فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)}.
في ظاهر الكون السماء منيرة، والأرض مسكونة.. كذلك للنفوس أراضٍ هي مساكن الطاعات، وفي سماء القلوب نجومُ العقل وأقمارُ العلم وشموسُ التوحيد والعرفان. وكما جُعِلَتْ النجومُ رجوما للشياطين جَعَلَ من المعارفِ رجوما للشياطين وكما أن الناس عن آياتها معرضون لا يتفكرون فالعوام عن آياتِ القلوب مما فيها من الأنوار غافلون، لا يكاد يعرفها إلا الخواص.
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)}.
كما أن الحق- سبحانه- في الظاهر يكوِّر الليل على النهار، ويكون النهار على الليل فكذلك يُدْخِلُ في نهارِ البسط ليلَ القبض.. والبسط في الزيادة والنقصان،. فكما أنَّ الشمس أبدًا في برجها لا تزيد ولا تنقص، والقمرَ مرةً في المحاق، ومرةً في الإشراق.. فصاحبُ التوحيدِ بنعت التمكين- يرتقي عن حَدِّ تأمُّلِ البرهان إلى رَوْحِ البيان، ثم هو متحققٌ بما هو كالعيان. وصاحبُ العِلْم مرةً يُرَدُّ إلى تجديد نَظَرِه وتَذَكُّرِه، ومرةً يغشاه غَيْرٌ في حال غفلته فهو صاحب تلوين.
{وما جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)}.
إنك في هذه الدنيا عابرُ سبيلٍ، لَكِننا لم نتركك فردًا في الدنيا، ولذلك قال عليه السلام لصاحبه في الغار: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما!».
قوله جلّ ذكره: {كٌلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً}.
الموتُ به آفةُ قومٍ، وفيه راحة قوم؛ لقوم انتهاءُ مدة الاشتياق، والآخرين افتتاح باب الفراق، لقوم وقوع فتنتهم ولآخرين خلاصٌ من محنتهم، لقوم بلاء وقيامة ولآخرين شفاء وسلامة. اهـ.
من الإعجاز العلمي في القرآن للدكتور زغلول النجار:
بحث بعنوان: من أسرار القرآن:

.الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية: {وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون}.

بقلم الدكتور: زغلول النجار.
هذه الآية الكريمة جاءت في نهاية الثلث الأول من سورة الأنبياء، وهي سورة مكية، يدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة- شأنها في ذلك شأن كل السور المكية- وسميت باسم الأنبياء لورود ذكر عدد كبير من أنبياء الله فيها، وقصصهم مع أممهم، والمعجزات التي أجراها الله-تعالى- على أيدي كل منهم، وهم حسب تسلسل ورود أسمائهم في السورة الكريمة: إبراهيم، لوط، إسحاق، يعقوب، نوح، داود، سليمان، أيوب، إسماعيل، إدريس، ذا الكفل، ذا النون يونس، زكريا، يحيي، وعيسي بن مريم على نبينا وعليهم أجمعين أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
وتبدأ سورة الأنبياء بتذكير الناس أن وقت الساعة قد اقترب، وهم في غفلة منشغلون عنها بالدنيا، وهي سوف تأتيهم بغتة، وقلوبهم لاهية عما أنزل إليهم ربهم من ذكر في رسالته الخاتمة، لذلك انطلقوا يشككون في بعثة الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، واتهموه زورا شرفه الله عن ذلك بالكذب، والسحر، والشعر، استهزاء به كما استهزئ برسل من قبل فحاق بهم ما كانوا به يستهزئون، فما من أمة رفضت الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر إلا وعاقبها الله عقابا شديدا.
وطالبوه بالآيات المادية الملموسة، وآيات الله وسننه في الكون من المعجزات الدائمة لو تدبروها، فهي ناطقة بالشهادة لخالقها سبحانه بطلاقة القدرة، وعظيم الصنعة، وتمام الحكمة، وبالوحدانية المطلقة، والربوبية والألوهية.
