فصل: تفسير الآيات (41- 44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (41- 44):

قوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنْقُصُهَا مِنْ أطرافها أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير حاق بهم هذا باستهزائهم بك، تبعه ما يدل على أن الرسل في ذلك شرع واحد، تسلية له صلى الله عليه وسلم وتأسية، فقال عاطفًا على {وإذا رءاك}: {ولقد} مؤكدًا له لمزيد التسلية بمساواة إخوانه من الرسل وبتعذيب أعدائه.
ولما كان المخوف نفس الاستهزاء لا كونه من معين، بني للمفعول قوله: {استهزئ برسل} أي كثيرين.
ولما كان معنى التنكير عدم الاستغراق، أكده بالخافض فقال: {من قبلك فحاق} أي فأحاط {بالذين سخروا منهم} لكفرهم {ما كانوا} بما هو لهم كالجبلة {به يستهزءون} من الوعود الصادقة كبعض من سألوه الإتيان بمثل آياتهم كقوم نوح ومن بعدهم.
ولما هددهم بما مضى مما قام الدليل على قدرته عليه، وختمه- لوقوفهم مع المحسوسات- بما وقع لمن قبلهم، وكان الأمان عن مثل ذلك لا يكون إلا بشيء يوثق به، أمره أن يسألهم عن ذلك بقوله: {قل من يكلؤكم} أي يحفظكم ويؤخركم ويكثر رزقكم، وهو استفهام توبيخ.
ولما استوى بالنسبة إلى قدرته حذرهم وغفلتهم، قال: {بالّيل} أي وأنتم نائمون.
ولما كانت مدافعة عذابه سبحانه غير ممكنة لنائم ولا يقظان قال: {والنهار} أي وأنتم مستيقظون.
ولما كان لا منعم بكلاية ولا غيرها سواه سبحانه، ذكرهم بذلك بصفة الرحمة فقال: {من الرحمن} الذي لا نعمة بحراسة ولا غيرها إلا منه حتى أمنتم مكره ولو بقطع إحسانه، فكيف إذا ضربتم بسوط جبروته وسطوة قهرة وعظموته.
ولما كان الجواب قطعًا: ليس لهم من يكلؤهم منه وهو معنى الاستفهام الإنكاري، قال مضربًا عنه: {بل هم} أي في أمنهم من سطواته {عن ذكر ربهم} الذي لا يحسن إليهم غيره {معرضون} فهم لا يذكرون أصلًا فضلًا عن أن يخشوا بأسه وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان.
ولما أرشد السياق إلى أن التقدير: أصحيح هذا الذي أشرنا إليه من أنه لا مانع لهم منا، عادله بقوله إنكارًا عليهم: {أم لهم ءالهة} موصوفة بأنها {تمنعهم} نوبَ الدهر.
ولما كانت جميع الرتب تحت رتبته سبحانه، أثبت حرف الابتداء فقال محقرًا لهم: {من دوننا} أي من مكروه هو تحت إرادتنا ومن جهة غير جهتنا.
ولما كان الجواب قطعًا: ليس لهم ذلك، وهو بمعنى الاستفهام، استأنف الإخبار بما يؤيد هذا الجواب، ويجوز أن يكون تعليلًا، فقال: {لا يستطيعون} أي الآلهة التي يزعمون أنها تنفعهم، أو هم- لأنهم لا مانع لهم من دوننا- {نصر أنفسهم} من دون إرادتنا فكيف بغيرهم، أو يكون ذلك صفة الآلهة على طريق التهكم {ولا هم} أي الكفار أو الآلهة {منا} أي بما لنا من العظمة {يصحبون} بوجه من وجوه الصحبة حتى يصير لهم استطاعة بنا، فانسدت عليهم أبواب الاستطاعة أصلًا ورأسًا.
ولما لم يصلح هذا لأن يكون سببًا لاجترائهم، أضرب عنه قائلًا في مظهر العظمة، إشارة إلى أن اغترارهم به سبحانه- مع ما له من دلائل الجلال- من أعجب العجب، بانيًا على نحو لا كالىء لهم منه ولا مانع: {بل متعنا} أي بعظمتنا {هؤلاء} أي الكفار على حقارتهم، أو الإضراب عن عدم استطاعتهم للنصر، والمعنى أن ما هم فيه من الحفظ إنما هو منا لأجل تمتيعهم بما لا يتغير به إلا مغرور، لا من مانع يمنعهم {وءاباءهم} من قبلهم بالنصر وغيره {حتى طال عليهم العمر} فكان طول سلامتهم غارًا لهم بنا، فظنوا أنه لا يغلبهم على ذلك التمتيع شيء، ولا ينزع عنهم ثوب النعمة.
