول بدواعى الحكمة، ولا يجوز عليه الخطأ ولا فعل القبائح.
{وَهُمْ يُسْئَلُونَ} أى هم مملوكون مستعبدون خطاءون، فما خلقهم بأن يقال لهم: لم فعلتم؟ في كل شيء فعلوه.

.[سورة الأنبياء: آية 24]:

{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)}.
كرّر {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} استفظاعا لشأنهم واستعظاما لكفرهم، أي: وصفتم اللّه تعالى بأنّ له شريكا، فهاتوا برهانكم على ذلك: إمّا من جهة العقل، وإمّا من جهة الوحى، فإنكم لا تجدون كتابا من كتب الأولين إلا وتوحيد اللّه وتنزيهه عن الأنداد مدعوّ إليه، والإشراك به منهى عنه متوعد عليه. أى هذا الوحى الوارد في معنى توحيد اللّه ونفى الشركاء عنه، كما ورد علىّ فقد ورد على جميع الأنبياء، فهو ذكر: أى عظة للذين معى: يعنى أمّته، وذكر للذين من قبلي: يريد أمم الأنبياء عليهم السلام. وقرئ {ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} بالتنوين. ومن مفعول منصوب بالذكر كقوله: {أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} وهو الأصل والإضافة من إضافة المصدر إلى المفعول كقوله: {غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأرض وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} وقرئ {مَنْ مَعِيَ ومَنْ قَبْلِي} على من الإضافية في هذه القراءة.
وإدخال الجار على مع غريب، والعذر فيه أنه اسم هو ظرف، نحو: قبل، وبعد، وعند، ولدن، وما أشبه ذلك، فدخل عليه من كما يدخل على أخواته. وقرئ: ذكر معى وذكر قبلي. كأنه قيل: بل عندهم ما هو أصل الشرّ والفساد كله وهو الجهل وفقد العلم، وعدم التمييز بين الحق والباطل، فمن ثم جاء هذا الإعراض، ومن هناك ورد هذا الإنكار. وقرئ {الحق} بالرفع على توسيط التوكيد بين السبب والمسبب. والمعنى أن إعراضهم بسبب الجهل هو الحق لا الباطل.
ويجوز أن يكون المنصوب أيضا على هذا المعنى، كما تقول: هذا عبد اللّه الحق لا الباطل.

.[سورة الأنبياء: آية 25]:

{وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}.
{يوحى} و{نُوحِي} مشهورتان. وهذه الآية مقرّرة لما سبقها من آي التوحيد.

.[سورة الأنبياء: الآيات 26- 29]:

{وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَدًا سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)}.
نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات اللّه. نزه ذاته عن ذلك، ثم أخبر عنهم بأنهم عباد والعبودية تنافى الولادة، إلا أنهم {مُكْرَمُونَ} مقرّبون عندي مفضلون على سائر العباد، لما هم عليه من أحوال وصفات ليست لغيرهم، فذلك هو الذي غرّ منهم من زعم أنهم أولادى، تعاليت عن ذلك علوا كبيرا. وقرئ {مكرّمون}. {ولا يَسْبِقُونَهُ} بالضم، من: سابقته فسبقته أسبقه. والمعنى: أنهم يتبعون قوله ولا يقولون شيئا حتى يقوله، فلا يسبق قولهم قوله. والمراد: بقولهم، فأنيب اللام مناب الإضافة، أى لا يتقدّمون قوله بقولهم، كما تقول: سبقت بفرسي فرسه، وكما أنّ قولهم تابع لقوله، فعملهم أيضا كذلك مبنى على أمره: لا يعملون عملا ما لم يؤمروا به. وجميع ما يأتون ويذرون مما قدّموا وأخروا بعين اللّه، وهو مجازيهم عليه، فلإحاطتهم بذلك يضبطون أنفسهم، ويراعون أحوالهم، ويعمرون أوقاتهم. ومن تحفظهم أنهم لا يجسرون أن يشفعوا إلا لمن ارتضاه اللّه وأهله للشفاعة في ازدياد الثواب والتعظيم، ثم أنهم مع هذا كله من خشية اللّه مُشْفِقُونَ أى متوقعون من أمارة ضعيفة، كائنون على حذر ورقبة لا يأمنون مكر اللّه. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه رأى جبريل عليه السلام ليلة المعراج ساقطا كالحلس من خشية اللّه». اهـ.
