فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)}.
اعلم أنه تعالى لما بين ما أظهره إبراهيم عليه السلام من دلائل التوحيد وإبطال ما كانوا عليه من عبادة التماثيل أتبعه بما يدل على جهلهم، وأنهم: {قَالُواْ حَرّقُوهُ وانصروا ءَالِهَتَكُمْ} وهاهنا مسائل:
المسألة الأولى:
ليس في القرآن من القائل لذلك والمشهور أنه نمروذ بن كنعان بن سنجاريب بن نمروذ بن كوش بن حام بن نوح، وقال مجاهد: سمعت ابن عمر يقول: إنما أشار بتحريق إبراهيم عليه السلام رجل من الكرد من إعراب فارس، وروى ابن جريج عن وهب عن شعيب الجبائي قال: إن الذي قال حرقوه رجل اسمه هيرين، فخسف الله تعالى به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.
المسألة الثانية:
أما كيفية القصة فقال مقاتل: لما اجتمع نمروذ وقومه لإحراق إبراهيم حبسوه في بيت وبنوا بنيانًا كالحظيرة، وذلك قوله: {قَالُواْ ابنوا لَهُ بنيانا فَأَلْقُوهُ في الجحيم} [الصافات: 97] ثم جمعوا له الحطب الكثير حتى أن المرأة لو مرضت قالت: إن عافاني الله لأجعلن حطبًا لإبراهيم، ونقلوا له الحطب على الدواب أربعين يوما، فلما اشتعلت النار اشتدت وصار الهواء بحيث لو مر الطير في أقصى الهواء لاحترق، ثم أخذوا إبراهيم عليه السلام ورفعوه على رأس البنيان وقيدوه، ثم اتخذوا منجنيقًا ووضعوه فيه مقيدًا مغلولًا، فصاحت السماء والأرض ومن فيها من الملائكة إلا الثقلين صيحة واحدة، أي ربنا ليس في أرضك أحد يعبدك غير إبراهيم، وإنه يحرق فيك فأذن لنا في نصرته، فقال سبحانه: إن استغاث بأحد منكم فأغيثوه، وإن لم يدع غيري فأنا أعلم به وأنا وليه، فخلوا بيني وبينه، فلما أرادوا إلقاءه في النار، أتاه خازن الرياح فقال: إن شئت طيرت النار في الهواء، فقال إبراهيم عليه السلام: لا حاجة بي إليكم، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: «اللهم أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض، ليس في الأرض أحد يعبدك غيري، أنت حسبنا ونعم الوكيل» وقيل إنه حين ألقي في النار قال: «لا إله إلا أنت سبحانك ربك العالمين، لك الحمد ولك الملك، لا شريك لك» ثم وضعوه في المنجنيق ورموا به النار، فأتاه جبريل عليه السلام وقال: يا إبراهيم هل لك حاجة، قال: أما إليك فلا؟ قال: فاسأل ربك، قال: حسبي من سؤالي، علمه بحالي.
فقال الله تعالى: {قُلْنَا يا نار كُونِى بَرْدًا وسلاما على إبراهيم} وقال السدي: إنما قال ذلك جبريل عليه السلام، قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية مجاهد: ولو لم يتبع بردًا سلامًا لمات إبراهيم من بردها، قال: ولم يبق يومئذ في الدنيا نار إلا طفئت، ثم قال السدي: فأخذت الملائكة بضبعي إبراهيم وأقعدوه في الأرض، فإذا عين ماء عذب، وورد أحمر، ونرجس.
ولم تحرق النار منه إلا وثاقه، وقال المنهال بن عمرو أخبرت أن إبراهيم عليه السلام لما ألقى في النار كان فيها إما أربعين يوما أو خمسين يوما، وقال: ما كنت أيامًا أطيب عيشًا مني إذ كنت فيها، وقال ابن إسحق: بعث الله ملك الظل في صورة إبراهيم، فقعد إلى جنب إبراهيم يؤنسه، وأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة، وقال: يا إبراهيم إن ربك يقول: أما علمت أن النار لا تضر أحبابي، ثم نظر نمروذ من صرح له وأشرف على إبراهيم فرآه جالسًا في روضة، ورأى الملك قاعدًا إلى جنبه وما حوله نار تحرق الحطب، فناداه نمروذ: يا إبراهيم هل تستطيع أن تخرج منها؟ قال: نعم، قال: قم فاخرج، فقام يمشي حتى خرج منها، فلما خرج قال له نمروذ: من الرجل الذي رأيته معك في صورتك؟ قال: ذاك ملك الظل أرسله ربي ليؤنسني فيها. فقال نمروذ: إني مقرب إلى ربك قربانًا لما رأيت من قدرته وعزته فيما صنع بك.
