فصل: قال عبد الكريم الخطيب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وآية القلم المذكورة تدل على أن نبي الله يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام عِجل بالذهاب ومغاضبة قومه، ولم يصبر الصبر اللازم بدليل قوله مخاطبًا نبينا صلى الله عليه وسلم فيها: {فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحوت} [القلم: 48] الآية. فإن أمره لنبينا صلى الله عليه وسلم بالصبر ونهيه إياه أن يكون كصابح الحوت دليل على أن صاحب الحوت لم يصبر كما ينبغي. وقصة يونس، وسبب ذهابه ومغاضبته قومه مشهورة مذكورة في كتب التفسير. وقد بين تعالى في سورة يونس: أن قوم يونس آمنوا فنفعهم إيمانهم دون غيرهم من سائر القرى التي بعثت إليهم الرسل، وذلك في قوله: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزي فِي الحياة الدنيا وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ} [يونس: 98].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وكذلك نُنجِي المؤمنين} يدل على أنه ما من مؤمن يصيبه الكرب والغم فيبتهل إلى الله داعيًا بإخلاص، إلا نجاه الله من ذلك الغم، ولاسيما إذا دعا بدعاء يونس هذا. وقد جاء في حديث مرفوع عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: في دعاء يونس المذكور: «لم يدع به مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له» رواه أحمد والترمذي وابن أبي حاتم وابن جرير وغيرهم.
والآية الكريمة شاهدة لهذا الحديث شهادة قوية كما ترى، لأنه لما ذكر أنه أنجى يونس شبه بذلك إنجاءه المؤمنين.
وقوله: {نُنجِي المؤمنين} صيغة عامة في كل مؤمن كما ترى. وقرأ عامة القراء السبعة غير ابن عامر وشعبة عن عاصم {وكذلك نُنجِي المؤمنين} بنون واحدة مضمومة بعدها جيم مكسورة مشددة فياء ساكنة. وهو على هذه القراءة بصيغة فعل ماض مبني للمفعول من مجى المضعفة على وزن فعل بالتضعيف. وفي كلتا القراءتين إشكال معروف. أما قراءة الجمهور فهي من جهة القواعد العربية واضحة لا إشكال فيها، ولَكِن فيها إشكال من جهة أخرى، وهي: أن هذا الحرف إنما كتبه الصحابة في المصاحف العثمانية بنون واحدة، فيقال: كيف تقرأ بنونين وهي في المصاحف بنون واحدة؟ وأما على قراءة ابن عامر وشعبة فالإشكال من جهة القواعد العربية، لأن نجى على قراءتهما بصيغة ماض مبني للمفعول، فالقياس رفع {المؤمنين} بعده على أنه نائب الفاعل، وكذلك القياس فتح نون نجى لا إسكانها.
وأجاب العلماء عن هذا بأجوبة: منها ما ذكره بعض الأئمة، وأشار إليه ابن هشام في باب الإدغام من توضيحه: أن الأصل في قراءة ابن عامر وشبعة {ننجي} بفتح النون الثانية مضارع نجى مضعفًا، فحذفت النون الثانية تخفيفًا. أو ننجى بسكونها مضارع أنجى وأدغمت النون في الجيم لاشتراكهما في الجهر والانفتاح والتوسط بين القوة والضعف، كما أدغمت في إجاصة وإجانة بتشديد الجيم فيهما، والأصل إنجاصة وإنجانة فأدغمت النون فيهما. والإجاصة: واحدة الإجاص، قال في القاموس: الإجاص بالكسر مشددًا: ثمر معروف دخيل، لأن الجيم والصاد لا يجتمعان في كلمة، الواحدة بهاء. ولا تقل انجاص، أو لغية.اهـ. والإجانة. واحدة الأجاجين. قال في التصريح: وهي بفتح الهمزة وكسرها. قال صاحب الفصيح: قصرية يعجن فيه ويغسل فيها. ويقال: إنجانة كما يقال إنجاصة، وهي لغة يمانية فيهما أنكرها الأكثروناهـ. فهذا وجهان في توجيه قراءة ابن عامر وشعبة، وعليهما فلفظة {ألمؤمنين} مفعول به لـ: {ننجي}.
