فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)}.
عطف على جملة {وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون} [الأنبياء: 109].
والضمير الذي هو اسم لعلّ عائد إلى ما يدل عليه قوله تعالى: {أقريب أم بعيد ما توعدون} من أنه أمر منتظر الوقوع وأنه تأخر عن وجود موجِبه، والتقدير: لعل تأخيره فتنة لكم، أو لعل تأخير ما توعدون فتنة لكم، أي ما أدرى حكمة هذا التأخير فلعله فتنة لكم أرادها الله ليملي لكم إذ بتأخير الوعد يزدادون في التكذيب والتولّي وذلك فتنة.
والفتنة: اختلال الأحوال المفضي إلى ما فيه مضرة.
والمتاع: ما ينتفع به مدة قليلة، كما تقدم في قوله تعالى: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل} في [سورة آل عمران: 196-197].
والحين: الزمان.
{قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ}.
استئناف ابتدائي بعدما مضى من وصف رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وإجمال أصلها وأمره بإنذارهم وتسجيل التبليغ.
قصد من هذا الاستئناف التلويح إلى عاقبة أمر هذا الدين المرجوة المستقبلة لتكون قصة هذا الدين وصاحبه مستوفاة المبدأ والعاقبة على وِزان ما ذكر قبلها من قصص الرسل السابقين من قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء} [الأنبياء: 48] إلى هنا.
وفي أمر الله تعالى نبيئه عليه الصلاة والسلام بالالتجاء إليه والاستعانة به بعدما قال له: {فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء} [الأنبياء: 109] رمز إلى أنهم متولُّون لا محالة وأن الله سيحكم فيهم بجزاء جرمهم لأن الحكم بالحق لا يغادرهم، وإن الله في إعانته لأن الله إذا لقن عباده دعاء فقد ضمن لهم إجابته كقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286] ونحو ذلك، وقد صدق الله وعده واستجاب لعبده فحكم في هؤلاء المعاندين بالحق يوم بدر.
والمعنى: قل ذلك بمسمع منهم إظهارًا لتحديه إياهم بأنه فوّض أمره إلى ربه ليحكم فيهم بالحق الذي هو خضد شوكتهم وإبطال دينهم، لأن الله يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.
الباء في قوله تعالى: {بالحق} للملابسة.
وحُذف المتعلّق الثاني لفِعل {احكم} لتنبيههم إلى أن النبي على الحق فإنه ما سأل الحكم بالحق إلا لأنه يريده، أي احكم لنا أو فيهم أو بيننا.
وقرأ الجمهور {قل} بصيغة الأمر.
وقرأ حفص {قال} بصيغة الماضي مثل قوله تعالى: {قل ربي يعلم القول} [الأنبياء: 4] في أول هذه السورة.
ولم يكتب في المصحف الكوفي بإثبات الألف.
على أنه حكاية عن الرسول صلى الله عليه وسلم و{ربّ} منادى مضاف حذفت منه ياء المتكلم المضاف هو إليها وبقيت الكسرة دليلًا على الياء.
وقرأ الجمهور بكسر الباء من {ربّ}.
وقرأه أبو جعفر بضم الباء وهو وجه عربيّ في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم كأنهم جعلوه بمنزلة الترخيم وهو جائز إذا أُمِن اللبس.
وتعريف المسند إليه بالإضافة في قوله تعالى {وربّنا} لتضمنها تعظيمًا لشأن المسلمين بالاعتزاز بأن الله ربُّهم. وضمير المتكلم المشارك للنبيء ومن معه من المسلمين.
وفيه تعريض بالمشركين بأنهم ليسوا من مربوبية الله في شيء حَسْبَ إعراضهم عن عبادته إلى عبادة الأصنام كقوله تعالى: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} [محمد: 11].
والرحمان عطف بيان من {ربُّنا} لأن المراد به هنا الاسم لا الوصف تورُّكًا على المشركين، لأنهم أنكروا اسم الرحمان {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا} [الفرقان: 60].
وتعريف {المستعان} لإفادة القصر، أي لا أستعين بغيره على ما تصفون، إذ لا ينصرنا غير ربنا وهو ناظر إلى قوله تعالى: {وإياك نستعين} [الفاتحة: 5].
