فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} قال ابن عباس: يعني النفخة الأخيرة، وقيل هو حين يذبح الموت وينادى يا أهل النار خلود بلا موت وقيل هو حين يطبق على جنهم وذلك بعد أن يخرج الله منها من يريد أن يخرجه {وتتلقاهم الملائكة} أي تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون {هذا يومكم الذي كنتم توعدون} أي في الدنيا.
قوله: {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} قال ابن عباس: السجل الصحيفة والمعنى كطي الصحيفة على مكتوبها والطي هو الدرج الذي هو ضد النشر.
وقيل: السجل اسم ملك يكتب أعمال العباد إذا رفعت إليه والمعنى نطوي السماء كما يطوي السجل والطومار الذي يكتب فيه والتقدير لا يحزنهم الفزع الأكبر في اليوم {كما بدأنا أول خلق نعيده} أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم عراة غرلًا كذلك نعيدهم يوم القيامة ق عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال: «أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلًا {كما بدأنا أول خلق نعيده}» قوله: «غرلًا» أي قلفا.
وقوله تعالى: {وعدًا علينا إنا كنا فاعلين} يعني الإعادة والبعث بعد الموت.
قوله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر} قيل: الزبور جميع الكتب المنزلة على الأنبياء والذكر هو أم الكتاب الذي عنده ومن ذلك الكتاب تنسخ جميع الكتب ومعنى من بعد الذكر أي بعد ما كتب في اللوح المحفوظ.
وقال ابن عباس: الزبور التوراة والذكر الكتب المنزلة من بعد التوراة.
وقيل الزبور: كتاب داود والذكر هو القرآن وبعد هنا بمعنى قبل {أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} يعني أرض الجنة يرثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى أن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ في كتب الأنبياء: أن الجنة يرثها من كان صالحًا من عباده عاملًا بطاعته.
وقال ابن عباس: أراد أن أراضي الكفار يفتحها المسلمون وهذا حكم من الله تعالى بإظهار الدين وإعزاز المسلمين، وقيل أراد الأرض المقدسة يرثها الصالحون بعد من كان فيها {إن في هذا} أي في القرآن {لبلاغًا} أي وصولًا إلى البغية يعني من اتبع القرآن وعمل بما فيه وصل إلى ما يرجو من الثواب، وقيل البلاغ الكفاية أي فيه كفاية لما فيه من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة فهو زاد العباد إلى الجنة وهو قوله تعالى: {لقوم عابدين} يعني مؤمنين لا يعبدون أحدًا من دون الله تعالى وقيل هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم أهل الصلوات الخمس وشهر رمضان والحج.
وقال ابن عباس: عالمين وقيل: هم العالمون العاملون.
قوله: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} قيل: كان الناس أهل كفر وجاهلية وضلال وأهل الكتابين كانوا في حيرة من أمر دينهم لطول وانقطاع تواترهم ووقوع الاختلاف في كتبهم فبعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم حين لم يكن لطالب الحق سبيل إلى الفوز والثواب فدعاهم إلى الحق، وبين لهم سبيل الصواب وشرع لهم الأحكام وبين الحلال من الحرام قال الله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} قيل يعني المؤمنين خاصة فهو رحمة لهم.
وقال ابن عباس: هو عام في حق من آمن ومن لم يؤمن، فمن آمن فهو رحمة له في الدنيا والآخرة ومن لم يؤمن فهو رحمة له في الدنيا بتأخير العذاب عنه ورفع المسخ والخسف والاستئصال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا رحمة مهداة».
{قل إنما يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون} يعني منقادون لما يوحى إلى من إخلاص الإلهية والتوحيد لله والمراد بهذا الاستفهام الأمر أي أسلموا {فإن تولوا} أي أعرضوا ولم يسلموا {فقل آذنتكم} أعلمتكم بالحرب وأن لا صلح بيننا {على سواء} أي إنذارًا بينًا نستوي في علمه لا أستبد أنا به دونكم لتتأهبوا لما يراد بكم والمعنى آذنتكم على وجه نستوي نحن وأنتم في العلم به وقيل معناه لتستووا في الإيمان به وأعلمتكم بما هو الواجب عليكم من التوحيد وغيره {وإن أدري} أي وما أعلم {أقريب أم بعيد ما توعدون} يعني يوم القيامة لا يعلمه إلا الله {إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون} أي لا يغيب عن علمه شيء منكم في علانيتكم وسركم {وإن أدري لعله فتنة لكم} أي لعل تأخير العذاب عنكم اختبار لكم ليرى كيف صنيعكم وهو أعلم بكم {ومتاع إلى حين} أي تتمتعون إلى انقضاء آجالكم {قال رب احكم} أي افصل بيني وبين من كذبني {بالحق} أي بالعذاب كأنه استعجل العذاب لقومه فعذبوا يوم بدر.
