فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)}.
قوله: {وَيَدْعُونَنَا}: العامَّةُ على ثبوتِ الرفع قبل ن مفكوكةً منها. وقرأَتْ فرقةٌ {يَدْعُوْنا} بحذفِ نونِ الرفع. وطلحة بإدغامِها فيها. وهذان الوجهان فيهما إجراءُ نون ن مُجْرَى نونِ الوقاية. وقد تقدَّم ذلك.
قوله: {رَغَبًا وَرَهَبًا} يجوز أَنْ يَنْتَصِبا على المفعولِ من أجله، وأَنْ ينتصِبا على أنهما مصدران واقعان موقعَ الحال أي: راغبين راهبين، وأن ينتصِبا على المصدرِ الملاقي لعاملِه في المعنى دون اللفظِ لأنَّ ذلك نوعٌ منه.
والعامَّةُ على فتحِ الغينِ والهاء. وابن وثاب والأعمش ورُويت عن أبي عمروٍ بسكون الغين والهاءِ. ونُقِل عن الأعمش وهو الأشهرُ عنه بضمِّ الراء وما بعدها. وقرأَتْ فِرْقَةٌ بضمةٍ وسكونٍ فيهما.
قوله: {والتي أَحْصَنَتْ}: يجوز أَنْ ينتصِبَ نَسَقًا على ما قبلَها، وأن ينتصِبَ بإضمارِ اذكُرْ، وأن يرتفعَ بالابتداء، والخبرُ محذوف أي: وفيما يُتْلى عليكم التي أحصنت. ويجوز أن يكونَ الخبرُ فنفَخْنا وزِيْدَت الفاءُ على رأي الأخفش نحو: زيدٌ فقائمٌ.
وفي كلامِ الزمخشري فَنَفَخْنا الروحَ في عيسى فيها. قال الشيخ مؤاخِذًا له: فاستعمل نَفَخَ متعديًا. والمحفوظُ أنه لا يتعدى فيحتاج في تَعَدِّيه إلى سماعٍ، وغيرَ متعدٍّ استعمله هو في قوله أي: نَفَخَتْ في المِزْمار انتهى ما واخَذَه به. قلت: وقد سُمِعَ نَفَخَ متعديًا. ويَدُلُّ على ذلك ما قرئ في الشاذ فأنفخها فيكونُ طائرًا وقد حكاها هو قراءةً فكيف يُنْكِرُها؟ فعليك بالالتفات إلى ذلك.
قوله: {آيَةً} إنما لم يطابِقْ المفعولَ الأول فيُثَنَّي الثاني؛ لأنَّ كلًا منهما آيةٌ بالآخر فصارا آيةً واحدة. أو نقولُ: إنَّه حُذِف من الأول لدلالةِ الثاني، أو بالعكس أي: وَجَعْلنا ابنَ مريمَ آيةً. وأمَّه كذلك. وهو نظيرُ الحذفِ في قوله: {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] وقد تقدَّم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [الأنبياء: 91]، وفي سورة التحريم: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12]، فيسأل عن وجه الاختلاف في الضميرين مع اتحاد المعنى المقصود من الواقع به الثناء وإن اختلف الحامل على ذكر قصتها في الموضعين؟ وعن وجه اختصاص كل واحد من الموضعين بالوارد فيه؟
والجواب عن الأول، والله أعلم: بعد تسلمي اتحاد المعنى الواقع به البناء، إن الضمير في الأولى عائد إلى ما أشير إليه بالموصول الذي هو التي، وهي مريم ابنة عمران المفتتح باسمها في آية التحريم، أعيد الضمير هنا إليها من حيث إن ذلك تخصيص وتكريم جليل وآية باهرة، وقد قصد هاهنا تشريفها وتشريف ابنها، عليه السلام، بالذكر في قوله: {وَجَعَلْنَاهَا وَابنها آيَةً} [الأنبياء: 91]، ولم يقع في آية التحريم ذكر ابنها، فلما اتسع المقصود هنا بذكر من لم يذكر هناك، وقصد من التشريف ما هو أكثر، ناسبه التوسعة في عودة الضمير، فأعيد إلى الذات المطهرة بجملتها، فقيل: {فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا}، وأفهم ذلك ما أفهمه الضمير الخاص بمحل النفخ من غير إشكال، وقيل في آية التحريم: فيه لعوده إلى الموضع المخصوص على ما يجب، لم يقصد هنا من توسع المدح ما قصد في الأولى، وإنما قصد بآية التحريم تخصيصها في ذاتها بعظيم إيمانها، وتصديقها، وإثباتها في القانتين، وتشبيه حالها في سابق سعادتها بالمذكورة قبلها، واجتماعهما في ضرب المثل بهما للمؤمنين، فالحامل على ذكرها هنا غير الحامل في سورة الأنبياء مع اتحاد الوصف الواقع به التمدح، مع تناظر الألفاظ وتشاكلها، وهي قوله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابنها} [الأنبياء: 91]، فاجتمع في هذا الموضع ما قصد من مدحها ومدح ابنها، عليه السلام، مع مضارعة الألفاظ وتشاكلها، فجاء كل على ما ثبت فيه، ولم يقصد في التحريم غير ذكرها بالحال التي ناسبتها فيها امرأة فرعون، ولم يوسع الكلام بذكر ابنها، عليه السلام، كما ذكر في الأخرى، ولا هنا داعية تشاكل كما هناك، فلهذا ورد الضمير على ما ورد من الخصوص فقيل: فيه.
