فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)}.
الأمة: الجماعة يجمعها رباط واحد من أرض أو مُلك مَلِك أو دين، كما جاء في قوله تعالى: {وَجَدْنَا آبَاءَنَا على أُمَّةٍ} [الزخرف: 22] يعني: على دين.
فالمراد: هذه أمتكم أمةٌ حال كَوْنها أمةً واحدة، لا اختلافَ فيها والرسل جميعًا إنما جاءوا ليتمموا بناءً واحدًا، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلاّ وُضِعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين».
والمعنى أن به صلى الله عليه وسلم تتم النبوة وتختم.
وتُطلَق الأمة على الرجل الذي يجمع خصال الخير كلها؛ لأن الله تعالى بعثر خصال الخير في الخَلْق، فليس هناك مَنْ هو مَجْمع مواهب وفضائل، إنما في كل منا ميزةٌ وفضيلةٌ في جانب من الجوانب؛ ليتكامل الناس ويحتاج بعضهم إلى بعض، ويحدث الترابط بين عناصر المجتمع، هذا الترابط يتم إمَا بحاجات تطوُّعية، أو حاجات اضطرارية.
فلو تعلَّم الناس جميعًا وتخرجوا في الجامعة فَمنْ للمِهَن والحِرَف الأخرى؟ مَنْ سيكنس الشوارع، ويقضي مثل هذه الأمور؟ لو تعطلتْ مجاري الصرف الصحي، أيجتمع هؤلاء الدكاترة والأساتذة لإصلاحها، ولو أصلحوها مرة فهذا تطوُّع.
أمّا المصالح العامة فلا تقوم على التطوع إنما تقوم على الحاجة والاضطرار، ولولا هذه الحاجة لما خرجَ عامل الصرف الصحي في الصباح إلى هذا العمل الشاقّ المنفّر، لَكِن كيف وفي رقبته مسئولية أُسْرة وأولاد ونفقات؟
وسبق أنْ قُلْنا: ينبغي ألاَّ يغترَّ المرء بما عنده من مواهب ومميزات، ولا يتعالى بها على خَلْق الله، وعليه أنْ يسأل عَمَا عند الآخرين من مواهب يحتاج هو إليها، ولا يؤديها بنفسه.
إذن: الحاجة هي الرابطة في المجتمع، ولو كانَ التطوّع والتفضّل فلن نحقق شيئًا، فلو قلنا للعامل: تفضل بكنس الشارع لوجدَ ألْفَ عذر يعتذر به، أما إنْ كان أولاده سيموتون جوعًا إن لم يعمل فلا شكَّ أنه سيُسرع ويُبادر.
فالحقيقة أن كل فرد في المجتمع لا يخدم إلا نفسه، فكما تنفع الآخرين تنتفع بهم؛ لذلك إياك أنْ تحسد صاحب التفوق على تفوّقه في أمر من الأمور؛ لأن تفوقه في النهاية عائد عليك.
وكما نقول هذه المسائل في أمور الدنيا نقولها في أمور الآخرة، حين نرى صاحب التديُّن، وصاحب الخُلق والالتزام لا نهزأ به ولا نسخر منه، كما يحلو للبعض؛ لأن صلاحه سيعود عليك، وسوف تنتفع بتديُّنه واستقامته ولعلنا نُرزَق بسبب هؤلاء.
وقد يكون في البيت الواحد فُتوات وأذكياء ومتعلمون وفيهم مُعوَّق أو مجنون أو مجذوب، فترى الجميع يحتقرونه، ويُهوِّنون من شأنه، أو تراه منبوذًا بين هؤلاء مُبْعَدًا، لا يشرُف بمعرفته أحد، وربما يعيشون جميعًا في ظِلِّه ويُرزَقون كرامة له.
وكثيرًا ما نرى الناس يغضبون وينقمون على قضاء الله إن رزقهم بمولود فيه عيب أو إعاقة، ووالله لو رضيتَ به وتقبلْتَ قضاء الله فيه، لكان هو الظل الظليل لك.
فهؤلاء خُلِقوا هكذا لحكمة، حتى لا نتمرد على صَنْعة الله في كَوْنه، وحتى يشعر أهل النعمة والسلامة والصحة بفضل عليهم، ولنعلم أن الله تعالى لا يسلب شيئًا من عبده إلاّ وقد أعطاه عِوَضًا عنه.