ومن أجوبة العلماء عن قراءة ابن عامر وشعبة: أن {نجى} على قراءتهما فعل ماض مبني للمفعول، والنائب عن الفاعل ضمير المصدر، أي نجى هو أي الإنجاء، وعلى هذا الوجه فالآية كقراءة من قرأ {لِيَجْزِيَ قَوما} [الجاثية: 14] الآية، ببناء {يجزي} للمفعول والنائب ضمير المصدر، أي ليجزي هو أي الجزاء ونيابة المصدر عن الفاعل في حال كون الفعل متعديًا للمفعول ترد بقلة، كما أشار له في الخلاصة بقوله:
وقابل من ظرف أو من مصدر ** أو حرف جر بنيابة حرى

ولا ينوب بعض هذا إن وجد ** في اللفظ مفعول به وقد يرد

ومحل الشاهد منه قوله: وقد يرد وممن قال بجواز ذلك الأخفش والكوفيون وأبو عبيد. ومن أمثلة ذلك في كلام العرب قول جرير يهجو أم الفرزدق:
ولو ولدت قفيرة جرو كلب ** لسب بذلك الجرو الكلابا

يعني لسب هو أي السب. وقول الراجز:
لم يعن بالعلياء إلا سيدا ** ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى

وأما إسكان ياء نجي على هذا القول فهو على لغة من يقول من العرب: رضي، وبقي بإسكان الياء تخفيفًا. ومنه قراءة الحسن {وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الربا} [البقرة: 278] بإسكان ياء بقي ومن شواهد تلك اللغة قول الشاعر:
خمر الشيب لمنى تخميرا ** وحدا بي إلى القبور البعيرا

ليت شعري إذ القيامة قامت ** ودعى بالحساب أين المصيرا

وأما الجواب عن قراءة الجمهور فالظاهر فيه أن الصحابة حذفوا النون في المصاحف لتمكن موافقة قراءة ابن عامر وشعبة للمصاحف لخفائها، أما قراءة الجمهور فوجهها ظاهر ولا إشكال فيها، فغاية الأمر أنهم حذفوا حرفًا من الكلمة لمصلحة مع تواتر الرواية لفظًا بذكر الحرف المحذوف والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ}.
ذا النون: هو يونس- عليه السلام- والنون: هو الحوت، وجمعه نينان.. وقد نسب إليه يونس، لأنه عاش في بطنه زمنا- كما سترى..
وقوله تعالى: {إِذْ ذَهَبَ مُغاضِبًا} إشارة إلى أنه اختلف مع قومه، فتركهم وذهب بعيدا عنهم، مغاضبا لهم.
وفى قوله تعالى: {مُغاضِبًا} إشارة إلى أنه استجلب المغاضبة، واستعجلها، وأنه وإن ظهر له من قومه ما يثير الغضب، ويدعو إلى القطيعة، إلا أنه كان جديرا به أن يصبر، ويصابر، وألّا يأخذ القوم بأول بادرة، فيتخلى عن مقامه فيهم.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى، مخاطبا النبىّ الكريم، صلوات اللّه وسلامه عليه: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [48: ن].
ففى هذا تعريض بيونس- عليه السلام- وأنه لم يصبر الصبر المطلوب من الأنبياء..
وقوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي ظن أن لن نقدر على محاسبته على هذا الموقف، وعقابه عليه..
ولم يكن من يونس عليه السلام هذا الظن بربه، وبقدرته، وإنما حاله التي كان عليها هي التي تعطى هذا الوصف له.. فهو قد فعل فعل من يظن أنه يفعل ما يفعل، ثم لا يجد محاسبا على ما فعل..
قوله تعالى: {فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
هنا كلام مضمر، يشير إليه العطف بالفاء {فَنادى}.. وهذا المضمر، قد ذكر في آيات أخرى من القرآن الكريم، وفى هذا يقول سبحانه: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} (139- 142: الصافات).
