فصل: المعنى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المعنى:

واذكر يا محمد ذا النون وهو يونس إذ ذهب مغاضبا للّه، أى: لأجل اللّه فيونس غاضب قومه من أجل ربه إذ يكفرون به ولا يصدقون برسله.
والظاهر أن يونس أرسل إلى قومه فعصوه، ولم يتبعه إلا القليل، وكان ذلك مما يحز في نفسه ويؤلمه ويغضبه، وكان يونس ضيق الصدر شديد الإخلاص لقومه كثير الحرص عليهم فهذا كله يجعله يغضب ويثور، وما هكذا تكون الأنبياء والرسل انظر إلى اللّه يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ} وكثيرا ما كان يعالج القرآن ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم والمبرأ من كل عيب فيقول: {فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [سورة هود آية 12].
ولهذا كان الأنبياء الذين بالغوا في الصبر والمثابرة وهم- إبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح. ومحمد- صلوات اللّه عليهم جميعا- أولى العزم.
فيونس ذهب مغاضبا من أجل عصيان ربه، وليس مغاضبا ربه أو آبقا حقا، وإلا كان من مرتكبا لكبيرة لا تليق بالفرد العادي فما بال يونس النبي الكريم؟! الذي يقول فيه المصطفى: «لا تفضّلونى على يونس بن متّى».
إذا فهو مغاضب من أجل ربه، وكان في خروجه من عند قومه في صورة الآبق وهذا لا يليق بنبي كريم ولذا كان العتاب وكان وصفه لنفسه أنه من الظالمين وأما قوله تعالى: {أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} فالمعنى فظن يونس أن لن نقتر عليه ونضيق بل نتركه يسير حيث أراد، أو فظن أن لن نقدر عليه من القدر أى: فظن أن لن نقضي عليه بالعقوبة.
والذي ذكر في قصته أنه خرج مغاضبا من أجل ربه خرج في صورة الآبق إلى ساحل البحر فوجد سفينة فركبها، وهو هائم على وجهه فلما سارت السفينة إلى عرض البحر اضطربت واهتزت وأشرفت على الغرق فقال ربانها: لأن يغرق شخص خير من أن نغرق جميعا فاستهموا فخرج سهمه فألقى في البحر فالتقمه الحوت وهو مليم، فعل فعلا يلام عليه إذ كان الأولى أن يصبر حتى يأتى أمر اللّه في قومه، فلما قر في جوف الحوت أدرك نفسه وعرف موقفه فنادى في الظلمات ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة جوف الحوت: أن لا إله إلا أنت سبحانك يا رب!! إنى كنت من الظالمين فاغفر لي يا رب فغفر اللّه له ونجاه مما هو فيه، وكذلك ينجى اللّه المؤمنين. فاعتبروا يا أولى الأبصار واتعظوا بهذا. أما قومه فلما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين {فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ} [يونس 98]. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)}.
قوله: {وداود} معطوف على {نوحًا} ومعمول لعامله المذكور، أو المقدّر كما مرّ {وسليمان} معطوف على داود، والظرف في {إِذْ يَحْكُمَانِ} متعلق بـ ما عمل في داود، أي واذكرهما وقت حكمهما. والمراد من ذكرهما ذكر خبرهما.
ومعنى {فِي الحرث}: في شأن الحرث.
قيل: كان زرعًا.
وقيل: كرمًا، واسم الحرث يطلق عليهما {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ} أي: تفرقت وانتشرت فيه {غَنَمُ القوم} قال ابن السكيت: النفش بالتحريك أن تنتشر الغنم بالليل من غير راعِ {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهدين} أي لحكم الحاكمين، وفيه جواز إطلاق الجمع على الاثنين، وهو مذهب طائفة من أهل العربية كالزمخشري والرضيّ، وتقدّمهما إلى القول به الفراء.
وقيل: المراد: الحاكمان والمحكوم عليه.
ومعنى {شاهدين}: حاضرين، والجملة اعتراضية.
وجملة {ففهمناها سليمان} معطوفة على {إذ يحكمان} لأنه في حكم الماضي، والضمير في {ففهمناها}، يعود إلى القضية المفهومة من الكلام، أو الحكومة المدلول عليها بذكر الحكم.
قال المفسرون: دخل رجلان على داود، وعنده ابنه سليمان، أحدهما: صاحب حرث، والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: إن هذا انفلتت غنمه ليلًا فوقعت في حرثي فلم تبق منه شيئًا، فقال: لك رقاب الغنم، فقال سليمان: أو غير ذلك، ينطلق أصحاب الكرم بالغنم فيصيبون من ألبانها ومنافعها ويقوم أصحاب الغنم على الكرم حتى إذا كان كليلة نفشت فيه دفع هؤلاء إلى هؤلاء غنمهم، ودفع هؤلاء إلى هؤلاء كرمهم، فقال داود: القضاء ما قضيت، وحكم بذلك.
قال النحاس: إنما قضى داود بالغنم لصاحب الحرث لأن ثمنها كانا قريبًا منه، وأما في حكم سليمان فقد قيل: كانت قيمة ما نال من الغنم، وقيمة ما أفسدت الغنم سواء.
