فصل: (سورة الأنبياء: آية 88):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأنبياء: آية 88]:

{فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}.
{نُنْجِي} و{ننجي} و{نجى} والنون لا تدغم في الجيم، ومن تمحل لصحته فجعله فعل وقال نجى النجاء المؤمنين، فأرسل الياء وأسنده إلى مصدره ونصب المؤمنين بالنجاء- فمتعسف بارد التعسف.

.[سورة الأنبياء: الآيات 89- 90]:

{وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90)}.
قال: «دعوة ذى النون {لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}» وأخرجه الحاكم أيضا من رواية معمر بن سليمان عن معمر عن الزهري عن أبى أمامة بن سهيل بن حنيف عن سعد.
سأل ربه أن يرزقه ولدا يرثه ولا يدعه وحيدا بلا وارث، ثم ردّ أمره إلى اللّه مستسلما فقال: {وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ} أى إن لم ترزقني من يرثني فلا أبالى، فإنك خير وارث. إصلاح زوجه: أن جعلها صالحة للولادة بعد عقرها. وقيل: تحسين خلقها وكانت سيئة الخلق.
الضمير للمذكورين من الأنبياء عليهم السلام يريد أنهم ما استحقوا الإجابة إلى طلباتهم إلا لمبادرتهم أبواب الخير ومسارعتهم في تحصيلها كما يفعل الراغبون في الأمور الجادون. وقرئ {رَغَبًا وَرَهَبًا} بالإسكان، وهو كقوله تعالى {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّه}. {خاشِعِينَ} قال الحسن: ذللا لأمر اللّه. وعن مجاهد: الخشوع الخوف الدائم في القلب. وقيل: متواضعين.
وسئل الأعمش فقال: أما إنى سألت إبراهيم فقال: ألا تدرى؟ قلت: أفدنى. قال: بينه وبين اللّه إذا أرخى ستره وأغلق بابه، فلير اللّه منه خيرا، لعلك ترى أنه أن يأكل خشنا ويلبس خشنا ويطأطئ رأسه.

.[سورة الأنبياء: آية 91]:

{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابنها آيَةً لِلْعالَمِينَ (91)}.
{أَحْصَنَتْ فَرْجَها} إحصانا كليا من الحلال والحرام جميعا كما قالت {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} فإن قلت: نفخ الروح في الجسد عبارة عن إحيائه. قال اللّه تعالى {فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} أى أحييته. وإذا ثبت ذلك كان قوله: {فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا} ظاهر الإشكال، لأنه يدل على إحياء مريم. قلت: معناه نفخنا الروح في عيسى فيها، أى: أحييناه في جوفها. ونحو ذلك أن يقول الزمار: نفخت في بيت فلان، أى: نفخت في المزمار في بيته. ويجوز أن يراد: وفعلنا النفخ في مريم من جهة روحنا وهو جبريل عليه السلام، لأنه نفخ في جيب درعها فوصل النفخ إلى جوفها. فإن قلت: هلا قيل آيتين كما قال: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ} قلت: لأن حالهما بمجموعهما آية واحدة، وهي ولادتها إياه من غير فحل.

.[سورة الأنبياء: آية 92]:

{إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)}.
الأمّة: الملة، وهذِهِ إشارة إلى ملة الإسلام، أى: إن ملة الإسلام هي ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها لا تنحرفون عنها، يشار إليها ملة واحدة غير مختلفة {وَأَنَا} إلهكم إله واحد {فَاعْبُدُونِ} ونصب الحسن {أمّتكم} على البدل من هذه، ورفع {أمّة} خبرا. وعنه رفعهما جميعا خبرين لهذه. أو نوى للثاني مبتدأ، والخطاب للناس كافة.

.[سورة الأنبياء: آية 93]:

{وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (93)}.
والأصل: وتقطعتم، إلا أن الكلام حرف إلى الغيبة على طريقة الالتفات، كأنه ينعى عليهم ما أفسدوه إلى آخرين ويقبح عندهم فعلهم، ويقول لهم: ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين اللّه. والمعنى: جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا، كما يتوزع الجماعة الشيء ويتقسمونه، فيطير لهذا نصيب ولذاك نصيب، تمثيلا لاختلافهم فيه، وصيرورتهم فرقا وأحزابا شتى. ثم توعدهم بأنّ هؤلاء الفرق المختلفة إليه يرجعون، فهو محاسبهم ومجازيهم.

.[سورة الأنبياء: آية 94]:

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (94)}.
الكفران: مثل في حرمان الثواب، كما أن الشكر مثل في إعطائه إذا قيل للّه: شكور.
وقد نفى نفى الجنس ليكون أبلغ من أن يقول: فلا نكفر سعيه {وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ} أى نحن كاتبو ذلك السعى ومثبتوه في صحيفة عمله، وما نحن مثبتوه فهو غير ضائع ومثاب عليه صاحبه.