ولما أقام الأدلة ونصب الحجج على أنه لا مانع لهم من الله، تسبب عن ذلك الإنكار عليهم في اعتقاد غيره فقال: {أفلا يرون} أي يعلمون علمًا هو في وضوحه مثل الرؤية بالبصر {أنا} بما لنا من العظمة، وصور ما كان يجريه من عظمته على أيدي أوليائه فقال: {نأتي الأرض} أي التي أهلها كفار، إتيانَ غلبة لهم بتسليط أوليائنا عليهم.
ولما كان الإتيان على ضروب شتى، بيّنه بقوله: {ننقصها من أطرافها} بقتل بعضهم وردّ من بقي عن دينه إلى الإسلام، فهم في نقص، وأولياؤنا في زيادة.
ولما كانت مشاهدتهم لهذا مرة بعد مرة قاضية بأنهم المغلبون، تسبب عنه إنكار غير ذلك فقال: {أفهم} أي خاصة {الغالبون} أي مع مشاهدتهم لذلك أم أولياؤنا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم إنه سبحانه ذكر الوجه الثاني في دفع الحزن عن قلب رسوله فقال: {وَلَقَدِ استهزىء بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون} والمعنى ولقد استهزئ برسل من قبلك يا محمد كما استهزأ بك قومك {فَحَاقَ} أي نزل وأحاط {بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} أي عقوبة استهزائهم وحاق وحق بمعنى كزال وزل وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى فكذلك يحيق بهؤلاء وبال استهزائهم.
{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ}.
اعلم أنه تعالى لما بين أن الكفار في الآخرة لا يكفون عن وجوههم النار بسائر ما وصفهم به أتبعه بأنهم في الدنيا أيضًا لولا أن الله تعالى يحرسهم ويحفظهم لما بقوا في السلامة فقال لرسوله: قل لهؤلاء الكفار الذين يستهزءون ويغترون بما هم عليه: {مَن يَكْلَؤُكُم باليل والنهار} وهذا كقول الرجل لمن حصل في قبضته ولا مخلص له منه إلى أين مفرّك منى! هل لك محيص عني! والكالىء الحافظ.
وأما قوله: {مِّنَ الرحمن} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
في معناه وجوه: أحدها: {مَن يَكْلَؤُكُم مِنَ الرحمن} أي مما يقدر على إنزاله بكم من عذاب تستحقونه.
وثانيها: من بأس الله في الآخرة.
وثالثها: من القتل والسبي وسائر ما أباحه الله لكفرهم فبين سبحانه أنه لا حافظ لهم ولا دافع عن هذه الأمور لو أنزلها بهم ولولا تفضله بحفظهم لما عاشوا ولما متعوا بالدنيا.
المسألة الثانية:
إنما خص هاهنا اسم الرحمن بالذكر تلقينًا للجواب حتى يقول العاقل: أنت الكالىء يا إلهنا لكل الخلائق برحمتك، كما في قوله: {مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم} [الانفطار: 6] إنما خص اسم الكريم بالذكر تلقينًا للجواب.
المسألة الثالثة:
إنما ذكر الليل والنهار لأن لكل واحد من الوقتين آفات تختص به والمعنى من يحفظكم بالليل إذا نمتم وبالنهار إذا تصرفتم في معايشكم.
أما قوله: {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ مُّعْرِضُونَ} فالمعنى أنه تعالى مع إنعامه عليهم ليلًا ونهارًا بالحفظ والحراسة فهم عن ذكر ربهم الذي هو الدلائل العقلية والنقلية ولطائف القرآن معرضون فلا يتأملون في شيء منها ليعرفوا أنه لا كالىء لهم سواه ويتركون عبادة الأصنام التي لا حظ لها في حفظهم ولا في الإنعام عليهم.
أما قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ} فاعلم أن الميم صلة يعني ألهم آلهة تكلؤهم من دوننا، والتقدير ألهم آلهة من تمنعهم.
وتم الكلام ثم وصف آلهتهم بالضعف فقال: {لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} وهذا خبر مبتدأ محذوف أي فهذه الآلهة لا تستطيع حماية أنفسها عن الآفات، وحماية النفس أولى من حماية الغير.
فإذا لم تقدر على حماية نفسها فكيف تقدر على حماية غيرها، وفي قوله: {وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ} قولان: الأول: قال المازني: أصحبت الرجل إذا منعته فقوله: {وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ} من ذلك لا من الصحبة.
