فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولا تحسبنّ الإسلام يجعل الخير والشر محصورين في دائرة الإنسان الذاتية، وفى الجانب الحسّىّ من هذه الدائرة.. أي جانب اللذة والألم..
وكلّا.. فهذا جانب وإن لم ينكره الإسلام في تقويم الخير والشر، لأنه قائم في الحياة، لا يستطيع الناس الانفصال عنه، إلا أن الإسلام- فوق هذا- يعلو بهذا الإحساس، فيرتفع، عن الجانب المادّى إلى الجانب الروحي، ومن جانب الذاتية الفردية في الإنسان، إلى جانب المجتمع الإنسانى من أضيق حدوده إلى آخرها، امتدادا واتساعا.. ومن أجل هذا كانت دعوة الإسلام إلى التخفيف من متاع الدنيا، كما كانت دعوته إلى البذل، والإيثار، والتضحية، ثم كان وعده بالثواب والعقاب، والجنة والنار في الآخرة.
وثانيا: كشف الإسلام للناس عن كثير من وجوه الخير والشرّ، إذ نصّ على كثير من الأمور اعتبرها خيرا، ودعا الناس إليها، وأمرهم بها، ووعدهم الجزاء الحسن عليها.. كالصدق، والصبر، وبرّ الوالدين، والإحسان إلى الناس، بالقول والعمل، والوفاء بالعهد وأداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بالعدل.. وكثير غير هذا، مما ثبت عند الناس خيره، ووجدوا آثاره الطيبة في حياتهم الخاصة والعامة على السّواء.
وكما كشف الإسلام عن كثير من وجوه الخير، كشف كذلك عن كثير من وجوه الشرّ، كالقتل، والسرقة، والخمر، والميسر، والزنا، والربا، والكذب، وشهادة الزور، والغيبة، والنميمة، والنفاق، والغش، والظلم والبغي، والعدوان، وكثير غير هذا، مما جاء به القرآن، وبيّنته السنّة المطهرة..
ولا شك أن الإسلام إذ يكشف عن وجوه الخير والشر، فإنما ليؤكد ما استقرّ في ضمير الناس، وما وقع لعقولهم وقلوبهم من هذه الوجوه كلها، وبهذا تلتقى في قلب المسلم كلمة السماء، مع منطق العقل، وواقع الحياة.. فيقبل على الخير، ويعيش معه، وينأى عن الشرّ، ويحاذر الاتصال به! وإنه لا حجة لذى عقل على أن اللّه سبحانه هو الذي أوجد الشرّ، كما أوجد الإنسان الذي يتعامل معه، وإذن فلا يحاسب على لقاء شيء كتب عليه أن يلقاه- لا حجة لذى عقل على هذا، فإنه كما أوجد اللّه الشرّ، أوجد الخير، ثم دعا إلى الخير، وحذّر من الشرّ، وجعل للإنسان عقلا ينصرف به إلى الخير والشرّ. ثم جعل للخير أثرا طيبا في عاجل الإنسان وآجله، وجعل للشر أثرا سيئا في عاجله وآجله.. فإذا انصرف الإنسان عما ينفعه إلى ما يضرّه، وآثر ما يسوؤه على ما يسرّه، فهو الذي جلب على نفسه ما جلب من مكروه، لأنه هو الذي آثره، ورضى به! إن الحياة بخيرها وشرها، أشبه بمائدة ممدودة، عليها ألوان من الأطعمة، بعضها طيب، يفيد الجسم وينمّيه، وبعضها خبيث يعطب الجسم ويفسده. وعلى كل لون من ألوان الطعام لافتة تحدد صفته، وتكشف عن حقيقته، وأثره فيمن يتناوله.. وليس هذا فحسب، بل إنه يقوم على هذه المائدة ناصح أمين، يدعو إلى الأكل من الطيب، ويحذر من مدّ الأيدى إلى الخبيث: {يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَا فِي الأرض حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [168: البقرة] على أنه ليس لهذا الناصح أن يمسك بأيدى الآكلين على هذا الطعام أو ذاك: {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [14: القيامة].. {قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها} [104: الأنعام]..
إن الإسلام ليحترم الإنسان، ويرفع قدره، ويعلى منزلته، ويخرج به عن دائرة الطفولة إلى مجال الرشد، وحمل المسئولية.. وقد أمدّه الإسلام بأمداد الرعاية والهداية، بما بعث من رسول كريم، يحمل بين يديه آيات اللّه وكلماته وضيئة مشرقة، تجلو غياهب الرّيب، وتكشف وجوه المنكر، فالحلال بيّن والحرام بيّن.. وما على الإنسان إلا أن يجمع رأيه، ويحزم أمره على اختيار الطريق السوىّ.. طريق الخير، والحق، والإحسان.. واجتناب الطرق المليئة بالمعاثر والمهالك.. طرق الشر، والبغي، والعدوان..