فحرف العطف الفاء يشير إلى هذه الآيات.. والمعنى أن يونس لما ذهب مغاضبا قومه، ظانّا أن لن نقدر عليه، أبق أي هرب {إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} أي الذي شحن وامتلئ بالناس والأمتعة، حتى فاض، وكاد يغوص في الماء.. وإنقاذا للسفينة من الغرق رؤى أن يتخفف من أمتعتها، ثم من بعض الراكبين فيها، وقد ارتضى الركاب أن يقترعوا فيما بينهم على من يخلى السفينة، ويلقى بنفسه في الماء، ولو كان في ذلك هلاكه، إذ إن في هلاكه نجاة كثيرين.
وقد وقعت القرعة على يونس فيمن وقعت عليهم، ليلقوا بأنفسهم في البحر..
{فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} أي الساقطين، المخذولين.. وأرض دحض أي زلق، لا تمسك قدمى من يمشى عليها، وحجة داحجة: أي ساقطة، غير مقبولة..
فلما ألقى يونس بنفسه في الماء، التقمه الحوت. {فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} والمراد بالنداء، الدعاء، والتسبيح للّه.. كما يقول سبحانه: {فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} و{الظُّلُماتِ} هي هذا الظلام الكثيف المشتمل عليه في بطن الحوت، حيث لا ينفذ إليه شعاعة من ضوء.
وقد ذكر المفسّرون أن هذه الظلمات، هي ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل..
وأنه لا حاجة إلى هذا التكلّف، لإيجاد وجه لجمع الظلمات.. والبحر نفسه هو ظلمات، وبطن الحوت ظلمات وظلمات.. فما الحاجة إلى الليل، حتى تصبح الظلمة ظلمات؟ وهل في أعماق البحر، أو في جوف الحوت، حساب للّيل أو النهار، والظلام والنور؟.. واللّه سبحانه وتعالى يقول: {أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ} [40: النور] إن ما في أعماق البحر، ليست ظلمات وحسب، وإنما هي ظلمات، فوق ظلمات، فوق ظلمات! وقوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} أي أن اللّه سبحانه قد استجاب دعاء يونس، ونجّاه مما هو فيه من غمّ، وكذلك ينجى اللّه المؤمنين، مما ينزل بهم من سوء، وما يصيبهم من بلاء..
ويونس لم يدع إلا بقوله: {لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.. فهو دعاء لم يطلب فيه نجاة أو خلاصا من هذا البلاء الذي هو فيه.. ففيم استجاب اللّه له؟
والجواب- واللّه أعلم- أنه دعا بأفضل دعاء يقتضيه حاله، ويطلبه موقفه.
إنه قد أتى من قبل نفسه، وإنّ نفسه هي التي أوقعته في هذا البلاء، ودفعت به إلى هذا الموقف الذي هو فيه، فهو في دعائه هذا يطلب البراءة من نفسه، والنجاة من شباكها، وذلك بإخلاص العبودية للّه، والبراءة من كل شىء، حتى من نفسه هذه، والاستسلام للّه الذي لا إله إلا هو..
وإنه إذا خلص من نفسه، وبريء من أهوائها ونوازعها، فقد خلص من كل سوء، وأمن كل مكروه.. ومن هنا كان خلاصه من بطن الحوت، وكانت نجاته من هذا البلاء.. وهكذا كل من يضيف وجوده إلى اللّه،
ويبرأ من نفسه وما توسوس له به.. إنه يكون أبدا على شاطىء النجاة!. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا}.
عطف على {وذا الكفل} [الأنبياء: 85].
وذكر ذي النون في جملة من خُصّوا بالذكر من الأنبياء لأجل ما في قصته من الآيات في الالتجاء إلى الله والندم على ما صدر منه من الجزع واستجابة الله تعالى له.
و ذو النون وصفٌ، أي صاحب الحوت.
لقب به يونس بن متَى عليه السلام.
وتقدمت ترجمته في سورة الأنعام وتقدمت قصته مع قومه في سورة يونس.
وذهابُه مغاضبًا قيل خروجه غضبان من قومه أهل نينَوى إذْ أبَوا أن يؤمنوا بما أرسل إليهم به وهم غاضبون من دعوته، فالمغاضبة مفاعلة.
وهذا مقتضى المروي عن ابن عباس.