وفي رواية «فعرفت فضل خشيته على خشيتي» وزاد فيه «فأوحى اللّه إليه أنبيا عبدا أم نبيا ملكا. فاوما إلى جبريل عليه السلام: بل نبيا عبدا».

.قال الخازن:

قوله: {اقترب للناس حسابهم} أي وقت محاسبة الله إياهم على أعمالهم يوم القيامة. نزل في منكري البعث وإنما ذكر الله هذا الاقتراب لما فيه من المصلحة للمكلفين، فيكونون أقرب إلى التأهب له، والمراد بالناس المحاسبون وهم المكلفون دون غيرهم، وقيل هم المشركون وهذا من باب إطلاق اسم الجنس على بعضه {وهم في غفلة معرضون} أي عن التأهب له وقيل معناه أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون في عاقبتهم مع اقتضاء عقولهم أنه لابد من جزاء المحسن والمسيء ثم إذا نبهوا من سنة الغفلة بما يتلى من الآيات والنذر أعرضوا عنه {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} يعني ما يحدث الله من تنزيل شيء من القرآن يذكرهم ويعظمهم به وقيل معناه إن الله يحدث الأمر بعد الأمر فينزل الآية بعد الآية والسورة بعد السورة في وقت الحاجة لبيان الأحكام وغيرها من الأمور والوقائع وقيل الذكر المحدث ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وبينه من السنن والمواعظ سوى ما في القرآن وإضافة إليه لأن الله تعالى قال وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى {إلا استمعوه وهم يلعبون} أي لاعبين لا يعتبرون ولا يتعظون {لاهية قلوبهم} أي ساهية معرضة غافلة عن ذكر الله {وأسروا النجوى الذين ظلموا} أي بالغوا في أخفاء التناحي وهم الذين أشركوا ثم بين سرهم الذي تناجوا به، فقال تعالى مخبرًا عنهم: {هل هذا إلا بشر مثلكم} يعني أنهم أنكروا إرسال البشر وطلبوا إرسال الملائكة والأولى إرسال البشر إلى البشر لأن الإنسان إلى القبول من أشكاله أقرب {أفتأتون السحر} يعني أتحضرون السحر وتقبلونه {وأنتم تبصرون} يعني تعلمون أنه سحر {قال} لهم محمد {ربي يعلم القول في السماء والأرض} يعني لا يخفى عليه شيء {وهو السميع} لأقوالهم {العليم} بأفعالهم.
قوله: {بل قالوا أضغاث أحلام} يعني أباطيل وأهاويل رآها في النوم {بل افتراه} يعني اختلقه {بل هو شاعر} وذلك أن المشركين اقتسموا القول في النبي صلى الله عليه وسلم وفيما يقوله، فقال بعضهم أضغاث أحلام وقال بعضهم بل هو فرية وقال بعضهم هو شاعر وما جاءكم به شعر {فليأتنا} يعني النبي صلى الله عليه وسلم {بآية} يعني بحجة إن كان صادقًا {كما أرسل الأولون} أي من الرسل بالآيات قال الله تعالى مجيبًا لهم {ما آمنت قبلهم} أي قبل مشركي مكة {من قرية} أي من أهل قرية أتتهم الآيات {أهلَكِناها} يعني بالتكذيب {أفهم يؤمنون} يعني إن جاءتهم آية والمعنى أن أولئك لم يؤمنوا بالآيات لما جاءتهم أفيؤمن هؤلاء.
