فصل: الإسرائيليات والموضوعات في تفسير الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإسرائيليات والموضوعات في تفسير الآيات:

قال الدكتور محمد أبو شهبة:
الإسرائيليات في قصة أيوب عليه السلام:
ومن القصص التي تزيَّد فيها المتزيدون، واستغلها القصاصون، وأطلقوا فيها لخيالهم العنان: قصة سيدنا أيوب عليه السلام، فقد رووا فيها ما عصم الله أنبياءه عنه، وصوروه بصورة لا يرضاها الله لرسولٍ من رسله.
فقد ذكر بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}. ذكر السيوطي في الدر المنثور وغيره، عن قتادة رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ}... الآية، قال: ذهاب الأهل والمال، والضر الذي أصابه في جسده، قال: ابتلي سبع سنين وأشهرا، فألقي على كناسة بني إسرائيل، تختلف الدواب في جسده، ففرَّج الله عنه، وأعظم له الأجر، وأحسن.
قال: وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبى حاتم، وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إن الشيطان عرج إلى السماء فقال: يا رب سلطني على أيوب عليه السلام، قال الله: قد سلطتك على ماله، وولده، ولم أسلطك على جسده، فنزل: فجمع جنوده فقال لهم: قد سلطت على أيوب عليه السلام فأروني سلطانكم فصاروا نيرانا، ثم صاروا ماء، فينما هم بالمشرق إذا هم بالمغرب، وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق، فأرسل طائفة منهم إلى زرعه، وطائفة إلى أهله، وطائفة إلى بقره، وطائفة إلى غنمه، وقال: إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف: فأتوه بالمصائب بعضها على بعض، فجاء صاحب الزرع فقال: يا أيوب، ألم ترَ إلى ربك: أرسل على زرعك عدوا، فذهب به، وجاء صاحب الإبل، وقال: ألم ترَ إلى ربك أرسل على إبلك عدوا، فذهب بها، ثم جاء صاحب البقر، فقال: ألم ترَ إلى ربك أرسل على بقرك عدوا، فذهب بها، وتفرد هو ببنيه جمعهم في بيت أكبرهم، فينما هم يأكلون، ويشربون إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت، فألقته عليهم، فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غلام، فقال: يا أيوب، ألم تر إلى ربك جمع بنيك في بيت أكبرهم، فينما هم يأكلون، ويشربون؛ إذ هبت ريح، فأخذت بأركان البيت، فألقته عليهم، فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم، ولحومهم بطعامهم، وشرابهم، فقال له أيوب: أنت الشيطان، ثم قال له: أنا اليوم كيوم ولدتني أمي، فقام، فحلق رأسه، وقام يصلي، فرنَّ إبليس رنَّةً سمع بها أهل السماء وأهل الأرض، ثم خرج إلى السماء، فقال: أي رب، إنه قد اعتصم، فلسلطني عليه، فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك، قال: قد سلطتك على جسده، ولم أسلطك على قلبه، فنزل، فنفخ تحت قدمه نفخة، قرح ما بين قدميه إلى قرنه، فصار قرحة واحدة، وألقي على الرماد، حتى بدا حجاب قلبه، فكانت امرأته تسعى إليه، حتى قالت له: أما ترى يا أيوب، قد نزل بي والله من الجهد والفاقة ما إن بعت قروني برغيف، فأطعمك، فادع الله أن يشفيك، ويريحك، قال: ويحك؛ كنا في النعيم سبعين عاما، فاصبري حتى نكون في الضر سبعين عاما، فكان في البلاء سبع سنين، ودعا، فجاء جبريل عليه السلام يوما فأخذ بيده، ثم قال: قم: فقام، فنحاه عن مكانه، وقال: اركض برجلك، هذا مغتسل بارد وشراب، فركض برجله، فنبعت عين، فقال: اغتسل، فاغتسل منها، ثم جاء أيضا، فقال: اركض برجلك فنبعت عين أخرى، فقال له: اشرب منها، وهو قوله: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}، وألبسه الله حلة من الجنة.
فتنحى أيوب، فجلس في ناحية، وجاءت امرأته، فلم تعرفه، فقالت: يا عبد الله، أين المبتلى الذي كان هنا، لعل الكلاب ذهبت به، أو الذئاب، وجعلت تكلمه ساعة، فقال: ويحك، أنا أيوب!! قد رد الله على جسدي، ورد الله عليه ماله، وولده عيانًا ومثلهم معهم...
قال: وأخرج أحمد في الزهد، عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه قال: ابتلي أيوب بماله، وولده، وجسده، وطرح في المزبلة، فجاءت امرأته تخرج، فتكتسب عليه ما تطعمه، فحسده الشيطان بذلك، فكان يأتي أصحاب الخير والغنى، فيقول: اطردوا هذه المرأة التي تغشاكم، فإنها تعالج صاحبها، وتلمسه بيدها، فالناس يتقذرون طعامكم من أجلها، فجعلوا لا يدنونها منهم، ويقولون تباعدي ونحن نطعمك، ولا تقريبنا...
وقد ذكر ابن جرير، وابن أبي حاتم الكثير من هذه الروايات في تفسيريهما، منها: ما هو موقوف، وبعضها مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ذكر ابن جرير والبغوي، وغيرهما، عند تفسير قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} الكثير من الإسرائيليات.
فقد رويا قصة أيوب وبلائه عن وهب بن منبه، في بضع صحائف، وقد التبس فيها الحق بالباطل، والصدق بالكذب.
وقال ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية: وقد روي عن وهب بن منبه في خبره- يعني أيوب- قصة طويلة، ساقها ابن جرير، وابن أبي حاتم بالسند عنه، وذكرها غير واحد من متأخري المفسرين، وفيها غرابة، تركناها لحال الطول.
ومن العجيب: أن الحافظ الناقد ابن كثير وقع فيما وقع فيه غيره في قصة أيوب، من ذكر الكثير من الإسرائيليات ولم يعقب عليه، مع أن عهدنا به أنه لا يذكر شيئا من ذلك إلا وينبه على مصدره، ومن أين دخل في الرواية الإسلامية، ولا أظن أنه يرى في هذا أنه مما تباح روايته!!!
فقد ذكر أنه يقال: إنه أصيب بالجذام في سائر بدنه، ولم يبق منه سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر بهما الله عز وجل، حتى عافه الجليس، وصار منبوذا في ناحية من البلد، ولم يبق أحد من الناس يحنو عليه غير زوجته، وتحملت في بلائه ما تحملت، حتى صارت تخدم الناس، بل قد باعت شعرها بسبب ذلك، ثم قال: وقد روي: أنه مكث في البلاء مدة طويلة، ثم اختلفوا في السبب المهيج له على هذا الدعاء، فقال الحسن يعني البصري وقتادة: ابتلي أيوب عليه السلام سبع سنين وأشهرا ملقى على كناسة بني إسرائيل، تختلف الدواب في جسده، ففرج الله عنه، وأعظم له الأجر، وأحسن عليه الثناء، وقال وهب بن منبه: مكث في البلاء ثلاث سنين، لا يزيد ولا ينقص. وقال السدي: تساقط لحم أيوب، حتى لم يبق إلا العصب والعظام... ثم ذكر قصة طويلة.
إن كان السدي الصغير فهو كذاب، وإن كان السدي الكبير فمختلف في تعديله ثم ذكر ما رواه ابن أبي حاتم بسنده، عن الزهري، عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب، والبعيد، إلا رجلين من إخوانه له، كانا يغدوان إليه، ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله، فيكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب عليه السلام: ما أدرى ما تقول، غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أَمُرُّ على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكرا الله إلا في حق، قال: وكان يخرج في حاجته، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده، حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه،: أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب».
وقال ابن كثير: رفع هذا الحديث غريب جدا، وقال الحافظ ابن حجر: وأصح ما ورد في قصته: ما أخرجه ابن أبي حاتم، وابن جرير، وصححه ابن حبان، والحاكم، بسند عن أنس: أن أيوب... ثم ذكر مثل ذلك.
