فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}.
أي: أذكر أيوب وما أصابه من البلاء ودعاءه ربه في كشف ما نزل به، واستجابته تعالى دعاءه وما امتن به عليه في رفع البلاء. وما ضاعف له بعد صبره من النعماء، لتعلم أن النصر مع الصبر، وأن عاقبة العسر اليسر. وأن لك الأسوة بمثل هذا النبيّ الصبور، فيما ينزل أحيانًا بك من ضرّ. وأن البلاء لم ينج منه الأنبياء. بل هم أشد الناس ابتلاءً. كما في الحديث «أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل».
وإن من أسباب الفرج دعاءه تعالى والابتهال إليه والتضرع له، وذكره بأسمائه الحسنى وصفاته العليا. وإن البلاء لا يدل على الهوان والشقاء. فإن السعادة والشقاء في هذا العالم لا يترتبان على صالح الأعمال وسيئها. لأن الدنيا ليست دار جزاء. وإن عاقبة الصدق في الصبر، هي توفية الأجر ومضاعفة البر. وقد روي أن أيوب عليه السلام، لما امتحن بما فقد أرزاقه وهلك به جميع آل بيته، وبما لبث يعاني من قروح جسده آلامًا، وصبر وشكر، رحمه مولاه فعادت له صحة بدنه وأوتي أضعاف ما فقده. ورزق عدة أولاد، وعاش عمرًا طويلًا أبصر أولاده إلى الجيل الرابع. ولذا قال تعالى: {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} أي: تذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر، حتى يثابوا كما أثيب في الدنيا والآخرة. وبالجملة فالسر هو تثبيت قلوب المؤمنين وحملهم على الصبر في المجاهدة في سبيل الحق. وقد روى المفسرون هاهنا في بلاء أيوب روايات مختلفات، بأسانيد واهيات، لا يقام لها عند أئمة الأثر وزن. ولا تُعَارُ من الثقة أدنى نظر. نعم يوجد في التوراة سفر لأيوب فيه من شرح ضره، بفقد كل مقتنياته ومواشيه وآل بيته، وبنزول مرض شديد به، عدم معه الراحة ولذة الحياة، غرائب. إلا أنها مما لا يوثق بها جميعها. لما داخلها من المزيج، وتوسع بها في الدخيل، حتى اختلط الحابل بالنابل. وإن كان يؤخذ من مجموعها بلاء فادح وضر مدهش. ولو علم الله خيرًا في أكثر مما أجمله في تنزيله الحكيم، لتفضل علينا بتفصيله. ولذا يوقف عند إجماله فيما أجمل، وتفصيله فيما فصّل.
تنبيه:
قال بعضهم: أكثر المحققين على أن أيوب كان بعد زمن إبراهيم عليهما السلام. وأنه كان غنيًّا من أرباب العقار والماشية. وكان أميرًا في قومه. وأن أملاكه ومنزله في أرض خصيبة رائعة التربة كثيرة المتسلسلة في الجنوب الشرقي من البحر الميت. ومن جبل سُعَيْر بين بلاد أدوم وصحراء العربية. والله أعلم.
{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} أي: على القيام بأمر الله، وعلى شدائد النوب، وعلى احتمال الأذى في نصرة دينه تعالى، ففيهم أعظم أسوة: {وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنا} أي: في النبوة أو في نعمة الآخرة: {إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ} أي: الكاملين في الصلاح.
قال ابن كثير: أما إسماعيل فالمراد به ابن إبراهيم الخليل عليهما السلام. وقد تقدم ذكره في سورة مريم. وكذا إدريس عليه السلام. وأما ذو الكفل فالظاهر من السياق أنه ما قرن مع الأنبياء إلا وهو نبيّ.
وقال آخرون: إنما كان رجلًا صالحًا، وكان ملكًا عادلًا وحكمًا مقسطًا، وتوقف ابن جرير في ذلك، فالله أعلم.
وذهب بعض المحققين إلى أن ذا الكفل هو حزقيل عليه السلام. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)}.
الظاهر أن قوله: {وَأَيُّوبَ} منصوب باذكر مقدرًا، ويدل على ذلك قوله تعالى في ص {واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41].
وقد أمر جل وعلا في هاتين الآيتين الكريمتين نبيه صلى الله عليه وسلم: أن يذكر أيوب حين نادى ربه قائلًا: {نِّي مَسَّنِيَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين} وأن ربه استجاب له فكشف عنه جميع ما به من الضر، وأنه آتاه أهله، وآتاه مثلهم معهم رحمة منه جل وعلا به، وتذكيرًا للعابدين أي الذين يعبدون الله لأنهم هم المنتفعون بالذكرى.
وهذا المعنى الذي ذكره هنا ذكره أيضًا في سورة ص في قوله: {واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41] إلى قوله: {لأُوْلِي الألباب} [ص: 43] والضر الذي مس أيوب، ونادى ربه ليكشفه عنه كان بلاء أصابه في بدنه وأهله وماله. ولما أراد الله إذهاب الضر عنه أمره أن يركض برجله ففعل، فنبعت له عين ماء فاغتسل منها فزال كل ما بظاهر بدنه من الضر، وشرب منها فزال كل ما بباطنه. كما أشار تعالى إلى ذلك في قوله: {اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42].
وما ذكره في الأنبياء: من أنه آتاه أهله ومثلهم رحمة منه وذكرى لمن يعبده بينه في ص في قوله: {اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 43]، وقوله في الأنبياء، {وذكرى لِلْعَابِدِينَ} مع قوله في ص، {وذكرى لأُوْلِي الألباب} فيه الدلالة الواضحة على أن أصحاب العقول السليمة من شوائب الاختلال، هم الذين يعبدون الله وحده ويطيعونه. وهذا يؤيد قول من قال من أهل العلم، إن من أوصى بشيء من ماله لأعقل الناس أن تلك الوصية تصرف لأتقى الناس وأشدهم طاعة لله تعال. لأنهم هم أولو الألباب. أي العقول الصحيحة السالمة من الاختلال.
تنبيه:
في هذه الآيات المذكورة سؤال معروف، وهو أن يقال: إن قول أيوب المذكور في الأنبياء في قوله، {إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضر} [الأنبياء: 83] وفي ص في قوله، {إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41] يدل على أنه ضجر من المرض فشكا منه. مع أن قوله تعالى عنه، {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: 44] يدل على كمال صبره؟
والجواب أن ما صدر من أيوب دعاء وإظهار فقر وحاجة إلى ربه، لا شكوى ولا جزع.
قال أبو عبدالله القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة، ولم يكن قوله: {مَسَّنِيَ الضر} [الأنبياء: 83] جزعًا. لأن الله تعالى، قال: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: 44] بل كان ذلك دعاء منه. والجزع في الشكوى إلى الخلق لا إلى الله تعالى، والدعاء لا ينافي الرضا.
قال الثعلبي: سمعت أستاذنا أبا القاسم بن حبيب يقول: حضرت مجلسًا غاصًا بالفقهاء والأدباء في دار السلطان. فسئلت عن هذه الآية الكريمة بعد اجتماعهم على أن قول أيوب كان شكاية وقد قال الله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: 44] فقلت: ليس هذا شكاية، وإنما كان دعاء. بيانه {فاستجبنا لَهُ} [الأنبياء: 84] والإجابة تتعقب الدعاء لا الاشتكاء. فاستحسنوه وارتضوه. وسئل الجنيد عن هذه الآية الكريمة فقال: عرفة فاقة السؤال ليمن عليه بكرم النوال انتهى منه.
ودعاء أيوب المذكور ذكره الله في سورة الأنبياء من غير أن يسند مس الضر أيوب إلى الشيطان في قوله: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ} [الأنبياء: 83] وذكره في سورة ص وأسند ذلك للشيطان في قوله: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41] والنصب على جميع القراءات معناه: التعب والمشقة، والعذاب: الألم. وفي نسبة ما أصابه من المشقة والألم إلى الشيطان في آية ص هذه إشكال قوي معروف. لأن الله ذكر في آيات من كتابه: أن الشيطان ليس له سلطان على مثل أيوب من الأنبياء الكرام. كقوله: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ على الذين آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99- 100]، وقوله تعالى: {وما كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ} [سبأ: 21] الآية، وقوله تعالى عنه مقررًا له: {وما كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي} [إبراهيم: 22]، وقوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين} [الحجر: 42].
وللعلماء عن هذا الإشكال أجوبة. منها ما ذكره الزمخشري قال:
فإن قلت: لم نسبه إلى الشيطان، ولا يجوز أن يسلطه على أنبيائه ليقضي من إتعابهم وتعذيبهم وطره، ولو قدر على ذلك لم يدع صالحًا إلا وقد نكبه وأهلكه، وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب؟
قلت: لما كانت وسوسته إليه، وطاعته له فيما وسوس سببًا فيما مسه الله به من النصب والعذاب نسبه إليه، وقد راعى الأدب في ذلك حيث لم ينسبه إلى الله في دعائه، مع أنه فاعله ولا يقدر عليه إلا هو. وقيل: أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء، ويغريه على الكراهة والجزع، فالتجأ إلى الله تعالى في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء، أو بـ: التوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل.
وروي أنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين. فارتد أحدهم فسأل عنه، فقيل: ألقى إليه الشيطان أن الله لا يبتلي الأنبياء الصالحين. وذكر في سبب بلائه: أن رجلًا استغاثه على ظالم فلم يغثه. وقيل: كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهنه ولم يغزه. وقيل. أعجب بكثرة ماله انتهى منه.
ومنه ما ذكره جماعة من المفسرين: أن الله سلط الشيطان على ماله وأهله ابتلاء لأيوب. فأهلك الشيطان ماله وولده، ثم سلطه على بدنه ابتلاء له فنفخ في جسده نفخة اشتعل منها، فصار في جسده ثآليل، فحكها بأظافره حتى دميت، ثم بالفخار حتى تساقط لحمه، وعصم الله قلبه ولسانه.
وغالب ذلك من الإسرائيليات وتسليطه للابتلاء على جسده، وماله وأهله ممكن، وهو أقرب من تسليطه عليه بحمله على أن يفعل ما لا ينبغي. كمداهنة الملك المذكور، وعدم إغاثة الملهوف، إلى غير ذلك من الأشياء التي يذكرها المفسرون. وقد ذكروا ها قصة طويلة تتضمن البلاء الذي وقع فيه، وقدر مدته وكل ذلك من الاسرائيليات وقد ذكرنا هنا قليلًا.
وغاية ما دل عليه القرآن: أن الله ابتلى نبيه أيوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وأنه ناداه فاستجاب له وكشف عنه كل ضر، ووهبه أهله ومثلهم معهم، وأن أيوب نسب ذلك في ص إلى الشيطان. ويمكن أن يكون سلطه الله على جسده وماله وأهله. ابتلاء ليظهر صبره الجميل، وتكون له العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة، ويرجع له كل ما أصيب فيه، والعلم عند الله تعالى وهذا لا ينافي أن الشيطان لا سلطان له على مثل أيوب، لأن التسليط على الأهل والمال والجسد من جنس الأسباب التي تنشأ عنها الأعراض البشرية كالمرض، وذلك يقع للأنبياء، فإنهم يصيبهم المرض، وموت الأهل، وهلاك المال لأسباب متنوعة. ولا مانع من أن يكون جملة تلك الأسباب تسليط الشيطان على ذلك للابتلاء وقد أوضحنا جواز وقوع الأمراض والتأثيرات البشرية على الأنبياء في سورة طه وقول الله لنبيه أيوب في سورة ص: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ} [ص: 44] الآية، قال المفسرون فيه: إنه حلف في مرضه ليضربن زوجه مائة سوط، فأمره الله أن يأخذ ضغثًا فيضربها به ليخرج من يمينه، والضغث: الحزمة الصغيرة من حشيش أو ريحان أو نحو ذلك. والمعنى: أنه يأخذ حزمة فيها مائة عود فيضربها بها ضربة واحدة، فيخرج بذلك من يمينه. وقد قدمنا في سورة الكهف الاستدلال بآية {وَلاَ تَحْنَثْ} على أن الاستثناء المتأخر لا يفيد. إذ لفو كان يفيد لقال الله لأيوب قل إن شاء الله. ليكون ذلك استثناء في يمينك. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

{وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)}.
التفسير:
أولياء اللّه وما يبتلون به قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
هو معطوف على قوله تعالى: {وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ} وهو عطف قصة على قصة. أي واذكر أيوب إذ نادى ربّه.