والجواب، عن وجه اختصاص كل واحد من الموضعين بالوارد فيه: أن آية الأنبياء ورت منسوقة على آيات تضمنت ذكر جملة من الرسل، موصوفين بخصائص عليه وآيات نبوية، أولهم إبراهيم، عليه السلام، ثم ابنه إساحاق ثم ابنه يعقوب ثم نوح ولوط وداود وسليمان وأيوب وإسماعيل وإدريس وذو الكفل وذو النون وزكرياء، فلما ذكر هؤلاء العلية، عليهم السلام، بخصائص ومنح ناسب ذلك ذكر مريم وابنها بما منحا عليهما السلام. وأما آية التحريم فمقصود فيها ذكر عظيمتين جليلتين يبين بهما حكم سبقية القدر بالإيمان والكفر، وهما قضية امرأتي نوح ولوط، وإن انضواءهما إلى هذين النبيين الكريمين، عليهما السلام، انضواء الزوجية التي لا أقرب منها، ومع ذلك لم يغنيا عنهما من الله شيئًا، وقصة امرأة فرعون وقد انضوت إلى أكفر كافر، فلم يضرها كفره، ثم ذكرت مريم، عليها السلام، للالتقاء في الاختصاص وسبقية السعادة، ولم يدع داع إلى ذكر ابنها فلا وجه لذكره هنا، وأما آيةالأنبياء فلذكره هناك أوضح حامل، فجاء كل على ما يجب، ولا يمكن فيه عكس الوارد، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)}.
سأل الوَلَدَ، وإنما سأله ليكون له مُعِينًا على عبادةِ ربَّه وليقوم في النبوة مقامَه، ولئلا تنقطعَ بركةُ الرسالة من بيته، ولقد قاسى زكريا من البلاء ما قاسى حتى حاولوا قطْعَه بالمنشار، ولما التجأ إلى الشجرة انشقت له وتَوَسَّطَها، والتأمت الشجرة، وفطنوا إلى ذلك فقطعوا الشجرة بالمنشار، وصبر لله، وسبحان الله!
كان انشقاق الشجرة له معجزة، وفي الظاهر كان حفظًا له منهم، ثم لو لم يطلعهم عليه لكان في ذلك سلامته، ولعلَّهم- لو قتلوه- لم يُصِبْه من الألم القدْرُ الذي لحقه من القطع بالمنشار طول إقامته وإنما المعنى فيه أن أنشقاق الشجرة كان له معجزة فَقَوي بذلك يقينُه لمَا رأى عجيبَ الأمر فيه من نَقْضِ العادة، ثم البلاء له بالقتل ليس ببلاء في التحقيق، ولقد قال قائلهم: إنما يستعذب الأولياء البلوى للمناجاة مع المولى.
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}.
سمي يحيى لأنه حَييَ به عقر أمه.
وقوله: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}: لتكون الكرامةُ لهم جميعًا بالولد، ولئلا يستبدَّ زكريا بفرح الولد دونها مراعاةً لحقِّ صحبتها... وهذه سُنَّةُ الله في باب إكرام أوليائه، وفي معناه أنشدوا:
إنَّ الكرامَ إذا ما أيسروا ذكروا ** مَنْ كان يألفهم في المنزل الخشن

ثم قال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ في الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا} وفي هذه بشارة لجميع المؤمنين، لأن المؤمن لا يخلو من حالة من أحوال الرغبة أو الرهبة؛ إذ لو لم تكن رغبة لكان قنوطًا والقنوط كفر، ولو لم تكن رهبة لكان أمنًا والأمن كفر.
قوله: {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} الخشوع قشعريرة القلب عند اطلاع الربِّ، وكان لهم ذلك على الدوام.
{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابنها آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)} يعني مريم، وقد نَفَى عنها سِمَةَ الفحشاء وهجنة الذم.