أقول: والمحققون من العلماء على أن نسبة هذا إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم إما من عمل بعض الوضاعين الذين يركبون الأسانيد للمتون، أو من غلط بعض الرواة، وأن ذلك من إسرائيليات بني إسرائيل وافتراءاتهم على الأنبياء، والأصحية هنا نسبية، على أن صحة السند لا تنافي أن أصله من الإسرائيليات، كما قلت مرارًا، والإمام الحافظ ابن حجر على جلالته ربما يوافق على تصحيح ما يخالف الأدلة العقلية والنقلية، كما فعل في قصة الغرانيق، وهاروت وماروت وكل ما روي موقوفا أو مرفوعا لا يخرج عما ذكره وهب بن منبه، في قصة أيوب، التي أشرنا إليها آنفا، وما رواه ابن إسحاق أيضا، فهو مما أخذه عن وهب، وغيره.
وهذا يدل أعظم الدلالة على أن معظم ما روي في قصة أيوب مما أخذ عن أهل الكتاب الذين أسلموا، وجاء القصاصون المولعون بالغرائب، فزادوا في قصة أيوب، وأذاعوها، حتى اتخذ منها الشحاذون، والمتسولون وسيلة لاسترقاق قلوب الناس، واستدرار العطف عليهم.
الحق في هذه القصة:
وقد دل كتاب الله الصادق، على لسان نبيه محمد الصادق على أن الله تبارك وتعالى ابتلى نبيه أيوب عليه الصلاة والسلام في جسده وأهله وماله، وأنه صبر حتى حتى صار مضرب الأمثال في ذلك، وقد أثنى الله عليه هذا الثناء المستطاب، قال عز شأنه: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب}، فالبلاء مما لا يجوز أن يشك فيه أبدًا، والواجب على المسلم: أن يقف عند كتاب الله، ولا يتزيد في القصة كما تزيد زنادقة أهل الكتاب، وألصقوا بالأنبياء ما لا يليق بهم، وليس هذا بعجيب من بني إسرائيل الذين لم يتجرأوا على أنبياء الله ورسله فحسب بل تجرأوا على الله تبارك وتعالى ونالوا منه وفحشوا عليه، ونسبوا إليه ما قامت الأدلة العقلية والنقلية المتواترة على استحالته عليه سبحانه وتعالى من قولهم: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء} وقولهم: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}، عليهم لعائن الله.
والذي يجب أن نعتقده: أنه ابتلي، ولَكِن بلاءه لم يصل إلى حد هذه الأكاذيب، من أنه أصيب بالجذام، وأن جسمه أصبح قرحة، وأنه أُلقِيَ على كناسة بني إسرائيل، يرعى في جسده الدود، وتعبث بن دواب بني إسرائيل، أو أنه أصيب بمرض الجدري.
وأيوب عليه صلوات الله وسلامه أكرم على الله من أن يلقى على مزبلة، وأن يصاب بمرض ينفر الناس من دعوته، ويقززهم منه، وأي فائدة تحصل من الرسالة وهو على هذه الحال المرزية التي لا يرضاها الله لأنبيائه ورسله؟.
والأنبياء إنما يبعثون من أوساط قومهم، فأين كانت عشيرته فتواريه، وتطعمه؟! بدل أن تخدم امرأته الناس، بل وتبيع ضفيرتيها في سبيل إطعامه!!
بل أين كان أتباعه، والمؤمنون منه، هل تخلَّوا عنه في بلائه؟! وكيف والإيمان ينافي ذلك؟!
الحق: أن نسج القصة مهلهل، لا يثبت أمام النقد، ولا يؤيده عقل سليم، ولا نقل صحيح، وأن ما أصيب به أيوب من المرض إنما كان من النوع غير المنفر، والمقزز، وأنه من الأمراض التي لا يظهر أثرها على البشرة، كالروماتيزم، وأمراض المفاصل، والعظام ونحوها، ويؤيد ذلك: أن الله لما أمره أن يضرب الأرض بقدمه، فنبعت عين، فاغتسل، منها، وشرب، فبرأ بإذن الله، وقيل: إنه ضرب الأرض برجله فنبعت عين حارة، فاغتسل منها، وضربها مرة أخرى، فنبعت عين باردة، فشرب منها، والله أعلم بالصواب، وظاهر القرآن عدم التعدد في الضرب ولا في نبع الماء.
