فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

{وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: لا يؤخرون عنه ولا يمهلون.
والثاني: لا ينظر الله عز وجل إليهم فيرحمهم. اهـ.

.قال في روح البيان:

{ولا هم ينظرون} من الإنظار بمعنى الإمهال والتأجيل أى لا يمهلون للرجعة ولا للتوبة ولا للمعذرة أو يعذبون على الدوام والاستمرار وأن كل وجه من وجوه عذابهم يتصل بوجه آخر مثله أو أشد منه وأنهم لا يمهلون ولا يؤجلون ساعة ليستريحوا فيها أو من النظر بمعنى الانتظار أى لا ينتظرون ليعتذروا أو بمعنى الرؤية أى لا ينظر إليهم نظر رحمة، وإنما خلدوا في النار لأن نيتهم كانت عبادة الأصنام أبدا إن عاشوا فجوزوا بتأبيد العذاب.
وأما الدركات لأن النيات متفاوتة كالأعمال، والتأديب في الحكمة واجب ولما أساء الكفار بسوء الاعتقاد في حقه تعالى أدبوا بالحرمان من الجنة والخلود في النار. اهـ.
سؤال: لم آثر الجملةِ الاسميةِ؟
الجواب: وإيثارُ الجملةِ الاسميةِ لإفادة دوامِ النفي واستمراره أي لا يُمهلون ولا يُؤجّلون أو لا يُنتظرون ليعتذروا أو لا يُنظر إليهم نَظَر رحمة. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)}.
التفسير:
إن في تعليق الآية بما قبلها وجوهًا منها: أن السعي بين الصفا والمروة من شرائع إبراهيم عليه السلام كما مر في قصة هاجر، فذكر عقيب تحويل القبلة الذي فيه إحياء شرع إبراهيم. ومنها أنه من آثار هاجر وإسماعيل، وفيه تذكير لما جرى عليهما من البلوى وحسن عاقبتهما، فناسب أن يردف آية الابتلاء ليعلم أن من صبر على البلوى نال الدرجة العليا في الدنيا والعقبى. ومنها أن أقسام التكاليف ثلاثة: أولها ما يهتدي العقل إلى حسنه كشكر المنعم وذكره وأشير إلى ذلك بقوله: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي} [البقرة: 152] وثانيها ما ركز في العقول قبحه والنفور عنه كالآلام والفقر والمحن فإنه تعالى يتألم منه إلا أن الشرع لما ورد به وبين الحكمة فيه وهي الابتلاء والامتحان فحينئذ يعتقد المسلم حسنه وكونه حكمة وصوابًا وذلك قوله: {ولنبلونكم} [البقرة: 155] الآية، وثالثها ما ليس يهتدي العقل إلى حسنه ولا إلى قبحه بل يراه كالعبث الخالي عن المنفعة والمضرة فيأتي به تعبدًا محضًا وهو أكثر أفعال الحج من السعي ورمي الجمار ونحوهما، فذكرت طرق من هذا القسم عقيب القسمين الأولين تتميمًا للأحكام واستيفاءً لجميع الأقسام. والصفا والمروة هكذا باللام علمان للجبلين المعروفين بمكة- زادها الله شرفًا. والصفاة في اللغة صخرة ملساء وفي المثل ما تندى صفاته والجمع صفا مقصور وأصفاء وصفي على فعول وإذا نعتوا الصخرة قالوا صفاة صفواء وإذا ذكروا قالوا صفا صفوان قال تعالى: {كمثل صفوان عليه تراب} [البقرة: 264] وعن الأصمعي: المرو حجارة بيض براقة يقدح منها النار، الواحدة مروة. والشعائر جمع شعيرة وهي العلامة. وذلك أن السعي بين الجبلين من أعلام دين الله، أوهما من متعبداته. وقد شرعه الله تعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ولإبراهيم عليه السلام قبل ذلك كما مر قوله: {وأرنا مناسكنا} [البقرة: 138] وليس السعي عبادة تامة في نفسه وإنما يصير عبادة إذا كان بعضًا من أبعاض الحج فلهذا قرن بقوله: {فمن حج البيت أو اعتمر} والحج لغة القصد.
