فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قالوا أَجِئْتَنَا بالحق أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين}.
موهمين بهذا الكلام أنه يبعد أن يقدم على الإنكار عليهم جادًا في ذلك فعنده عدل صلى الله عليه وسلم إلى بيان التوحيد.
{قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرض الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)}.
اعلم أن القوم لما أوهموا أنه يمازح بما خاطبهم به في أصنامهم أظهر عليه السلام ما يعلمون به أنه مجد في إظهار الحق الذي هو التوحيد وذلك بالقول أولًا وبالفعل ثانيًا، أما الطريقة القولية فهي قوله: {بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السموات والأرض الذي فطَرَهُنَّ} وهذه الدلالة تدل على أن الخالق الذي خلقهما لمنافع العباد هو الذي يحسن أن يعبد لأن من يقدر على ذلك يقدر على أن يضر وينفع في الدار الآخرة بالعقاب والثواب.
فيرجع حاصل هذه الطريقة إلى الطريقة التي ذكرها لأبيه في قوله: {ياأبت لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا} [مريم: 42] قال صاحب الكشاف: الضمير في فطرهن للسموات والأرض أو للتماثيل، وكونه للتماثيل أدخل في الاحتجاج عليهم.
أما قوله: {وَأَنَاْ على ذلكم مّنَ الشاهدين} ففيه وجهان: الأول: أن المقصود منه المبالغة في التأكيد والتحقيق كقول الرجل إذا بالغ في مدح أحد أو ذمه أشهد أنه كريم أو ذميم.
والثاني: أنه عليه السلام عنى بقوله: {وَأَنَاْ على ذلكم مّنَ الشاهدين} ادعاء أنه قادر على إثبات ما ذكره بالحجة، وأني لست مثلكم فأقول ما لا أقدر على إثباته بالحجة، كما لم تقدروا على الاحتجاج لمذهبكم ولم تزيدوا على أنكم وجدتم عليه آباءكم، وأما الطريقة الفعلية فهي قوله: {وتالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ} فإن القوم لما لم ينتفعوا بالدلالة العقلية عدل إلى أن أراهم عدم الفائدة في عبادتها.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال صاحب الكشاف: قرأ معاذ بن جبل رضي الله عنه وبالله، وقرئ تولوا بمعنى تتولوا ويقويها قوله: {فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ} فإن قلت: ما الفرق بين الباء والتاء؟ قلت: إن الباء هي الأصل والتاء بدل من الواو المبدل منها والتاء فيها زيادة معنى وهو التعجب، كأنه تعجب من تسهيل الكيد على يده لأن ذلك كان أمرًا مقنوطًا منه لصعوبته.
المسألة الثانية:
إن قيل لماذا قال: {لأَكِيدَنَّ أصنامكم} والكيد هو الاحتيال على الغير في ضرر لا يشعر به وذلك لا يتأتى في الأصنام.
وجوابه: قال ذلك توسعًا لما كان عندهم أن الضرر يجوز عليها، وقيل: المراد لأكيدنكم في أصنامكم لأنه بذلك الفعل قد أنزل بهم الغم.
المسألة الثالثة:
في كيفية أول القصة وجهان: أحدهما: قال السدي: كانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها ثم عادوا إلى منازلهم، فلما كان هذا الوقت قال آزر لإبراهيم عليه السلام: لو خرجت معنا فخرج معهم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال إني سقيم أشتكي رجلي فلما مضوا وبقي ضعفاء الناس نادى وقال: {تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم} واحتج هذا القائل بقوله تعالى: {قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم}.
وثانيها: قال الكلبي: كان إبراهيم عليه السلام من أهل بيت ينظرون في النجوم وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم لم يتركوا إلا مريضًا فلما هم إبراهيم بالذي هم به من كسر الأصنام نظر قبل يوم العيد إلى السماء فقال لأصحابه: أراني أشتكي غدًا فذلك قوله؛ {فَنَظَرَ نَظْرَةً في النجوم فَقَالَ إِنّي سَقِيمٌ} [الصافات: 88، 89] وأصبح من الغد معصوبًا رأسه فخرج القوم لعيدهم ولم يتخلف أحد غيره فقال: أما والله لأكيدن أصنامكم، وسمع رجل منهم هذا القول فحفظه عليه ثم إن ذلك الرجل أخبر غيره وانتشر ذلك في جماعة فلذلك قال تعالى: {قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} واعلم أن كلا الوجهين ممكن.
