فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

{وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ}.
من الملائكة {إِنّى إله مّن دُونِهِ} من دون الله {إني} مدني وأبو عمرو {فَذَلِكَ} مبتدأ أي فذلك القائل خبره {نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} وهو جواب الشرط {كذلك نَجْزِى الظالمين} الكافرين الذين وضعوا الإلهية في غير موضعها وهذا على سبيل الفرض والتمثيل لتحقق عصمتهم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والضحاك: قد تحقق الوعيد في إبليس فإنه ادعى الإلهية لنفسه ودعا إلى طاعة نفسه وعبادته.
{أَوَلَمْ يَرَ الذين كَفَرُواْ} {ألم ير} مكي {أَنَّ السماوات والأرض كَانَتَا} أي جماعة السماوات وجماعة الأرض فلذا لم يقل كن {رَتْقًا} بمعنى المفعول أي كانتا مرتوقتين وهو مصدر فلذا صلح أن يقع موقع مرتوقتين {ففتقناهما} فشققناهما، والفتق الفصل بين الشيئين والرتق ضد الفتق.
فإن قيل: متى رأوهما رتقًا حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلنا: إنه وارد في القرآن الذي هو معجزة فقام مقام المرئي المشاهد، ولأن الرؤية بمعنى العلم وتلاصق الأرض والسماء وتباينهما جائزان في العقل، فالاختصاص بالتباين دون التلاصق لابد له من مخصص وهو القديم جل جلاله.
ثم قيل: إن السماء كانت لاصقة بالأرض لافضاء بينهما ففتقناهما أي فصلنا بينهما بالهواء.
وقيل: كانت السماوات مرتتقة طبقة واحدة ففتقها الله تعالى وجعلها سبع سماوات، وكذلك الأرض كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها وجعلها سبع أرضين.
وقيل: كانت السماء رتقًا لا تمطر والأرض رتقًا لا تنبت ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات {وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شيء حَىّ} أي خلقنا من الماء كل حيوان كقوله: {والله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَاء} [النور: 45] أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه كقوله: {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] {أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ} يصدقون بما يشاهدون.
{وَجَعَلْنَا في الأرض رَوَاسِىَ} جبالًا ثوابت من رسا إذا ثبت {أَن تَمِيدَ بِهِمْ} لئلا تضطرب بهم فحذف لا واللام، وإنما جاز حذف لا لعدم الالتباس كما تزاد لذلك في {لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب} [الحديد: 29] {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا} أي طرقًا واسعة جمع فج وهو الطريق الواسع ونصب على الحال من {سُبُلًا} متقدمة، فإن قلت: أي فرق بين قوله تعالى: {لّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا} [نوح: 20] وبين هذه؟ قلت: الأول للإعلام بأنه جعل فيها طرقًا واسعة، والثاني لبيان أنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة فهو بيان لما أبهم ثم {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} ليهتدوا بها إلى البلاد المقصودة.
{وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَّحْفُوظًا} في موضعه عن السقوط كما قال: {وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [الحج: 65] أو محفوظًا بالشهب عن الشياطين كما قال: {وحفظناها مِن كُلّ شيطان رَّجِيمٍ} [الحجر: 17] {وَهُمْ} أي الكفار {عَنْ ءاياتها} عن الأدلة التي فيها كالشمس والقمر والنجوم {مُّعْرِضُونَ} غير متفكرين فيها فيؤمنون.
{وَهُوَ الذي خَلَقَ الليل} لتسكنوا فيه {والنهار} لتتصرفوا فيه {والشمس} لتكون سراج النهار {والقمر} ليكون سراج الليل {كُلٌّ} التنوين فيه عوض عن المضاف إليه أي كلهم والضمير للشمس والقمر والمراد بهما جنس الطوالع، وجمع جمع العقلاء للوصف بفعلهم وهو السباحة {فِى فَلَكٍ} عن ابن عباس رضي الله عنهما: الفلك السماء.
والجمهور على أن الفلك موج مكفوف تحت السماء تجري فيه الشمس والقمر والنجوم و{كل} مبتدأ خبره {يَسْبَحُونَ} يسيرون أي يدورون والجملة في محل النصب على الحال من الشمس والقمر {وما جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ الخلد} البقاء الدائم {أفأين مِتَّ} بكسر الميم مدني وكوفي غير أبي بكر {فَهُمُ الخالدون} والفاء الأول لعطف جملة على جملة والثاني لجزاء الشرط، كانوا يقدرون أنه سيموت فنفى الله عنه الشماتة بهذا أي قضي الله أن لا يخلد في الدنيا بشر أفإن مت أنت أيبقى هؤلاء.