وفي قوله تعالى: {على ما تصفون} مضاف محذوف هو مجرور على، أي على إبطال ما تصفون بإظهار بطلانكم للناس حتى يؤمنوا ولا يتبعوكم، أو على إبطال ما يترتب عليه من أذاهم له وللمؤمنين وتأليب العرب عليه.
ومعنى {ما تصفون} وما تَصدر به أقوالكم من الأذى لنا.
فالوصف هنا هو الأقوال الدالة عن الأوصاف، وقد تقدم في سورة يوسف.
وهم وصفوا النبي صلى الله عليه وسلم بصفات ذم كقولهم: مجنون وساحر، ووصفوا القرآن بأنه شعر وأساطير الأولين، وشهروا ذلك في دهمائهم لتأليب الناس عليه. اهـ.

.قال الشعراوي:

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} [الأنبياء: 109] يعني: أعرضوا وانصرفوا {فَقُلْ آذَنتُكُمْ} [الأنبياء: 109] مادة: أذن ومنها الأذان تعني الإعلام بالشيء، والأصل في الإعلام كان في الًاذُن بالكلام، حيث لم يكُنْ عندهم قراءة وكتابة، فاعتمد الإعلام على الكلام، والسماع بالأذن، فمعنى: {آذَنتُكُمْ} [الأنبياء: 109] أعلمتُكم وأخبرتُكم.
وقوله تعالى: {على سَواء} [الأنبياء: 109] يعني: جاء الإعلام لكم جميعًا لم أخصّ أحدًا دون الآخر، فأنتم في الإعلام سواء، لا يتميز منكم أحد على أحد؛ لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على إبلاغ الجميع، فيقول: «نضَّر الله امْرًا سمع مقالتي فوعاها، ثم أدَّاها إلى مَنْ لم يسمعها، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع» وهكذا يشيع الخيْر ويتداول بين الجميع.
{فَقُلْ آذَنتُكُمْ على سَواء} [الأنبياء: 109] فلم أُعْلِم قوما دون قوم، ولم أُسْمِع أُذنًا دون أُذن، وجعلت من كمال الإيمان أن يخبر السامع مَنْ لم يسمع؛ لأنه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
ثم يُنبِّههم إلى أمر الساعة: {وَإِنْ أدري أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 109] فانتبهوا وخُذوا بالكم، واحتاطوا، فلا أدري لعلَّ الساعةَ تكون قريبًا، ولعلها تفاجئكم من قبل أنْ أُنهي كلامي معكم.
لذلك؛ لما سألوا أحد الصالحين: فِيمَ أفنيتَ عمرك؟ قال: أفنيت عمري في أربعة أشياء: علمت أني لا أخلو من نظر الله طَرْفة عين فاستحييتُ أنْ أعصيه، وعلمتُ أن لي رزْقًا لا يتجاوزني قد ضمنه الله لي فقنعتُ به، وعلمتُ أن على دَيْنًا لا يؤديه عني غيري فاشتغلتُ به، وعلمتُ أن لي أَجَلًا يبادرني فبادرتُه.
إذن: فالمراد: استعدوا لهذه المسألة قبل أن تفاجئكم.
ثم يقول الحق سبحانه: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول}.
وما دام ربك-عز وجل- يعلم الجهر ويعلم السرَّ وأخْفى، فإياك أنْ تنافق؛ لأننا ننهاك عن النفاق مع البشر، فمن باب أَوْلى أن ننهاك عن نفاق ربك سبحانه الذي يعلم سِرَّك كما يعلم علانيتك، وقصارى أمر البشر أنْ يُراقبوا علانيتك. لذلك، فإن كل احتياطات أهل الإجرام التخفِّي عن أعين الدولة، والهرب من مراقبة الشرطة، لَكِن كيف التخفي عن نظر الله وعلمه؟
وقوله تعالى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} [الأنبياء: 110] يُعلّمنا الأدب حتى فيما نكتم، فالأدب في الجهر من باب أَوْلَى، ونحن مؤمنون بأن الله سبحانه غَيْب غير مشهد، وهَبْ أنك في بيتك تعلم كل شيء فيه؛ لأنه مشهد لك، أمّا ما كان خارج البيت فهو غَيْب عنك لا تعلمه، أمّا الحق سبحانه فهو غَيْب يعلم كل مَشْهد وكل غيب.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ}.