رجل محجوج أي مقصود وهو أيضًا كثرة الاختلاف والتردد، وحج فلان فلانًا إذا أطال الاختلاف إليه. ثم غلب استعماله في القصد إلى مكة للنسك. والحاج يأتي البيت أولًا ليعرفه ثم يعود إليه للطواف ثم ينصرف إلى منى ثم يعود إليه لطواف الزيارة ثم يعود إليه لطواف الصدر. ومنه محجة الطريق لكثرة تردد الناس فيها. والاعتمار لغة الزيارة. فالمعتمر يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم ينصرف كالزائر يزور ثم ينصرف. والعمرة اسم من الاعتمار غلبت على النسك المعروف. والجناح الحرج والإثم من قولهم جنح لكذا أي مال إليه، كأن صاحبه مال إلى الباطل. أو لأن الناس يميلون إلى صاحبه بالمطالبة ثم قوله: {لا جناح عليه} يدخل تحته الواجب والمندوب والمباح. وظاهر الآية لا يدل على أحد الثلاثة بالتعيين فلهذا اختلف العلماء في أن السعي واجب أم لا، متمسكين بدلائل أخر. فعن الشافعي أنه ركن ولا يقوم الدم مقامه لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا» وليس المراد منه العدو بل الجد والاجتهاد في ذلك المشي بحيث لا يفوت لقوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: 9] ولما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم سعى فيجب علينا اتباعه لقوله تعالى: {واتبعوه} ولقوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم» والأمر للوجوب. وعن أبي حنيفة أنه ليس بركن ولكنه واجب وعلى تاركه دم. وعن ابن الزبير وابن عباس وأنس: أنه تطوع وليس على تاركه شيء لأن رفع الحرج دليل الإباحة لقوله بعد ذلك {ومن تطوع خيرًا} أجاب الشافعي بما يروى أنه كان على الصفا أساف وعلى المروة نائلةٍ وهما صنمان. كانا رجلًا وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين فوضعا عليهما ليعتبر بهما، فلما طالت المدة عبدا من دون الله فكان أهل الجاهلية إذا سعوا مسحوهما، فلما جاء الإسلام وكسرت الأوثان كره المسلمون الطواف بينهما لأجل فعل الجاهلية وأن يكون عليهم جناح في ذلك فرفع عنهم الجناح. فالإباحة تنصرف إلى وجود الصنمين حال السعي لا إلى نفس السعي كما لو كان على الثوب نجاسة يسيرة عند أبي حنيفة، أو دم البراغيث عندنا، فيقال: لا جناح عليك أن تصلي فيه. فإن رفع الجناح ينصرف إلى مكان النجاسة لا غلى نفس الصلاة، ولهذا قال عروة لعائشة: أرى أنه ما على أحد من جناح أن يطوف بالصفا والمروة، قالت: بئسما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت على ما أولتها كانت لا جناح عليه أن يطوّف بهما وأصل يطوف يتطوف فأدغم كمن قرأ يطوع بالتشديد وأصله يتطوع والتطوع ما ترغب من ذات نفسك من غير إيجاب عليك.
ومن قال: إن السعي واجب فسر هذا التطوع بالسعي الزائد على قدر الواجب. وعن الحسن: المراد منه جميع الطاعات. وهذا أولى لعموم اللفظ {فإن الله شاكر}، أي مجازيهم على الطاعة سمي جزاء الطاعة شكرًا تشبيهًا بجزاء النعمة، وفيه تلطف العباد مثل {من ذا الذي يقرض الله} [البقرة: 245] كأنه يقول: إني وإن كنت غنيًا عن طاعتك إلا أني أجعل لها من الموقع ما لو صح عليّ أن أنتفع بها لما ازداد وقعه على ما حصل. {عليم} بالسرائر فيوفي كل ذي حق حقه. وهو وعد ليناسب قرنية الشكر وإن كان أيضًا يحتمل التحذير من الإخلال بوظائف الإخلاص في العبادة {إن الذين يكتمون} كلام مستأنف يتناول كل من كتم شيئًا من الدين. وقيل: هم أهل الكتاب. وقيل: اليهود خاصة لما روي عن ابن عباس أن جماعة من الأنصار سألوا نفرًا من اليهود عما في التوراة من صفته صلى الله عليه وسلم ومن الأحكام فكتموا فنزلت، والأول أولى لعموم اللفظ، ولأن خصوص السبب لا يوجب خصوص الحكم، ولأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية فلا ريب أن كتمان الدين يناسب استحقاق اللعن من الله تعالى فيعم الحكم حسب عموم الوصف. ولا يخفى أنَّ القرآن قبل صيرورته متواترًا يمكن كتمانه، والمجمل من القرآن إذا كان بيانه بخبر الواحد يجري فيه الكتمان. وكذا القول فيما يحتاج إليه المكلف من الدلائل العقلية، ولأن جماعة من الصحابة حملوه على العموم. عن عائشة أنها قالت: من زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من الوحي فقد أعظم الفرية على الله والله تعالى يقول: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات} فحملت الآية على العموم. وعن أبي هريرة قال: لولا آيتان من كتاب الله ما حدثت حديثًا بعد أن قال الناس: أكثر أبو هريرة وتلا {إن الذين يكتمون} قال بعض المحققين: الكتمان ترك إظهار الشيء مع الحاجة إليه وحصول الداعي إلى إظهاره لأنه متى لم يكن كذلك لا يعد كتمانًا.