وقيل: معناه افصل بيني وبينهم بما يظهر الحق من الجميع وهو أن تنصرني عليهم والله يحكم بالحق طلب ولم يطلب ومعنى الطلب ظهور الرغبة من الطالب {وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون} أي من الشرك والكفر والكذب والأباطيل، كأنه سبحانه وتعالى قال قل داعيًا إلى رب احكم بالحق، وقل متوعدًا للكفار وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. اهـ.

.قال النسفي:

{وَأَيُّوبَ} أي واذكر أيوب {إِذْ نادى رَبَّهُ أَنّى} أي دعا بأني {مَسَّنِىَ الضر} الضر بالفتح الضرر في كل شيء وبالضم الضرر في النفس من مرض أو هزال {وَأَنتَ أَرْحَمُ الرحمين} ألطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة وذكر ربه بغاية الرحمة ولم يصرح بالمطلوب فكأنه قال: أنت أهل أن ترحم وأيوب أهل أن يرحم فارحمه واكشف عنه الضر الذي مسه.
عن أنس رضي الله عنه: أخبر عن ضعفه حين لم يقدر على النهوض إلى الصلاة ولم يشتك وكيف يشكو من قيل له {إِنَّا وجدناه صَابِرًا نّعْمَ العبد} [ص: 44] وقيل: إنما شكا إليه تلذذًا بالنجوى لا منه تضررًا بالشكوى، والشكاية إليه غاية القرب كما أن الشكاية منه غاية البعد {فاستجبنا لَهُ} أجبنا دعاءه {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ} فكشفنا ضره إنعامًا عليه {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} روي أن أيوب عليه السلام كان روميًّا من ولد إسحاق بن إبراهيم عليه السلام وله سبعة بنين وسبع بنات وثلاثة آلاف بعير وسبعة الاف شاة وخمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد، لكل عبد امرأة وولد ونخيل، فابتلاه الله تعالى بذهاب ولده وماله وبمرض في بدنه ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو ثلاث سنين، وقالت له امرأته يوما: لو دعوت الله عز وجل.
فقال: كم كانت مدة الرخاء؟ فقالت: ثمانين سنة.
فقال: أنا أستحي من الله أن أدعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي.
فلما كشف الله عنه أحيا ولده بأعيانهم ورزقه مثلهم معهم {رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا} هو مفعول له {وذكرى للعابدين} يعني رحمة لأيوب وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كصبره فيثابوا كثوابه.
{وإسماعيل} بن إبراهيم {وَإِدْرِيسَ} بن شيت بن آدم {وَذَا الكفل} أي اذكرهم وهو الياس أو زكريا أو يوشع بن نون، وسمي به لأنه ذو الحظ من الله والكفل الحظ {كُلٌّ مّنَ الصابرين} أي هؤلاء المذكورون كلهم موصوفون بالصبر.
{وأدخلناهم في رَحْمَتِنا} نبوتنا أو النعمة في الآخرة {إِنَّهُمْ مّنَ الصالحين} أي ممن لا يشوب صلاحهم كدر الفساد.
{وَذَا النون} أي اذكر صاحب الحوت والنون الحوت فأضيف إليه {إِذ ذَّهَبَ مغاضبا} حال أي مراغمًا لقومه.
ومعنى مغاضبته لقومه أنه أغضبهم بمفارقته لخوفهم حلول العقاب عليهم عندها.
روي أنه برم بقومه لطول ما ذكرهم فلم يتعظوا وأقاموا على كفرهم فراغمهم وظن أن ذلك يسوغ حيث لم يفعله إلا غضبًا لله وبغضًا للكفر وأهله وكان عليه أن يصابر وينتظر الإذن من الله تعالى في المهاجرة عنهم فابتلي ببطن الحوت {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ} نضيق {عَلَيْهِ} وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل يوما على معاوية فقال: لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها فلم أجد لنفسي خلاصًا إلا بك.
قال: وما هي يا معاوية؟ فقرأ الآية.