ويقال فنفخنا فيها من روحنا، وكان النفخُ من جبريل عليه لاسلام، ولَكِن لمَا كان بأمره- سبحانه- صحَّتْ الإضافة إليه، وفي هذا دليل على تأويل خبر النزول، فإنه يكون بإنزال مَلَكٍ فتَصِحُّ الإضافة إلى الله إذ كان بأمره... وإضافة الروح إلى نفسه على جهة التخصيص، كقوله ناقة الله، وبيتي... ونحو ذلك: {وجعلنا وابنها آيةً للعالمين}: ولم يقل آيتين لأن أمرهما كان معجزة ودلالة، ويصح أن يراد أنَّ كلَّ واحدٍ مهما آيةٌ- على طريقة العرب في أمثال هذا.
وفيه نفي لتهمة مَنْ قال إنها حبلت من الله.... تعالى الله عن قولهم!
قوله: {آية للعالمين}: وإن لم يهتد بهما جميعُ الناس... لَكِنهما كانا آيةً. ومَنْ نَظَرَ في أمرهما، ووضَعَ النظرَ مَوضِعَه لاهتدى، وإذا أعرض ولم ينظر فالآية لا تخرج عن كونها حُجَّةً ودلالةً بتقصير المُقَصِّر في بابها. اهـ.

.قال ابن القيم:

فصل ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة:
الرغبة قال الله عز وجل: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90] والفرق بين الرغبة والرجاء أن الرجاء طمع والرغبة طلب فهي ثمرة الرجاء فإنه إذا رجا الشيء طلبه والرغبة من الرجاء كالهرب من الخوف فمن رجا شيئا طلبه ورغب فيه ومن خاف شيئا هرب منه.
والمقصود: أن الراجي طالب والخائف هارب قال صاحب المنازل: الرغبة: هي من الرجاء بالحقيقة لأن الرجاء طمع يحتاج إلى تحقيق والرغبة سلوك على التحقيق أي الرغبة تتولد من الرجاء لَكِنه طمع وهي سلوك وطلب وقوله: الرجاء طمع يحتاج إلى تحقيق أي طمع في مغيب عنه مشكوك في حصوله وإن كان متحققا في نفسه كرجاء العبد دخول الجنة فإن الجنة متحققة لا شك فيها وإنما الشك في دخوله إليها وهل يوافي ربه بعمل يمنعه منها أم لا بخلاف الرغبة فإنها لا تكون إلا بعد تحقق ما يرغب فيه فالإيمان في الرغبة أقوى منه في الرجاء فلذلك قال والرغبة سلوك على التحقيق هذا معنى كلامه وفيه نظر فإن الرغبة أيضا طلب مغيب هو على شك من حصوله فإن المؤمن يرغب في الجنة وليس بجازم بدخولها فالفرق الصحيح: أن الرجاء طمع والرغبة طلب فإذا قوي الطمع صار طلبا.
قال: والرغبة على ثلاث درجات الدرجة الأولى: رغبة أهل الخبر تتولد من العلم فتبعث على الاجتهاد المنوط بالشهود وتصون السالك عن وهن الفترة وتمنع صاحبها من الرجوع إلى غثاثة الرخص أراد بالخبر هاهنا الإيمان الصادر عن الأخبار ولهذا جعل تولدها من العلم ولَكِن هذا الإيمان متصل بمنزلة الإحسان منه يشرف عليه ويصل إليه ولهذا قال: المنوط بالشهود أي المقترن بالشهود وذلك الشهود: هو مشهد مقام الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه ولا مشهد للعبد في الدنيا أعلى من هذا وعند كثير من الصوفية أن فوقه مشهدا أعلى منه وهو شهود الحق مع غيبته عن كل ما سواه وهو مقام الفناء وقد عرفت ما فيه ولو كان فوق مقام الإحسان مقام آخر لذكره النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل ولسأله جبريل عنه فإنه جمع مقامات الدين كلها في الإسلام والإيمان والإحسان نعم الفناء المحمود: هو تحقيق مقام الإحسان وهو أن يفنى بحبه وخوفه ورجائه والتوكل عليه وعبادته والتبتل إليه عن غيره وليس فوق ذلك مقام يطلب إلا ما هو من عوارض الطريق.
قوله: وتصون السالك عن وهن الفترة أي تحفظه عن وهن فتوره وكسله الذي سببه عدم الرغبة أو قلتها وقوله: وتمنع صاحبها من الرجوع إلى غثاثه الرخص أهل العزائم بناء أمرهم على الجد والصدق فالسكون منهم إلى الرخص رجوع وبطالة.