ومن رحمته بنا لم يكلنا ربنا-تبارك وتعالى- للتعرف عليه من خلال التأمل في أنفسنا، وفي الخلق من حولنا، وفي الآفاق البعيدة عنا، فأرسل الرسل، وبعث الأنبياء برسالة الهداية لخلقه، واقتضت حكمته-تعالى- أن يكون الأنبياء والمرسلون كلهم من البشر، وعلي ذلك فليس بمستغرب أن يكون الرسول الخاتم بشرا صلى الله وسلم وبارك عليه وعلي جميع أنبياء الله ورسله، وليس بمستغرب أيضا أن تنقطع المعجزات والخوارق بعد تمام الرسالة الخاتمة، وتعهد الله بحفظها بنفس لغة الوحي وإلى قيام الساعة.
ومن سنن الله في الكون غلبة الحق على الباطل، وإن طالت دولته، 4 ونجاة المؤمنين وهلاك المسرفين، حتى يرث الأرض عباد الله الصالحون.
وتحدثت السورة عن فضل إنزال القرآن الكريم، وعن عقاب الأمم الظالمة من السابقين، واستبدالهم بآخرين، وعن موقف الذل الذي سوف يقفه الظالمون، وبأس الله محيط بهم من كل جانب.
واستعرضت السورة الكريمة بعض مشاهد القيامة، كما استعرضت لقطات سريعة من سير عدد من الأنبياء، وقصصهم مع أممهم، وبعض المعجزات التي أجراها ربنا-تبارك وتعالى- على أيديهم.
وأكدت السورة وحدة الأمة المؤمنة عبر التاريخ، وتوحيدها لله-تعالى-، كما أكدت وحدة رسالة السماء مع تعدد الرسل، وتباعد أزمانهم، وربطت بين الإيمان بالله الواحد، الأحد، الفرد، الصمد، وبملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر وأحداثه ومشاهده، وبين الآيات الكونية التي استعرضتها، والتي تشهد بوحدانية الخالق سبحانه، فكما أن الكون قائم على الحق الذي قامت به السماوات والأرض، فإن الإيمان بالله وتنزيهه عن الشبيه، والشريك، والمنازع، والولد هو حق كذلك، بل هو أحق الاعتقاد وأصدقه في هذا الوجود.
وتختتم سورة الأنبياء ببلاغ للناس كافة أن الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، قد بعثه ربنا-تبارك وتعالى- رحمة للعالمين، بالدين الذي يرتضيه من عباده، فمن أطاعه فقد نجا من فتن الدنيا، وعذاب الآخرة، ومن لم يستجب لندائه فقد نفض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده منه، وهؤلاء لا يعلم مصيرهم إلا الله الذي يعلم العلانية وما تخفي الصدور، وقد يكون في ذلك فتنة لهم ومتاع إلى حين!!
لذلك يتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه طالبا حكمه- العادل الحق- بينه وبين المستهزئين به، والغافلين عن دعوته، ومستعينا بالله-تعالى- على تكذيبهم وكيدهم، والله هو المستعان على كل ما يصف الكفار وما يقولون.
ومن بديع آيات الله في الخلق التي استشهد بها سبحانه وتعالى في سورة الأنبياء: خلق السماوات والأرض بالحق من جرم واحد، فتقه ربنا-تبارك وتعالى- فتحول إلى سحابة من دخان، خلق منه سبحانه السماوات والأرض وما بينهما، وما فيهما من مخلوقات من مثل الملائكة الذين يسبحون الله ليلا ونهارا لا يفترون، ومنها خلق كل حي من الماء، والتأكيد على وحدة الحياة مصدرا، وفناء، ومصيرا، وخلق الجبال رواسي للأرض، وشق السبل والفجاج من بينها، وحفظ السماء سقفا محفوظا، وخلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون، وإنقاص الأرض من أطرافها، وطي السماء يوم القيامة كطي السجل للكتب.
وهذه القضايا تحتاج إلى مجلدات لشرحها، ولذا فإني سوف أقتصر هنا على آية واحدة منها، والتي اتخذتها عنوانا لهذا المقال، وقبل الدخول في ذلك لابد من استعراض الدلالة اللغوية للألفاظ الأساسية الواردة في الآية الكريمة، واستعراض أقوال المفسرين فيها.

