فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

.[سورة الأنبياء: آية 29]:

{ومن يقل منهم إني إله من دونه}.
وبعد أن وصف كرامتهم عليه، وقرب منزلتهم عنده، وأثنى عليهم، وأضاف إليهم تلك الأفعال السنية والأعمال المرضية.
فاجأ بالوعيد الشديد، وأنذر بعذاب جهنم من أشرك منهم إن كان ذلك على سبيل الفرض والتمثيل، مع إحاطة علمه بأنه لا يكون، كما قال: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} قصد بذلك تفظيع أمر الشرك وتعظيم شأن التوحيد.

.[سورة الأنبياء: آية 30]:

{أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالأرض كانَتا رَتْقًا فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الماء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30)}.
قرئ {ألم تر} بغير واو. و{رَتْقًا} بفتح التاء، وكلاهما في معنى المفعول، كالخلق والنقض، أى: كانتا مرتوقتين. فإن قلت: الرتق صالح أن يقع موقع مرتوقتين؛ لأنه مصدر، فما بال الرتق؟ قلت: هو على تقرير موصوف، أى: كانتا شيئا رتقا. ومعنى ذلك: أن السماء كانت لاصقة بالأرض لا فضاء بينهما. أو كانت السماوات متلاصقات، وكذلك الأرضون لا فرج بينها ففتقها اللّه وفرّج بينها. وقيل: ففتقناهما بالمطر والنبات بعد ما كانت مصمتة، وإنما قيل: كانتا دون كنّ، لأنّ المراد جماعة السماوات وجماعة الأرض، ونحوه قولهم: لقاحان سوداوان، أى: جماعتان، فعل في المضمر نحو ما فعل في المظهر. فإن قلت: متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أنه وارد في القرآن الذي هو معجزة في نفسه، فقام مقام المرئىّ المشاهد. والثاني: أن تلاصق الأرض والسماء وتباينهما كلاهما جائز في العقل، فلابد للتباين دون التلاصق من مخصص وهو القديم سبحانه {وَجَعَلْنا} لا يخلو أن يتعدى إلى واحد أو اثنين، فإن تعدّى إلى واحد، فالمعنى: خلقنا من الماء كل حيوان، كقوله: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ} أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه، كقوله تعالى: {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} وإن تعدى إلى اثنين فالمعنى: صيرنا كل شيء حىّ بسبب من الماء لابد له منه. ومن هذا نحو من في قوله عليه السلام: «ما أنا من دد ولا الدد منى» وقرئ: {حيا} وهو المفعول الثاني. والظرف لغو.

.[سورة الأنبياء: الآيات 31- 32]:

{وَجَعَلْنا فِي الأرض رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (32)}.
أى كراهة {أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} وتضطرب. أو لئلا تميد بهم، فحذف لا واللام. وإنما جاز حذف لا لعدم الالتباس، كما تزاد لذلك في نحو قوله: {لِئَلَّا يَعْلَمَ} وهذا مذهب الكوفيين.
الفج: الطريق الواسع. فإن قلت: في الفجاج معنى الوصف، فما لها قدمت على السبل ولم تؤخر كما في قوله تعالى: {لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجًا}؟ قلت: لم تقدّم وهي صفة، ولَكِن جعلت حالا كقوله:
لعزّة موحشا طلل قديم

إن قلت: ما الفرق بينهما من جهة المعنى؟ قلت: أحدهما: الإعلام بأنه جعل فيها طرقا واسعة.
والثاني: بأنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة، فهو بيان لما أبهم ثمة، محفوظا حفظه بالإمساك بقدرته من أن يقع على الأرض ويتزلزل، أو بالشهب عن تسمع الشياطين على سكانه من الملائكة {عَنْ آياتِها} أى عما وضع اللّه فيها من الأدلة والعبر بالشمس والقمر وسائر النيرات، ومسايرها وطلوعها وغروبها، على الحساب القويم والترتيب العجيب، الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة، وأىّ جهل أعظم من جهل من أعرض عنها ولم يذهب به وهمه إلى تدبرها، والاعتبار بها، والاستدلال على عظمة شأن من أوجدها عن عدم، ودبرها ونصبها هذه النصبة، وأودعها ما أودعها مما لا يعرف كنهه إلا هو عزت قدرته ولطف علمه. وقرئ عن آيتها، على التوحيد، اكتفاء بالواحدة في الدلالة على الجنس أى: هم متفطنون لما يرد عليهم من السماء من المنافع الدنيوية، كالاستضاءة بقمريها، والاهتداء بكواكبها، وحياة الأرض والحيوان بأمطارها، وهم عن كونها آية بينة على الخالق {مُعْرِضُونَ}.