فلما كان ما أنزل الله من البينات والهدى من أشد ما يحتاج إليه في الدين، وصف من علمه ولم يظهره بالكتمان كما يوصف أحدنا في أمور الدنيا بالكتمان إذا كانت مما تقوى الدواعي على إظهارها. وعلى هذا الوجه يمدح من يقدر على كتمان السر لأن الكتمان مما يشق على النفس. وفي الآية دليل على أن ما يتصل بالدين ويحتاج إليه المكلف لا يجوز أن يكتم، ومن كتمه فقد عظمت خطيئته، والمراد بالبينات كل ما أنزله على الأنبياء كتابًا ووحيًا دون أدلة العقل. والهدى يدخل فيه الدلائل العقلية والنقلية، لأن الهدى الدلالة فيعم الكل. وبعبارة أخرى الأول هو التنزيل، والثاني ما يقتضيه التنزيل من الفوائد.
ولقوله: {من بعد ما بيناه للناس في الكتاب} فيشمل كون خبر الواحد والإجماع والقياس حجة لأن الكتاب دل على هذه الأمور. وهذا الإظهار فرض على الكفاية لا على التعيين، لأنه إذا أظهره البعض صار بحيث يتمكن كل أحد من الوصول إليه ولم يبق مكتومًا، وإذا خرج عن حد الكتمان لم يجب على الباقين إظهاره مرة أخرى. وقيل: لم لا يجوز أن يكون كل واحد منهيًا عن الكتمان مأمور بالبيان ليكثر المخبرون فيتواتر الخبر؟ وأجيب بأن هذا غلط لأنهم ما نهوا عن الكتمان، إلا وهم فمن يجوز عليهم الكتمان ومن جاز منهم التواطؤ على الوضع والافتراء، فلا يكون خبرهم موجبًا للعلم. ومن الناس من يحتج بالآية على وجوب قبول خبر الواحد لأن وجوب الإظهار دل على وجوب العمل بالذي أظهر لاسيما وقد قال: {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا} فحكم بوقوع البيان بخبرهم. واستدل بالآية أيضًا على عدم جواز أخذ الأجرة على التعليم لأنها دلت على وجوب التعليم ولا أجرة على أداء الواجب. وقيل في الكتاب أي في التوراة والإنجيل من نعت الرسول ومن الأحكام. والمعنى أنا لخصناه بحيث لم ندع فيه موضع إشكال فعمدوا إلى ذلك المبين الملخص فكتموه ولبسوا على الناس. وقيل: أراد بالمنزل الأول كتب الأولين وبالهدى القرآن {أولئك} تبعيد لهم عن درجة الاعتبار {يلعنهم الله} يبعدهم عن كل خير {ويلعنهم} يدعو عليهم باللعن {اللاعنون} الذين يتأتى منهم اللعن ويعتدّ بلعنهم من الملائكة وصالحي الثقلين. وقيل: يدخل فيهم دواب الأرض وهوامها فإنها تقول: منعنا القطر بشؤم معاصي بني آدم. واللاعنون دون اللاعنات تغليب للعقلاء: وإذا قيل: هم الهوام فقط فالتذكير لأنه تعالى وصفهم بصفات العقلاء مثل {والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} [يوسف: 4] {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} [النمل: 18] {وقالوا لجلودهم لم شهدتم} [فصلت: 21] وقيل: كل شيء سوى الثقلين بتقدير أنها لو كانت عاقلة كانت تلعنهم، أو لأنها في الآخرة إذا أعيدت وجعلت من العقلاء فإنها تلعن من فعل ذلك في الدنيا ومات عليه. وقيل: إن أهل النار يلعنونهم أيضًا لأنهم كتموهم الدين {كلما دخلت أمة لعنت أختها} [الأعراف: 38] وعن ابن مسعود: إذا تلاعن المتلاعنان وقعت اللعنة على المستحق، فإن لم يكن مستحق رجعت على اليهود الذين كتموا ما أنزل الله سبحانه. وعن ابن عباس: أن لهم لعنتين: لعنة الله ولعنة الخلائق. قال: وذلك إذا وضع الرجل في قبره فيسأل ما دينك ومن نبيك ومن ربك؟ فيقول: لا أدري. فيضرب ضربة يسمعها كل شيء إلا الثقلين فلا يسمع شيء صوته إلا لعنه ويقول له الملك: لا دريت ولا تليت {إلا الذين} استثناء منهم، وفيه من الرحمة ما فيه. وقد مر أن التوبة عبارة عن الندم على فعل القبيح لقبحه لا لغرض سواه، فإن من ترك رد الوديعة ثم ندم لأن الناس لاموه أو لأن الحاكم رد شهادته لم يكن تائبًا {وأصلحوا} ما أفسدوا من أحوالهم وتداركوا ما فرط منهم {وبينوا} ما كتموه أو بينوا للناس ما أحدثوه من توبتهم ليعرفوا بضد ما كانوا يعرفون به ويقتدى بهم غيرهم من المفسدين {فأولئك أتوب عليهم} أقبل توبتهم بأن أسقط عنهم تجملًا وأضع مكانه الثواب تفضلًا بدلالة قوله: {وأنا التواب الرحيم إن الذين كفروا وماتوا} عام في كل من كان كذلك.