قال جماعة من العلماء: إن داود حكم بوحي، وحكم سليمان بوحي نسخ الله به حكم داود، فيكون التفهيم على هذا بطريق الوحي.
وقال الجمهور: إن حكمهما كان باجتهاد، وكلام أهل العلم في حكم اجتهاد الأنبياء معروف، وهكذا ما ذكره أهل العلم في اختلاف المجتهدين، وهل كل مجتهد مصيب، أو الحق مع واحد؟ وقد استدل المستدلون بهذه الآية على أن كل مجتهد مصيب، ولا شك أنها تدل على رفع الإثم عن المخطىء، وأما كون كل واحد منهما مصيبًا، فلا تدلّ عليه هذه الآية ولا غيرها، بل صرّح الحديث المتفق عليه في الصحيحين وغيرهما أن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر، فسماه النبيّ صلى الله عليه وسلم مخطئًا، فكيف يقال إنه مصيب لحكم الله موافق له، فإن حكم الله سبحانه واحد لا يختلف باختلاف المجتهدين، وإلا لزم توقف حكمه عزّ وجلّ على اجتهادات المجتهدين، واللازم باطل فالملزوم مثله.
وأيضًا يستلزم أن تكون العين التي اختلف اجتهاد المجتهدين فيها بالحلّ والحرمة حلالًا حرامًا في حكم الله سبحانه.
وهذا اللازم باطل بالإجماع، فالملزوم مثله.
وأيضًا يلزم أن حكم الله سبحانه لا يزال يتجدد عند وجود كل مجتهد له اجتهاد في تلك الحادثة، ولا ينقطع ما يريده الله سبحانه فيها إلا بانقطاع المجتهدين واللازم باطل فالملزوم مثله.
وقد أوضحنا هذه المسألة بما لا مزيد عليه في المؤلف الذي سميناه القول المفيد في حكم التقليد وفي أدب الطلب ومنتهى الأرب فمن أحبّ الوقوف على تحقيق الحق فليرجع إليهما.
فإن قلت: فما حكم هذه الحادثة التي حكم فيها داود وسليمان في هذه الشريعة المحمدية، والملة الإسلامية؟ قلت: قد ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من حديث البراء أنه شرع لأمته أن على أهل الماشية حفظها بالليل، وعلى أصحاب الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أهلها، وهذا الضمان هو مقدار الذاهب عينًا أو قيمة.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى العمل بما تضمنه هذا الحديث.
وذهب أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين إلى أن هذا الحكم منسوخ، وأن البهائم إذا أفسدت زرعًا في ليل أو نهار أنه لا يلزم صاحبها شيء، وأدخلوا فسادها في عموم قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «جرح العجماء جبار» قياسًا لجميع أفعالها على جرحها.
ويجاب عنه بأن هذا القياس فاسد الاعتبار، لأنه في مقابلة النص، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يضمن ربّ الماشية ما أفسدته من غير فرق بين الليل والنهار.
ويجاب عنه بحديث البراء.
ومما يدل على أن هذين الحكمين من داود وسليمان كانا بوحي من الله سبحانه لا باجتهاد.
قوله: {وَكُلًا ءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} فإن الله سبحانه أخبرنا بأنه أعطى كل واحد منهما هذين الأمرين، وهما إن كانا خاصين فصدقهما على هذه القضية التي حكاها الله سبحانه عنهما مقدّم على صدقهما على غيرها، وإن كانا عامين فهذا الفرد من الحكم والعلم، وهو ما وقع من كل واحد منهما في هذه القضية أحق أفراد ذلك العام بدخوله تحته ودلالته عليه، ومما يستفاد من ذلك دفع ما عسى يوهمه تخصيص سليمان بالتفهيم، من عدم كون حكم داود حكمًا شرعيًا، أي وكل واحد منهما أعطيناه حكمًا وعلمًا كثيرًا، لا سليمان وحده.
ولما مدح داود وسليمان على سبيل الاشتراك، ذكر ما يختص بكل واحد منهما، فبدأ بداود فقال: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدُ الجبال يُسَبّحْنَ} التسبيح إما حقيقة أو مجاز، وقد قال بالأول جماعة وهو الظاهر. وذلك أن داود كان إذا سبح سبحت الجبال معه.
وقيل: إنها كانت تصلي معه إذا صلى، وهو معنى التسبيح.
وقال بالمجاز جماعة آخرون وحملوا التسبيح على تسبيح من رآها تعجبًا من عظيم خلقها وقدرة خالقها.
وقيل: كانت الجبال تسير مع داود، فكان من رآها سائرة معه سبح {والطير} معطوف على الجبال، وقرئ بالرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف، أي والطير مسخرات، ولا يصح العطف على الضمير في {يسبحن} لعدم التأكيد والفصل {وَكُنَّا فاعلين} يعني ما ذكر من التفهيم، وإيتاء الحكم والتسخير {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ} اللبوس عند العرب: السلاح كله درعًا كان أو جوشنًا، أو سيفًا، أو رمحًا.