.الدلالة اللغوية:

(1) يقال في اللغة العربية: خلق، يخلق، خلقا، بمعني قدر، يقدر، تقديرا، والخلق أصله التقدير المستقيم، ويستخدم في إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء، أي على غير مثال سابق، ولفظة الخلق تستخدم في معني المخلوق، والخليقة والفطرة، والجمع خلائق، والخلائق أيضا هم خليقة الله، وهم خلق الله، ومضغة مخلقة أي تامة الخلق، والخلق بضم اللام وسكونها: السجية، ويقال: فلان يتخلق بغير خلقه أي يتكلفه، ويقال: فلان خليق بكذا، أي جدير به كأنه مخلوق فيه، والخلاق: النصيب، أو ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه. ويقال: ثوب خلق أي بال، يستوي فيه المذكر والمؤنث لأنه في الأصل مصدر الأخلق وهو الأملس، والجمع خلقان، ويقال: خلق أو أخلق الثوب أي بلي، وأخلقه صاحبه لأنه يتعدي ويلزم، والخلوق ضرب من الطيب، ويقال: خلقه تخليقا أي طلاه به فتخلق.
ويقال خلق الإفك، اختلقه وتخلقه اختلاقا أي افتراه افتراء.
(2) والفلك هو مجري أجرام السماء في المدار الذي يجري فيه كل جرم منها، وجمعه أفلاك وفلك.
3- والسبح هو المر السريع في الماء أو في الهواء، يقال سبح يسبح سبحا وسباحة أي عام عوما، واستعير لحركة النجوم الانتقالية في أفلاكها، ولسرعة الذهاب والمنقلب في العمل، والسبح أيضا هو الفراغ، أو التصرف في المعاش.
شروح المفسرين في تفسير قوله تعالى: {وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون} [الأنبياء: 33].
ذكر ابن كثير يرحمه الله ما نصه: {وهو الذي خلق الليل والنهار} أي هذا في ظلامه وسكونه، وهذا بضيائه نوره وأنسه، يطول هذا تارة ثم يقصر أخري وعكسه الآخر، و{الشمس والقمر} هذه لها نور ضياء يخصها وحركة وسير خاص، وهذا بنور آخر وسير آخر وتقدير آخر، {وكل في فلك يسبحون} أي يدورون. قال ابن عباس: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة، قال مجاهد: فلا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا الفلكة إلا بالمغزل، كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلا به ولا يدور إلا بهن...
وذكر صاحبا تفسير الجلالين رحمهما الله رحمة واسعة ما نصه:
{وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل} تنوينه عوض عن المضاف إليه من الشمس والقمر وتابعه وهو النجوم، {في فلك} أي: مستدير كالطاحونة في السماء وهو مدار النجوم، {يسبحون} يسيرون بسرعة كالسابح في الماء، وللتشبيه به أتي بضمير جمع من يعقل أي يسبحون.
وجاء في الظلال رحم الله كاتبها رحمة واسعة: والليل والنهار ظاهرتان كونيتان، الشمس والقمر جرمان هائلان لهما علاقة وثيقة بحياة الإنسان في الأرض، وبالحياة كلها.. وبالتأمل في توالي الليل والنهار، في حركة الشمس والقمر بهذه الدقة التي لا تختل مرة، وبهذا الاطراد الذي لا يكف لحظة.. جدير بأن يهدي القلب إلى وحدة الناموس، ووحدة الإرادة، ووحدة الخالق المدبر القدير.
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن ما نصه: {كل في فلك يسبحون} أي كل واحد من الشمس والقمر يسير في فلكه بسرعة كالسابح في الماء، من السبح وهو المر السريع في الماء أو الهواء...
وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه: والله هو الذي خلق الليل والنهار، والشمس والقمر، وكل من هذه يجري في مجاله الذي قدره الله له، ويسبح في فلكه لا يحيد عنه.
وجاء في الهامش التعليق التالي: لكل جرم سماوي مداره الخاص الذي يسبح فيه، وأجرام السماء كلها لا تعرف السكون، كما أنها تتحرك في مسارات خاصة هي الأفلاك، ونحن نري هذه الحقيقة ممثلة واضحة في الشمس والقمر، كما أن دوران الأرض حول محورها يجعل الليل والنهار يتعاقبان عليها كأنهما يسبحان.
وجاء في صفوة التفاسير ما نصه:... أي وهو تعالى بقدرته نوع الحياة فجعل فيها ليلا ونهارا، هذا في ظلامه وسكونه، وهذا بضيائه نوره وأنسه، يطول هذا تارة ثم يقصر أخري وبالعكس، وخلق الشمس والقمر آيتين عظيمتين دالتين على وحدانيته، {كل في فلك يسبحون} أي كل من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء.