فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)}.
قوله: {لِحُكْمِهِمْ}: في الضميرِ المضافِ إليه حكمَ أوجهٌ. أحدُها أنه ضميرٌ يُرادُ به المثنى، وإنَّما وقع الجمعُ موقعَ التثنيةِ مجازًا، أو لأنَّ التثنيةَ جمعٌ، وأقلُّ الجمعِ اثنان. ويدل على أنَّ المرادَ التثنيةُ قراءةُ ابن عباس لحُكْمِهما بصيغةِ التثنيةِ. الثاني: أنَّ المصدرَ مضافٌ للحاكِمِيْن وهما داودُ وسليمانُ والمحكوم له والمحكوم، وعليه فهؤلاء جماعةٌ. وهذا يلزَمُ منه إضافة المصدرِ لفاعلِه ومفعولِه دُفْعَةً واحدةً، وهو إنما يُضافُ لأحدِهما فقط. وفيه الجمعُ بين الحقيقةِ والمجازِ، فإنَّ الحقيقةَ إضافة المصدرِ لفاعِله، والمجازَ إضافتُه لمفعولِه، والثالث: أن هذا مصدرٌ لا يُرادُ به الدلالةُ على عِلاجٍ، بل جِيْءَ به للدلالةِ على أنَّ هذا الحدثَ وقع وصدَر كقولهم: له ذكاءٌ ذكاءَ الحكماءِ وفَهْمٌ فهمَ الأذكياء، فلا يَنْحَلُّ لحرفٍ مصدريٍّ وفعلٍ، وإذا كان كذلك فهو مضافٌ في المعنى للحاكمِ والمحكومِ له والمحكومِ عليه. ويَنْدَفع المحذوران المذكوران.
{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)}.
وقرأ العامَّة: {فَفَهَّمْناها} بالتضعيفِ الذي للتعدية، والضميرُ للمسألةِ أو للفُتْيا. وقرأ عكرمةُ {فَأَفْهَمْناها} بالهمزةِ عَدَّاه بالهمزةِ، كما عَدَّاه العامَّةُ بالتضعيف.
قوله: {يُسَبِّحْنَ} في موضعِ نصبٍ على الحال. و{الطيرَ} يجوز أن ينتصبَ نَسَقًا على الجبالِ، وأن ينتصِبَ على المفعولِ معه. وقيل: {يُسَبِّحْن} مستأنفٌ فلا محلَّ له. وهو بعيدٌ، وقرئ: {والطيرُ} رفعًا، وفيه وجهان. أحدهما: أنه مبتدأٌ والخبرُ محذوفٌ أي: والطيرُ مُسَخَّراتٌ أيضًا. والثاني: أنه نَسَقٌ على الضمير في {يُسَبِّحْن} ولم يؤكَّدْ ولم يُفْصَلْ، وهو موافق لمذهب الكوفيين.
والنَّفْشُ: الانتشارُ، ومنه {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] ونَفَشَتِ الماشيةُ: أي: رَعَتْ ليلًا بغير راعٍ عكسَ الهَمَلِ وهو رَعْيُها نهارًا مِنْ غيرِ راعٍ.
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)}.
قوله: {لَبُوسٍ}: الجمهورُ على فتح اللام، وهو الشيءُ المُعَدُّ لِلُّبْس. قال الشاعر:
البَسْ لكلِّ حالةٍ لَبُوْسَها ** إمَا نَعيمَها وإمَا بُوْسَها

وقرئ: {لُبُوْس} بضمِّها، وحينئذٍ: إمَا أَنْ يكونَ جمعَ لُبْسِ المصدرِ الواقعِ موقعَ المفعول، وإمَا أَنْ لا يكونَ واقعًا موقعَه، والأول أقربُ. و{لكم} يجوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بعَلَّمْناهـ. وأَنْ يتعلَّقَ بصَنْعَة. قاله أبو البقاء. وفيه بُعْد، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لِلَبوس.
قوله: {لِتُحْصِنَكُمْ} هذه لامُ كي. وفي متعلِّقها أوجهٌ، أحدها: أن يتعلَّقَ بَعَلَّمْناه. وهذا ظاهرٌ على القولين الأخيرين. وأمَا على القولِ الثالثِ فيُشْكِلُ. وذلك أنه يلزمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جر متحدَيْن لفظًا ومعنىً. ويُجاب عنه: بأَنْ يُجْعَلَ بدلًا من {لكم} بإعادةِ العاملِ، كقوله تعالى: {لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ} [الزخرف: 33] وهو بدلُ اشتمالٍ وذلك أنَّ {أن} الناصبةَ للفعلِ المقدرِ مؤولةٌ هي ومنصوبُها بمصدرٍ. وذلك المصدرُ بدلٌ من ضميرِ الخطابِ في لكم بدلُ اشتمالٍ، والتقدير: وعَلَّمْناه صنعةَ لَبوسٍ لتحصينِكم.