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت وَنَبْلُوكُم} ونختبركم سمي ابتلاء وإن كان عالمًا بما سيكون من أعمال العاملين قبل وجودهم لأنه في صورة الاختبار {بالشر} بالفقر والضر {والخير} الغني والنفع {فِتْنَةً} مصدر مؤكد لـ: {نبلوكم} من غير لفظه {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر.
وعن ابن ذكوان {ترجعون}.
{وَإِذَا رَاكَ الذين كَفَرُواْ إِن يَتَّخِذُونَكَ} ما يتخذونك {إِلاَّ هُزُوًا} مفعول ثان لـ: {يتخذونك} نزلت في أبي جهل مر به النبي صلى الله عليه وسلم فضحك وقال: هذا نبي بني عبد مناف {أهذا الذي يَذْكُرُ} يعيب {ءالِهَتَكُمْ} والذكر يكون بخير وبخلافه فإن كان الذاكر صديقًا فهو ثناء وإن كان عدوًا فذم {وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن} أي بذكر الله وما يجب أن يذكر به من الوحدانية {هُمْ كافرون} لا يصدقون به أصلًا فهم أحق أن يتخذوا هزوًا منك فإنك محق وهم مبطلون.
وقيل: بذكر الرحمن أي بما أنزل عليك من القرآن هم كافرون جاحدون، والجملة في موضع الحال أي يتخذونك هزوًا وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله تعالى، وكرر {هُمْ} للتأكيد، أو لأن الصلة حالت بينه وبين الخبر فأعيد المبتدأ {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} فسر بالجنس.
وقيل: نزلت حين كان النضر بن الحارث يستعجل بالعذاب.
والعجل والعجلة مصدران، وهو تقديم الشيء على وقته، والظاهر أن المراد الجنس وأنه ركب فيه العجلة فكأنه خلق من العجل ولأنه يكثر منه، والعرب تقول لمن يكثر منه الكرم خلق من الكرم فقدم أولًا ذم الإنسان على إفراط العجلة وأنه مطبوع عليها ثم منعه وزجره كأنه قال: ليس ببدع منه أن يستعجل فإنه مجبول على ذلك وهو طبعه وسجيته فقد ركب فيه.
وقيل: العجل الطين بلغه حمير قال شاعرهم:
والنخل ينبت بين الماء والعجل

وإنما منع عن الاستعجال وهو مطبوع عليه كما أمره بقمع الشهوة وقد ركبها فيه، لأنه أعطاه القوة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة و{من عجل} حال أي عجلًا {سأوريكم آياتي} نقماتي {فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} بالإتيان بها وهو بالياء عند يعقوب وافقه سهل وعياش في الوصل.
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} إتيان العذاب أو القيامة {إِن كُنتُمْ صادقين} قيل: هو أحد وجهي استعجالهم {لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} جواب لو محذوف و{حين} مفعول به لـ: {يعلم} أي لو يعلمون الوقت الذي يستعجلونه بقولهم {متى هذا الوعد} وهو وقت تحيط بهم فيه النار من وراء وقدام فلا يقدرون على دفعها ومنعها من أنفسهم ولا يجدون ناصرًا ينصرهم لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال ولَكِن جهلهم به هو الذي هونه عندهم {بَلْ تَأْتِيهِم} الساعة {بَغْتَةً} فجأة {فَتَبْهَتُهُمْ} فتحيرهم أي لا يكفونها بل تفجأهم فتغلبهم {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا} فلا يقدرون على دفعها {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} يمهلون {وَلَقَدِ استهزىء بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ فَحَاقَ} فحل ونزل {بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ} جزاء {مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} سلي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزائهم به بأن له في الأنبياء أسوة وأن ما يفعلونه به يحيق بهم كما حاق بالمستهزئين بالأنبياء ما فعلوا.
{قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم} يحفظكم {باليل والنهار مِنَ الرحمن} أي من عذابه إن أتاكم ليلًا أو نهارًا {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ مُّعْرِضُونَ} أي بل هم معرضون عن ذكره ولا يخطورنه ببالهم فضلًا أن يخافوا بأسه حتى إذا رزقوا الكلاءة منه عرفوا من الكاليء فصلحوا للسؤال عنه، والمعنى أنه أمر رسوله بسؤالهم عن الكاليء، ثم بين أنهم لا يصلحون لذلك لإعراضهم عن ذكر من يكلؤهم.
ثم أضرب عن ذلك بقوله: {أَمْ لَهُمْ الِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا} لما في أم من معنى لا فقال: ألهم الهة تمنعهم من العذاب تتجاوز منعنا وحفظنا.