.[سورة الأنبياء: الآيات 95- 96]:

{وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكِناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومأجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)}.
استعير الحرام للممتنع وجوده. ومنه قوله عز وجلّ {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ} أى منعهما منهم، وأبى أن يكونا لهم. وقرئ: {حرم} و{حرم} بالفتح والكسر. و{حرّم} و{حرّم}.
ومعنى {أَهْلَكِناها} عزمنا على إهلاكها. أو قدرنا إهلاكها. ومعنى الرجوع: الرجوع من الكفر إلى الإسلام والإنابة. ومجاز الآية: أن قوما عزم اللّه على إهلاكهم غير متصوّر أن يرجعوا وينيبوا، إلى أن تقوم القيامة فحينئذ يرجعون ويقولون: {يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ} يعنى: أنهم مطبوع على قلوبهم فلا يزالون على كفرهم ويموتون عليه حتى يروا العذاب. وقرئ: {إنهم} بالكسر. وحق هذا أن يتمّ الكلام قبله، فلابد من تقدير محذوف، كأنه قيل: وحرام على قرية أهلَكِناها ذاك. وهو المذكور في الآية المتقدمة من العمل الصالح والسعى المشكور غير المكفور، ثم علل فقيل: إنهم لا يرجعون عن الكفر، فكيف لا يمتنع ذلك. والقراءة بالفتح يصح حملها على هذا؟ أى: لأنهم لا يرجعون ولا صلة على الوجه الأول. فإن قلت: بم تعلقت حَتَّى واقعة غاية له، وأية الثلاث هي؟ قلت: هي متعلقة بحرام، وهي غاية له لأنّ امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة، وهي حَتَّى التي يحكى بعدها الكلام، والكلام المحكىّ: الجملة من الشرط والجزاء، أعنى: إذا وما في حيزها.
حذف المضاف إلى {يَأْجُوجُ ومأجُوجُ} وهو سدّهما، كما حذف المضاف إلى القرية وهو أهلها.
وقيل: فتحت كما قيل {أَهْلَكِناها} وقرئ: {آجوج}. وهما قبيلتان من جنس الإنس، يقال: الناس عشرة أجزاء، تسعة منها يأجوج وماجوج {وَهُمْ} راجع إلى الناس المسوقين إلى المحشر وقيل: هم يأجوج وماجوج يخرجون حين يفتح السدّ. الحدب: النشز من الأرض. وقرأ ابن عباس رضى اللّه عنه: {من كل جدث} وهو القبر، الثاء: حجازية، والفاء: تميمية. وقرئ {يَنْسِلُونَ} بضم السين. ونسل وعسل: أسرع.

.[سورة الأنبياء: آية 97]:

{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97)}.
و{فَإِذا} هي إذا المفاجأة، وهي تقع في المجازاة سادّة مسدّ الفاء، كقوله تعالى {إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ} فإذا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد. ولو قيل: إذا هي شاخصة.
أو فهي شاخصة، كان سديدا {هِيَ} ضمير مبهم توضحه الأبصار وتفسره، كما فسر {الذين ظلموا} و{أسروا} {يا وَيْلَنا} متعلق بمحذوف تقديره: يقولون يا ويلنا. و{يقولون} في موضع الحال من {الذين كفروا}.

.[سورة الأنبياء: الآيات 98- 100]:

{إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (100)}.
{ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} يحتمل الأصنام وإبليس وأعوانه، لأنهم بطاعتهم لهم واتباعهم خطواتهم في حكم عبدتهم. ويصدّقه ما روى: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، فجلس إليهم فعرض له النضر بن الحرث فكلمه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا عليهم {إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية، فأقبل عبد اللّه بن الزبعرى فرآهم يتهامسون، فقال: فيم خوضكم؟ فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال عبد اللّه: أما واللّه لو وجدته لخصمته، فدعوه. فقال ابن الزبعرى: أأنت قلت ذلك؟ قال: «نعم». قال: قد خصمتك ورب الكعبة. أليس اليهود عبدوا عزيرا، والنصارى عبدوا المسيح، وبنو مليح عبدوا الملائكة؟
فقال صلى الله عليه وسلم: «بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك». فأنزل اللّه تعالى {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى} الآية يعنى عزيرا والمسيح والملائكة عليهم السلام. فإن قلت: لم قرنوا بآلهتهم؟ قلت: لأنهم لا يزالون لمقارنتهم في زيادة غمّ وحسرة، حيث أصابهم ما أصابهم بسببهم. والنظر إلى وجه العدوّ باب من العذاب، ولأنهم قدّروا، أنهم يستشفعون بهم في الآخرة ويستنفعون بشفاعتهم، فإذا صادفوا الأمر على عكس ما قدروا لم يكن شيء أبغض إليهم منهم.
فإن قلت: إذا عنيت بما تعبدون الأصنام، فما معنى {لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ} قلت: إذا كانوا هم وأصنامهم في قرن واحد، جاز أن يقال: لهم زفير، وإن لم يكن الزافرين إلا هم دون الأصنام للتغليب ولعدم الإلباس. والحصب: المحصوب به، أى: يحصب بهم في النار. والحصب: الرمي.
وقرئ بسكون الصاد، وصفا بالمصدر. وقرئ {حطب} و{حضب} بالضاد متحركا وساكنا.
وعن ابن مسعود: يجعلون في توابيت من نار فلا يسمعون. ويجوز أن يصمهم اللّه كما يعميهم.