قال الهذلي:
وعندي لبوس في اللباس كأنه

والمراد في الآية الدروع خاصة، وهو بمعنى الملبوس، كالركوب والحلوب، والجار والمجرور أعني لكم متعلق بـ علمنا {لِتُحْصِنَكُمْ مّن بَأْسِكُمْ} قرأ الحسن وأبو جعفر وابن عامر وحفص وروح {لتحصنكم} بالتاء الفوقية، بإرجاع الضمير إلى الصنعة، أو إلى اللبوس بتأويل الدرع.
وقرأ شيبة وأبو بكر والمفضل وابن أبي إسحاق {لنحصنكم} بالنون بإرجاع الضمير إليه سبحانه.
وقرأ الباقون بالياء بإرجاع الضمير إلى اللبوس، أو إلى داود، أو إلى الله سبحانه.
ومعنى {مّن بَأْسِكُمْ}: من حربكم، أو من وقع السلاح فيكم {فَهَلْ أَنتُمْ شاكرون} لهذه النعمة التي أنعمنا بها عليكم، والاستفهام في معنى الأمر. ثم ذكر سبحانه ما خص به سليمان فقال: {ولسليمان الريح} أي وسخرنا له الريح {عَاصِفَةً} أي شديدة الهبوب.
يقال: عصفت الريح، أي اشتدت، فهي ريح عاصف وعصوف، وانتصاب {الريح} على الحال.
وقرأ عبد الرحمن الأعرج والسلمي وأبو بكر {ولسليمان الريح} برفع الريح على القطع مما قبله، ويكون مبتدأ وخبره تجري، وأما على قراءة النصب فيكون محل {تَجْرِي بِأَمْرِهِ} النصب أيضًا على الحالية، أو على البدلية {إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا} وهي أرض الشام كما تقدّم {وَكُنَّا بِكُلّ شَيْء عالمين} أي بتدبير كلّ شيء {وَمِنَ الشياطين} أي وسخرنا من الشياطين {مَن يَغُوصُونَ لَهُ} في البحار ويستخرجون منها ما يطلبه منهم.
وقيل: إن من مبتدأ وخبره ما قبله، والغوص: النزول تحت الماء، يقال: غاص في الماء، والغوّاص: الذي يغوص في البحر على اللؤلؤ {وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلك} قال الفراء: أي سوى ذلك، وقيل: يراد بذلك المحاريب والتماثيل وغير ذلك مما يسخرهم فيه {وَكُنَّا لَهُمْ حافظين} أي لأعمالهم.
وقال الفراء: حافظين لهم من أن يهربوا أو يتمنعوا، أو حفظناهم من أن يخرجوا عن أمره.
قال الزجاج: كان يحفظهم من أن يفسدوا ما عملوا، وكان دأبهم أن يفسدوا بالليل ما عملوا بالنهار.
{وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ} معطوف على ما قبله، والعامل فيه: إما المذكور أو المقدّر كما مرّ، والعامل في الظرف وهو {إذ نادى ربه} هو العامل في أيوب {أَنّي مَسَّنِيَ الضر} أي بأني مسني الضرّ.
وقرئ بكسر {إني}.
واختلف في الضرّ الذي نزل به ماذا هو؟ فقيل: إنه قام ليصلي فلم يقدر على النهوض.
وقيل: إنه أقرّ بالعجز، فلا يكون ذلك منافيًا للصبر.
وقيل: انقطع الوحي عنه أربعين يوما.
وقيل: إن دودة سقطت من لحمه، فأخذها وردّها في موضعها فأكلت منه، فصاح: مسني الضرّ؛ وقيل: كان الدود تناول بدنه فيصبر حتى تناولت دودة قلبه.
وقيل: إن ضرّه قول إبليس لزوجته: اسجدي لي، فخاف ذهاب إيمانها، وقيل: إنه تقذره قومه.
وقيل: أراد بالضرّ الشماتة، وقيل: غير ذلك.
ولما نادى ربه متضرّعًا إليه وصفه بغاية الرحمة فقال: {وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين} فأخبر الله سبحانه باستجابته لدعائه، فقال: {فاستجبنا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ} أي شفاه الله مما كان به وأعاضه بما ذهب عليه، ولهذا قال سبحانه: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} قيل: تركهم الله عزّ وجلّ له، وأعطاه مثلهم في الدنيا.
قال النحاس: والإسناد بذلك صحيح، وقد كان مات أهله جميعًا إلا امرأته، فأحياهم الله في أقلّ من طرف البصر، وآتاه مثلهم معهم.
وقيل: كان ذلك بأن ولد له ضعف الذين أماتهم الله، فيكون معنى الآية على هذا: آتيناه مثل أهله ومثلهم معهم، وانتصاب {رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا} على العلة أي آتيناه ذلك لرحمتنا له {وذكرى للعابدين} أي وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر.
واختلف في مدّة إقامته على البلاء: فقيل: سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ليال.
وقيل: ثلاثين سنة.