فإني ذابح له أربعة آلاف بقرة، فقال إبراهيم عليه السلام: لا يقبل الله منك ما دمت على دينك، فقال نمروذ: لا أستطيع ترك ملكي، ولَكِن سوف أذبحها له، ثم ذبحها له وكف عن إبراهيم عليه السلام، ورويت هذه القصة على وجه آخر، وهي أنهم بنوا لإبراهيم بنيانًا وألقوه فيه، ثم أوقدوا عليه النار سبعة أيام، ثم أطبقوا عليه، ثم فتحوا عليه من الغد، فإذا هو غير محترق يعرق عرقًا، فقال لهم هاران أبو لوط: إن النار لا تحرقه لأنه سحر النار، ولَكِن اجعلوه على شيء وأوقدوا تحته فإن الدخان يقتله، فجعلوه فوق بئر وأوقدوا تحته، فطارت شرارة فوقعت في لحية أبي لوط فأحرقته.
المسألة الثالثة:
إنما اختاروا المعاقبة بالنار لأنها أشد العقوبات، ولهذا قيل: {إِن كُنتُمْ فاعلين} أي إن كنتم تنصرون آلهتكم نصرًا شديدًا، فاختاروا أشد العقوبات وهي الإحراق.
أما قوله تعالى: {قُلْنَا يا نارُ كُونِي بَرْدًا وسلاما على إبراهيم} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال أبو مسلم الأصفهاني في تفسير قوله تعالى: {قُلْنَا يا نارُ كُونِي بَرْدًا} المعنى أنه سبحانه جعل النار بردًا وسلامًا، لا أن هناك كلامًا كقوله: {أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} أي يكونه، وقد احتج عليه بأن النار جماد فلا يجوز خطابه، والأكثرون على أنه وجد ذلك القول.
ثم هؤلاء لهم قولان: أحدهما: وهو قول سدي: أن القائل هو جبريل عليه السلام.
والثاني: وهو قول الأكثرين أن القائل هو الله تعالى، وهذا هو الأليق الأقرب بالظاهر، وقوله: النار جماد فلا يكون في خطابها فائدة، قلنا: لم لا يجوز أن يكون المقصود من ذلك الأمر مصلحة عائدة إلى الملائكة.
المسألة الثانية:
اختلفوا في أن النار كيف بردت على ثلاثة أقوال: أحدها: أن الله تعالى أزال عنها ما فيها من الحر والإحراق، وأبقى ما فيها من الإضاءة والإشراق والله على كل شيء قدير.
وثانيها: أن الله تعالى خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار إليه، كما يفعل بخزنة جهنم في الآخرة، وكما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة وبدن السمندل بحيث لا يضره المكث في النار.
وثالثها: أنه سبحانه خلق بينه وبين النار حائلًا يمنع من وصول أثر النار إليه، قال المحققون: والأول أولى لأن ظاهر قوله: {يا نار كُونِي بَرْدًا} أن نفس النار صارت باردة حتى سلم إبراهيم من تأثيرها، لا أن النار بقيت كما كانت، فإن قيل: النار جسم موصوف بالحرارة واللطافة، فإذا كانت الحرارة جزء من مسمى النار امتنع كون النار باردة، فإذًا وجب أن يقال: المراد من النار الجسم الذي هو أحد أجزاء مسمى النار وذلك مجاز فلم كان مجازكم أولى من المجازين الآخرين؟ قلنا: المجاز الذي ذكرناه يبقى معه حصول البرد وفي المجازين اللذين ذكرتموهما لا يبقى ذلك فكان مجازنا أولى.