ولك أن تلاحظ مثلًا أحوال الناس المجاذيب الذين تراهم في أيِّ مكان مُهملين يستقلهم الناس، وينفرون من هيئتهم الرثّة، ومع ذلك ترى أصحاب الجاه والسلطان إذا نزلتْ بهم ضائقة وأعيَتْهم الأسباب يلجئون لمثل هؤلاء المجاذيب يلتمسون منهم البركة والدعاء، وهذا في حَدِّ ذاته أسمى ما يمكن أن يتطلع إليه أهل الجاه وأهل السلطان والنفوذ، أن تكون كلمتهم مسموعةً وأمرهم مُطاعًا، وأن يلجأ الناس إليهم كما لجئوا إلى هذا المجذوب المسكين.
فإذا ما أجرى الله الخير على يد هذا الشيخ المجذوب ترى السيد العظيم يتمحك فيه، ويدعوه إلى طعامه، ويدفع عنه أذى الناس ويحتضنه، لأنه جرَّب وعلم أن لديه فيضًا من فيض الله وكرامة يختص الله بها مَنْ يشاء من عباده، ونحن جميعًا عباد الله ليس فينا مَنْ هو ابن لله، أو بينه وبين الله قرابة.
وإنْ كان العقل هو أعزّ ما يعتز به الإنسان، وهو زينته وحليته، فلك أن تنظر إلى المجنون الذي فقد العقل، وحُرِم هذه الآلة الغالية، وترى الناس يشيرون إليه: هذا مجنون، نعم هو مجنون، لَكِن انظر إلى سلوكه: هل رأيتم مجنونًا يسرق؟ هل رأيتم مجنونًا يزني؟ هل رأيتم مجنونًا انتحر؟
إذن: مع كونه مجنونًا إلا أنه مدرك لنفسه تمامًا؛ لأن خالقه عز وجل وإنْ سلبه العقل إلا أنه أعطاه غريزة تحكمه كما تحكم الغريزة الحيوان، وهل رأيتم حمارًا ألقى بنفسه مثلًا أمام القطار؟
إذن: علينا ألاَّ نُحقِّر هؤلاء، وألاَّ نستقل بهم فقد عوَّضهم الله عما سلبه منهم، ومنّا مَنْ يسعى ليصل إلى ما وصلوا هم إليه ولا يستطيع، ومَنْ مِنّا لا يتمنى أن يكون مثل هذا المجذوب الذي يتمسَّح الناس فيه، ويطلبون منه البركة والدعاء؟ وأيُّ عظمة يطلبها الإنسان فوق هذا؟ ويكفي هذا أنه لا يُسأَلُ عَمّا يفعل في الدنيا، ولا يُسْأَل كذلك في الآخرة.
نعود إلى قول الله تعالى: {إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92] فمن معاني أمة: الرجل الذي جمع خصال الخير كلها؛ لذلك وصف الله نبيه إبراهيم بأنه أمة، فقال: {إِنَّ إبراهيم كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120].
يعني: جمع من خصال الخير مَا لا يوجد إلا في أمة كاملة.
والأمة لا تكون واحدة، إلا إذا صدر تكوينها المنهجي عن إله واحد، فلو كان تكوينها من متعدد لذهب كُلُّ إله بما خلق، ولعلاَ بعضهم على بعض، ولفسد الحال.
إذن: كما قال سبحانه: {وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض} [المؤمنون: 71].
فلا تكون الأمة واحدة إلا إذا استقبلت أوامرها من إله واحد وخضعت لمعبود واحد، فإنْ نسيتْ هذا الإله الواحد تضاربتْ وتشتتتْ.
وكأن الحق سبحانه يقول: أنتم ستجربون أمة واحدة، تسودون بها الدنيا وتنطلق دعوتكم من أمة أمية لا تعرف ثقافة، ولا تعرف علمًا، ولم تتمرس بحكم الأمم؛ لأنها كانت أمة قبلية، لكل قبيلة قانونها وسيادتها وقيادتها.
ثم ينزل لكم نظام يجمع الدنيا كلها بحضاراتها، نظام يطوي تحت جناحه حضارة فارس وحضارة الروم ويُطوِّعها، ولو أنكم أمة مثقفة لقالوا قفزة حضارية، إنما هذه أمة أمية، ونبيها أيضًا أُمِّي إذن: فلابد أن يكون المنهج الذي جاء به ليسلب هذه الحضارات عِزَّها ومجدَها منهجًا أعلى من كل هذه المناهج والحضارات.