فقال: أو يظن نبي الله أن لا يقدر عليه؟ قال: هذا من القدر لا من القدرة {فنادى في الظلمات} أي في الظلمة الشديدة المتكاثفة في بطن الحوت كقوله: {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات} [البقرة: 17] أو ظلمة الليل والبحر وبطن الحوت {أن} أي بأنه {لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ} أو بمعنى أي {سبحانك إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين} لنفسي في خروجي من قومي قبل أن تأذن لي في الحديث: «ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له» وعن الحسن: ما نجاه والله إلا إقراره على نفسه بالظلم.
{فاستجبنا لَهُ ونجيناه مِنَ الغم} غم الزلة والوحشة والوحدة {وكذلك نُنجِى المؤمنين} إذا دعونا واستغاثوا بنا.
{نجى} شامي وأبو بكر بإدغام النون في الجيم عند البعض لأن النون لا تدغم في الجيم.
وقيل: تقديره نجى النجاء المؤمنين فسكن الياء تخفيفًا وأسند الفعل إلى المصدر ونصب المؤمنين بالنجاء لَكِن فيه إقامة المصدر مقام الفاعل مع وجود المفعول وهذا لا يجوز، وفيه تسكين الياء وبابه الضرورات.
وقيل: أصله ننجى من التنجية فحذفت النون الثانية لاجتماع النونين كما حذفت إحدى التاءين في {تَنَزَّلُ الملائكة} [القدر: 4].
{وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبّ لاَ تَذَرْنِى فَرْدًا} سأل ربه أن يرزقه ولدًا يرثه ولا يدعه وحيدًا بلا وارث، ثم رد أمره إلى الله مستسلمًا فقال: {وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين} أي فإن لم تزرقني من يرثني فلا أبالي فإنك خير وارث أي باق {فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى} ولدًا {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} جعلناها صالحة للولادة بعد العقار أي بعد عقرها أو حسنة وكانت سيئة الخلق {إنهم} أي الأنبياء المذكورين {كَانُواْ يُسَارِعُونَ في الخيرات} أي أنهم إنما استحقوا الإجابة إلى طلباتهم لمبادرتهم أبواب الخير ومسارعتهم في تحصيلها {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} أي طمعًا وخوفًا كقوله: {يَحْذَرُ الآخرة وَيَرْجُو رَّحْمَةِ رَبّهِ} [الزمر: 9] وهما مصدران في موضع الحال أو المفعول له أي للرغبة فينا والرهبة منا {وَكَانُواْ لَنَا خاشعين} متواضعين خائفين.
{والتى} أي واذكر التي {أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} حفظته من الحلال والحرام {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا} أجرينا فيها روح المسيح أو أمرنا جبريل فنفخ في جيب درعها فأحدثنا بذلك النفخ عيسى في بطنها، وإضافة الروح إليه تعالى لتشريف عيسى عليه السلام {وجعلناها وابنها ءايَةً} مفعول ثان {للعالمين} وإنما لم يقل آيتين كما قال: {وَجَعَلْنَا الليل والنهار ءايَتَيْنِ} [الإسراء: 12] لأن حالهما بمجموعهما آية واحدة وهي ولادتها إياه من غير فحل، أو التقدير وجعلناها آية وابنها كذلك فـ: {آية} مفعول المعطوف عليه ويدل عليه قراءة من قرأ {آيتين}.
{إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} لأمة الملة وهذه إشارة إلى ملة الإسلام وهي ملة جميع الأنبياء.
و{أُمَّةً وَاحِدَةً} حال أي متوحدة غير متفرقة والعالم ما دل عليه اسم الإشارة أي أن ملة الإسلام هي ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها لا تنحرفون عنها يشار إليها ملة واحدة غير مختلفة {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فاعبدون} أي ربيتكم اختيارًا فاعبدوني شكرًا وافتخارًا والخطاب للناس كافة.
{وَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أصل الكلام وتقطعتم إلا أن الكلام صرف إلى الغيبة على طريقة الالتفات، والمعنى وجعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعًا وصاروا فرقًا وأحزابًا.