ثم تمام القصة أن إبراهيم عليه السلام لما دخل بيت الأصنام وجد سبعين صنمًا مصطفة، وثم صنم عظيم مستقبل الباب وكان من ذهب وكان في عينيه جوهرتان تضيئان بالليل، فكسرها كلها بفأس في يده حتى لم يبق إلا الكبير، ثم علق الفأس في عنقه.
أما قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
إن قيل لم قال: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} وهذا جمع لا يليق إلا بالناس، جوابه: من حيث اعتقدوا فيها أنها كالناس في أنها تعظم ويتقرب إليها، ولعل كان فيهم من يظن أنها تضر وتنفع.
المسألة الثانية:
قال صاحب الكشاف: جذاذًا قطعًا من الجذ وهو القطع، وقرئ بالكسر والفتح وقرئ جذاذًا جمع جذيذ وجذذًا جمع جذة.
المسألة الثالثة:
إن قيل ما معنى: {إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ} قلنا: يحتمل الكبير في الخلقة ويحتمل في التعظيم ويحتمل في الأمرين.
وأما قوله: {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} فيحتمل رجوعهم إلى إبراهيم عليه السلام، ويحتمل رجوعهم إلى الكبير.
أما الأول: فتقريره من وجهين: الأول: أن المعنى أنهم لعلهم يرجعون إلى مقالة إبراهيم ويعدلون عن الباطل.
والثاني: أنه غلب على ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه لما تسامعوه من إنكاره لدينهم وسبه لآلهتهم فبكتهم بما أجاب به من قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَاسْئَلُوهُمْ} [الأنبياء: 63] أما إذا قلنا: الضمير راجع إلى الكبير ففيه وجهان: الأول: أن المعنى لعلهم يرجعون إليه كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات فيقولون ما لهؤلاء مكسورة وما لك صحيحًا والفأس على عاتقك.
وهذا قول الكلبي، وإنما قال ذلك بناء على كثرة جهالاتهم فلعلهم كانوا يعتقدون فيها أنها تجيب وتتكلم.
والثاني: أنه عليه السلام قال ذلك مع علمه أنهم لا يرجعون إليه استهزاء بهم، وإن قياس حال من يسجد له ويؤهل للعبادة أن يرجع إليه في حل المشكلات.
المسألة الرابعة:
إن قيل أولئك الأقوام إما أن يقال إنهم كانوا عقلاء أو ما كانوا عقلاء.
فإن كانوا عقلاء وجب أن يكونوا عالمين بالضرورة أن تلك الأصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر، فأي حاجة في إثبات ذلك إلى كسرها؟ أقصى ما في الباب أن يقال: القوم كانوا يعظمونها كما يعظم الواحد منا المصحف والمسجد والمحراب، وكسرها لا يقدح في كونها معظمة من هذا الوجه.
وإن قلنا: إنهم ما كانوا عقلاء وجب أن لا تحسن المناظرة معهم ولا بعثة الرسل إليهم.
الجواب: أنهم كانوا عقلاء وكانوا عالمين بالضرورة أنها جمادات ولَكِن لعلهم كانوا يعتقدون فيها أنها تماثيل الكواكب وأنها طلسمات موضوعة بحيث أن كل من عبدها انتفع بها وكل من استخف بها ناله منها ضرر شديد، ثم إن إبراهيم عليه السلام كسرها مع أنه ما ناله منها ألبتة ضرر فكان فعله دالًا على فساد مذهبهم من هذا الوجه. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا}.
قراءة الجمهور بضم الجيم، وقرأ الكسائي وحده بكسرها، وفيه وجهان:
أحدهما: حُطامًا، قاله ابن عباس، وهو تأويل من قرأ بالضم.