قوله تعالى: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالًا نوحي إليهم} هذا جواب لقولهم هل هذا إلا بشر مثلكم، والمعنى إنا لم نرسل الملائكة إلى الأولين إنما أرسلنا رجالًا يوحى إليهم مثلك {فأسألوا أهل الذكر} يعني أهل التوراة والإنجيل يريد علماء أهل الكتاب، فإنهم لا ينكرون أن الرسل كانوا بشرًّا وإن أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أمر الله المشركين بسؤال أهل الكتاب لأن المشركين أقرب إلى تصديقهم من تصديق من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وقيل أراد بالذكر القرآن يعني فاسئلوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن {إن كنتم لا تعلمون} قوله: {وما جعلناهم} أي الرسل {جسدًا لا يأكلون الطعام} هذا رد لقولهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام، والمعنى لم نجعلهم ملائكة بل جعلناهم بشرًّا يأكلون الطعام {وما كانوا خالدين} يعني في الدنيا بل يموتون كغيرهم {ثم صدقناهم الوعد} يعني الذي وعدناهم بإهلاك أعدائهم {فأنجيناهم ومن نشاء} يعني من المؤمنين الذي صدقوهم {وأهلَكِنا المسرفين} يعني المشركين لأن المشرك مسرف على نفسه.
قوله: {لقد أنزلنا إليكم} يعني يا معشر قريش {كتابًا فيه ذكركم} يعني شرفكم وفخركم وهو شرف لمن آمن به، وقيل معناه فيه حديثكم، وقيل فيه ذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم وقيل فيه تذكرة لكم لتحذروا فيكون الذكر بمعنى الوعد والوعيد {أفلا تعقلون} فيه بعث على التدبر لأن الخوف من لوازم العقل.
قوله تعالى: {وكم قصمنا} يعني أهلَكِنا {من قرية كانت ظالمة} يعني كافرة والمراد أهل القرية {وأنشأنا بعدها} أي أحدثنا بعد هلاك أهلها {قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا} أي عذابنا بحاسة البصر {إذا هم منها يركضون} يعني يسرعون هاربين من قريتهم لما رأوا مقدمة العذاب {لا تركضوا} يعني قيل لهم لا تهربوا {وارجعوا إلى ما أترفتم فيه} يني تنعمتم فيه من العيش {ومساكنكم لعلكم تسألون} قال ابن عباس عن قتل نبيكم، قيل نزلت هذه الآية في أهل حضرموت قرية باليمن، وكان أهلها عربًا فبعث الله إليهم نبيًّا يدعوهم إلى الله فكذبوه وقتلوه، فسلط الله عليهم بختنصر فقتلهم وسباهم، فلما استمر فيهم القتل هربوا فقالت الملائكة لهم استهزاء لا تركضوا، أي لا تهربوا وارجعوا إلى مساكنكم وأموالكم لعلكم تسألون شيئًا من دنياكم فتعطون من شئتم وتمنعون من شئتم، فإنكم أهل ثروة ونعمة فأتبعهم بختنصر وأخذتهم السيوف، ونادى مناد من جو السماء يا لثارات الأنبياء فلما رأوا ذلك، أقروا بالذنوب حين لم ينفعهم {قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين} يعني لأنفسنا حين كذبنا الرسل وذلك أنهم اعترفوا بالذنب حين عاينوا العذاب، وقالوا ذلك على سبيل الندامة ولم ينفعهم الندم {فما زالت تلك دعواهم} يعني تلك الكلمة هو قولهم يا ويلنا {حتى جعلناهم حصيدًا} يعني بالسيوف كما يحصد الزرع {خامدين} يعني ميتين.