وهذا موضع يحتاج إلى تفصيل ليس على إطلاقه فإن الله عز وجل يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه وفي المسند مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته» فجعل الأخذ بالرخص قبالة إتيان المعاصي وجعل حظ هذا: المحبة وحظ هذا: الكراهية وما عرض للنبي أمران إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما والرخصة أيسر من العزيمة وهكذا كان حاله في فطره وسفره وجمعه بين الصلاتين والاقتصار من الرباعية على ركعتين وغير ذلك فنقول:
الرخصة نوعان أحدهما: الرخصة المستقرة المعلومة من الشرع نصا كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير عند الضرورة وإن قيل لها: عزيمة باعتبار الأمر والوجوب فهي رخصة باعتبار الإذن والتوسعة وكفطر المريض والمسافر وقصر الصلاة في السفر وصلاة المريض إذا شق عليه القيام قاعدا وفطر الحامل والمرضع خوفا على ولديهما ونكاح الأمة خوفا من العنت ونحو ذلك فليس في تعاطي هذه الرخص ما يوهن رغبته ولا يرد إلى غثاثة ولا ينقص طلبه وإرادته ألبتة فإن منها ما هو واجب كأكل الميتة عند الضرورة ومنها ما هو راجح المصلحة كفطر الصائم المريض وقصر المسافر وفطره ومنها ما مصلحته للمترخص وغيره ففيه مصلحتان قاصرة ومتعدية كفطر الحامل والمرضع ففعل هذه الرخص أرجح وأفضل من تركها النوع الثاني: رخص التأويلات واختلاف المذاهب فهذه تتبعها حرام ينقص الرغبة ويوهن الطلب ويرجع بالمترخص إلى غثاثة الرخص.
فإن من ترخص بقول أهل مكة في الصرف وأهل العراق في الأشربة وأهل المدينة في الأطعمة وأصحاب الحيل في المعاملات وقول ابن عباس في المتعة وإباحة لحوم الحمر الأهلية وقول من جوز نكاح البغايا المعروفات بالبغاء وجوز أن يكون زوج قحبة وقول من أباح آلات اللهو والمعازف: من اليراع والطنبور والعود والطبل والمزمار وقول من أباح الغناء وقول من جوز استعارة الجواري الحسان للوطء وقول من جوز للصائم أكل البرد وقال: ليس بطعام ولا شراب وقول من جوز الأكل ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس للصائم وقول من صحح الصلاة بمدهامتان بالفارسية وركع كلحظة الطرف ثم هوى من غير اعتدال وفصل بين السجدتين بارتفاع كحد السيف ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم وخرج من الصلاة بحبقة وقول من جوز وطء النساء في إعجازهن ونكاح بنته المخلوقة من مائه الخارجة من صلبه حقيقة إذا كان ذلك الحمل من زني وأمثال ذلك من رخص المذاهب وأقوال العلماء فهذا الذي تنقص بترخصه رغبته ويوهن طلبه ويلقيه في غثاثة الرخص فهذا لون والأول لون قال: الدرجة الثانية: رغبة أرباب الحال وهي رغبة لا تبقي من المجهود مبذولا ولا تدع للهمة ذبولا ولا تترك غير القصد مأمولا.
يعني أن الرغبة الحاصلة لأرباب الحال: فوق رغبة أصحاب الخبر لأن صاحب الحال كالمضطر إلى رغبته وإرادته فهو كالفراش الذي إذا رأى النور ألقى نفسه فيه ولا يبالي ما أصابه فرغبته لا تدع من مجهوده مقدورا له إلا بذله ولا تدع لهمته وعزيمته فترة ولا خمودا وعزيمته في مزيد بعدد الأنفاس ولا تترك في قلبه نصيبا لغير مقصوده وذلك لغلبة سلطان الحال وصاحب هذه الحال لا يقاومه إلا حال مثل حاله أو أقوى منه ومتى لم يصادفه حال تعارضه فله من النفوذ والتأثير بحسب حاله.
قال: الدرجة الثالثة: رغبة أهل الشهود وهي تشرف يصحبه تقية تحمله عليها همة نقية لا تبقي معه من التفرق بقية يشير الشيخ بذلك إلى حالة الفناء التي يحمله عليها همة نقية من أدناس الالتفات إلى ما سوى الحق بحيث لا يبقى معه بقية من تفرقة بل قد اجتمع شاهده كله وانحصر في مشهوده وأراد بالشهود هاهنا شهود الحقيقة.
وقوله: تشرف أي استشرف الغيبة في الفناء ويحتمل أن يريد به تشرفا عن التفاته إلى ما سوي مشهوده.
والتقية التي تصحب هذا التشرف: يحتمل أن يريد بها التقية من إظهار الناس على حاله وإطلاعهم عليها صيانة لها وغيرة عليها.
ويحتمل أن يريد بها الحذر من التفاته في شهوده إلى ما سوى حضرة مشهوده فهي تتقي ذلك الالتفات وتحذره كل الحذر.
ثم ذكر الحامل له على هذه الرغبة وهي اللطيفة المدركة المريدة التي قد تطهرت قبل وصولها إلى هذه الغاية وهي الهمة النقية ولو لم يحصل لها كمال الطهارة لبقيت عليها بقية منها تمنعها من وصولها إلى هذه الدرجة والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.