فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

{وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ}.
من الملائكة أو من الخلائق. {إِنّى إله مّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} يريد به نفي النبوة وادعاء ذلك عن الملائكة وتهديد المشركين بتهديد مدعي الربوبية. {كذلك نَجْزِى الظالمين} من ظلم بالإِشراك وادعاء الربوبية.
{أَوَ لَمْ يَرَ الذين كَفَرُواْ} أو لم يعلموا، وقرأ ابن كثير بغير واو. {أَنَّ السموات والأرض كَانَتَا رَتْقًا} ذات رتق أو مرتوقتين، وهو الضم والالتحام أي كانتا شيئًا واحدًا وحقيقة متحدة. {ففتقناهما} بالتنويع والتمييز، أو كانت السموات واحدة ففتقت بالتحريكات المختلفة حتى صارت أفلاكًا، وكانت الأرضون واحدة فجعلت باختلاف كيفياتها وأحوالها طبقات أو أقاليم. وقيل {كَانَتَا} بحيث لا فرجة بينهما ففرج. وقيل {كَانَتَا رَتْقًا} لا تمطر ولا تنبت ففتقناهما بالمطر والنبات، فيكون المراد بـ: {السموات} سماء الدنيا وجمعها باعتبار الآفاق أو {السموات} بأسرها على أن لها مدخلًا ما في الأمطار، والكفرة وإن لم يعلموا ذلك فهم متمكنون من العلم به نظرًا فإن الفتق عارض مفتقر إلى مؤثر واجب وابتداء أو بوسط، أو استفسارًا من العلماء ومطالعة للكتب، وإنما قال: {كَانَتَا} ولم يقل كن لأن المراد جماعة السموات وجماعة الأرض. وقرئ {رَتْقًا} بالفتح على تقدير شيئًا رتقًا أي مرتوقًا كالرفض بمعنى المرفوض. {وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شيء حَىٍّ} وخلقنا من الماء كل حيوان كقوله تعالى: {الله خالق كُلّ دَابَّةٍ مّن مَاء} وذلك لأنه من أعظم مواده أو لفرط احتياجه إليه وانتفاعه به بعينه، أو صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء لا يحيا دونه. وقرئ {حيًا} على أنه صفة {كُلَّ} أو مفعول ثان، والظرف لغو والشيء مخصوص بالحيوان. {أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ} مع ظهور الآيات.
{وَجَعَلْنَا في الأرض رَوَاسِىَ} ثابتات من رسا الشيء إذا ثبت. {أَن تَمِيدَ بِهِمْ} كراهة أن تميل بهم وتضطرب، وقيل لأن لا تميد فحذف لا لأمن الإِلباس. {وَجَعَلْنَا فِيهَا} في الأرض أو الرواسي. {فِجَاجًا سُبُلًا} مسالك واسعة وإنما قدم فجاجًا وهو وصف له ليصير حالًا فيدل على أنه حين خلقها خلقها كذلك، أو ليبدل منها {سُبُلًا} فيدل ضمنًا على أنه خلقها ووسعها للسابلة مع ما يكون فيه من التوكيد. {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} إلى مصالحهم.
{وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَّحْفُوظًا} عن الوقوع بقدرته أو الفساد والإِخلال إلى الوقت المعلوم بمشيئته، أو استراق السمع بالشهب. {وَهُمْ عَنْ ءاياتها} عن أحوالها الدالة على وجود الصانع ووحدته وكمال قدرته وتناهي حكمته التي يحس ببعضها ويبحث عن بعضها في علمي الطبيعة والهيئة. {مُّعْرِضُونَ} غير متفكرين.
{وَهُوَ الذي خَلَقَ اليل والنهار والشمس والقمر} بيان لبعض تلك الآيات. {كُلٌّ في فَلَكٍ} أي كل واحد منهما، والتنوين بدل من المضاف إليه والمراد بالفلك الجنس كقولهم: كساهم الأمير حلة. {يَسْبَحُونَ} يسرعون على سطح الفلك إسراع السابح على سطح الماء، وهو خبر {كُلٌّ} والجملة حال من {الشمس والقمر}، وجاز إنفرادهما بها لعدم اللبس والضمير لهما، وإنما جمع باعتبار المطالع وجعل الضمير واو العقلاء لأن السباحة فعلهم.