وقيل: مخصوص بهؤلاء الكاتمين. ذكر لعنتهم أحياء ثم لعنتهم أمواتًا إذا لم يتوبوا على هذا القول يكون إطلاق الكفر عليهم- وهم من أصحاب الكبائر- مجازًا تغليظًا، أو يراد بالكفر جحود الحق وستره. والمراد بالناس اللاعنين من يعتد بلعنه وهم المؤمنون أجمعون، وقيل: يوم القيامة يلعن بعض الكفار بعضًا فيعم المؤمن والكافر. وقيل: لعن الجاهل والظالم مقرر في العقول حتى إن الظالم قد يلعن نفسه إذا تأمل في حاله. وقيل: وقوع اللعن محمول على استحقاق اللعن، على من مات كافرًا وإن زال التكليف عنه بالموت على أن الكافر إذا جن لم يكن زوال التكليف عنه بالجنون مسقطًا للعنه والبراءة منه، وكذلك سبيل ما يوجب المدح والموالاة من الإيمان والصلاح إذا مات صاحبه أو جن لا يغير حكمه عما كان عليه قبل حدوث الحال. وفي الآية دليل على أن الأمور بخواتيمها، وأنه إذا كفر ومات لا على الكفر لم يكن ملعونًا ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط {خالدين فيها} في اللعنة. وقيل: في النار. وأضمرت وإن لم يجر لها ذكر تفخيمًا لشأنها وتهويلًا لمكانها. والأول أولى لتقدم ذكره لفظًا، ولأن اللعنة تشمل النار وزيادة، ولأنها تصح في الحال والمآل جميعًا بخلاف النار فإنها في الاستقبال. فمن فسر {الذين كفروا} بالكاتمين وجوّز الخلاص على صاحب الكبيرة فسر الخلود بالمكث الطويل وقد سلف مثل ذلك {لا يخفف عنهم العذاب} بل يتشابه في الأوقات باقيًا على المبلغ الذي أتيح له حسب ما استحقه {ولا هم ينظرون} إذا استنظروا من الإنظار الإمهال، أو لا ينظرون ليعتذروا، أو لا ينظر إليهم نظر رحمة أعاذنا الله تعالى من تلك الحالة بعميم فضله وجسيم طوله. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد الجصاص في الآية:

قال رحمه الله:
بَابُ لَعْنِ الْكُفَّارِ:
قَالَ اللَّهُ تعالى: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَعْنَ مَنْ مَاتَ كَافِرًا وَأَنَّ زَوَالَ التَّكْلِيفِ عَنْهُ بِالْمَوْتِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ لَعْنَهُ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} قَدْ اقْتَضَى أَمْرَنَا بِلَعْنِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ جُنَّ لَمْ يَكُنْ زَوَالُ التَّكْلِيفِ عَنْهُ بِالْجُنُونِ مُسْقِطًا لِلَعْنِهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ وَكَذَلِكَ سَبِيلُ مَا يُوجِبُ الْمَدْحَ وَالْمُوَالَاةَ مِنْ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاحِ أَنَّ مَوْتَ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ أَوْ جُنُونَهُ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ حُدُوثِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّ مُرَادَ الْآيَةِ أَنَّ النَّاسَ يَلْعَنُونَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَقوله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} قِيلَ لَهُ هَذَا تَخْصِيصٌ بِلَا دَلَالَةٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَلَائِكَةِ فِي الدُّنْيَا بِالْآيَةِ فَكَذَلِكَ مِنْ النَّاسِ وَإِنَّمَا يَشْتَبِهُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ النَّاسَ يَلْعَنُونَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ إخْبَارٌ بِاسْتِحْقَاقِهِ اللَّعْنَ مِنْ النَّاسِ لَعَنُوهُ أَوْ لَمْ يَلْعَنُوهُ. اهـ.