الثاني: أَنْ يتعلَّقَ بـ: {صَنْعَةَ} على معنى أنه بدلٌ من لكم كما تقدَّم تقريرُه، وذلك على رأي أبي البقاء فإنه عَلَّق لكم بـ: {صَنْعَةَ}. والثالث: أن يتعلَّقَ بالاستقرار الذي تعلَّقَ به لكم إذا جَعَلْناه صفةً لِما قبله.
وقرأ الحَرَمِيَّان والأخَوان وأبو عمرو {ليُحْصِنَكم} بالياء من تحتُ. والفاعلُ اللهُ تعالى وفيه التفاتٌ على هذا الوجهِ إذ تَقَدَّمَه ضميرُ المتكلم في قوله: {وَعَلَّمْنَاهُ} أو داودُ أو التعليمُ أو اللَّبوس. وقرأ حفصٌ وابنُ عامر بالتاء من فوقُ. والفاعل الصَّنْعَةُ أو الدِّرْعُ وهي مؤنثةٌ، أو اللَّبوس؛ لأنها يُراد بها ما يُلْبَسُ، وهو الدِّرْعُ، والدِّرْعُ مؤنثة كما تقدم. وقرأ أبو بكر {لِنُحْصِنَكم} بالنونِ جريًا على {عَلَّمْناه} وعلى هذه القراءاتِ الثلاثِ: الحاءُ ساكنةٌ والصادُ مخففةٌ.
وقرأ الأعمش {لتُحَصِّنَكم} وكذا الفقيمي عن أبي عمروٍ بفتحِ الحاءِ وتشديد الصادِ على التكثير. إلاَّ أنَّ الأعمشَ بالتاءِ من فوقُ، وأبو عمروٍ بالياء من تحتُ. وقد تقدَّم ما هو الفاعلُ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جل ذكره: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ في الحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًا ءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}.
أشركهم في حكم النبوة وإن كان بين درجتيهما تفاوت.. ففي مسألة واحدة اثبت لسليمان- عليه السلام- بها خصوصية؛ إذ مَنَّ عليه بقوله: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} ولم يَمُنْ عليه بشيءٍ من المُلْكِ الذي أعطاه بمثل ما منَّ عليه بذلك، وفي هذه المسألة دلالة على تصويب المجتهدين- وإن اختلفوا- إذا كان اختلافُهم في فروع الدِّين، حيث قال: {وَكُلًا ءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} ولمن قال بتصويب أحدهما وتخطئه الآخر فله تعلُّقٌ بقوله: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}.
قوله جلّ ذكره: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}.
أمَرَ الجبالَ وسخَّرها لتساعدَ داودَ- عليه السلام- في التسبيح، ففي الأثر، كان داود- عليه السلام- يمرُّ وصُفَاحُ الجبالِ تجاوبه، وكذلك الطيور كانت تساعده عند تأويبه.
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)}.
سخَّر الله- سبحانه- لداود الحديد وألانه في يده، فكان ينسج الدروع، قال تعالى: {وَأَلَنَا لَهُ الحَدِيدَ} [سبأ: 10] ليتحصن من السهام في الحروب، قال تعالى: {وَقَدِّرْ في السَّرْدِ} [سبأ: 11] وأحْكِمْ الصنعة وأوثِقْ المسامير... ولَكِن لما قصدته سِهامُ التقدير ما أصابت إلا حدقَتَه حين نظر إلى امرأة أوريا- من غيرقصدٍ- فكان ما كان.