مقالة الإمام القاضي أبي بكر ابن العربي:
ويعجبني ما قاله الإمام القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله قال: ولم يصح عن أيوب في أمره إلا ما أخبرنا الله عنه في كتابه في آيتين: الأولى في قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرّ} والثانية في ص: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} وأما النبي صلى الله عليه وسلم: فلم يصح عنه أنه ذكره بحرف واحد إلا قوله: «بينما أيوب يغتسل، إذ خر عليه رجل من جراد من ذهب...» الحديث، وإذا لم يصح فيه قرآن، ولا سنة إلا ما ذكرنا فمن الذي يوصل السامع إلى أيوب خبره، أم على أي لسان سمعه؟!، والإسرائيليات مرفوضة عند العلماء على البتات، فأعرض عن سطورها بصرك، وأصم عن سماعها أذنيك؛ فإنها لا تعطي فكرك إلا خيالا، ولا تزيد فؤادك إلا خبالا، وفي الصحيح واللفظ للبخاري: أن ابن عباس قال: يا معشر المسلمين، تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل على نبيكم أحدث الأخبار بالله، تقرءونه محضا لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله، وغيروا وكتبوا بأيديهم الكتب، فقالوا: هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، فلا والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم. وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الموطأ على عمر قراءته التوراة.
وقال الإمام الألوسي في تفسيره، بعد أن ذكر بعض مما ذكرنا: وعظم بلائه عليه السلام مما شاع وذاع ولم يختلف فيه اثنان، لَكِن في بلوغ أمره إلى أن ألقي على كناسة، ونحو ذلك فيه خلاف.
قال الطبرسي: قال أهل التحقيق: إنه لا يجوز أن يكون بصفة يستقذره الناس عليها؛ لأن في ذلك تنفيرًا، فأما الفقر والمرض، وذهاب الأهل فيجوز أن يمتحنه الله تعالى بذلك.
وفي هداية المريد للَّقاني: أنه يجوز على الأنبياء عليهم السلام كل عرض بشري، ليس محرما ولا مكروها، ولا مباحا مرزيا، ولا مزمنا، ولا مما تعافه الأنفس، ولا مما يؤدي إلى النفرة، ثم قال بعد ورقتين: واحترزنا بقولنا: ولا مزمنا ولا مما تعافه الأنفس عما كان كذلك كالإقعاد، والبرص والجذام، والعمى، والجنون.
وأما الإغماء: فقال النووي: لا شك في جوازه عليهم؛ لأنه مرض بخلاف الجنون، فإنه نقص، وقيد أبو حامد يعني الغزالى الإغماء بغير الطويل، وجزم به البلقيني، قال السبكي: وليس كإغماء غيرهم، لأنه إنما يستر حواسهم الظاهرة، دون قلوبهم، لأنها معصومة من النوم الأخف، قال: ويمتنع عليهم الجنون، وإن قل، لأنه نقص، ويلحق به العمى، ولم يعمى نبي قط، وما ذكر عن شعيب من أنه كان ضريرا لم يثبت، وأما يعقوب فحصلت له غشاوة وزالت. انتهى.
وفرق بعضهم في عروض ذلك بين أن يكون بعد التبليغ وحصول الغرض من النبوة: فيجوز، وبين أن يكون قبل: فلا يجوز، ولعلك تختار القول بحفظهم مما تعافه النفوس، ويؤدي إلى الاستقذار والنفرة كما يشعر به ما روي عن قتادة، ونقله القصاص في كتبهم، وذكر بعضهم أن داءه كان الجدري، ولا أعتقد صحة ذلك، والله تعالى أعلم.