الثاني: قِطعًا مقطوعة، قال الضحاك: هو أن يأخذ من كل عضوين عضوًا ويترك عضوًا وهذا تأويل من قرأ بالكسر، مأخوذ من الجذ وهو القطع، قال الشاعر:
جَّذذ الأصنام في محرابها ** ذاك في الله العلي المقتدر

. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين} يعنون: أجادٌّ أنتَ، أم لاعب؟!
قوله تعالى: {لأكيدنَّ أصنامكم} الكيد: احتيال الكائد في ضرّ المكيد.
والمفسرون يقولون: لأكيدنها بالكسر {بعد أن تُوَلُّوا} أي: تذهبوا عنها، وكان لهم عيد في كل سنة يخرجون إِليه ولا يخلِّفون بالمدينة أحدًا، فقالوا لإبراهيم: لو خرجتَ معنا إِلى عيدنا أعجبكَ دِيننا، فخرج معهم، فلما كان ببعض الطريق، قال: إِني سقيم، وألقى نفسه، وقال سرًّا منهم: {وتالله لأكيدنَّ أصنامكم}، فسمعه رجل منهم، فأفشاه عليه، فرجع إِلى بيت الأصنام، وكانت فيما ذكره مقاتل بن سليمان اثنين وسبعين صنمًا من ذهب وفضة ونحاس وحديد وخشب، فكسرها، ثم وضع الفأس في عنق الصنم الكبير، فذلك قوله: {فجعلهم جُذاذًا} قرأ الأكثرون: {جُذاذًا} بضم الجيم.
وقرأ أبو بكر الصدّيق، وابن مسعود، وأبو رزين، وقتادة، وابن محيصن، والأعمش، والكسائي: {جِذاذًا} بكسر الجيم.
وقرأ أبو رجاء العطاردي، وأيوب السختياني، وعاصم الجحدري: {جَذاذًا} بفتح الجيم.
وقرأ الضحاك، وابن يعمر: {جَذذًا} بفتح الجيم من غير ألف.
وقرأ معاذ القارئ، وأبو حيوة، وابن وثَّاب: {جُذذًا} بضم الجيم من غير ألف.
قال أبو عبيدة: أي: مستأصَلين، قال جرير:
بَني المهلَّب جَذَّ اللهُ دَابِرَهُم ** أَمْسَوْا رَمَادًا فلا أصلٌ ولا طَرَفُ

أي: لم يَبْقَ منهم شيء، ولفظ جُذاذ يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكَّر والمؤنَّث.
وقال ابن قتيبة: {جُذاذًا} أي: فُتاتًا، وكلُّ شيء كسرتَه فقد جَذَذْتَه، ومنه قيل للسَّويق: الجذيذ.
وقرأ الكسائي: {جِذاذًا} بكسر الجيم على أنه جمع جَذيذ، مثل ثَقيل وثِقال، وخَفيف وخِفاف.
والجذيذ بمعنى: المجذوذ، وهو المكسور.
{إِلا كبيرًا لهم} أي: كسر الأصنامَ إِلا أكبرها.
قال الزجاج: جائز أن يكون أكبرها في ذاته، وجائز أن يكون أكبرها عندهم في تعظيمهم إِياهـ. {لعلَّهم إِليه يَرْجِعون}، في هاء الَكِناية قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى الصنم.
ثم فيه قولان:
أحدهما: لعلهم يرجعون إِليه فيشاهدونه، هذا قول مقاتل.
والثاني: لعلهم يرجعون إِليه بالتهمة، حكاه أبو سليمان الدمشقي.
والثاني: أنها ترجع إِلى إبراهيم.
والمعنى: لعلهم يرجعون إِلى دين إبراهيم بوجوب الحُجَّة عليهم، قاله الزجاج. اهـ.

.قال القرطبي:

{قالوا أَجِئْتَنَا بالحق} أي أجاءٍ أنت بحقّ فيما تقول؟ {أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين} أي لاعب مازح.
{قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض} أي لست بلاعب، بل ربكم والقائم بتدبيركم خالق السموات والأرض.
{الذي فطَرَهُنَّ} أي خلقهن وأبدعهن.
{وَأَنَاْ على ذلكم مِّنَ الشاهدين} أي على أنه رب السموات والأرض.