أي: لعل الإمهال وبقاءكم دون عذاب وتباطؤ الساعة عنكم فتنةٌ واختبار، يا ترى أتُوفَّقون وتفوزون في هذا الاختبار، كما قال سبحانه في موضع آخر: {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الحياة الدنيا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 55].
وقال تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمَا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [آل عمران: 178].
وقوله تعالى: {وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} [الأنبياء: 111] أي: لن يدوم هذا النعيم وهذا المتاع؛ لأن له مدة موقوتة.
ثم يقول الحق سبحانه في ختام سورة الأنبياء: {قَالَ رَبِّ احكم بالحق وَرَبُّنَا الرحمن}.
قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ احكم بالحق} [الأنبياء: 112] كما دعا بذلك الرسل السابقون: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين} [الأعراف: 89].
وهل يحكم الله سبحانه إلا بالحق؟ قالوا: الحق سبحانه يُبيِّن لنا؛ لأننا عِشْنا في الدنيا ورأينا كثيراُ من الباطل، فكأننا لأول مرة نسمع الحكم بالحق.
ثم يقول سبحانه: {وَرَبُّنَا الرحمن المستعان على مَا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 112] أي: المستعان على تُجرمون فيه من نسبتنا إلى الجنون، أو إلى السحر.. إلخ.
وتلاحظ أن الحق سبحانه في آيات سورة الأنبياء تكلم عن طَيِّ السماء كطيِّ السجل للكتب، ثم قال: {لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ} [الأنبياء: 111] {وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} [الأنبياء: 111]، ثم قال: {رَبِّ احكم بالحق} [الأنبياء: 112] هذا كله ليُقرِّب لنا مسألة الساعة وقيامها، ويُعِدُّنا لاستقبال سورة الحج. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ} يعني: اذكر أيوب عليه السلام روي في الخبر أن أيوب كان بمنزلة الملك، وهو أيوب بن مرضي النبي عليه السلام وكانت له أموال من صنوف مختلفة، وكانت له ضياع كثيرة، وكان له ثلاثمائة زوج ثيران، وغلمان يعملون له في ضياعه، وأموال السوائم من الغنم والإبل والبقر، وكان متعبدًا ناسكًا منفقًا متصدقًا، فحسده إبليس عدو الله وقال: إن هذا يذهب بالدنيا والآخرة.
وأراد أن يفسد عليه إحدى الدارين أو كلتيهما، فسأل الله تعالى وقال: إن عبدك أيوب يعبدك، لأنك أعطيته السعة في الدنيا، ولولا ذلك لم يعبدك قال الله تعالى: إني أعلم منه أنه يعبدني ويشكرني، وإن لم يكن له سعة في الدنيا.
فقال: يا رب سلطني عليه.
فسلطه على كل شيء منه إلا على روحه.
وجاء إبليس إلى غنمه كهيئة النار، وضرب عليها فأهلك جميع غنمه، فجاءت رعاته فأخبروه بالقصة، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وقال: هو الذي أعطى وهو الذي أخذ، وهو أحق به.
ويقال: إنه أحرق غنمه ورعاته، فجاء إبليس على هيئة راع من رعاته فأخبره بذلك، فقال له أيوب: لو كان فيك خير لهلكت مع أصحابك.
ثم جاء إلى إبله وبقره ففعل مثل ذلك، ثم جاء إلى زرعه كهيئة النار فأفسد جميع زرعه، فأخبر بذلك، فحمد الله عز وجل وأثنى عليه، وقال: هو الذي أعطى وهو الذي أخذ، وهو أحق به.
وكان له سبعة بنين وثلاث بنات؛ ويقال: سبعة بنين وسبع بنات في بيت، فجاء إبليس عليه اللعنة فهدم البيت عليهم فماتوا كلهم، فذكر ذلك لأيوب فحمد الله تعالى، وأثنى عليه على ذلك، ولم يجزع وقال: هو الذي أعطى ثم أخذ.