ولقد خلا ذلك اليوم، وأغلق على نَفْسه بابَ البيت، وأخذ يصلي ساعةً، ويقرأ التوراة مرةً، والزبور أخرى، حتى يمضي وينتهي ذلك اليوم بالسلامة. وكان قد أُوحِيَ إليه أنَّه يومُ فتنةٍ، فأَمَرَ الحُجَّابَ والبواب ألا يُؤْذَنَ عليه أَحَدٌ، فَوَقَعَ مِنْ كَوَّةِ البيتِ طيرٌ لم يَرَ مِثْلَه في الحُسْنِ، فهَمَّ أَنْ يأخذه، فتَبَاعَدَ ولم يَطِرْ كالمُطْمِعِ له في أخذه، فلم يَزَلْ يستأخر قليلًا قليلًا حتى طار من كوَّةِ البيت، فتبعه داودُ ينظر إليه من الكوة من ورائه، فوقع بصرهُ على امرأة أوريا، وكانت قد تجرَّدَتْ من ثيابها تغتسلُ في بستانٍ خَلْفَ البيتِ الذي به داود، فحَصَلَ في قلبه ما حصل، وأصاب سَهْمُ التقدير حَدَقَتَه، ولم تَنْفَعْهُ صَنْعَةُ اللَّبوسِ التي كان تعلَّمها لِتُحَصِّنَه من بأسه. اهـ.

.فصل نفيس لابن القيم في فراسة الحاكم:

قال عليه رحمة الله:
ومن فراسة الحاكم ما ذكره حماد بن سلمة عن حميد الطويل أن إياس بن معاوية اختصم إليه رجلان استودع أحدهما صاحبه وديعة فقال صاحب الوديعة استحلفه بالله مالي عنده وديعة فقال إياس بل أستحلفه بالله مالك عنده وديعة ولا غيرها.
وهذا من أحسن الفراسة فإنه إذا قال ماله عندي وديعة احتمل النفي واحتمل الإقرار فينصب ماله بفعل محذوف مقدر أي دفع ماله إلى أو أعطاني ماله أو يجعل ما موصولة والجار والمجرور صلتها ووديعة خبر عن ما فإذا قال ولا غيرها تعين النفي.
وقال حماد بن سلمة شهدت إياس بن معاوية يقول في رجل ارتهن رهنا فقال المرتهن رهنته بعشرة وقال الراهن رهنته بخمسة فقال إن كان الراهن بينة أنه دفع إليه الرهن فالقول ما قال الراهن وإن لم يكن له بينة يدفع الرهن إليه والرهن بيد المرتهن فالقول ما قال المرتهن لأنه لو شاء لجحده الرهن قلت وهذا قول ثالث في المسألة وهو من أحسن الأقوال.
فإن إقراره بالرهن وهو في يده ولا بينة للراهن دليل على صدقه وأنه محق ولو كان مبطلا لجحده الرهن رأسا ومالك وشيخنا رحمهما الله يجعلان القول قول المرتهن ما لم يزد على قيمة الرهن والشافعي وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله يجعلون القول قول الراهن مطلقا.
وقال إياس أيضا من أقر بشيء وليس عليه بينة فالقول ما قال.
وهذا أيضا من أحسن القضاء لأن إقراره علم على صدقه فإذا ادعى عليه ألفا ولا بينة له فقال صدق إلا أني قضيته إياها فالقول قوله كذلك إذا أقر بأنه قبض من مورثه وديعة ولا بينة له وادعى ردها إليه.
من فراسة إياس:
وقال إبراهيم بن مرزوق البصري جاء رجلان إلى إياس بن معاوية يختصمان في قطيفتين إحداهما حمراء والأخرى خضراء فقال أحدهما دخلت الحوض لأغتسل ووضعت قطيفتي ثم جاء هذا فوضع قطيفته تحت قطيفتي ثم دخل فاغتسل فخرج قبلي وأخذ قطيفتي فمضى بها ثم خرجت فتبعته فزعم أنها قطيفته.
فقال ألك بينة؟ قال لا قال ائتوني بمشط فأتى بمشط فسرح رأس هذا ورأس هذا فخرج من رأس أحدهما صوف أحمر ومن رأس الآخر صوف أخضر فقضى بالحمراء للذي خرج من رأسه الصوف الأحمر وبالخضراء للذي خرج من رأسه الصوف الأخضر.
وقال معتمر بن سليمان عن زيد أبي العلاء شهدت إياس بن معاوية اختصم إليه رجلان فقال أحدهما إنه باعني جارية رعناء. فقال إياس وما عسى أن تكون هذه الرعونة قال شبه الجنون.
فقال إياس يا جارية أتذكرين متى ولدت؟ قالت نعم. قال فأي رجليك أطول؟ قالت: هذه. فقال إياس ردها فإنها مجنونة.