أما قوله تعالى: {كُونِي بَرْدًا وسلاما على إبراهيم} فالمعنى أن البرد إذا أفرط أهلك كالحر بل لابد من الإعتدال ثم في حصول الاعتدال ثلاثة أوجه: أحدها: أنه يقدر الله تعالى بردها بالمقدار الذي لا يؤثر.
وثانيها: أن بعض النار صار بردًا وبقي بعضها على حرارته فتعادل الحر والبرد.
وثالثها: أنه تعالى جعل في جسمه مزيد حر فسلم من ذلك البرد بل قد انتفع به والتذ.
ثم هاهنا سؤالات:
السؤال الأول: أو كل النار زالت وصارت بردًا.
الجواب: أن النار هو اسم الماهية فلابد وأن يحصل هذا البرد في الماهية ويلزم منه عمومه في كل أفراد الماهية، وقيل: بل اختص بتلك النار لأن الغرض إنما تعلق ببرد تلك النار وفي النار منافع للخلق فلا يجوز تعطيلها، والمراد خلاص إبراهيم عليه السلام لا إيصال الضرر إلى سائر الخلق.
السؤال الثاني: هل يجوز ما روي عن الحسن من أنه سلام من الله تعالى على إبراهيم عليه السلام.
الجواب الظاهر كما أنه جعل النار بردًا جعلها سلامًا عليه حتى يخلص، فالذي قاله يبعد وفيه تشتيت الكلام المرتب.
السؤال الثالث: أفيجوز ما روي من أنه لو لم يقل وسلامًا لأتى البرد عليه.
والجواب: ذلك بعيد لأن برد النار لم يحصل منها وإنما حصل من جهة الله تعالى فهو القادر على الحر والبرد فلا يجوز أن يقال: كان البرد يعظم لولا قوله سلامًا.
السؤال الرابع: أفيجوز ما قيل من أنه كان في النار أنعم عيشًا منه في سائر أحواله.
والجواب: لا يمتنع ذلك لما فيه من مزيد النعمة عليه وكمالها، ويجوز أن يكون إنما صار أنعم عيشًا هناك لعظم ما ناله من السرور بخلاصه من ذلك الأمر العظيم ولعظم شروره بظفره بأعدائه وبما أظهره من دين الله تعالى.
أما قوله تعالى: {وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْدًا فجعلناهم الأخسرين} أي أرادوا أن يكيدوه فما كانوا إلا مغلوبين، غالبوه بالجدال فلقنه الله تعالى الحجة المبكتة، ثم عدلوا القوة والجبروت فنصره وقواه عليهم، ثم إنه سبحانه أتم النعمة عليه بأن نجاه ونجى لوطًا معه وهو ابن أخيه وهو لوط بن هاران إلى الأرض التي بارك فيها للعالمين.
وفي الأخبار أن هذه الواقعة كانت في حدود بابل فنجاه الله تعالى من تلك البقعة إلى الأرض المباركة، ثم قيل: إنها مكة وقيل أرض الشام لقوله تعالى: {إلى المسجد الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1] والسبب في بركتها، أما في الدين فلأن أكثر الأنبياء عليهم السلام بعثوا منها وانتشرت شرائعهم وآثارهم الدينية فيها، وأما في الدنيا فلأن الله تعالى بارك فيها بكثرة الماء والشجر والثمر والخصب وطيب العيش، وقيل: ما من ماء عذب إلا وينبع أصله من تحت الصخرة التي ببيت المقدس.
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)}.
اعلم أنه تعالى بعد ذكره لإنعامه على إبراهيم وعلى لوط بأن نجاهما إلى الأرض المباركة أتبعه بذكر غيره من النعم، وإنما جمع بينهما لأن في كون لوط معه مع ما كان بينهما من القرابة والشركة في النبوة مزيد إنعام، ثم إنه سبحانه ذكر النعم التي أفاضها على إبراهيم عليه السلام ثم النعم التي أفاضها على لوط، أما الأول فمن وجوه؛ أحدها: {وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} واعلم أن النافلة العطية خاصة وكذلك النفل ويسمى الرجل الكثير العطايا نوفلًا، ثم للمفسرين هاهنا قولان: الأول: أنه هاهنا مصدر من وهبنا له مصدر من غير لفظه ولا فرق بين ذلك وبين قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ} هبة أي وهبناهما له عطية وفضلًا من غير أن يكون جزاء مستحقًّا، وهذا قول مجاهد وعطاء.