.[سورة الأنبياء: آية 33]:

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)}.
{كُلٌّ} التنوين فيه عوض من المضاف إليه، أى: كلهم {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} والضمير للشمس والقمر، والمراد بهما جنس الطوالع كل يوم وليلة، جعلوها متكاثرة لتكاثر مطالعها وهو السبب في جمعهما بالشموس والأقمار، وإلا فالشمس واحدة والقمر واحد، وإنما جعل الضمير واو العقلاء للوصف بفعلهم وهو السباحة. فإن قلت: الجملة ما محلها؟ قلت: محلها النصب على الحال من الشمس والقمر. فإن قلت: كيف استبدّ بهما دون الليل والنهار بنصب الحال عنهما؟ قلت: كما تقول: رأيت زيدا وهندا متبرجة ونحو ذلك، إذا جئت بصفة يختص بها بعض ما تعلق به العامل. ومنه قوله تعالى في هذه السورة {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً} أو لا محل لها لاستئنافها. فإن قلت: لكل واحد من القمرين فلك على حدة، فكيف قيل: جميعهم يسبحون في فلك؟ قلت: هذا كقولهم كساهم الأمير حلة وقلدهم سيفا أى كل واحد منهم، أو كساهم وقلدهم هذين الجنسين، فاكتفى بما يدل على الجنس اختصارا، ولأنّ الغرض الدلالة على الجنس.

.[سورة الأنبياء: الآيات 34- 35]:

{وما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (35)}.
كانوا يقدّرون أنه سيموت فيشمتون بموته، فنفى اللّه تعالى عنه الشماتة بهذا، أى: قضى اللّه أن لا يخلد في الدنيا بشرا، فلا أنت ولا هم إلا عرضة للموت. فإذا كان الأمر كذلك فإن مت أنت أيبقى هؤلاء؟ وفي معناه قول القائل:
فقل للشّامتين بنا أفيقوا ** سيلقى الشّامتون كما لقينا

أى نختبركم بما يجب فيه الصبر من البلايا، وبما يجب فيه الشكر من النعم، وإلينا مرجعكم فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر أو الشكر، وإنما سمى ذلك ابتلاء وهو عالم بما سيكون من أعمال العاملين قبل وجودهم، لأنه في صورة الاختبار. و{فِتْنَةً} مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه.

.[سورة الأنبياء: آية 36]:

{وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهذا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36)}.
الذكر يكون بخير وبخلافه، فإذا دلت الحال على أحدهما أطلق ولم يقيد، كقولك للرجل: سمعت فلانا يذكرك، فإن كان الذاكر صديقا فهو ثناء، وإن كان عدوّا فذمّ. ومنه قوله تعالى {سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} وقوله: {أَهذا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} والمعنى أنهم عاكفون على ذكر آلهتهم بهممهم وما يجب أن لا تذكر به، من كونهم شفعاء وشهداء. ويسوءهم أن يذكرها ذاكر بخلاف ذلك. وأما ذكر اللّه وما يجب أن يذكر به من الوحدانية، فهم به كافرون لا يصدّقون به أصلا فهم أحق بأن يتخذوا هزؤا منك، فإنك محق وهم مبطلون. وقيل معنى {بِذِكْرِ الرَّحْمنِ} قولهم: ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة، وقولهم {وما الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا} وقيل {بِذِكْرِ الرَّحْمنِ} بما أنزل عليك من القرآن. والجملة في موضع الحال، أى: يتخذونك هزؤا، وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر باللّه.

.[سورة الأنبياء: الآيات 37- 38]:

{خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتى هذا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38)}.
كانوا يستعجلون عذاب اللّه وآياته الملجئة إلى العلم والإقرار {وَيَقُولُونَ مَتى هذا الْوَعْدُ} فأراد نهيهم عن الاستعجال وزجرهم، فقدم أو لا ذم الإنسان على إفراط العجلة، وأنه مطبوع عليها، ثم نهاهم وزجرهم، كأنه قال: ليس ببدع منكم أن تستعجلوا فإنكم مجبولون على ذلك وهو طبعكم وسجيتكم. وعن ابن عباس رضى اللّه عنه: أنه أراد بالإنسان آدم عليه السلام، وأنه حين بلغ الروح صدره ولم يتبالغ فيه أراد أن يقوم. وروى أنه لما دخل الروح في عينه نظر إلى ثمار الجنة، ولما دخل جوفه اشتهى الطعام. وقيل خلقه اللّه تعالى في آخر النهار يوم الجمعة قبل غروب الشمس، فأسرع في خلقه قبل مغيبها. وعن ابن عباس رضى اللّه عنه أنه النضر بن الحرث. والظاهر أن المراد الجنس. وقيل العجل: الطين، بلغة حمير. وقال شاعرهم:
والنّخل ينبت بين الماء والعجل

واللّه أعلم بصحته. فإن قلت: لم نهاهم عن الاستعجال مع قوله: {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} وقوله: {وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا} أليس هذا من تكليف ما لا يطاق؟ قلت: هذا كما ركب فيه الشهوة وأمره أن يغلبها، لأنه أعطاه القدرة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة. وقرئ: {خلق الإنسان}.

