فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.سؤال ما نوع الاستثناء؟

الجواب: في الاستثناءِ وَجْهَان:
أحدهما: أن يكون متَّصِلًا، والمُسْتَثْنى منْه هو الضَّميرُ في {يلعنُهم}.
والثاني: أن يكُونَ منقطعًا؛ لأنَّ الَّذين كَتَمُوا، لُعِنُوا قَبْل أَنْ يَتُوبُوا. وإنَّما جَاءَ الاستثناءُ؛ لبَيَانِ قَبْول التَّوْبَةِ؛ لأنَّ قَوْمًا من الكاتِمِينَ لَمْ يُلْعَنُوا، نقل ذلك أبو البَقَاء.
قال بعضُهُمْ: ولَيْسَ بشَيْءٍ. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)}.
والحق سبحانه حين يعرض هذه القضية، يبين لنا موقف الجزاء من الذين يكتمون ما أنزل الله، لقد كتم بعض من أهل الكتاب البينات التي أنزلها الله في الكتاب الذي معهم، بينات تثبت صدق محمد صلى الله عليه وسلم في نبوته، وهذا الكتمان سيورث شرورا، وكلما نال العالم شر من كتمانهم فسيلعنهم، واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله. والحق سبحانه وتعالى ينبه المؤمنين بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن هذا الجزاء من الطرد ومن اللعن ليس مقصورا على هؤلاء، وإنما ينسحب ويشمل كل من يكتم ما أنزل الله من البينات، إذن فذلك فيه واقع مما حدث من أهل الكتاب، وفيه- أيضا- تحذير للذين يؤمنون بالإسلام أن يكتموا بينات الله؛ وإلا صاروا إلى ما صار إليه هؤلاء، وهو اللعن.
وكلمة اللعن وردت في القرآن إحدى وأربعين مرة، وساعة تأتي للعذاب تكون للطرد والإبعاد بغضب، وهو الخلود في النار، وساعة يكون الطرد إبعاد تأديب، فلا يوجد بغضب؛ لأن المؤدب لا يغضب على من يؤدبه، وإنما يغضب لمن يؤدبه. وعندما يحدث الطرد من بعد غضب، فذلك دليل على أنه ليس من بعد ذلك رجعة، فالإنسان إذا ترك لشيء صامت ليعذب به كالنار، يقول لنفسه: ربما جاء من يرق لحالي ويعطف علي فيخرجني من النار، إنه يقول ذلك لنفسه: لأن الذي يعذب به صامت لا عاطفة له، لكن ما المخرج إذا كانت اللعنة من الله والملائكة والناس؟ كما يقول الحق في آية أخرى: {أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87)} سورة آل عمران.
ويتضح لنا هنا أن لعنة الله تكون في الدنيا وفي الآخرة، ويلعنهم اللاعنون من الناس، وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا فيها نجد أن اللعنة أشمل، لأن {اللاعنون} تضم الناس وغير الناس من الكائنات الأخرى، كأن كل من في الوجود يشترك في لعنهم، وعلى سبيل المثال، إذا حبس الله الماء عن قوم لعصيانهم، فالنبات يلعنهم لأنه حرم من الماء، وتلعنهم الحيوانات لأنها حرمت من الماء، وتلعنهم الأمكنة لأنهم خالفوا ما عليه الأمكنة من التسبيح لله. أما لعنة الآخرة حيث لا ري لنبات أو حيوان؛ فسيكون اللعن لهم صادرا من الله والملائكة والناس أجمعين. والناس هم بنو آدم إلى أن تقوم الساعة، وهؤلاء منهم كافر ومنهم مؤمن، كيف- إذن- يوجد اللعن ممن كفر مع أنه هو أيضا ملعون؟
نقول: نحن في الدنيا نجد من يخدع غيره في دين الله، وهناك من ينخدع، فإذا ما انجلت الأمور في الآخرة، وانفضح الخادعون، وأسقط في يد المخدوعين، فهنا يتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا، يتبرأ الخادع من المخدوع، ويتبرأ المخدوع من الخادع، وكلما دخلت أمة من المخدوعين إلى النار لعنت الأمة التي خدعتها، وكلما دخلت أمة خادعة إلى النار، فإنها تلعن الذين استسلموا للخديعة، ويتبادلون اللعن. يقول الحق: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ} من الآية 166 سورة البقرة.
ويقول أيضا: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} من الآية 38 سورة الأعراف.
إذن فاللعنة موجودة بين الكافرين بعضهم لبعض، كما هي موجودة في الدنيا أيضا، فالذين يكفرون بمنهج الله وينحرفون ويظلمون، هؤلاء يتلقون اللعنة من أهل منهج الله، ويتلقون اللعنة من المظلومين منهم، ثم يأتي لهم موقف آخر، يأتي لهم من يظلمهم، فيلعنونه ويلعنهم، وهكذا يلعنهم الناس أجمعون. واللعن بطرد وغضب وزجر يختلف عن اللعن التأديبي الذي يأخذ صيغة الإبعاد، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المتخلفين في غزوة تبوك، وغزوة تبوك كانوا يسمونها غزة العسرة، لأنها جاءت في مشقة من كل جهاتها، لبعد المكان بين تبوك والمدينة، ومشقة أخرى من نقص الدواب التي تحمل المقاتلين، فقد كان كل عشرة من المقاتلين يتناوبون على دابة واحدة، ومشقة وعسرة في الزاد، حتى أنهم كانوا يأكلون التمر بدوده، وكانوا يأكلون الشحم والدهن والإهالة الزنخة، وعسرة في الماء حتى أنهم كانوا يذبحون البعير ليشربوا من فرثه وكرشه الماء، وعسرة في الجو القائظ الشديد الحرارة، كانت كل الظروف صعبة وقاسية وتحتم ألا يخرج للغزوة إلا الصادق في يقينه.
لقد كانت تلك الغزوة اختبارا وابتلاء للإيمانية في نفوس الناس. ولذلك فإن بعضهم استسلم لحديث النفس في أن يظل بالمدينة، وقال واحد منهم: أظل ظليل وراحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في القيظ؟! والله لا يكون هذا أبدا، ثم قام وتبع جيش المؤمنين، وآخر عنده بستان فيه ظلال وثمار؛ فنظر إلى بستانه وقال: أأنت الذي منعتني أن أكون في ركاب رسول الله؟! والله لا تكون ملكي بعد الآن، وأنت لله في سبيل الله، وثالث جلس في بيته وأمامه زوجته الجميلة وحوله أشجار وزروع، فقال: أأجلس في ظل ورطب وماء وامرأة حسناء ورسول الله في حمارة القيظ، والله لا يكون هذا أبدا، وامتطى حصانه إلى الصحراء لينضم لجيش المسلمين.
وعندما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا اعتذر له من لم يشاركوه رحلة النصر بأنهم كانوا لا يملكون وسائل الحرب من دواب ودروع وسيوف ونبال، فقبل رسول الله علانيتهم وترك سرائرهم لله، إلا ثلاثة صدقوا وقالوا: يا رسول الله ما كنا أغنى منا ساعة امتنعنا عن الذهاب معك فعندنا عدة الحرب والدواب. لقد أمر رسول الله الناس ألا يكلموهم ولا يتعاملوا معهم، واستكان اثنان منهم وظلا في بيتهما، وهما هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، أما كعب بن مالك فكان يخرج ويلقى الناس فلا يكلمه أحد، ويذهب للصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسارق النظر إلى النبي ويسلم عليه، لكن رسول الله لا يرد، ويغض طرفه ويعرض عنه، حتى أن كعبًا يقول: فأنظر هل حرك رسول الله شفتيه برد السلام أم لا؟.
لماذا كل ذلك؟. لقد أرادها النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة إيضاح لكيفية إبعاد التأديب. وضاقت الدنيا على الثلاثة، وذهب كعب إلى ابن عمه أبي قتادة وتسلق عليه الحائط، لأنه يعلم أنه لو طرق الباب فلن يفتح له. ورغم تسلق الحائط إلا أن ابن العم أعرض عنه، فقال راجيا: أنشدك الله، أنشدك الله، أنشدك الله كل ذلك وابن عمه لا يرد عليه، ثم قال له: تعلم أني أحب رسول الله. فلم يرد عليه ابن العم وظل يتوسل سائلا عن موعد العفو، فقال أبو قتادة: الله ورسوله أعلم.
فلما مضت أربعون ليلة على هذا الإبعاد، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يصعد التأديب فيطلب من الرجال الثلاثة- من خلال رسول أرسله إليهم- ألا يقربوا نساءهم. لقد دخل العزل إلى دائرة جديدة وهي دائرة المجتمع الخاص حيث الرجل وامرأته، فقال كعب لرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطلق زوجتي؟. قال الرسول: «بل لا تقربها».