وقال أبو الحسن المدائني عن عبد الله بن مصعب أن معاوية بن قرة شهد عند ابنه إياس بن معاوية مع رجال عدلهم على رجل بأربعة آلاف درهم. فقال المشهود عليه يا أبا وائلة تثبت في أمري فوالله ما أشهدتهم إلا على ألفين. فسأل إياس أباه والشهود أكان في الصحيفة التي شهدوا عليها فضل؟ قالوا نعم كان الكتاب في أولها والطينة في وسطها وباقي الصحيفة أبيض. قال أفكان المشهود له يلقاكم أحيانا فيذكركم شهادتكم بأربعة آلاف درهم؟ قالوا نعم كان لا يزال يلقانا فيقول اذكروا شهادتكم على فلان بأربعة آلاف درهم فصرفهم ودعا المشهود له فقال يا عدو الله تغفلت قوما صالحين مغفلين فأشهدتهم على صحيفة جعلت طينتها في وسطها وتركت فيها بياضا في أسفلها فلما ختموا الطينة قطعت الكتاب الذي فيه حقك ألفا درهم وكتبت في البياض أربعة آلاف فصارت الطينة في آخر الكتاب ثم كنت تلقاهم فتلقنهم وتذكرهم أنها أربعة آلاف فأقر بذلك وسأله الستر عليه فحكم له بألفين وستر عليه.
وقال نعيم بن حماد عن إبراهيم بن مرزوق البصري كنا عند إياس بن معاوية قبل أن يستقضى وكنا نكتب عنه الفراسة كما نكتب عن المحدث الحديث إذ جاء رجل فجلس على دكان مرتفع بالمربد فجعل يترصد الطريق. فبينما هو كذلك إذ نزل فاستقبل رجلا فنظر في وجهه ثم رجع إلى موضعه. فقال إياس قولوا في هذا الرجل قالوا ما نقول رجل طالب حاجة؟ فقال هو معلم صبيان قد أبق له غلام أعور. فقام إليه بعضنا فسأله عن حاجته فقال هو غلام لي آبق قالوا وما صفته قال كذا وكذا وإحدى عينيه ذاهبة قلنا وما صنعتك قال أعلم الصبيان. قلنا لإياس كيف علمت ذلك قال رأيته جاء فجعل يطلب موضعا يجلس فيه فنظر إلى أرفع شيء يقدر عليه فجلس عليه فنظرت في قدره فإذا ليس قدره قدر الملوك. فنظرت فيمن اعتاد في جلوسه جلوس الملوك فلم أجدهم إلا المعلمين فعلمت أنه معلم صبيان فقلنا كيف علمت أنه أبق له غلام قال إني رأيته يترصد الطريق ينظر في وجوه الناس قلنا كيف علمت أنه أعور قال بينما هو كذلك إذ نزل فاستقبل رجلا قد ذهبت إحدى عينيه فعلمت أنه شبهه بغلامه.
وقال الحارث بن مرة نظر إياس بن معاوية إلى رجل فقال هذا غريب وهو من أهل واسط وهو معلم وهو يطلب عبدا له أبق فوجدوا الأمر كما قال فسألوه فقال رأيته يمشي ويلتفت فلعمت أنه غريب ورأيته وعلى ثوبه حمرة تربة واسط فعلمت أنه من أهلها ورأيته يمر بالصبيان فيسلم عليهم ولا يسلم على الرجال فعلمت أنه معلم ورأيته إذا مر بذي هيئة لم يلتفت إليه وإذا مر بذي أسمال تأمله فعلمت أنه يطلب آبقا.
وقال هلال بن العلاء الرقى عن القاسم بن منصور عن عمرو بن بكير مر إياس بن معاوية فسمع قراءة من علية فقال هذه قراءة امرأة حامل بغلام فسئل كيف عرفت ذلك فقال سمعت بصوتها ونفسها مخالطة فعلمت أنها حامل وسمعت صحلا فعلمت أن الحمل غلام.
ومر بعد ذلك بكتاب فيه صبيان فنظر إلى صبي منهم فقال هذا ابن تلك المرأة فكان كما قال. وقال رجل لإياس بن معاوية علمني القضاء فقال إن القضاء لا يعلم إنما القضاء فهم ولَكِن قل علمني من العلم.
وهذا هو سر المسألة فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} فخص سليمان بفهم القضية وعمهما بالعلم.
وكذلك كتب عمر إلى قاضيه أبي موسى في كتابه المشهور والفهم الفهم فيما أدلي إليك والذي اختص به إياس وشريح مع مشاركتهما لأهل عصرهما في العلم هو الفهم في الواقع والاستدلال بالأمارات وشواهد الحال وهذا الذي فات كثيرا من الحكام فأضاعوا كثيرا من الحقوق.