.[سورة الأنبياء: الآيات 39- 40]:

{لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (40)}.
جواب {لَوْ} محذوف. و{حِينَ} مفعول به ليعلم، أى: لو يعلمون الوقت الذي يستعلمون عنه بقولهم {مَتى هذا الْوَعْدُ} وهو وقت صعب شديد تحيط بهم فيه النار من وراء وقدّام، فلا يقدرون على دفعها ومنعها من أنفسهم، ولا يجدون ناصرا ينصرهم: لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال، ولَكِن جهلهم به هو الذي هوّنه عندهم. ويجوز أن يكون {يَعْلَمُ} متروكا بلا تعدية، بمعنى: لو كان معهم علم ولم يكونوا جاهلين لما كانوا مستعجلين.
وحين: منصوب بمضمر، أى حين {لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ} يعلمون أنهم كانوا على الباطل وينتفي عنهم هذا الجهل العظيم، أى: لا يكفونها، بل تفجؤهم فتغلبهم. يقال للمغلوب في المحاجة: مبهوت. ومنه: {فبهت الذي كفر} أى: غلب إبراهيم عليه السلام الكافر. وقرأ الأعمش: {يأتيهم فيبهتهم} على التذكير. والضمير للوعد أو للحين. فإن قلت: فإلام يرجع الضمير المؤنث في هذه القراءة؟ قلت: إلى النار أو إلى الوعد، لأنه في معنى النار وهي التي وعدوها أو على تأويل العدة أو الموعدة. أو إلى الحين، لأنه في معنى الساعة. أو إلى البغتة. وقيل في القراءة الأولى: الضمير للساعة. وقرأ الأعمش: {بغتة} بفتح الغين {وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} تذكير بإنظاره إياهم وإمهاله، وتفسيح وقت التذكر عليهم، أى: لا يمهلون بعد طول الإمهال.

.[سورة الأنبياء: آية 41]:

{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (41)}.
سلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن استهزائهم به بأن له في الأنبياء عليهم السلام أسوة وأن ما يفعلونه به يحيق بهم، كما حاق بالمستهزئين بالأنبياء عليهم السلام ما فعلوا.

.[سورة الأنبياء: آية 42]:

{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)}.
{مِنَ الرَّحْمنِ} أى من بأسه وعذابه {بَلْ هُمْ} معرضون عن ذكره لا يخطرونه ببالهم، فضلا أن يخافوا بأسه، حتى إذا رزقوا الكلاءة منه عرفوا من الكالئ وصلحوا للسؤال عنه. والمراد أنه أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بسؤالهم عن الكالئ، ثم بين أنهم لا يصلحون لذلك لإعراضهم عن ذكر من يكلؤهم.

.[سورة الأنبياء: آية 43]:

{أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)}.
ثم أضرب عن ذلك بما في أم من معنى بل وقال: {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ} من العذاب تتجاوز منعنا وحفظنا. ثم استأنف فبين أنّ ما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحوب من اللّه بالنصر والتأييد، كيف يمنع غيره وينصره؟

.[سورة الأنبياء: آية 44]:

{بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنْقُصُها مِنْ أطرافها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (44)}.
ثم قال: بل ما هم فيه من الحفظ والكلاءة إنما هو منا، لا من مانع يمنعهم من إهلاكنا، وما كلأناهم وآباءهم الماضين إلا تمتيعا لهم بالحياة الدنيا وإمهالا، كما متعنا غيرهم من الكفار وأمهلناهم {حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الأمد} وامتدت بهم أيام الروح والطمأنينة، فحسبوا أن لا يزالوا على ذلك لا يغلبون ولا ينزع عنهم ثوب أمنهم واستمتاعهم، وذلك طمع فارغ وأمد كاذب {أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا} ننقص أرض الكفر ودار الحرب، ونحذف أطرافها بتسليط المسلمين عليها وإظهارهم على أهلها وردّها دار إسلام. فإن قلت: أى فائدة في قوله: {نَأْتِي الأرض} قلت فيه تصوير ما كان اللّه يجريه على أيدى المسلمين، وأن عساكرهم وسراياهم كانت تغزو أرض المشركين وتأتيها غالبة عليها، ناقصة من أطرافها.

.[سورة الأنبياء: الآيات 45- 46]:

{قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدعاء إِذا ما يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (46)}.
قرئ {وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ} {ولا تسمع الصم} بالتاء والياء، أى: لا تسمع أنت الصم، ولا يسمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. ولا يسمع الصم، من أسمع. فإن قلت: الصم لا يسمعون دعاء المبشر كما لا يسمعون دعاء المنذر، فكيف قيل {إِذا ما يُنْذَرُونَ} قلت: اللام في الصم إشارة إلى هؤلاء المنذرين، كائنة للعهد لا للجنس. والأصل: ولا يسمعون إذا ما ينذرون، فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامهم وسدّهم أسماعهم إذا أنذروا. أى: هم على هذه الصفة من الجرأة والجسارة على التصامّ من آيات الإنذار {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ} من هذا الذي ينذرون به أدنى شيء، لأذعنوا وذلوا، وأقروا بأنهم ظلموا أنفسهم حين تصاموا وأعرضوا.
وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات، لأنّ النفح في معنى القلة والنزارة. يقال: نفحته الدابة وهو رمح يسير، ونفحه بعطية: رضخه، ولبناء المرة.