والشاهد يبين الحكم، ومنه {شَهِدَ اللَّهُ} بَيَّن الله؛ فالمعنى: وأنا أبيّن بالدليل ما أقول.
قوله تعالى: {وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} أخبر أنه لم يكتف بالمحاجّة باللسان بل كسر أصنامهم فِعل واثق بالله تعالى، موطن نفسه على مقاساة المكروه في الذبّ عن الدين.
والتاء في {تَاللَّهِ} تختص في القسم باسم الله وحده، والواو تختص بكل مظهر، والباء بكل مضمر ومظهر.
قال الشاعر:
تاللَّهِ يَبْقَى على الأيام ذو حِيَدٍ ** بمُشْمَخِرٍّ به الظَّيَّانُ والآسُ

وقال ابن عباس: أي وحرمة الله لأكِيدن أصنامكم، أي لأمكرنّ بها.
والكيد المكر.
كاده يكيده كيدًا ومكيدة، وكذلك المكايدة؛ وربما سمي الحرب كيدا؛ يقال: غزا فلان فلم يَلق كيدًا، وكل شيء تعالجه فأنت تكيده.
{بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ} أي منطلقين ذاهبين.
وكان لهم في كل سنة عيد يجتمعون فيه، فقالوا لإبراهيم: لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا روي ذلك عن ابن مسعود على ما يأتي بيانه في والصافاتِ فقال إبراهيم في نفسه: {وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ}.
قال مجاهد وقتادة: إنما قال ذلك إبراهيم في سر من قومه، ولم يسمعه إلا رجل واحد وهو الذي أفشاه عليه.
والواحد يخبر عنه بخبر الجمع إذا كان ما أخبر به مما يرضى به غيره.
ومثله {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل} [المنافقون: 8].
وقيل: إنما قاله بعد خروج القوم، ولم يبق منهم إلا الضعفاء فهم الذين سمعوه.
وكان إبراهيم احتال في التخلف عنهم بقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] أي ضعيف عن الحركة.
قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} أي فتاتًا.
والجذ الكسر والقطع؛ جذذت الشيء كسرته وقطعته.
والجِذاذ والجُذاذ ما كسر منه، والضم أفصح من كسره.
قاله الجوهري.
الكسائي: ويقال لحجارة الذهب جُذاذ؛ لأنها تكسر.
وقرأ الكسائي والأعمش وابن محيصن {جِذَاذًا} بكسر الجيم؛ أي كسرًّا وقطعًا جمع جَذيذ وهو الهشيم، مثل خَفيف وخِفاف وظَريف وظِراف.
قال الشاعر:
جَذَّذ الأصنام في مِحْرابِها ** ذاك في الله العليِّ المقتدِر

الباقون بالضم؛ واختاره أبو عبيد وأبو حاتم.
مثل الحُطام والرُّفات الواحدة جُذَاذة.
وهذا هو الكيد الذي أقسم به ليفعلنه بها.
وقال: {فجعلهم}؛ لأن القوم اعتقدوا في أصنامهم الإلهية.
وقرأ ابن عباس وأبو نهيك وأبو السمال {جَذَاذًا} بفتح الجيم؛ والفتح والكسر لغتان كالحَصاد والحِصاد.
أبو حاتم: الفتح والكسر والضم بمعنى؛ حكاه قطرب.
{إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ} أي عظيم الآلهة في الخلق فإنه لم يكسره.
وقال السدي ومجاهد: ترك الصنم الأكبر وعلّق الفأس الذي كسر به الأصنام في عنقه؛ ليحتج به عليهم.
{لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ} أي إلى إبراهيم ودينه {يَرْجِعُونَ} إذا قامت الحجة عليهم.