ثم جاء إلى أيوب وهو في الصلاة، فلما سجد نفخ في أنفه وفمه نفخة، فانتفخ أيوب عليه السلام وخرجت به قروح، وجعل تسيل منها الصديد، وتفرق عنه أقرباؤه وأصدقاؤه، ولم يبق معه إلا امرأته.
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: كان اسم امرأته ماحين بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب، ويقال: كان اسمها رحمة.
فتأذى به جيرانه، وقالوا لامرأته: احمليه من هاهنا، فإنا نتأذى به.
فحملته حتى أخرجته إلى كناسة قوم، ووضعته عليها، وجعلت تدخل على الناس وتخدمهم، وتأخذ شيئًا وتنفقه عليه.
فكان ذلك البلاء ما شاء الله، فجاء إبليس في صورة طبيب، وقال للمرأة: إن أردت أن يبرأ من علته، فمريه يشرب الخمر، ويتكلم بكلمة الكفر.
فأخبرته المرأة بذلك، فقال لها: ذلك إبليس الذي أمرك بهذا، فألحَّت عليه، فغضب وقال: والله لئن برئت، لأضربنك مائة سوط.
فقالت: متى تبرأ؟ فقال عند ذلك: ربِّ {أَنّى مَسَّنِىَ الضر}.
ويقال: إنه اشتهى شيئًا يتخذ بالسمن، فدخلت امرأته على امرأة غني من الأغنياء وسألتها ذلك، فأبت عليها؛ ثم نظرت إلى ذوائبها، فرأت ذوائبها مثل الحبل، فقالت: لئن دفعت إلى ذوائبك، دفعت إليك ما تطلبين مني.
فدفعت بالمقراض وقطعت ذوائبها ودفعتها إليها، وأخذت منها ما سألت، وجاءت به إلى أيوب فقال لها: من أين لك هذا؟ فأخبرته بالقصة، فبكى أيوب عند ذلك، وقال: رَبِّ {أَنّى مَسَّنِىَ الضر}.
قال بعضهم: مكث أيوب في بلائه سبع سنين، وقال بعضهم: عشر سنين، وروى بعضهم، عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ أيُّوبَ نَبِيَّ الله لَبِثَ فِي بَلاَئِهِ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَفَضَهُ القَرِيبُ وَالبَعِيدُ، إلاَّ رَجُلَيْنِ مِنْ إخْوَانِهِ كَانا يَعُودَانِهِ وَيَغْدُوانِ إلَيْهِ وَيَرُوحَانِ، فَقَالَ أحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: وَالله لَقَدْ أذْنَبَ أيُّوبُ ذَنْبًا مَا أذْنَبَهُ أحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: وما ذلك؟ قالَ لَهُ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ الله تعالى، فَيَكْشِف ما بِهِ ثُمَّ رَاحَا إلَيْهِ فَلَمْ يَصْبِرَا، حَتَّى ذَكَرا ذلكَ لَهُ، فَعِنْدَ ذلكَ قالَ: ربِّ {مَسَّنِىَ الضر} قال: فلما كان ذات يوم، خرجت امرأته، فأوحى الله تعالى إلى أيوب عليه السلام في مكانه أن {اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42] فشرب واغتسل، فأذهب الله عز وجل ما به من البلاء، فقال أيوب: كان الركض برجلي أشد على من البلاء الذي كنت فيه».
قال ابن عباس: لما قال الله تعالى له: {اركض بِرِجْلِكَ} ففعل، فانفجرت عين اغتسل منها فصح جسده ثم قيل له: اركض برجلك ففعل، فخرجت عين فشرب منها، فالتأم ما في جوفه فلما رجعت إليه المرأة، لم تعرفه، فقالت له: بارك الله فيك، هل رأيت نبي الله المبتلى؟ فوالله ما رأيت أحدًا أشبه به منك إذ كان صحيحًا قال: فإني أيوب، قال: وكان له آنذاك أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين: إحداهما على أندر القمح فأفرغت الذهب حتى فاض، وأفرغت الأُخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض؛ ذلك قوله تعالى: {إِذْ نادى رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ الضر}، أصابني البلاء والشدة {وَأَنتَ أَرْحَمُ الرحمين} فعرض ولم يفصل بالدعاء.