قوله: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين} معناه ما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من العجائب للعب واللهو، سويناهما لفوائد منها التفكر في خلقهما وما فيهما من العجائب والمنافع التي لا تعد ولا تحصى {لو أردنا أن نتخذ لهوًا} قال ابن عباس: اللهو المرأة وعنه أنه الولد {لاتخذناه من لدنا} يعني من عندنا من الحور العين لا من عندكم من أهل الأرض، وقيل معناه لو كان ذلك جائزًا في حقنا لم نتخذه بحيث يظهر لكم بل نستر، ذلك حتى لا تتطلعوا عليه، وذلك أن النصارى لما قالوا، في المسيح وأمه ما قالوا رد الله عليهم بقوله لاتخذناه من لدنا لأنكم لا تعلمون أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده لا عند غيره {إن كنا فاعلين} يعني ما كنا فاعلين، وقيل ما كنا ممن يفعل ذلك لأنه لا يليق بالربوبية {بل} يعني دع ذلك الذي قالوا فإنه كذب وباطل {نقذف} يعني نرمي ونسلط {بالحق} يعني بالإيمان {على الباطل} يعني على الكفر، وقيل الحق قول الله أنه لا ولد له والباطل قولهم اتخذ الله ولدًا {فيدمغه} فيهلكه {فإذا هو زاهق} يعني ذاهب والمعنى أنا نبطل كذبهم بما نبين من الحق حتى يذهب ويضمحل، ثم أوعدهم على كذبهم فقال تعالى: {ولكم الويل} يا معشر الكفار {مما تصفون} الله بما لا يليق من الصحابة والولد {وله من في السموات والأرض} يعني عبيدًا وملكًا وهو الخالق لهم والمنعم عليهم بأصناف النعم {ومن عنده} يعني الملائكة وإنما خص الملائكة وإن كانوا داخلين في جملة من في السموات لكرامتهم ومزيد الاعتناء بهم {لا يستكبرون عن عبادته} يعني لا يتكبرون ولا يتعظمون عنها {ولا يستحسرون} يعني لا يعيون ولا يتبعون، وقيل لا ينقطعون عن العبادة ثم وصفهم الله تعالى {يسبحون الليل والنهار لا يفترون} يعني لا يضعفون ولا يسأمون، وذلك أن تسبيحهم متصل دائم لا يفتر في جميع أوقاتهم لا تتخلله فترة بفراغ أو شغل أخر قال كعب الأحبار التسبيح لهم كالنفس لبني آدم {آم اتخذوا آلهة من الأرض} يعني الأصنام من الحجارة والخشب وغيرهم من المعادن وهي من الأرض {هم ينشرون} يعني يحيون الأموات إذ لا يستحق الإلهية إلا من يقدر على الإحياء والإيجاد من العدم والإنعام بأبلغ وجوه النعم، وهو الله {لو كان فيهما} يعني في السماء والأرض {آلهة إلا الله} يعني غير الله {لفسدتا} يعني لخربتا وهلك من فيهما الوجود والتمانع من الآلهة لأن كل أمر صدر عن الاثنين فأكثر لم يجر على النظام وقال الإمام فخر الدين الرازي قال المتكلمون القول بوجود إلهين يفضي إلى المحال، فوجب أن يكون القول بوجود إلهين محالًا، وإنما قلنا إنه يفضي إلى المحال لأنا لو فرضنا وجود إلهين، فلابد وأن يكون كل واحد منهما قادرًا على كل المقدورات، ولو كان كذلك لكان كل واحد منهما قادرًا على تحريك زيد وتسكينه.
لو فرضنا أن أحدهما أراد تحريكه وأراد تسكينه، فإما أن يقع المرادان وهو محال لاستحالة الجمع بين الضدين أو لا يقع واحد منهما وهو محال لأن المانع من وجود مراد كل واحد منهما مراد الآخر فلا يمتنع مراد هذا إلا عند وجود مراد ذلك وبالعكس فلو امتنعن معًا وذلك محال أو يقع مراد أحدهما: دون الثاني وذلك أيضًا محال لوجهين أحدهما أنه لو كان كل واحد منهما قادرًا على ما لا نهاية له امتنع كون أحدهما أقدر من الآخر، بل لابد وأن يستويا في القدرة وإذا استويا في القدرة استحال أن يصير مراد أحدهما أولى بالوقوع من مراد الثاني وإلا لزم ترجيح الممكن من غير مرجح.
وثانيهما: أنه إذا وقع مراد أحدهما دون الآخر فالذي وقع مراده يكون قادرًا والذي لم يقع مراده يكون عاجزًا والعجز نقص، وهو على الإله محال.