وقيل: {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ} أي إلى الصنم الأكبر {يَرْجِعُونَ} في تكسيرها. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالُواْ} لما سمعوا مقالته عليه السلام استبعادًا لكون ما هم عليه ضلالًا وتعجبًا من تضليله عليه السلام إياهم بطريق التوكيدِ القسمي، وترددًا في كون ذلك منه عليه السلام على وجه الجد {أَجِئْتَنَا بالحق} أي بالجِد {أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين} فتقول ما تقول على وجه المداعبةِ والمزاحِ، وفي إيراد الشِّقِّ الأخير بالجملة الاسميةِ الدالة على الثبات إيذانٌ برُجْحانه عندهم. {قَالَ} عليه السلام إضرابًا عما بنَوا عليه مقالتَهم من اعتقاد كونِها أربابًا لهم كما يُفصح عنه قولهم: نعبدُ أصنامًا فنظل لها عاكفين، كأنه قيل: ليس الأمر كذلك {بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السموات والأرض الذي فطَرَهُنَّ} وقيل: هو إضرابٌ عن كونه لاعبًا بإقامة البرهانِ على ما ادّعاهـ. وضميرُ هن للسموات والأرض، وصَفه تعالى بإيجادهن إثرَ وصفِه تعالى بربوبيته تعالى لهن تحقيقًا للحق وتنبيهًا على أن ما لا يكون كذلك بمعزل من الربوبية، أي أنشأهن بما فيهن من المخلوقات التي من جملتها أنتم وآباؤكم وما تعبدونه من غير مثال يَحتذيه ولا قانونٍ ينتحيه، ورجْعُ الضمير إلى التماثيل أدخلُ في تضليلهم وأظهرُ في إلزام الحجة عليهم لما فيه من التصريح المغني عن التأمل في كون ما يعبُدونه من جملة المخلوقات {وَأَنَاْ على ذلكم} الذي ذكرتُه من كون ربكم ربَّ السموات والأرض فقط دون ما عداه كائنًا ما كان {مّنَ الشاهدين} أي العالِمين به على سبيل الحقيقةِ المُبرهنين عليه فإن الشاهدَ على الشيء مَنْ تحققه وحقّقه، وشهادتُه على ذلك إدلاؤه بالحجة عليه وإثباتُه بها، كأنه قال: وأنا أبين ذلك وأبرهن عليه {وتالله} وقرى بالباء وهو الأصلُ والتاء بدل من الواو التي هي بدل من الأصل وفيها تعجب {لاكِيدَنَّ أصنامكم} أي لأجتهدنّ في كسرها وفيه إيذانٌ بصعوبة الانتهاز وتوقّفِه على استعمال الحيل وإنما قاله عليه السلام سرًّا، وقيل: سمعه رجل واحد {بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ} من عبادتها إلى عيدكم، وقرئ تَوَلّوا من التولي بحذف إحدى التاءين ويعضُدها قوله تعالى: {فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ} والفاء في قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ} فصيحةٌ أي فولَّوا فجعلهم {جُذَاذًا} أي قُطاعًا فُعال بمعنى مفعول من الجذّ الذي هو القطعُ كالحُطام من الحطْم الذي هو الكسرُ، وقرئ بالكسر وهي لغة أو جمعُ جذيذ كخِفاف وخفيف، وقرئ بالفتح وجُذُذًا جمع جذيذ وجُذَذًا جمع جُذة. روي أن آزر خرج به في يوم عيدٍ لهم فبدأوا ببيت الأصنام فدخلوه فسجدوا لها ووضعوا بينها طعامًا خرجوا به معهم وقالوا: إلى أن تَرجِعَ بركتَه الآلهةُ على طعامنا، فذهبوا وبقيَ إبراهيم عليه السلام فنظر إلى الأصنام وكانت سبعين صنمًا مصطفًّا وثمّةَ صنمٌ عظيم مستقبلَ الباب، وكان من ذهب وفي عينيه جوهرتان تضيئان بالليل فكسر الكلَّ بفأس كانت في يده ولم يبق إلا الكبيرُ وعلّق الفأس في عنقه وذلك قوله تعالى: {إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ} أي للأصنام {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ} أي إلى إبراهيم عليه السلام {يَرْجِعُونَ} فيحاجّهم بما سيأتي فيحجّهم ويبكّتهم، وقيل: يرجعون إلى الكبير فيسألونه عن الكاسر لأن من شأن المعبودِ أن يُرجَعَ إليه في المُلمّات، وقيل: يرجِعون إلى الله تعالى وتوحيدِه عند تحقّقهم عجزَ آلهتِهم عن دفع ما يصيبهم وعن الإضرار بمن كسرهم. اهـ.