وقال قوم لكعب: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فلتذهب امرأتك لتستأذنه في أن تظل معك لتخدمك؛ فقد استأذنت امرأة هلال بن أمية رسول الله؛ فأذن لها أن تخدم زوجها. فقال كعب: والله لا افعل، لأن امرأة هلال حينما ذهبت إلى رسول الله قال لها: «لا يقربنك» فقالت: يا رسول الله والله إن هلالا ما به حركة لشيء فأذن لها أن تظل لتخدمه. لكني رجل شاب وأخاف أن استأذن رسول الله فلا يعطي هذا الحق. هكذا كان إبعاد التأديب، وليس بالطرد الكامل من حظيرة الإيمان، بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل من يتلقون التأديب أهلا لأوامر يلقيها عليهم، ثم جاءت البشرى بالإفراج بعد عشرة أيام عندما أنزل الحق قوله: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)} سورة التوبة.
وهكذا لم يقفل الحق الباب بل جعله مفتوحا أمام الإنسان، حتى لمن كفر، وحتى لمن كتم، فلا يظن أن سابق كفره أو تراخيه عن نصرة الحق سيغلق أمامه الباب، أو يحول بينه وبين ربه.
لذلك يقول الحق: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)}.
أعلنوا التوبة وهي أمر ذاتي، وأصلحوا بمقدار ما أفسدوا، وبينوا للناس بمقدار ما كتموا، إذن شرط التوبة أن يعود كل لصاحبه، فالذي كتم شيئا عليه أن يبينه، فالكتمان لا يؤثر فقط في العلاقة بين العبد والرب، ولكنه يضر العباد، والحق سبحانه حين يفتح باب التوبة للعبد يقول: {تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ} من الآية 118 سورة التوبة.
ومادة {تاب} تعني الرجوع إلى الله، فعندما يتوب العبد فهو يعود إلى ربه طالبا المغفرة عن العصيان والذنب، وعندما يتوب الله على عبد، فذلك يعني أن الله قبل توبته، بعد أن كان مقدرا له أن يعذب فإن الله يعفو عنه فلا يعذبه، إذن فالتوبة كلها رجوع إلى الله، وحين تقدم التوبة من الله على التوبة من العباد في قوله: {تاب عليهم ليتوبوا}، فمعنى ذلك أن الحق شرع التوبة وقننها ليفتح باب الرجوع إليه، فهناك ثلاث مراحل للتوبة:
المرحلة الأولى: هي أن الله شرع التوبة.
المرحلة الثانية: هي أن يتوب العبد.
المرحلة الثالثة: أن يقبل الله التوبة.
وكلها تعني الرجوع عن المعصية والذنب.
إذن فأي إنسان يذنب ذنبا لابد أن يصلح هذا الذنب من جنس ما فعل، فإن فعل ذنبا سرا فيكفيه أن يتوب سرا، أما إن كسر حدود الله علنا، فنقول له: لا يستقيم أبدا أن تعصي الله علنا أمام الناس وتكون أسوة سيئة لأناس تجعلهم يتجرأون ولذلك فالمثل العامي يقول: تضربني في شارع وتصالحني في حارة.
إن الذي يكسر حدا من حدود الله أمام الناس جميعا، ولذلك نحن ندرأ الحدود بالشبهات، لكن الذي يتباهى بأنه ارتكب الذنب لا نتركه، مثلا الذي شهد عليه أربعة بأنه ارتكب ذنبا من الكبائر كالزنى، لقد ظل يفعل الذنب باستهتار إلى أن شهد عليه أربعة، هل يعقل أن نقول له: ندرأها بالشبهات؟. لا. هو كسر الحد علنا فوجبت معاقبته بإقامة الحد.
وأما الذين تابوا وأصلحوا ما أفسدوه وبينوا للناس ما كتموه فجزاؤهم توبة من الله. ومن لطف الله بالإنسان أن شرع التوبة حتى يشعر الناس بالذنب، وجعلها من فعل التائب؛ ومن فعل قابل التوبة، وهو الله سبحانه فقال: تابوا وأتوب، كل ذلك حتى لا يستشعر الإنسان عندما يرتكب ذنبا ويتوب أنها مسألة مستعصية، إن الحق يقول: {فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم} إنه سبحانه يتوب على من تاب عن الذنب ويتوب عن المذنبين جميعا، فهو تعالى تواب وهي كلمة تعني المبالغة في الصفة.
ويقول الحق بعد ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)}.
أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: سأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة، وسعد بن معاذ أخو بني الأشهل، وخارجة بن زيد أخو الحرث بن الخزرج، نفرًا من أحبار اليهود عن بعض ما في التوراة، فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم، فأنزل الله فيهم {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} قال: هم أهل الكتاب.