وقيل: إنه أوحي إليه أن العذاب نازل بهم بعد مدة فلما أشرفت المدّة على الانقضاء آمنوا فخرج غضبانَ من عدم تحقق ما أنذرهم به، فالمغاضبة حينئذ للمبالغة في الغضب لأنه غَضب غريب.
وهذا مقتضى المروي عن ابن مسعود والحسن والشعبي وسعيد بن جبير، وروي عن ابن عباس أيضًا واختاره ابن جرير.
والوجه أن يكون {مغاضبًا} حالًا مرادًا بها التشبيه، أي خرج كالمغاضب.
وسيأتي تفصيل هذا المعنى في سورة الصافات.
وقوله تعالى: {فظن أن لن نقدر عليه} يقتضي أنه خرج خروجًا غير مأذون له فيه من الله.
ظن أنه إذا ابتعد عن المدينة المرسل هو إليها يرسل الله غيره إليهم.
وقد روي عن ابن عباس أن حزقيال ملكَ إسرائيل كان في زمنه خمسةُ أنبياء منهم يونس، فاختاره الملِك ليذهب إلى أهل نينوَى لدعوتهم فأبى وقال: هاهنا أنبياء غيري وخرج مغاضبًا للملِك.
وهذا بعيد من القرآن في آيات أخرى ومن كتب بني إسرائيل.
ومحلّ العبرة من الآية لا يتوقف على تعيين القصة.
ومعنى {فظن أن لن نقدر عليه} قيل نقدر مضارع قَدَر عليه أمرًا بمعنى ضيّق كقوله تعالى: {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} [الرعد: 26] وقوله تعالى: {ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} [الطلاق: 7]، أي ظن أن لن نضيّق عليه تَحْتيم الإقامة مع القوم الذين أرسل إليهم أو تحتيم قيامه بتبليغ الرسالة، وأنه إذا خرج من ذلك المكان سقطَ تعلق تكليف التبليغ عنه اجتهادًا منه، فعوتب بما حلّ به إذ كان عليه أن يستعلم ربه عما يريد فعله.
وفي الكشاف: أن ابن عباس دخل على معاوية فقال له معاويةُ: لقد ضربتني أمواجُ القرآن البارحة فغرِقت فلم أجد لنفسي خلاصًا إلا بك. قال: وما هي؟ فقرأ معاوية هذه الآية وقال: أو يظن نبيءُ الله أن الله لا يقدر عليه؟ قال ابن عباس: هذا من القَدرْ لا من القُدرة. يعني التضييق عليه.
وقيل {نقدر} هنا بمعنى نحكم مأخوذ من القُدرة، أي ظن أن لن نؤاخذه بخروجه من بين قومه دون إذنٍ.
ونقل هذا عن مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي وهو رواية عن ابن عباس واختاره الفرّاء والزجاج. وعلى هذا يكون يونس اجتهد وأخطأ.
وعلى هذا الوجه فالتفريع تفريع خُطور هذا الظن في نفسه بعد أن كان الخروج منه بادرةً بدافع الغضب عن غير تأمل في لوازمه وعواقبه، قالوا: وكان في طبعه ضيق الصدر.
وقيل معنى الكلام على الاستفهام حذفت همزته.
والتقدير: أفظن أن لن نقدر عليه؟ ونسب إلى سليمان بن المعتمر أو أبي المعتمر.
قال منذر بن سعيد في تفسيره: وقد قرئ به.
وعندي فيه تأويلان آخران وهما: أنه ظن وهو في جوف الحوت أن الله غير مخلصه في بطن الحوت لأنه رأى ذلك مستحيلًا عادة، وعلى هذا يكون التعقيب بحسب الواقعة، أي ظن بعد أن ابتلعَه الحوت.
وأما نداؤه ربه فذلك توبة صدرت منه عن تقصيره أو عجلته أو خطأ اجتهاده، ولذلك قال: {إني كنت من الظالمين} مبالغة في اعترافه بظلم نفسه، فأسند إليه فعل الكون الدال على رسوخ الوصف، وجعل الخبر أنه واحد من فريق الظالمين وهو أدل على أرسخية الوصف، أو أنه ظن بحسب الأسباب المعتادة أنه يهاجر من دار قومه، ولم يظن أن الله يعوقه عن ذلك إذ لم يسبق إليه وحي من الله.