فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَدًا}.
هؤلاء القائلون هم خزاعة، فإنهم قالوا: الملائكة بنات الله، وقيل: هم اليهود، ويصح حمل الآية على كل من جعل لله ولدا. وقد قالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، وقالت طائفة من العرب: الملائكة بنات الله ثم نزه عزّ وجلّ نفسه.
فقال: {سبحانه} أي تنزيهًا له عن ذلك، وهو مقول على ألسنة العباد.
ثم أضرب عن قولهم وأبطله فقال: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} أي ليسوا كما قالوا، بل هم عباد لله سبحانه مكرمون بكرامته لهم، مقرّبون عنده.
وقرئ: {مكرمون} بالتشديد، وأجاز الزجاج والفراء نصب عباد على معنى: بل اتخذ عبادًا، ثم وصفهم بصفة أخرى فقال: {لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول} أي لا يقولون شيئًا حتى يقوله أو يأمرهم به.
كذا قال ابن قتيبة وغيره، وفي هذا دليل على كمال طاعتهم وانقيادهم.
وقرئ: {لا يسبقونه} بضم الباء من سبقته أسبقه {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} أي هم العاملون بما يأمرهم الله به، التابعون له المطيعون لربهم.
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ} هذه الجملة تعليل لما قبلها، أي يعلم ما عملوا وما هم عاملون، أو يعلم ما بين أيديهم وهو الآخرة، وما خلفهم وهو الدنيا، ووجه التعليل أنهم إذا علموا بأنه عالم بما قدّموا وأخروا، لم يعملوا عملًا ولم يقولوا قولًا إلا بأمره {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} أي: يشفع الشافعون له، وهو من رضي عنه، وقيل: هم أهل لا إله إلا الله، وقد ثبت في الصحيح أن الملائكة يشفعون في الدار الآخرة {وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} أي من خشيتهم منه فالمصدر مضاف إلى المفعول، والخشية: الخوف مع التعظيم، والإشفاق: الخوف مع التوقع والحذر، أي لا يأمنون مكر الله.
{وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّي إله مّن دُونِهِ} أي من يقل من الملائكة إني إله من دون الله.
قال المفسرون: عني بهذا إبليس؛ لأنه لم يقل أحد من الملائكة إني إله إلا إبليس؛ وقيل: الإشارة إلى جميع الملائكة {فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} أي فذلك القائل على سبيل الفرض، والتقدير: نجزيه جهنم بسبب هذا القول الذي قاله، كما نجزي غيره من المجرمين {كذلك نَجْزِي الظالمين} أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي الظالمين، أو مثل ما جعلنا جزاء هذا القائل جهنم، فكذلك نجزي الظالمين الواضعين الألوهية والعبادة في غير موضعها، والمراد بالظالمين: المشركون.
{أَوَ لَمْ يَرَ الذين كَفَرُواْ} الهمزة للإنكار، والواو للعطف على مقدّر، والرؤية هي القلبية، أي ألم يتفكروا أو لم يعلموا {أن السموات والأرض كَانَتَا رَتْقًا} قال الأخفش: إنما قال: {كانتا}، لأنهما صنفان أي جماعتا السموات والأرضين كما قال سبحانه: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السموات والأرض أَن تَزُولاَ} [فاطر: 41] وقال الزجاج: إنما قال: {كانتا} لأنه يعبر عن السموات بلفظ الواحد، لأن السموات كانت سماء واحدة، وكذلك الأرضون.
والرتق.
السد ضدّ الفتق، يقال: رتقت الفتق أرتقه فارتتق، أي التأم، ومنه الرتقاء للمنضمة الفرج، يعني: أنهما كانتا شيئًا واحدًا ملتزقتين ففصل الله بينهما، وقال: {رتقًا} ولم يقل رتقين لأنه مصدر، والتقدير: كانتا ذواتي رتق، ومعنى {ففتقناهما} ففصلناهما، أي فصلنا بعضهما من بعض، فرفعنا السماء، وأبقينا الأرض مكانها {وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حَيّ} أي أحيينا بالماء الذي ننزله من السماء كل شيء، فيشمل الحيوان والنبات، والمعنى: أن الماء سبب حياة كل شيء.