ثم يقول تعالى: {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فاعبدون} [الأنبياء: 92] أي: التزموا بمنهجي لتظلوا أمة واحدة، واختار صفة الربوبية فلم يقُلْ: إلهكم؛ لأن الرب هو الذي خلق ورزق وربى، أمّا الإله فهو الذي يطلب التكاليف.
فالمعنى: ما دُمْتُ أنا ربكم الذي خلقكم من عَدَم، وأمدكم من عُدْم، وأنا القيوم على مصالحكم، أكلؤكم بالليل والنهار، وأرزق حتى العاصي والكافر بي، فأنا أوْلَى بالعبادة، ولا يليق بكم أن أصنع معكم هذا كله وتذهبون إلى إله غيري، هذا منطق العقل السليم، وكما يقولون اللي يأكل لقمتي يسمع كلمتي.
ومن العبادة أن تطيع الله في أمره ونَهيْه؛ لأن ثمرة هذه الطاعة عائدة عليك بالنفع، فلله تعالى صفات الكمال الأزليّ قبل أنْ يخلق مَنْ يطيعه، فطاعتك لن تزيد شيئًا في مُلْك الله، ومعصيتك لن تنتقص منه شيئًا. إذن: فالأمر راجع إليك، وربك يُثيبك على فعل هو في الحقيقة لصالحك.
لَكِن، هل سمع الناس هذا النداء وعملوا بمقتضاهـ. فكانوا أمة واحدة كهذه الأمة التي أدخلتْ الدنيا في رحاب الإسلام في نصف قرن؟ هذه الأمة التي ما زلنا نرى أثرها في البلاد التي تمردتْ على العروبة، وعلى لغة القرآن، ومع ذلك هم مسلمون على لغاتهم وعلى حضارتهم، إن الدين الذي يصنع هذا، والأمة الواحدة التي تحمَّلتْ هذه المسئولية ما كان ينبغي أن نتخلى عنها.
والسؤال: هل بقيت الأمة الواحدة؟ تجيب الآيات: {وتقطعوا أَمْرَهُمْ}.
أي: صاروا شيعًا وأحزابًا وجماعات وطوائف، كما قال تعالى: {إِنَّ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159].
لماذا، لست منهم في شيء؟ لأنهم يقضون على واحدية الأمة، ولا يقضون على واحدية الأمة إلا إذا اختلفتْ، ولا تختلف الأمة إلا إذا تعددتْ مناهجها، هنا ينشأ الخلاف، أمَا إنْ صدروا جميعًا عن منهج واحد فلن يختلفوا.
وما داموا قد تقطعوا أمرهم بينهم، فصاروا قِطَعًا مختلفة، لكل قطعة منهج وقانون، ولكل قطعة تكاليف، ولكل قطعة راية، وكأن آلهتهم متعددة، فهل سيُتركون على هذا الحال، أم سيعودون إلينا في النهاية؟
{كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} [الأنبياء: 93] إذن: أنتم أمة واحدة في الخَلْق من البداية، وأمة واحدة في المرجع وفي النهاية، فلماذا تختلفون في وسط الطريق؟
إذن: الاختلاف ناشىء من اختلاف المنهج، وكان ينبغي أن يكون واضع المنهج واحدًا. وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا للرسالات، وجاءت شريعته جامعة لمزايا الشرائع السابقة، بل وتزيد عليها المزايا التي تتطلبها العصور التي تلي بعثته.
فكان المفروض أن تجتمع الأمة المؤمنة على ذلك المنهج الجامع المانع الشامل، الذي لا يمكن أن يستدرك عليه، وبذلك تتحقق وحدة الأمة، وتصدر في تكليفاتها عن إله واحد، فلا يكون فيها مَدْخَل للأهواء ولا للسلطات الزمنية أو الأغراض الدنيئة.
لذلك، إذا تعددت الجماعات التي تقول بالإسلام وتفرقت نقول لهم: كونوا جماعة واحدة، وإلا فالحق مع أيِّ جماعة منكم؟! لأن الله تعالى خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {إِنَّ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159].
ولا يتفرق الداعون لدعوة واحدة إلا باتباع الأهواء والأغراض، أما الدين الحق فهو الذي يأتي على هوى السماء، موافقًا لما ارتضاه الله تعالى لخَلْقه.