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} الآية. قال: أولئك أهل الكتاب كتموا الإِسلام وهو دين الله، وكتموا محمدًا، وهم {يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإِنحيل} [الأعراف: 157] {ويلعنهم اللاعنون} قال: من ملائكة الله المؤمنين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال: هم أهل الكتاب كتموا محمدًا ونعته، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم حسدًا وبغيًا.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: زعموا أن رجلًا من اليهود كان له صديق من الأنصار يقال له ثعلبة بن غنمة، قال له: هل تجدون محمدًا عندكم؟ قال: لا.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في قوله: {أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} قال: الجن والإِنس، وكل دابة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: إذا أجدبت البهائم دعت على فجار بني آدم. فقالت: تحبس عنا الغيث بذنوبهم.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن مجاهد في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: إن البهائم إذا اشتدت عليهم السنة قالت: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: دواب الأرض العقارب والخنافس يقولون: إنما منعنا القطر بذنوبهم فليعنونهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: يلعنهم كل شيء حتى الخنافس والعقارب، يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي جعفر في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: كل شيء حتى الخنفساء.
وأخرج ابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب قال: كنا في جنازة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الكافر يضرب ضربتين بين عينيه فيسمعه كل دابة غير الثقلين، فتلعنه كل دابة سمعت صوته، فذلك قول الله: {ويلعنهم اللاعنون} يعني دواب الأرض».
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: قال البراء بن عازب: إن الكافر إذا وضع في قبره أتته دابة كأن عينيها قدران من نحاس معها عمود من حديد، فتضربه ضربة بين كتفيه فيصيح لا يسمع أحد صوته إلا لعنه، ولا يبقى شيء إلا سمع صوته إلا الثقلين الجن والإِنس.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: الكافر إذا وضع في حفرته ضرب ضربة بمطرق، فيصيح صيحة يسمع صوته كل شيء إلا الثقلين الجن والإِنس، فلا يسمع صيحته شيء إلا لعنه.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن عبد الوهاب بن عطاء في قوله: {إن الذين يكتمون} الآية. قال: سمعت الكلبي يقول: هم اليهود. قال: ومن لعن شيئًا ليس هو بأهل رجعت اللعنة على يهودي، فذلك قوله: {ويلعنهم اللاعنون}.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان من طريق محمد بن مروان، أخبرني الكلبي عن أبي صالح عن ابن مسعود في هذه الآية قال: هو الرجل يلعن صاحبه في أمر يرى أن قد أتى إليه، فترتفع اللعنة في السماء سريعًا، فلا تجد صاحبها التي قيلت له أهلًا، فترجع إلى الذي تكلم بها فلا تجده لها أهلًا، فتنطلق فتقع على اليهود فهو قوله: {ويلعنهم اللاعنون} فمن تاب منهم ارتفعت عنهم اللعنة، فكانت فيمن بقي من اليهود وهو قوله: {إلا الذين تابوا} الآية.
وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سئل عن علم عنده فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة».
وأخرج ابن ماجه عن أنس بن مالك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار».
وأخرج ابن ماجه والمرهبي في فضل العلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كتم علمًا مما ينفع الله به الناس في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار».
وأخرج ابن ماجه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا لعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كتم حديثًا فقد كتم ما أنزل الله».
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما عبد آتاه الله علمًا فكتمه لقي الله يوم القيامة ملجمًا بلجام من نار».
واخرج أبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سئل عن علم فكتمه جاء يوم القيامه ملجمًا بلجام من نار».
وأخرج الطبراني من حديث ابن عمر وابن عمرو مثله.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه}.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سلمان قال: علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه.
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد والبخاري وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن أبي هريرة قال: لولا آية في كتاب الله ما حدثت أحدًا بشيء أبدًا، ثم تلا هذه الآية: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} الآية.
وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس في قوله: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} إلى قوله: {اللاعنون} ثم استثنى فقال: {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا} الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء {إلا الذين تابوا وأصلحوا} قال: ذلك كفارة له.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {إلا الذين تابوا وأصلحوا} قال: أصلحوا ما بينهم وبين الله {وبينوا} الذي جاءهم من الله ولم يكتموه ولم يجحدوا به.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {أتوب عليهم} يعني أتجاوز عنهم.
أما قوله تعالى: {وأنا التوّاب}.
أخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن أبي زرعة عمرو بن جرير قال: إن أول شيء كتب أنا التواب أتوب على من تاب. اهـ.