أما التحكك بالمماحكات والسفسطات، فجدل عقيم لا يلد إلّا البوار والهلاك.. والعاقل من دان نفسه قبل أن يدان، وتوقّى الشرّ قبل أن يقع فيه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَحْفُوظًا}.
لما ذكر الاعتبار بخلق الأرض وما فيها ناسب بحكم الطباق ذكر خلق السماء عقبه، إلا أن حالة خلق الأرض فيها منافع للناس.
فعقب ذكرها بالامتنان بقوله تعالى: {أن تميد بهم} [الأنبياء: 31] وبقوله تعالى: {لعلهم يهتدون} [الأنبياء: 31].
وأمّا حال خلق السماء فلا تظهر فيه منفعة فلم يذكر بعده امتنان، ولَكِنه ذكر إعراضهم عن التدبر في آيات خلق السماء الدالة على الحكمة البالغة فعقب بقوله تعالى: {وهم عن آياتها معرضون}.
فأُدمج في خلال ذلك منة وهي حفظ السماء من أن تقع بعض الأجرام الكائنة فيها أو بعض أجزائها على الأرض فتهلك الناس أو تفسد الأرض فتعطل منافعها، فذلك إدماج للمنة في خلال الغرض المقصود الذي لا مندوحة عن العبرة به.
والسقف، حقيقته: غطاء فضاء البيت الموضوع على جدرانه، ولا يقال السقف على غطاء الخباء والخيمة.
وأطلق السقف على السماء على طريقة التشبيه البليغ، أي جعلناها كالسقف لأن السماء ليست موضوعة على عمد من الأرض، قال تعالى: {الله الذي رفع السموات} بغير عمد ترونها وقد تقدم في أول سورة الرعد (2).
وجملة {وهم عن آياتها معرضون} في موضع الحال.
وآيات السماء ما تشتمل عليه السماء من الشمس والقمر والكواكب والشهب وسيرها وشروقها وغروبها وظهورها وغيبتها، وابتناء ذلك على حساب قويم وترتيب عجيب، وكلها دلائل على الحكمة البالغة فلذلك سماها آيات.
وكذلك ما يبدو لنا من جهة السماء مثل السحاب والبرق والرعد.
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}.
لما كانت في إيجاد هذه الأشياء المعدودة هنا منافع للناس سيقت في معرض المنة بصوغها في صيغة الجملة الاسمية المعرّفة الجزأيْن لإفادة القصر، وهو قصر إفراد إضافي بتنزيل المخاطبين من المشركين منزلة من يعتقد أن أصنامهم مشاركة لله في خلق تلك الأشياء، لأنهم لما عبدوا الأصنام، والعبادة شكر، لزمهم أنهم يشكرونها وقد جعلوها شركاء لله فلزمهم أنهم يزعمون أنها شريكة لله في خلق ما خلق لينتقل من ذلك إلى إبطال إشراكهم إياها في الإلهية.
ولكون المنة والعبرة في إيجاد نفس الليل والنهار، ونفس الشمس والقمر، لا في إيجادها على حالة خاصة، جيء هنا بفعل الخلق لا بفعل الجعل.
وخلق الليل هو جزئي من جزئيات خلق الظلمة التي أوجد الله الكائنات فيها قبل خلق الأجسام التي تُفيض النور على الموجودات، فإن الظلمة عدم والنور وجودي وهو ضد الظلمة، والعدم سابق للوجود فالحالة السابقة لوجود الأجرام النيرة هي الظلمة، والليل ظلمة ترجع لجرم الأرض عند انصراف الأشعة عن الأرض.
وأما خلق النهار فهو بخلق الشمس ومن توجُّه أشعتها إلى النصف المقابل للأشعة من الكرة الأرضية، فخلْق النهار تبع لخلق الشمس وخلققِ الأرض ومقابلةِ الأرض لأشعة الشمس، ولذلك كان لذكر خلق الشمس عقب ذكر خلق النهار مناسبة قوية للتنبيه على منشأ خلق النهار كما هو معلوم. وأما ذكر خلق القمر فلمناسبة خلق الشمس، وللتذكير بمنة إيجاد ما ينير على الناس بعض النور في بعض أوقات الظلمة. وكل ذلك من المنن.
{كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} مستأنفة استئنافًا بيانيًا لأنه لما ذكر الأشياء المتضادة بالحقائق أو بالأوقات ذكرًا مجملًا في بعضها الذي هو آيات السماء، ومفصلًا في بعض آخر وهو الشمس والقمر، كان المقامُ مثيرًا في نفوس السامعين سؤالًا عن كيفية سيرها وكيف لا يقع لها اصطدام أو يقع منها تخلف عن الظهور في وقته المعلوم، فأجيب بأن كل المذكورات له فضاء يسير فيه لا يلاقي فضاء سير غيره.