ثم استأنف بقوله: {لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ} فبين أن ما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحوب من الله بالنصر والتأييد كيف يمنع غيره وينصره.
ثم قال: {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاء وَءابَاءهُمْ حتى طَالَ عَلَيْهِمُ العمر} أي ما هم فيه من الحفظ والكلاءة إنما هو منا لا من مانع يمنعهم من إهلاكنا، وما كلأناهم وآباءهم الماضين إلا تمتيعًا لهم بالحياة الدنيا وإمهالًا كما متعنا غيرهم من الكفار وأمهلناهم حتى طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وظنوا أنهم دائمون على ذلك وهو أمل كاذب {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أطرافها} أي نقص أرض الكفر ونحذف أطرافها بتسليط المسلمين عليها وإظهارهم على أهلها وردها دار إسلام، وذكر {نَأْتِى} يشير بأن الله يجريه على أيدي المسلمين وإن عساكرهم كانت تغزو أرض المشركين وتأتيها غالبة عليها ناقصة من أطرافها {أَفَهُمُ الغالبون} أفكفار مكة يغلبون بعد أن نقصنا من أطراف أرضهم أي ليس كذاك بل يغلبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بنصرنا.
{قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بالوحى} أخوفكم من العذاب القرآن {وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعاء} بفتح الياء والميم ورفع الصم، {ولا تسمع الصم} شامي على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم {إِذَا مَا يُنذَرُونَ} يخوفون.
واللام في {الصم} للمعهد وهو إشارة إلى هؤلاء المنذرين، والأصل ولا يسمعون إذا ما ينذرون فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامهم وسدهم أسماعهم إذا ما أنذروا.
{وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ} دفعة يسيرة {مّنْ عَذَابِ رَبّكَ} صفة لـ: {نفحة} {لَيَقُولُنَّ ياويلنا إِنَّا كُنَّا ظالمين} أي ولئن مسهم من هذا الذي ينذرون به أدنى شيء لذلوا ودعوا بالويل على أنفسهم وأقروا أنهم ظلموا أنفسهم حين تصاموا وأعرضوا، وقد بولغ حيث ذكر المس والنفحة لأن النفح يدل على القلة يقال نفحه بعطية: رضخه بها مع أن بناءها للمرة.
وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات لأن النفح في معنى القلة والنزارة يقال: نفحته الدابة وهو رمح لين، ونفحه بعطية رضخه والبناء للمرة.
{وَنَضَعُ الموازين} جمع ميزان وهو ما يوزن به الشيء فتعرف كميته.
وعن الحسن: هو ميزان له كفتان ولسان.
وإنما جمع الموازين لتعظيم شأنها كما في قوله: {يا أيها الرسل} [المؤمنون: 51] والوزن لصحائف الأعمال في قول {القسط} وصفت الموازين بالقسط وهو العدل مبالغة كأنها في نفسها قسط، أو على حذف المضاف أي ذوات القسط {لِيَوْمِ القيامة} لأهل يوم القيامة أي لأجلهم {فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} من الظلم {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ} وإن كان الشيء مثقال حبة {مثقال} بالرفع: مدني وكذا في لقمان على كان التامة {مّنْ خَرْدَلٍ} صفة لـ: {حبة} {أَتَيْنَا بِهَا} أحضرناها.
وأنت ضمير المثقال لإضافته إلى الحبة كقولهم ذهبت بعض أصابعه {وكفى بِنَا حاسبين} عالمين حافظين، عن ابن عباس رضي الله عنهما: لأن من حفظ شيئًا حسبه وعلّه.
{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء وَذِكْرًا} قيل: هذه الثلاثة هي التوراة فهي فرقان بين الحق والباطل، وضياء يستضاء به ويتوصل به إلى سبيل النجاة، وذكر أي شرف أو وعظ وتنبيه أو ذكر ما يحتاج الناس إليه في مصالح دينهم.
ودخلت الواو على الصفات كما في قوله: {وَسَيّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيّا} [آل عمران: 39] وتقول مررت بزيد الكريم والعالم والصالح.
ولما انتفع بذلك المتقون خصهم بقوله: {لّلْمُتَّقِينَ}.
ومحل {الذين} جر على الوصفية أو نصب على المدح أو رفع عليه {يَخْشَوْنَ رَبَّهُم} يخافونه {بالغيب} حال أي يخافونه في الخلاء {وَهُمْ مّنَ الساعة} القيامة وأهوالها {مُشْفِقُونَ} خائفون {وهذا} القرآن {ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} كثير الخير غزير النفع {أنزلناه} على محمد {أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} استفهام توبيخ أي جاحدون أنه منزل من عند الله. اهـ.