والثاني: وهو قول أبي بن كعب وابن عباس وقتادة والفراء والزجاج: أن إبراهيم عليه السلام لما سأل الله ولدًا قال: {رَبّ هَبْ لِي مِنَ الصالحين} [الصافات: 100] فأجاب الله دعاءه: ووهب له إسحق وأعطاه يعقوب من غير دعائه فكان ذلك: {نَافِلَةً} كالشيء المتطوع به من الآدميين فكأنه قال: {وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق} إجابة لدعائه: ووهبنا له يعقوب نافلة على ما سأل كالصلاة النافلة التي هي زيادة على الفرض وعلى هذا النافلة يعقوب خاصة.
والوجه الأول: أقرب لأنه تعالى جمع بينهما، ثم ذكر قوله: {نافلة} فإذا صلح أن يكون وصفًا لهما فهو أولى.
النعمة الثانية: قوله تعالى: {وَكُلًا جَعَلْنَا صالحين} أي وكلا من إبراهيم وإسحق ويعقوب أنبياء مرسلين، هذا قول الضحاك وقال آخرون عاملين بطاعة الله عز وجل مجتنبين محارمه.
والوجه الثاني: أقرب لأن لفظ الصلاح يتناول الكل لأنه سبحانه قال بعد هذه الآية: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات} فلو حملنا الصلاح على النبوة لزم التكرار واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى لأن قوله؛ {وَكُلًا جَعَلْنَا صالحين} يدل على أن ذلك الصلاح من قبله، أجاب الجبائي بأنه لو كان كذلك لما وصفهم بكونهم صالحين وبكونهم أئمة وبكونهم عابدين.
ولما مدحهم بذلك، ولما أثنى عليهم، وإذا ثبت ذلك فلابد من التأويل وهو من وجهين: الأول: أن يكون المراد أنه سبحانه آتاهم من لطفه وتوفيقه ما صلحوا به.
والثاني: أن يكون المراد أنه سماهم بذلك كما يقال: زيد فسق فلانًا وضلله وكفره إذا وصفه بذلك وكان مصدقًا عند الناس، وكما يقال في الحاكم: زكى فلانًا وعدله وجرحه إذا حكم بذلك.
واعلم أن هذه الوجوه مختلة، أما اعتمادهم على المدح والذم.
فالجواب المعهود أن نعارضه بمسألتي الداعي والعلم، وأما الحمل على اللطف فباطل لأن فعل الإلطاف عام في المكلفين فلابد في هذا التخصيص من مزيد فائدة، وأيضًا فلأن قوله: جعلته صالحًا، كقوله جعلته متحركًا، فحمله على تحصيل شيء سوى الصلاح ترك للظاهر، وأما الحمل على التسمية فهو أيضًا مجاز أقصى ما في الباب أنه قد يصار إليه عند الضرورة في بعض المواضع وهاهنا لا ضرورة إلا أن يرجعوا مرة أخرى إلى فصل المدح والذم، فحينئذ نرجع أيضًا إلى مسألتي الداعي والعلم.
النعمة الثالثة: قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} وفيه قولان: أحدهما: أي جعلناهم أئمة يدعون الناس إلى دين الله تعالى والخيرات بأمرنا وإذننا.
الثاني: قول أبي مسلم أن هذه الإمامة هي النبوة، والأول أولى لئلا يلزم التكرار، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أمرين: أحدهما: على خلق الأفعال بقوله: {وجعلناهم أَئِمَّةً} وتقريره ما مضى.
والثاني: على أن الدعوة إلى الحق والمنع عن الباطل لا يجوز إلا بأمر الله تعالى لأن الأمر لو لم يكن معتبرًا لما كان في قوله بأمرنا فائدة.