وضمير {يسبحون} عائد إلى عموم آيات السماء وخصوص الشمس والقمر.
وأجري عليها ضمير جماعة الذكور باعتبار تذكير أسماء بعضها مثل القَمر والكوكب.
وقال في الكشاف: إنه روعي فيه وصفُها بالسباحة التي هي من أفعال العقلاء فأجري عليها أيضًا ضمير العقلاء، يعني فيكون ذلك ترشيحًا للاستعارة.
وقوله تعالى: {في فلك} ظرف مستقر خبر عن {كلّ}، و{كل} مبتدأ وتنوينه عوض عن المضاف إليه، أي كل تلك، فهو معرِفة تقديرًا.
وهو المقصود من الاستئناف بأن يفاد أن كلًا من المذكورات مستقر في فلَك لا يصادم فلَك غيره، وقد علم من لفظ كل ومن ظرفية في أن لفظ {فلك} عام، أي لكل منها فلكُه فهي أفلاك كثيرة.
وجملة {يسْبحون} في موضع الحال.
والسبح: مستعار للسير في متسع لا طرائق فيه متلاقية كطرائق الأرض، وهو تقريب لسير الكواكب في الفضاء العظيم.
والفلك فسره أهل اللغة بأنه مدار النجوم، وكذلك فسره المفسرون لهذه الآية ولم يذكروا أنه مستعمل في هذا المعنى في كلام العرب.
ويغلِب على ظني أنه من مصطلحات القرآن ومنه أخذه علماء الإسلام وهو أحسن ما يعبر عنه عن الدوائر المفروضة التي يضبط بها سير كوكب من الكواكب وخاصة سير الشمس وسير القمر.
والأظهر أن القرآن نقله من فلك البحر وهو الموج المستدير بتنزيل اسم الجمع منزلة المفرد.
والأصل الأصيل في ذلك كله فَلْكة المَغْزِل بفتح الفاء وسكون اللام وهي خشبة مستديرة في أعلاها مِسمار مثني يدخل فيه الغزل ويدار لينفتل الغَزْل.
ومن بدائع الإعجاز في هذه الآية أن قوله تعالى: {كل في فلك} فيه محسّن بديعي فإن حروفه تُقرأ من آخرها على الترتيب كما تُقرأ من أولها مع خفة التركيب ووفرة الفائدة وجريانه مجرى المثل من غير تنافر ولا غرابة، ومثله قوله تعالى: {ربك فكبِّر} [المدّثر: 3] بطرح واو العطف، وكلتا الآيتين بني على سبعة أحرف، وهذا النوع سمّاه السكاكي المقلوبَ المستوي وجعله من أصناف نوع سمّاه القَلب.
وخص هذا الصنف بما يتأتى القلب في حروف كلماته.
وسمّاه الحريري في المقامات ما لا يستحيل بالانعكاس وبنَى عليه المقامة السادسة عشَرة ووضح أمثلة نثرًا ونظمًا، وفي معظم ما وضعه من الأمثلة تكلف وتنافر وغرابة، وكذلك ما وضعه غيره على تفاوتها في ذلك والشواهد مذكورة في كتب البديع فعليك بتتبعها، وكلما زادت طولًا زادت ثقلًا.
قال العلامة الشيرازي في شرح المفتاح: وهو نوع صعب المسلك قليل الاستعمال.
قلت: ولم يذكروا منه شيئًا وقع في كلام العرب فهو من مبتكرات القرآن.
ذكر أهل الأدب أن القاضي الفاضل البيساني زارَ العمادَ الكاتب فلما ركب لينصرف من عنده قال له العماد: سِرْ فلا كبَا بك الفرس ففطن القاضي أن فيه محسن القلب فأجابه على البديهة: دَام عُلا العماد وفيه محسن القلب.
{وما جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ}.
عُنيت الآيات من أول السورة باستقصاء مطاعن المشركين في القرآن ومن جاء به بقولهم {أفتأتون السحر وأنتم تُبصرون} [الأنبياء: 3]، وقولهم: {أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر} [الأنبياء: 5] وكان من جملة أمانيهم لما أعياهم اختلاق المطاعن أن كانوا يتمنون موت محمد صلى الله عليه وسلم أو يرجونه أو يُدبرونه قال تعالى: {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون} في سورة الطور (30)، وقال تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك في} [الأنفال: 30].