{وما جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ الخالدون} نزلت حين قالوا نتربص به ريب المنون وفي معناه قوله:
فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا ** سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا

والفاء لتعلق الشرط بما قبله والهمزة لإِنكاره بعد ما تقرر ذلك.
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} ذائقة مرارة مفارقتها جسدها، وهو برهان على ما أنكروه. {وَنَبْلُوكُم} ونعاملكم معاملة المختبر. {بالشر والخير} بالبلايا والنعم. {فِتْنَةً} ابتلاء مصدر من غير لفظه. {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} فنجازيكم حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر، وفيه إيماء بأن المقصود من هذه الحياة والابتلاء والتعريض للثواب والعقاب تقريرًا لما سبق.
{وَإِذَا رَآكَ الذين كَفَرُواْ إِن يَتَّخِذُونَكَ} ما يتخذونك. {إِلاَّ هُزُوًا} إلا مهزوءًا به ويقولون: {أهذا الذي يَذْكُرُ ءَالِهَتَكُمْ} أي بسوء، وإنما أطلقه لدلالة الحال فإن ذكر العدو لا يكون إلا بسوء. {وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن} بالتوحيد أو بإرشاد الخلق ببعث الرسل وإنزال الكتب رحمة عليهم أو بالقرآن. {هُمْ كافرون} منكرون فهم أحق أن يهزأ بهم، وتكرير الضمير للتأكيد والتخصيص ولحيلولة الصلة بينه وبين الخبر.
{خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} كأنه خلق منه لفرط استعجاله وقلة ثباته كقولك: خلق زيد من الكرم، جعل ما طبع عليه بمنزلة المطبوع وهو منه مبالغة في لزومه له ولذلك قيل: إِنه على القلب ومن عجلته مبادرته إلى الكفر واستعجال الوعيد. روي أنها نزلت في النضر بن الحارث حين استعجل العذاب. {سَأُوْرِيكُمْ ءاياتي} نقماتي في الدنيا كوقعة بدر وفي الآخرة عذاب النار. {فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} بالإِتيان بها، والنهي عما جبلت عليه نفوسهم ليقعدوها عن مرادها.
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} وقت وعد العذاب أو القيامة. {إِن كُنتُمْ صادقين} يعنون النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم.
{لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} محذوف الجواب و{حِين} مفعول {يَعْلَمُ} أي: لو يعلمون الوقت الذي يستعجلون منه بقولهم {متى هذا الوعد} وهو حين تحيط بهم النار من كل جانب بحيث لا يقدرون على دفعها ولا يجدون ناصرًا يمنعها لما استعجلوا، ويجوز أن يترك مفعول {يَعْلَمُ} ويضمر لحين فعل بمعنى: لو كان لهم علم لما استعجلوا يعلمون بطلان ما هم عليه حين لا يكفون، وإنما وضع الظاهر فيه موضع الضمير للدلالة على ما أوجب لهم ذلك.
{بَلْ تَأْتِيهِم} العدة أو النار أو الساعة. {بَغْتَةً} فجأة مصدر أو حال. وقرئ بفتح الغين. {فَتَبْهَتُهُمْ} فنغلبهم أو تحيرهم. وقرئ الفعلان بالياء والضمير لـ: {الوعد} أو ال {حِين} وكذا في قوله: {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا} لأن الوعد بمعنى النار أو العدة والحين بمعنى الساعة، ويجوز أن يكون لـ: {النار} أو لل {بَغْتَةً}. {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} يمهلون وفيه تذكير بإمهالهم في الدنيا.
{وَلَقَدِ استهزىء بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ} تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. {فَحَاقَ بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} وعد له بأن ما يفعلونه به يحيق بهم كما حاق بالمستهزئين بالأنبياء ما فعلوا يعني جزاءه.
{قُلْ} يا محمد للمستهزئين. {مَن يَكْلَؤُكُمْ} يحفظكم. {باليل وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحمَنِ} من بأسه إن أراد بكم، وفي لفظ {الرحمن} تنبيه على أن لا كالئ غير رحمته العامة وأن اندفاعه بمهلته {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ} لا يخطرونه ببالهم فضلًا أن يخافوا بأسه حتى إذا كلؤا منه عرفوا الكالي. وصلحوا للسؤال عنه.