لقد انفضَّ المؤمنون عن الجامع الذي يجمعهم بأمر الله، فانفضت عنهم الوحدة، وتدابروا حتى لم يَعُدْ يجمعهم إلا قَوْلُ لا إله إلا الله محمد رسول الله أما مناهجهم وقوانينهم فقد أخذوها من هنا أو من هناك، وسوف تعضهم هذه القوانين، وسوف تخذلهم هذه الحضارات، ويرون أثرها السيء، ثم يعودون في النهاية إلى الإسلام فهو مرجعهم الوحيد، كما نسمع الآن نداء لا حَلَّ إلا الإسلام.
نعم، الإسلام حَلٌّ للمشاكل والأزمات والخلافات والزعامات، حَلٌّ للتعددية التي أضعفتْ المسلمين وقوَّضَتْ أُخوَّتهم التي قال الله فيها: {واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ واذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
ووالله، لو عُدْنا إلى حبل الله الواحد فتمسَّكنا به، ولم تلعب بنا الأهواء لَعُدْنا إلى الأمة الواحدة التي سادتْ الدنيا كلها.
إذن: {إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} [الأنبياء: 93] أي: في الآخرة للحساب، وأنا أقول يا رب.. لعل هذا الرجوع يكون في الدنيا بأنْ تعضَّنا قوانين البشر، فنفزع إلى الله ونعود إليه من جديد، فيعود لنا مجدنا، ويصْدُق فينا قَوْل الرسول صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء».
ويُعزِّز هذا الفهم ويُقوِّي هذا الرجاء قول الله تعالى بعدها: {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ}.
الحق- سبحانه وتعالى- يستأنف معنا العظة بالعمل الصالح ليعطينا الأمل لو رجعنا إلى الله، والدنيا كلها تَشهد أن أيَّ مبدأ باطل، أو شعار زائف زائل يُزخرفون به أهواءهم لا يلبث أنْ ينهار ولو بَعْد حين، ويتبين أصحابه أنه خطأ ويعدلون عنه.
ومثال ذلك الفكر الشيوعي الذي ساد روسيا منذ عام 1917 وانتهكت في سبيله الحرمات، وسفكتْ الدماء، وهدمتْ البيوت، وأخذت الثروات، وبعد أن كانت أمة تصدر الغذاء لدول العالم أصبحت الآن تتسول من دول العالم، وهم أول مَنْ ضَجَّ من هذا الفكر وعانى من هذه القوانين.
وقوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [الأنبياء: 94] ربط العمل الصالح بالإيمان، لأنه مُنطلَق المؤمن في كُلِّ ما يأتي وفي كُلِّ ما يدع؛ لينال بعمله سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
أمّا مَنْ يعمل الصالح لذات الصلاح ومن منطلق الإنسانية والمروءة، ولا يخلو هذا كله في النهاية عن أهواء وأغراض، فليأخذ نصيبه في الدنيا، ويحظى فيها بالتكريم والسيادة والسُّمْعة، وليس له نصيب في ثواب الآخرة؛ لأنه فَعَل الخير وليس في باله الله.
والحق سبحانه يعطينا مثالًا لذلك في قوله تعالى: {الذين كفروا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَاءً حتى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ الله عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور: 39].
يعني: فوجئ بوجود إله يحاسبه ويجازيه، وهذه مسألة لم تكُنْ على باله، فيقول له: عملتَ ليقال وقد قيل. وانتهت المسألة؛ لذلك يقول تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} [الشورى: 20] أي: نعطيه أجره في عالم آخر لا نهاية له {وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا وما لَهُ فِي الآخرة مِن نَّصِيبٍ} [الشورى: 20].
لأنه عَمِلَ للناس، فليأخذ أجره منهم، يُخلِّدون ذكراهـ. ويُقيمون له المعارض والتماثيل.. إلخ.
وقوله تعالى: {فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: 94] يعني: لا نبخسه حَقَّه ولا نجحد سَعْيه أبدًا {وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء: 94] نسجِّل له أعماله ونحفظها، والمفروض أن الإنسان هو الذي يُسجِّل لنفسه، فإنْ سجَّل لك عملَك ربُّك الذي يُثيبك عليه، وسجَّله على نفسه، فلا شكَّ أنه تسجيل دقيق لا يبخسك مثقال ذرة من عملك. اهـ.