وقد دلّ على أن هؤلاء هم المقصود من الآية قوله تعالى: {أفإن مت فهم الخالدون} فلما كان تمنيهم موته وتربصهم به ريبَ المنون يقتضي أن الذين تمنوا ذلك وتربصوا به كأنهم واثقون بأنهم يموتون بعده فتتمّ شماتتهم، أو كأنهم لا يموتون أبدًا فلا يشمت بهم أحد، وجه إليهم استفهام الإنكار على طريقة التعريض بتنزيلهم منزلة من يزعم أنهم خالدون.
وفي الآية إيماء إلى أن الذين لم يقدر الله لهم الإسلام ممن قالوا ذلك القول سيموتون قبل موت النبي عليه الصلاة والسلام فلا يشمتون به فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أهلك الله رؤوس الذين عاندوه وهدى بقيتهم إلى الإسلام.
ففي قوله تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} طريقةُ القول بالموجَب، أي أنك تموت كما قالوا ولَكِنهم لا يرون ذلك وهم بحال من يزعمون أنهم مخلدون فأيقنوا بأنهم يتربصون بك ريب المنون من فرط غرورهم، فالتفريع كان على ما في الجملة الأولى من القول بالموجَب، أي ما هم بخالدين حتى يُوقنوا أنهم يرون موتك.
وفي الإنكار الذي هو في معنى النفي إنذارٌ لهم بأنهم لا يرى موتَه منهم أحد.
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}.
جمل معترضات بين الجملتين المتعاطفتين.
ومضمون الجملة الأولى مؤكد لمضمون الجملة المعطوف عليها، وهي {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} [الأنبياء: 34].
ووجه إعادتها اختلاف القصد فإن الأولى للرد على المشركين وهذه لتعليم المؤمنين.
واستعير الذوق لمطلق الإحساس الباطني لأن الذوق إحساس باللسان يقارنه ازدراد إلى بالباطن.
وذوقُ الموت ذوق آلاممِ مقدماته وأما بعد حصوله فلا إحساس للجسد.
والمراد بالنفس النفوس الحالّة في الأجساد كالإنسان والحيوان.
ولا يدخل فيه الملائكة لأن إطلاق النفوس عليهم غير متعارف في العربية بل هو اصطلاح الحكماء وهو لا يطلق عندهم إلا مقيّدًا بوصف المجرداتتِ، أي التي لا تحل في الأجساد ولا تلابس المادة.
وأما إطلاق النفس على الله تعالى فمشاكلة: إما لفظية كما في قوله تعالى: {تَعْلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} في سورة المائدة (116).
وإما تقديرية كما في قوله تعالى: {ويحذركم الله نفسه} في آل عمران (28).
وجملة {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} عطف على الجملة المعترضة بمناسبة أن ذوق الموت يقتضي سبق الحياة، والحياة مدة يعتري فيها الخير والشرّ جميع الأحياء، فعلّم الله تعالى المسلمين أن الموت مكتوب على كل نفس حتى لا يحسبوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم مخلد.
وقد عرض لبعض المسلمين عارض من ذلك، ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد قال يوم انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى: «ليرجعَنّ رسولُ الله فيُقطِّع أيدي قوم وأرجلَهم» حتى حضر أبو بكر رضي الله عنه وثبته الله في ذلك الهول فكشف عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقبّله وقال: «طبت حيًا وميتًا والله لا يجمع الله عليك موتتين».
وقد قال عبد بني الحسحاس وأجاد:
رأيت المنايا لمَ يدَعْنَ مُحمدًا ** ولا باقيًا إلاّ لَه الموتُ مرصدا

وأعقب الله ذلك بتعليمهم أن الحياة مشتملة على خير وشرّ وأن الدنيا دار ابتلاء.
والبلوى: الاختبار. وتقدم غير مرة. وإطلاق البلوى على ما يبدو من الناس من تجلد ووهن وشكر وكفر، على ما ينالهم من اللذات والآلام مما بنى الله تعالى عليه نظام الحياة، إطلاقٌ مجازي، لأن ابتناء النظام عليه دَل على اختلاف أحوال الناس في تصرفهم فيه وتلقيهم إياه.
أشبَه اختبارَ المختبِر ليعلم أحوال من يختبرهم.
و{فتنةً} منصوب على المفعولية المطلقة توكيدًا لفعل {نبْلوكم} لأن الفتنة ترادف البَلْوَى.
وجملة {وإلينا تُرجعون} إثبات للبعث، فجمعت الآية الموت والحياة والنشر.
وتقديم المجرور للرعاية على الفاصلة وإفادة تقوي الخبر.
وأمّا احتمال القصر فلا يقوم هنا إذ ليس ذلك باعتقاد للمخاطبين كيفما افترضتَهم. اهـ.