ثم توعدهم بأن هؤلاء الفرق المختلفة {كُلٌّ إِلَيْنَا راجعون} فنجازيهم على أعمالهم {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات} شيئًا {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} بما يجب الإيمان به {فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} أي فإن سعيه مشكور مقبول والكفران مثل في حرمان الثواب كما أن الشكر مثل في إعطائه وقد نفى نفي الجنس ليكون أبلغ {وَإِنَّا لَهُ} للسعي أي الحفظة بأمرنا {كاتبون} في صحيفة عمله فنثيبه به {وَحَرَامٌ} {وحرم} كوفي غير حفص وخلف وهما لغتان كحل وحلال وزنًا وضده معنى والمراد بالحرام الممتنع وجوده {على قَرْيَةٍ أهلَكِناها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} والمعنى ممتنع على مهلك غير ممكن أن لا يرجع إلى الله بالبعث، أو حرام على قرية أهلَكِناها أي قدرنا إهلاكهم أو حكمنا بإهلاكهم ذلك وهو المذكور في الآية المتقدمة من العمل الصالح والسعي المشكور غير المكفور أنهم لا يرجعون من الكفر إلى الإسلام.
{حتى} هي التي يحكى بعدها الكلام والكلام المحكي الجملة من الشرط والجزاء أعني {إِذَا} وما في حيزما {فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومأجُوجُ} أي فتح سدهما فحذف المضاف كما حذف المضاف إلى قرية {فتّحت}: شامي وهما قبيلتان من جنس الإنس.
يقال: الناس عشرة أجزاء تسعة منها يأجوج وماجوج {وَهُمْ} راجع إلى الناس المسوقين إلى المحشر.
وقيل: هم يأجوج وماجوج يخرجون حين يفتح السد {مّن كُلّ حَدَبٍ} نشز من الأرض أي ارتفاع {يَنسِلُونَ} يسرعون.
{واقترب الوعد الحق} أي القيامة وجواب {إذا} {فَإِذَا هِىَ} وهي إذا المفاجأة وهي تقع في المجازاة سادة مسد الفاء كقوله: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] فإذا جاءت الفاء معها تعاونتًا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد، ولو قيل فهي شاخصة أو إذا هي شاخصة كان سديدًا وهي ضمير مبهم يوضحه الأبصار ويفسره {شاخصة أبصار الذين كَفَرُواْ} أي مرتفعة الأجفان لا تكاد تطرف من هول ما هم فيه {ياويلنا} متعلق بمحذوف تقديره يقولون يا ويلنا و{يقولون} حال من {الذين كفروا} {قَدْ كُنَّا في غَفْلَةٍ مّنْ هذا} اليوم {بَلْ كُنَّا ظالمين} بوضعنا العبادة في غير موضعها.
{إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} يعني الأصنام وإبليس وأعوانه لأنهم بطاعتهم لهم واتباعهم خطواتهم في حكم عبدتهم {حَصَبُ} حطب وقرئ {حطب} {جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} فيها داخلون {لَوْ كَانَ هَؤُلاء ءالِهَةً} كما زعمتم {مَا وَرَدُوهَا} ما دخلوا النار {وَكُلٌّ} أي العابد والمعبود {فِيهَا} في النار {خالدون لَهُمْ} للكفار {فِيهَا زَفِيرٌ} أنين وبكاء وعويل.
{وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ} شيئًا ما لأنهم صاروا صمًا وفي السماع نوع أنس فلم يعطوه.
{إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن وهي السعادة أو البشرى بالثواب أو التوفيق للطاعة فنزلت جوابًا لقول ابن الزبعري عند تلاوته عليه السلام على صناديد قريش {إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} إلى قوله: {خالدون} أليس اليهود عبدوا عزيرًا، والنصارى المسيح، وبنو مليح الملائكة على أن قوله: {وما تعبدون} لا يتناولهم لأن ما لمن لا يعقل إلا أنهم أهل عناد فزيد في البيان {أولئك} يعني عزيرًا والمسيح والملائكة {عَنْهَا} عن جهنم {مُبْعَدُونَ} لأنهم لم يرضوا بعبادتهم.
وقيل: المراد بقوله: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} جميع المؤمنين لما روي أن عليًّا رضي الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال: أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وقال الجنيد رحمه الله: سبقت لهم منا العناية في البداية فظهرت لهم الولاية في النهاية.
{لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} صوتها الذي يحس وحركة تلهبها وهذه مبالغة في الإبعاد عنها أي لا يقربونها حتى لا يسمعوا صوتها وصوت من فيها {وَهُمْ في مَا اشتهت أَنفُسُهُمْ} من النعيم {خالدون} مقيمون والشهوة طلب النفس اللذة {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} النفخة الأخيرة {وتتلقاهم الملئكة} أي تستقبلهم الملائكة مهنئين على أبواب الجنة يقولون {هذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} أي هذا وقت ثوابكم الذي وعدكم ربكم في الدنيا.