ولو فرضنا إلهين، لكان كل واحد منهما قادرًا على جميع المقدورات فيفضي إلى وقوع مقدور من قادرين مستقلين من وجه واحد، وهو محال لأن إسناد الفعل إلى الفاعل إنما كان لإمكانه، فإذا كان كل واحد منهما مستقلًا بالإيجاد فالفعل لكونه من هذا يكون واجب الوقوع فيستحيل إسناده إلى هذا لكونه حاصلًا منهما جميعًا، فيلزم استغناؤه عنهما معًا واحتياجه إليهما معًا، وذلك محال وهذه حجة تامة في مسألة التوحيد فنقول القول بوجود إلهين يفضي إلى امتناع وقوع المقدور بواحد منهما، وإذا كان كذلك وجب أن لا يقع البتة وحينئذ يلزم وقوع الفساد قطعًا، أو نقول لو قدرنا إلهين فإما أن يتفقا أو يختلفا، فإن اتفقا على الشيء الواحد فذلك الواحد مقدور لهما ومراد لهما فيلزم وقوعه بهما، وهو محال وإن اختلفا فإما أن يقع المرادن أو لا يقع واحد منهما أو يقع أحدهما دون الثاني والكل محال فثبت أن الفساد لازم على كل التقديرات.
واعلم أنك إذا وقفت على حقيقة هذه الدلالة عرفت أن جميع ما في العالم العلوي والسفلي من المحدثات والمخلوقات فهو دليل على وحدانية الله تعالى.
وأما الدلائل السمعية على الوحدانية فكثيرة في القرآن، واعلم أن كل من طعن في دلالة التمانع ففسر الآية بأن المراد لو كان في السماء والأرض آلهة يقول بإلهيتها عبدة الأصنام، لزم فساد العالم لأنها جمادات لا تقدر على تدبير العالم فلزم إفساد العالم قالوا وهذا أولى لأنه تعالى حكى عنهم في قوله: {أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون} ثم ذكر الدلالة على فساد هذا فوجب أن يختص الدليل به وأما قوله: {فسبحان الله رب العرش عما يصفون} ففيه تنزيه الله سبحانه وتعالى عما يصفه به المشركون من الشريك والولد {لا يسأل عما يفعل} يعني لا يسأل عما يفعله ويقضيه في خلقه {وهم يسألون} يعني والناس عن أعمالهم، والمعنى أنه لا يسأل عما يحكم في عباده من إعزاز وإذلال وهدى وإضلال وإسعاد وإشقاء لأنه الرب مالك الأعيان والخلق يسألون سؤال توبيخ.
يقال لهم يوم القيامة لم فعلتم كذا لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم.
والله تعالى ليس فوقه أحد يقول له لشيء فعله لم فعلته.
قوله: {أم اتخذوا من دونه آلهة} لما أبطل الله تعالى أن تكون آلهة سواه، بقوله لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا أنكر عليهم اتخاذهم الآلهة فقال أم اتخذوا من دونه آلهة وهو استفهام إنكار وتوبيخ {قل هاتوا برهانكم} أي حجتكم على ذلك ثم قال مستأنفًا {هذا} يعني القرآن {ذكر من معي} يعني فيه خبر من معي على ديني ومن يتبعني إلى يوم القيامة بما لهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية {وذكر} يعني خبر {من قبلي} أي من الأمم السالفة وما فعل بهم في الدنيا وما يفعل بهم في الآخرة.
وقال ابن عباس ذكر من معي القرآن وذكر من قبلي التوراة والإنجيل، والمعنى راجعوا القرآن والتوراة والإنجيل وسائر الكتب، هل تجدون فيها أن الله اتخذ ولدًا أو كان معه آلهة {بل آكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون} قوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} أي فوحدوني، وقيل لما توجهت الحجة عليهم، ذمهم على جهلهم بمواضع الحق، فقال بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون، أي عن التأمل والتفكر وما يجب عليهم من الإيمان بأنه لا إله إلا هو.
قوله تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا} نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله {سبحانه} نزه نفسه عما قالوا.
{بل عباد} أي هم عباد يعني الملائكة {مكرمون} أي أكرمهم الله واصطفاهم {لا يسبقونه} أي لا يتقدمونه {بالقول} أي يتكلمون إلا بما يأمرهم به {وهم بأمره يعملون} المعنى أنهم لا يخالفونه قولًا ولا عملًا {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} أي ما عملوا وما هم عاملون وقيل ما كان قبل خلقهم وما يكون بعد خلقهم {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} قال ابن عباس إلا لمن قال لا إله إلا الله وقيل إلا لمن رضى الله تعالى عنه {وهم من خشيته مشفقون} أي خائفون وجلون لا يأمنون مكره. اهـ.