.[سورة الأنبياء: آية 101]:

{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (101)}.
تنبيهان:
أحدهما: اشتهر في ألسنة كثير من علماء العجم وفي كتبهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه القصة لابن الزبعرى «ما أجهلك بلغة قومك. فانى قلت: وما تعبدون. وهي لما لا يعقل. ولم أقل: ومن تعبدون». اهـ.
وهو شيء لا أصل له. ولا يوجد لا مسندا ولا غير مسند. الثاني قال السهيلي اعتراض ابن الزبعرى غير لازم، لأن الخطاب مخصوص بقريش وما يعبدون من الأصنام. ولذلك أتى بما الواقعة على ما لا يعقلاه. وحديث ابن عباس الذي تقدم ينقض عليه هذا التأويل. فانه صرح بأن المراد كل ما يعبد من دون اللّه.
قوله في قرن هو حبل يقرن به البعيران. أفاده الصحاح. ع.

.[سورة الأنبياء: الآيات 101- 103]:

{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (101) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (102) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكبر وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)}.
{الْحُسْنى} الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن: إمّا السعادة، وإما البشرى بالثواب وإما التوفيق للطاعة. يروى أنّ عليا رضى اللّه عنه قرأ هذه الآية ثم قال: أنا منهم، وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف، ثم أقيمت الصلاة فقام يجرّ رداءه وهو يقول: {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها} والحسيس: الصوت يحس، والشهوة: طلب النفس اللذة. وقرئ {لا يَحْزُنُهُمُ} من أحزن. و{الْفَزَعُ الأكبر} قيل: النفخة الأخيرة، لقوله تعالى {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الأرض} وعن الحسن: الانصراف إلى النار.
وعن الضحاك: حين يطبق على النار. وقيل: حين يذبح الموت على صورة كبش أملح، أى تستقبلهم الْمَلائِكَةُ مهنئين على أبواب الجنة. ويقولون: هذا وقت ثوابكم الذي وعدكم ربكم قد حلّ.

.[سورة الأنبياء: آية 104]:

{يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (104)}.
العامل في {يَوْمَ نَطْوِي} {لا يحزنهم} أو {الفزع} أو {تتلقاهم} وقرئ: {تطوى السماء}، على البناء للمفعول {السِّجِلِّ} بوزن العتلّ و{السجل} بلفظ الدلو. وروى فيه الكسر: وهو الصحيفة، أى: كما يطوى الطومار للكتابة، أى: ليكتب فيه، أو: لما يكتب فيه، لأن الكتاب أصله المصدر كالبناء، ثم يوقع على المكتوب، ومن جمع فمعناه: للمكتوبات، أى: لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة. وقيل {السِّجِلِّ} ملك يطوى كتب بنى آدم إذا رفعت إليه. وقيل: كاتب كان لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم. والكتاب- على هذا- اسم الصحيفة المكتوب فيها {أَوَّلَ خَلْقٍ} مفعول نعيد الذي يفسره {نُعِيدُهُ} والكاف مكفوفة بما. والمعنى: نعيد أوّل الخلق كما بدأناه. تشبيها للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء، فإن قلت: وما أوّل الخلق حتى يعيده كما بدأه؟ قلت: أوّله إيجاده عن العدم، فكما أوجده أولا عن عدم، يعيده ثانيا عن عدم. فإن قلت: ما بال خَلْقٍ منكرا؟ قلت: هو كقولك: هو أوّل رجل جاءني، تريد أوّل الرجال، ولَكِنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلا رجلا، فكذلك معنى {أَوَّلَ خَلْقٍ} أوّل الخلق، بمعنى: أوّل الخلائق، لأن الخلق مصدر لا يجمع. ووجه آخر، وهو أن ينتصب الكاف بفعل مضمر يفسره {نُعِيدُهُ} وما موصولة، أى: نعيد مثل الذي بدأناه نعيده. وأول خلق: ظرف لبدأنا. أى: أوّل ما خلق، أو حال من ضمير الموصول الساقط من اللفظ، الثابت في المعنى {وَعْدًا} مصدر مؤكد، لأنّ قوله: {نُعِيدُهُ} عدة للإعادة {إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ} أى قادرين على أن نفعل ذلك.

.[سورة الأنبياء: آية 105]:

{وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرض يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105)}.
عن الشعبي رحمة اللّه عليه: زبور داود عليه السلام، والذكر: التوراة. وقيل اسم لجنس ما أنزل على الأنبياء من الكتب. والذكر: أم الكتاب، يعنى اللوح، أى: يرثها المؤمنون بعد إجلاء الكفار، كقوله تعالى {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأرض وَمَغارِبَهَا}، {قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأرض لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} وعن ابن عباس رضى اللّه عنه: هي أرض الجنة. وقيل: الأرض المقدّسة، ترثها أمّة محمد صلى الله عليه وسلم.

.[سورة الأنبياء: آية 106]:

{إِنَّ فِي هذا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عابِدِينَ (106)}.
الإشارة إلى المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة. والبلاغ:
الكفاية وما تبلغ به البغية.