{أَمْ لَهُمْ ءَالِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا} بل ألهم آلهة تمنعهم من العذاب تتجاوز منعنا، أو من عذاب يكون من عندنا والإِضرابان عن الأمر بالسؤال على الترتيب، فإنه عن المعرض الغافل عن الشيء بعيد وعن المعتقد لنقيضه أبعد. {لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ} استئناف بإبطال ما اعتقدوه فإن من لا يقدر على نصر نفسه ولا يصحبه نصر من الله فكيف ينصر غيره.
{بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَءَآبَاءَهُمْ حتى طَالَ عَلَيْهِمُ العمر} إضراب عما توهموا ببيان ما هو الداعي إلى حفظهم وهو الاستدراج والتمتع بما قدر لهم من الأعمار، أو عن الدلالة على بطلانه ببيان ما أوهمهم ذلك، وهو أنه تعالى متعهم بالحياة الدنيا وأمهلهم حتى طالت أعمارهم فحسبوا أن لا يزالوا كذلك وأنه بسبب ما هم عليه ولذلك عقبه بما يدل على أنه أمل كاذب فقال: {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الأرض} أرض الكفرة. {نَنقُصُهَا مِنْ أطرافها} بتسليط المسلمين عليها، وهو تصوير لما يجريه الله تعالى على أيدي المسلمين. {أَفَهُمُ الغالبون} رسول الله والمؤمنين.
{قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بالوحى} بما أوحي إلى. {وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعاء} وقرأ ابن عامر {ولا تسمع الصم} على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقرئ بالياء على أن فيه ضميره، وإنما سماهم {الصم} ووضعه موضع ضميرهم للدلالة على تصامهم وعدم انتفاعهم بما يسمعون. {إِذَا مَا يُنذَرُونَ} منصوب بـ: {يَسْمَعُ} أو بـ: {الدعاء} والتقييد به لأن الكلام في الإِنذار أو للمبالغة في تصامهم وتجاسرهم.
{وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ} أدنى شيء، وفيه مبالغات ذكر المس وما فيه النفحة من معنى القلة، فإن أصل النفح هبوب رائحة الشيء والبناء الدال على المرة. {مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ} من الذي ينذرون به. {لَيَقُولُنَّ ياويلنا إِنَّا كُنَّا ظالمين} لدعوا على أنفسهم بالويل واعترفوا عليها بالظلم.
{وَنَضَعُ الموازين القسط} العدل توزن بها صحائف الأعمال. وقيل وضع الموازين تمثيل لإِرصاد الحساب السوي والجزاء على حسب الأعمال بالعدل، وإفراد {القسط} لأنه مصدر وصف به للمبالغة. {لِيَوْمِ القيامة} لجزاء يوم القيامة أو لأهله، أو فيه كقولك: جئت لخمس خلون من الشهر. {فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} من حقها أو من الظلم. {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} أي وإن كان العمل أو الظلم مقدار حبة، ورفع نافع {مِثْقَالَ} على {كَانَ} التامة. {أَتَيْنَا بِهَا} أحضرناها، وقرئ {ءَاتَيْنَا} بمعنى جازينا بها من الإِيتاء فإنه قريب من أعطينا، أو من المؤاتاة فإنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء وأثبنا من الثواب وجئنا، والضمير للمثقال وتأنيثه لإِضافته إلى ال {حَبَّةٍ}. {وكفى بِنَا حاسبين} إذ لا مزيدة على علمنا وعدلنا.
{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} أي الكتاب الجامع لكونه فارقًا بين الحق والباطل، {وَضِيَاء} يستضاء به في ظلمات الحيرة والجهالة، {وَذِكْرًا} يتعظ به المتقون أو ذكر ما يحتاجون إليه من الشرائع. وقيل {الفرقان} النصر، وقيل فلق البحر وقرئ {ضِيَاء} بغير واو على أنه حال من {الفرقان}.
{الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم} صفة {لّلْمُتَّقِينَ} أو مدح لهم منصوب أو مرفوع. {بالغيب} حال من الفاعل أو المفعول. {وَهُمْ مِّنَ الساعة مُشْفِقُونَ} خائفون وفي تصدير الضمير وبناء الحكم عليه مبالغة وتعريض.
{وهذا ذِكْرٌ} يعني القرآن. {مُّبَارَكٌ} كثير خيره. {أنزلناه} على محمد عليه الصلاة والسلام. {أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} استفهام توبيخ. اهـ.