الثاني: أن الصحبة هاهنا بمعنى النصرة والمعونة وكلها سواء في المعنى يقال: صحبك الله ونصرك الله ويقال للمسافر: في صحبة الله وفي حفظ الله فالمعنى ولا هم منا في نصرة ولا إعانة، والحاصل أن من لا يكون قادرًا على دفع الآفات ولا يكون مصحوبًا من الله بالإعانة، كيف يقدر على شيء ثم بين سبحانه تفضله عليهم مع كل ذلك بقوله: {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاء وَءابَاءهُمْ حتى طَالَ عَلَيْهِمُ العمر} يعني ما حملهم على الإعراض إلا الإغترار بطول المهلة.
يعني طالت أعمارهم في الغفلة فنسوا عهدنا وجهلوا موقع مواقع نعمتنا واغتروا بذلك.
أما قوله تعالى: {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الأرض نَنقُصُهَا} فالمعنى أفلا يرى هؤلاء المشركون بالله المستعجلون بالعذاب آثار قدرتنا في إتيان الأرض من جوانبها نأخذ الواحد بعد الواحد ونفتح البلاد والقرى مما حول مكة ونزيدها في ملك محمد صلى الله عليه وسلم ونميت رؤساء المشركين الممتعين بالدنيا وننقص من الشرك بإهلاك أهله أما كان لهم في ذلك عبرة فيؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلموا أنهم لا يقدرون على الامتناع من الله وإرادته فيهم ولا يقدرون على مغالبته ثم قال: {أَفَهُمُ الغالبون} أي فهؤلاء هم الغالبون أم نحن وهو استفهام بمعنى التقرير والتقريع والمعنى بل نحن الغالبون وهم المغلوبون وقد مضى الكلام في هذه الآية في سورة الرعد.
وفي تفسير النقصان وجوه: أحدها: قال ابن عباس ومقاتل والكلبي رضي الله عنهم ننقصها بفتح البلدان.
وثانيها: قال ابن عباس في رواية أخرى يريد نقصان أهلها وبركتها.
وثالثها: قال عكرمة: تخريب القرى عند موت أهلها.
ورابعها: بموت العلماء وهذه الرواية إن صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعدل عنها وإلا فالأظهر من الأقاويل ما يتعلق بالغلبة فلذلك قال: {أَفَهُمُ الغالبون} والذي يليق بذلك أنه ينقصها عنهم ويزيدها في بلاد الإسلام، قال القفال: نزلت هذه الآية في كفار مكة فكيف يدخل فيها العلماء والفقهاء فبين تعالى أن كل ذلك من العبر التي لو استعملوا عقلهم فيها لأعرضوا عن جهلهم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قُلْ مَن يَكْلُؤُكُم} الآية.
أي يحفظكم، قال ابن هرمة:
إن سليمى والله يكلؤها ** ضنت بشيء ما كان يرزؤها

ومخرج اللفظ مخرج الاستفهام، والمراد به النفي، تقديره: قل لا حافظ لكم بالليل والنهار من الرحمن. قوله تعالى: {وَلاَ هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يجارون، قاله ابن عباس، من قولهم: إن لك من فلان صاحبًا، أي مجيرًا، قال الشاعر:
ينادي بأعلى صوته متعوذًا ** ليصحب منها والرماح دواني

الثاني: يحفظون، قاله مجاهد.
الثالث: ينصرون، وهو مأثور.
الرابع: ولا يصحبون من الله بخير، قاله قتادة.
قوله تعالى: {نأَتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أطرافها} فيه أربعة أوجه:
أحدها: ننقصها من أطرافها عند الظهور عليها أرضًا بعد أرض وفتحها بلدًا بعد بلد، قاله الحسن.
الثاني: بنقصان أهلها وقلة بركتها، قاله ابن أبي طلحة.
الثالث: بالقتل والسبي، حكاه الكلبي.
الرابع: بموت فقهائها وعلمائها، قاله عطاء، والضحاك.
ويحتمل خامسًا: بجور ولاتها وأمرائها. اهـ.

.قال ابن عطية:

ثم آنس تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم بما جرى على سائر الأنبياء من استهزاء قومهم بهم وحلول العذاب بالمستهزئين، و{حاق} معناه نزل وحل وهي مستعملة في العذاب والمكاره، وقوله: {ما كانوا} فيه محذوف تقديره جزاء ما كانوا أو نحوه ومع هذا التأنيس الذي لمحمد صلى الله عليه وسلم وعيد للكفرة وضرب مثل لهم بمن سلف من الأمم.