وقيل: المراد بالماء هنا: النطفة، وبه قال أكثر المفسرين، وهذا احتجاج على المشركين بقدرة الله سبحانه وبديع صنعه، وقد تقدم تفسير هذه الآية، والهمزة في {أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ} للإنكار عليهم، حيث لم يؤمنوا مع وجود ما يقتضيه من الآيات الربانية.
{وَجَعَلْنَا فِي الأرض رَوَاسِيَ} أي جبالًا ثوابت {أَن تَمِيدَ بِهِمْ} الميد التحرّك والدوران، أي لئلا تتحرك وتدور بهم، أو كراهة ذلك، وقد تقدم تفسير ذلك في النحل مستوفى {وَجَعَلْنَا فِيهَا} أي في الرواسي، أو في الأرض {فِجَاجًا} قال أبو عبيدة: هي المسالك.
وقال الزجاج: كل مخترق بين جبلين فهو فج و{سُبُلًا} تفسير للفجاج، لأن الفج قد لا يكون طريقًا نافذًا مسلوكًا {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} إلى مصالح معاشهم، وما تدعو إليه حاجاتهم {وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَّحْفُوظًا} عن أن يقع ويسقط على الأرض كقوله: {وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض} [الحج: 65].
وقال الفراء: محفوظًا بالنجوم من الشيطان كقوله: {وحفظناها مِن كُلّ شيطان رَّجِيمٍ} [الحجر: 17].
وقيل: محفوظًا: لا يحتاج إلى عماد، وقيل: المراد بالمحفوظ هنا: المرفوع.
وقيل: محفوظًا عن الشرك والمعاصي.
وقيل: محفوظًا عن الهدم والنقض {وَهُمْ عَنْ ءاياتها مُعْرِضُونَ} أضاف الآيات إلى السماء، لأنها مجعولة فيها، وذلك كالشمس والقمر ونحوهما، ومعنى الإعراض: أنهم لا يتدبرون فيها، ولا يتفكرون فيما توجبه من الإيمان.
{وَهُوَ الذي خَلَقَ اليل والنهار والشمس والقمر} هذا تذكير لهم بنعمة أخرى مما أنعم به عليهم، وذلك بأنه خلق لهم الليل ليسكنوا فيه، والنهار ليتصرفوا فيه في معايشهم، وخلق الشمس والقمر أي جعل الشمس آية النهار، والقمر آية الليل، ليعلموا عدد الشهور والحساب كما تقدّم بيانه في سبحان {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} أي كل واحد من الشمس والقمر والنجوم في فلك يسبحون، أي يجرون في وسط الفلك، ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء، والجمع في الفعل باعتبار المطالع، قال سيبويه: إنه لما أخبر عنهنّ بفعل من يعقل، وجعلهنّ في الطاعة بمنزلة من يعقل، جعل الضمير عنهنّ ضمير العقلاء، ولم يقل يسبحن أو تسبح، وكذا قال الفراء.
وقال الكسائي: إنما قال: {يسبحون} لأنه رأس آية.
والفلك واحد أفلاك النجوم.
وأصل الكلمة من الدوران، ومنه فلكة المغزل لاستدارتها.
{وما جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ الخلد} أي دوام البقاء في الدنيا {أَفَإِيْن مّتَّ} بأجلك المحتوم {فَهُمُ الخالدون} أي أفهم الخالدون؟ قال الفراء: جاء بالفاء لتدل على الشرط لأنه جواب قولهم سيموت.
قال: ويجوز حذف الفاء وإضمارها، والمعنى: إن متّ فهم يموتون أيضًا، فلا شماتة في الموت.
وقرئ: {مت} بكسر الميم وضمها لغتان: وكان سبب نزول هذه الآية قول المشركين فيما حكاه الله عنهم: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} [الطور: 30].
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} أي ذائقة مفارقة جسدها، فلا يبقى أحد من ذوات الأنفس المخلوقة كائنًا ما كان.
{وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} أي نختبركم بالشدّة والرخاء، لننظر كيف شكركم وصبركم.
والمراد: أنه سبحانه يعاملهم معاملة من يبلوهم، و{فتنة} مصدر {لنبلوكم} من غير لفظه {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} لا إلى غيرنا فنجازيكم بأعمالكم إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرّ.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال: قالت اليهود: إن الله عزّ وجلّ صاهر الجنّ فكانت بنيهم الملائكة، فقال الله تكذيبًا لهم {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} أي الملائكة ليس كما قالوا، بل عباد أكرمهم بعبادته.
{لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول} يثني عليهم {وَلاَ يَشْفَعُونَ} قال: لا تشفع الملائكة يوم القيامة {إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} قال: لأهل التوحيد وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} قال: لأهل التوحيد لمن رضي عنه.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال: قول لا إله إلا الله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في الآية قال: الذين ارتضاهم لشهادة أن لا إله إلا الله.
وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن جابر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} قال: «إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» وأخرج الفريابي وعبد بن حميد، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {كَانَتَا رَتْقًا ففتقناهما} قال: فتقت السماء بالغيث، وفتقت الأرض بالنبات.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه {كَانَتَا رَتْقًا} قال: لا يخرج منهما شيء، وذكر مثل ما تقدم.
وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية عنه أيضًا من طريق أخرى.
وأخرج ابن جرير عنه {كَانَتَا رَتْقًا} قال: ملتصقتين.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية في قوله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حَيّ} قال: نطفة الرجل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا} قال: بين الجبال.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ} قال: دوران {يَسْبَحُونَ} قال: يجرون.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عنه: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ} قال: فلك كفلكة المغزل {يَسْبَحُونَ} قال: يدورون في أبواب السماء، كما تدور الفلكة في المغزل.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضًا قال: هو فلك السماء.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قال: دخل أبو بكر على النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد مات فقبّله وقال: وانبياه واخليلاه واصفياه ثم تلا: {وما جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ الخلد} الآية، وقوله: {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ} [الزمر: 30].
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} قال: نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة. اهـ.

.قال سيد قطب في الآيات السابقة:

{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)}.
مطلع قوي يهز الغافلين هزًا. والحساب يقترب وهم في غفلة. والآيات تعرض وهم معرضون عن الهدى. والموقف جد وهم لا يشعرون بالموقف وخطورته. وكلما جاءهم من القرآن جديد قابلوه باللهو والاستهتار، واستمعوه وهم هازلون يلعبون.. {لاهية قلوبهم}.. والقلوب هي موضع التأمل والتدبر والتفكير.
إنها صورة للنفوس الفارغة التي لا تعرف الجد، فتلهو في أخطر المواقف، وتهزل في مواطن الجد؛ وتستهتر في مواقف القداسة. فالذكر الذي يأتيهم يأتيهم {من ربهم} فيستقبلونه لاعبين، بلا وقار ولا تقديس. والنفس التي تفرغ من الجد والاحتفال والقداسة تنتهي إلى حالة من التفاهة والجدب والانحلال؛ فلا تصلح للنهوض بعبء، ولا الاضطلاع بواجب، ولا القيام بتكليف. وتغدو الحياة فيها عاطلة هينة رخيصة!
إن روح الاستهتار التي تلهو بالمقدسات روح مريضة. والاستهتار غير الاحتمال. فالاحتمال قوة جادة شاعرة. والاستهتار فقدان للشعور واسترخاء.
وهؤلاء الذين يصفهم القرآن الكريم كانوا يواجهون ما ينزل من القرآن ليكون دستورًا للحياة، ومنهاجًا للعمل، وقانونًا للتعامل.. باللعب. ويواجهون اقتراب الحساب بالغفلة. وأمثال هؤلاء موجودون في كل زمان. فحيثما خلت الروح من الجد والاحتفال والقداسة صارت إلى هذه الصورة المريضة الشائهة التي يرسمها القرآن. والتي تحيل الحياة كلها إلى هزل فارغ، لا هدف له ولا قوام!
ذلك بينما كان المؤمنون يتلقون هذه السورة بالاهتمام الذي يذهل القلوب عن الدنيا وما فيها:
جاء في ترجمة الآمدي لعامر بن ربيعة أنه كان قد نزل به رجل من العرب فأكرم مثواه.. ثم جاءه هذا الرجل وقد أصاب ارضًا فقال له: إني استقطعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم واديًا في العرب. وقد اردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك. فقال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك. نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا: {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون}..
وهذا هو فرق ما بين القلوب الحية المتلقية المتأثرة، والقلوب الميتة المغلقة الخامدة. التي تكفن ميتتها باللهو؛ وتواري خمودها بالاستهتار؛ ولا تتأثر بالذكر لأنها خاوية من مقومات الحياة.
{وأسروا النجوى الذين ظلموا}.. وقد كانوا يتناجون فيما بينهم ويتآمرون خفية، يقولون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون}.
فهم على موت قلوبهم وفراغها من الحياة لم يكونوا يملكون أنفسهم من ان تتزلزل بهذا القرآن؛ فكانوا يلجأون في مقاومة تأثيره الطاغي إلى التعلات، يقولون: إن محمدًا بشر. فكيف تؤمنون لبشر مثلكم؟ وإن ما جاء به السحر. فيف تجيئون للسحر وتنقادون له وفيكم عيون وأنتم تبصرون؟!
عند ذلك وكل الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم وأمره إلى ربه، وقد أخبره الله بنجواهم التي أداروها بينهم خفية؛ وأطلعه على كيدهم الذي يتقون به القرآن وأثره!
{قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم}.
فما من نجوى في مكان على الأرض إلا وهو مطلع عليها وهو الذي يعلم القول في السماء والأرض.. وما من مؤامرة يحدثونها إلا وهو كاشفها ومطلع رسوله عليها وهو السميع العليم.
ولقد حاروا كيف يصفون هذا القرآن وكيف يتقونه. فقالوا: إنه سحر. وقالوا: إنه أحلام مختلطة يراها محمد ويرويها. وقالوا: إنه شعر. وقالوا: إنه افتراه وزعم انه وحي من عند الله:
{بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر}.. ولم يثبتوا على صفة له، ولا على رأي يرونه فيه، لأنهم إنما يتمحلون ويحاولون أن يعللوا أثره المزلزل في نفوسهم بشتى التعلات فلا يستطيعون؛ فينتقلون من ادعاء إلى ادعاء، ومن تعليل إلى تعليل، حائرين غير مستقرين.. ثم يخلصون من الحرج بأن يطلبوا بدل القرآن خارقة من الخوارق التي جاء بها الأولون: {فليأتنا بآية كما أرسل الأولون}..
ولقد جاءت الخوارق من قبل، فلم يؤمن بها من جاءتهم، فحل بهم الهلاك، وفقًا لسنة الله التي لا تتخلف في إهلاك من يكذبون بالخوارق: {ما آمنت قبلهم من قرية أهلَكِناها}.
ذلك أن من يبلغ به العناد ألا يؤمن بالخارقة المادية المحسوسة، لا يبقى له عذر، ولا يرجى له صلاح. فيحق عليه الهلاك.
ولقد تكررت الآيات، وتكرر التكذيب بها، وتكرر كذلك إهلاك المكذبين.. فما بال هؤلاء سيؤمنون بالخارقة لو جاءتهم؛ وهم ليسوا سوى بشر كهؤلاء الهالكين!
{أفهم يؤمنون}..