النعمة الرابعة: قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات} وهذا يدل على أنه سبحانه خصهم بشرف النبوة وذلك من أعظم النعم على الأب، قال الزجاج: حذف الهاء من إقامة الصلاة لأن الإضافة عوض عنه، وقال غيره: الإقام والإقامة مصدر، قال أبو القاسم الأنصاري: الصلاة أشرف العبادات البدنية وشرعت لذكر الله تعالى، والزكاة أشرف العبادات المالية ومجموعهما التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلق الله، واعلم أنه سبحانه وصفهم أولًا بالصلاح لأنه أول مراتب السائرين إلى الله تعالى ثم ترقى فوصفهم بالإمامة. ثم ترقى فوصفهم بالنبوة والوحي.
وإذا كان الصلاح الذي هو العصمة أول مراتب النبوة دل ذلك على أن الأنبياء معصومون فإن المحروم عن أول المراتب أولى بأن يكون محروما عن النهاية، ثم إنه سبحانه كما بين أصناف نعمه عليهم بين بعد ذلك اشتغالهم بعبوديته فقال: {وَكَانُواْ لَنَا عابدين} كأنه سبحانه وتعالى لما وفى بعهد الربوبية في الإحسان والإنعام فهم أيضًا وفوا بعهد العبودية وهو الاشتغال بالطاعة والعبادة. اهـ.

.قال الماوردي:

{قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَانْصُرُواْ ءَالِهَتَكُمْ إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} وفي الذي أشار عليهم بذلك قولان:
أحدهما: أنه رجل من إعراب فارس يعني أكراد فارس، قاله ابن عمر، ومجاهد. وابن جريج.
الثاني: أنه هيزون فخسف الله به الأرض وهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. وقيل إن إبراهيم حين أوثق ليلقى في النار فقال: لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك.
وقال عبد الله بن عمر: كانت كلمة إبراهيم حين أُلقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل.
قال قتادة: فما أحرقت النار منه إلا وثاقه.
قال ابن جريج: ألقي إبراهيم في النار وهو ابن ست وعشرين سنة.
وقال كعب: لم يبق في الأرض يومئذ إلا من يطفىء عن إبراهيم النار، إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه، فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها.
قال الكلبي: بنواْ له أتونًا ألقوه فيه، وأوقدوا عليه النار سبعة أيام، ثم أطبقوه عليه وفتحوه من الغد، فإذا هو عرق أبيض لم يحترق، وبردت نار الأرض فما أنضجت يومئذ كراعًا.
قوله تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إبراهيم} جعل الله فيها بردًا يدفع حرها، وحرًا يدفع بردها، فصارت سلامًا عليه.
قال أبو العالية: ولو لم يقل سلامًا لكان بردها أشد عليه من حرها، ولو لم يقل {على إبراهيم} لكان بردها باقيا على الأبد.
قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا}.
قيل إن لوط كان ابن أخي إبراهيم فآمن به، قال تعالى: {فَأَمَنَ لَهُ لُوطُ} [العنكبوت: 26] فلذلك نجاهما الله.
{إِلَى الأرض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: من أرض العراق إلى أرض الشام قاله قتادة، وابن جريج.
الثاني: إلى أرض بيت المقدس، قاله أبو العوام.
الثالث: إلى مكة، قاله ابن عباس.
وفي بركتها ثلاثة أقاويل: أحدها: أن منها بعث الله أكثر الأنبياء.
الثاني: لكثرة خصبها ونمو نباتها.
الثالث: عذوبة مائها وتفرقه في الأرض منها. قال أبو العالية: ليس ماء عذب إلا يهبط من السماء إلى الصخرة التي ببيت المقدس، ثم يتفرق في الأرض.
قال كعب الأحبار، والذي نفسي بيده إن العين التي بدارين لتخرج من تحت هذه الصخرة، يعني عينًا في البحر.
قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن النافلة الغنيمة، قال لبيد:
لله نافلة الأفضل

الثاني: أن النافلة الابن، حكاه السدي.
الثالث: أنها الزيادة في العطاء. وفيما هو زيادة قولان:
أحدهما: أن يعقوب هو النافلة، لأنه دعا بالولد فزاده الله ولد الولد، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني: أن إسحاق ويعقوب هما جميعًا نافلة، لأنهما زيادة على ما تقدم من النعمة عليه، قاله مجاهد، وعطاء. اهـ.