{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ}.
المعنى {قل} يا محمد لهؤلاء الكفرة المستهزئين بك وبما جئت به الكافرين بذكر الرحمن الجاهلين به قل لهم على جهة التوبيخ والتقريع من يحفظكم، وكلأ معناه حفظ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال: «اكلأ لنا الفجر» وفي آخر الكلام تقدير محذوف كأنه قال ليس لهم مانع ولا كالئ وعلى هذا النفي تركبت {بل} في قوله: {بل هم عن ذكر ربهم معرضون} ثم يقضي عليهم التقدير في أنه لا مانع لهم من الله بأن كشف أمر آلهتهم والمعنى أيظنون أن آلهتهم التي هي بهذه الصفة {تمنعهم من دوننا} بل ما يمنعهم أحد إلا نحن، وقوله تعالى: {ولا هم يصحبون} يحتمل تأويلين أحدهما يجارون ويمنعون، والآخر {ولا هم منا يصحبون} بخير ولا تزكية ونحو هذا، وفي الكلام تقدير بعد محذوف كأنه قال ليس ثم شيء من هذا كله بل ضل هؤلاء لأنا متعناهم ومتعنا آباءهم فنسوا عقاب الله وظنوا أن حالهم لا تبيد والمعنى {طال العمر} في رخاء ثم وقفهم الله تعالى على مواضع العبر في الأمم وفي البشر بحسب الخلاف والأطراف، والرؤية في قوله: {يرون} رؤية العين تتبعها رؤية القلب، و{نأتي} معناه بالقدرة والبأس، و{الأرض} عامة في الجنس. وقوله: {من أطرافها} إما أن يريد فيما يخرب من المعمور فذلك نقص للأرض وإما أن يريد موت البشر فهو تنقص للقرون ويكون المراد حينئذ نأتي أهل الأرض، وقال قوم النقص من الأطراف موت العلماء ثم وقفهم على جهة التوبيخ أهم يعلمون من غلب أهل الأرض قهر الكل بسلطانه وعظمته أي إن ذلك محال بين بل هم مغلوبون مقهورون. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

ثم عزّى نبيّه، فقال: {ولقد استهزىء برسل من قبلك} أي: كما فعل بك قومك {فحاق} أي نزل {بالذين سَخِروا منهم} أي: من الرسل {ما كانوا به يستهزؤون} يعني: العذاب الذي كانوا استهزؤوا به.
قوله تعالى: {قل من يكلؤكم} المعنى: قل لهؤلاء المستعجِلين بالعذاب: من يحفظكم من بأس الرحمن إِن أراد إِنزاله بكم؟! وهذا استفهام إِنكار، أي: لا أحد يفعل ذلك، {بل هم عن ذِكْر ربِّهم} أي: عن كلامه ومواعظِهِ {مُعْرِضون} لا يتفكَّرون ولا يعتبرون.
{أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا} فيه تقديم وتأخير، وتقديره: أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم؟ وهاهنا تم الكلام.
ثم وصف آلهتهم بالضعف، فقال: {لا يستطيعون نصر أنفسهم} والمعنى: من لا يقدر على نصر نفسه عمّا يُراد به، فكيف ينصُر غيره؟!
قوله تعالى: {ولا هم} في المشار إِليهم قولان:
أحدهما: أنهم الكفار وهو قول ابن عباس.
والثاني: أنهم الأصنام، قاله قتادة.
وفي معنى {يُصْحَبُونَ} أربعة أقوال:
أحدها: يُجارُون، رواه العوفي عن ابن عباس.
قال ابن قتيبة: والمعنى: لا يجيرهم منَّا أحدٌ، لأن المجير صاحب لجاره.
والثاني: يُمنعون، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: يُنصرون، قاله مجاهد.
والرابع: لا يُصحبون بخير، قاله قتادة.
ثم بيَّن اغترارهم بالإِمهال، فقال: {بل متَّعنا هؤلاء وآباءَهم} يعني أهل مكة {حتى طال عليهم العُمُر} فاغترُّوا بذلك، {أفلا يرون أنا نأتي الأرض نَنْقُصُها من أطرافها} قد شرحناه في [الرعد: 41]، {أفَهُمُ الغالبون} أي: مع هذه الحال، وهو نقص الأرض، والمعنى: ليسوا بغالبين، ولَكِنهم المغلوبون. اهـ.