.قال ابن جزي:

{وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ} الآية على فرض أن لو قالوا ذلك، ولَكِنهم لا يقولونه، وإنما مقصد الآية الردّ على المشركين وقيل: إن الذي قال: إني إله هو إبليس لعنه الله.
{كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} الرتق مصدر وصف به، ومعناه الملتصق بعضه ببعض الذي لا صدع فيه ولا فتح، والفتق: الفتح فقيل: كانت السموات ملصقة بالأرض ففتقها الله بالهواء، وقيل كانت السموات ملتصقة بعضها ببعض، والأرضون كذلك ففتقهما الله سبعًا سبعًا، والرؤية في قوله: {أَوَلَمْ يَرَ} على هذه رؤية قلب، وقيل: فتق السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات، فالرؤية على هذه رؤية عين.
{وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} أي خلقنا من الماء كل حيوان، ويعني بالماء المنيّ. وقيل: الماء الذي يشرب لأنه سبب لحياة الحيوان، ويدخل في ذلك النبات باستعارة {رَوَاسِيَ} يعني الجبال {أَن تَمِيدَ} تقديره كراهية أن تميد {فِجَاجًا} يعني الطرق الكبار، وإعرابه عند الزمخشري حال من السبل، لأنه صفة تقدّمت على النكرة {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} يعني في طريقهم وتصرفاتهم.
{سَقْفًا مَّحْفُوظًا} أي حفظ من السقوط ومن الشياطين {عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} يعني الكواكب والأمطار والرعد والبرق وغير ذلك {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} التنوين في {كُلٌّ} عوض عن الإضافة أي: كلهم في فلك يسبحون يعني؛ الشمس والقمر، دون الليل والنهار، إذ لا يوصف الليل والنهار بالسبح في الفلك فالجملة في موضع حال من الشمس والقمر أو مستأنفًا، فإن قيل: لفظ كلّ ويسبحون جمع، فكيف يعني الشمس والقمر وهما اثنان؟ فالجواب: أنه أراد جنس مطالعها كل يوم وليلة، وهي كثيرة قاله الزمخشري وقال القزنوي: أراد الشمس والقمر وسائر الكواكب السيارة، وعبر عنهما بضمير الجماعة العقلاء في قوله: {يَسْبَحُونَ}، لأنه وصفهم بفعل العقلاء وهو السبح، فإن قيل: كيف قال في فلك، وهي أفلاك كثيرة؟ فالجواب أنه أراد كل واحد يسبح في فلكه، وذلك كقولهم: كساهم الأمير حلة أي كسا كل واحد منهم حلة، ومعنى الفلك جسم مستدير، وقال بعض المفسرين: إنه من موج، وذلك بعيد، والحق أنه لا يُعلم صفته وكيفيته إلا بإخبار صحيح عن الشارع، وذلك غير موجود، ومعنى يسبحون يجرون، أو يدورون، وهو مستعار من السبح بمعنى العوم في الماء، وقوله: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ} من المقلوب الذي يقرأ من الطرفين.
{وما جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد} سببها أن الكفار طعنوا على النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بشر يموت، وقيل: إنهم تمنوا موته ليشتموا به، وهذا أنسب لما بعده {أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخالدون} موضع دخول الهمزة فهم الخالدون وتقدمت لأن الاستفهام له صدر الكلام.
{كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت} أي كل نفس مخلوقة لابد لها أن تذوق الموت، والذوق هنا استعارة {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير} أي نختبركم بالفقر والغنى والصحة والمرض وغير ذلك من أحوال الدنيا، ليظهر الصبر على الشر والشكر على الخير، أو خلاف ذلك {فِتْنَةً} مصدر من معنى نبلوكم.
{أهذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} أي يذكرهم بالذم دلت على ذلك قرينة الحالن فإن الذكر قد يكون بذمّ أو مدح، والجملة تفسير للهزء أي يقولون: أهذا الذي {وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن هُمْ كَافِرُونَ} الجملة في موضع الحال أي كيف ينكرون ذمّك لآلهتهم وهم يكفرون بالرحمن، فهم أحق بالملامة، وقيل: معنى بذكر الرحمن تسميته بهذا الاسم، لأنهم أنكروها، والأول أغرق في ضلالهم.
{خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} خلق شديد الاستعجال وجاءت هذه العبارة للمبالغة: كقولهم خلق حاتم من جود، والإنسان هنا جنس، وسبب الآية: أن الكفار استعجلوا الآيات التي اقترحوها والعذاب الذي طلبوه، فذكر الله هذا توطئة لقوله: {فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ}، وقيل: المراد هنا آدم، لأنه لما وصلت الروح إلى صدره أراد أن يقوم. وهذا ضعيف، وقيل {مِنْ عَجَلٍ}: أي من طين، وهذا أضعف {سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي} وعيد وجواب على ما طلبوه من التعجيل {وَيَقُولُونَ} الآية: تفسير لاستعجالهم {الوعد} القيامة وقيل: نزول العذاب بهم.
{لَوْ يَعْلَمُ} جواب لو محذوف {حِينَ} مفعول به ليعلموا: أي لو يعلمون الوقت الذي يحيط بهم العذاب لآمنوا وما استعجلوا {بَلْ تَأْتِيهِم} الضمير الفاعل للنار، وقيل للساعة {تَبْهَتُهُمْ} أي تفجؤهم {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} أي لا يؤخرون عن العذاب {وَلَقَدِ استهزىء} الآية تسلية بالتأسي {فَحَاقَ} أي أحاط.
{مَن يَكْلَؤُكُم} أي من يحفظكم من أمر الله، ومن استفهامية، والمعنى تهديد، وإقامة حجة، لأنهم لو أجابوا عن هذا السؤال لاعترفوا أنهم ليس لهم مانع ولا حافظ، ثم جاء قوله: {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ} بمعنى أنهم إذا سئلوا عن ذلك السؤال لم يجيبوا عنه لأنهم تقوم عليهم الحجة إن أجابوا، ولَكِنهم يعرضون عن ذكر الله: أي عن الجواب الذي فيه ذكر الله، وقال الزمخشري: معنى الإضراب هنا أنهم معرضون عن ذكره، فضلًا عن أن يخافوا بأسه.
{أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا} أي تمنعهم من العذاب، وأم هنا للاستفهام، والمعنى الانكار والنفي، وذلك أنه لما سألهم عمن يكلؤهم: أخبر بعد ذلك أن آلهتهم لا تمنعهم ولا تحفظهم ثم احتج عن ذلك بقوله: {لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ}، فإن من لا ينصر نفسه أولى أن لا ينصر غيره {وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ} الضمير للكفار: أي لا يصحبون منا بنصر ولا حفظ.
{بَلْ مَتَّعْنَا هؤلاء} أي متعناهم بالنعم والعافية في الدنيا، فطغوا بذلك ونسوا عقاب الله، والإضراب ببل عن معنى الكلام المتقدم: أي لم يحملهم على الكفر والاستهزاء نصر ولا حفظ، بل حملهم على ذلك أنا متعناهم وآباءهم.
{نَنقُصُهَا مِنْ أطرافها} ذكر في [الرعد: 43] {وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعاء} إشارة إلى الكفار، والصم استعارة في إفراط إعراضهم {نَفْحَةٌ} أي خطرة وفيها تقليل العذاب، والمعنى أنهم لو رأوا أقل شيء من عذاب الله لأذعنوا واعترفروا بذنوبهم {وَنَضَعُ الموازين القسط} أي العدل، وإنما أفرد القسط وهو صفة للجمع، لأنه مصدر وصف به كالعدل والرضا، وعلى تقدير ذوات القسط، ومذهب أهل السنة أن الميزان يوم القيامة حقيقة، له كفتان ولسان وعمود توزن فيه الأعمال، والخفة والثقل متعلقة بالأجسام، وإما صحف الأعمال، أو ما شاء الله، وقالت: المعتزلة: إن الميزان عبارة عن العدل، في الجزاء {لِيَوْمِ القيامة}، وقال ابن عطية تقديره: لحساب يوم القيامة، أو لحكمة، فهو على حذف مضاف وقال الزمخشري: هو كقولك كتبت الكتاب لست خلون من الشعر {مِثْقَالَ حَبَّةٍ} أي وزنها والرفع على أن كان تامة، والنصب على أها ناقصة واسمها مضمر {الفرقان} هنا التوراة، وقل التفرقة بين الحق والباطل بالنصر وإقامة الحجة.
{وهذا ذِكْرٌ} يعني القرآن. اهـ.