فصل: فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

.قال إلكيا هراسي:

سورة الحج:
قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}، الآية: 5.
قوله: {مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ}، يقتضي أن لا تكون المضغة إنسانا كما اقتضى ذلك في العلقة والنطفة والتراب، وإنما نبهنا اللّه تعالى على كمال قدرته، بأن خلق الإنسان من غير إنسان، وهي المضغة والنطفة التي لا تخطيط فيها ولا تركيب، وإذا لم يكن إنسانا يجوز أن يقال إنه ليس يحمل مثل النطفة.
ويحتمل أن يقال: إنه أصل الإنسان الذي ينعقد ويشتمل عليه الرحم وصار حملا، وليس كالنطفة المجردة التي لا ندري ما يكون منها.
وزعم إسماعيل بن إسحق أن قوما ذهبوا إلى أن السقط لا تنقضي به العدة، ولا تصير به أم ولد، وزعم أن هذا غلط، لأن اللّه تعالى أعلمنا أن المضغة التي هي غير مخلقة قد دخل فيما ذكر من خلق الناس كما ذكرت المخلقة، ودل على أن كل ما يكون من ذلك إلى خروج الولد من بطن أم فهو حمل، وقد قال تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.
وهذا لا حجة فيه، فإن اللّه تعالى لم يذكر أنه حمل، وإنما نبه على قدرته بأن خلقنا من المضغة والعلقة والتراب والنطفة، وليس الولد نطفة ولا مضغة، بل خلق منه الولد، وما دخلت العلقة في اسم الإنسان، ولا النطفة ولا المضغة التي ليست مخلقة.
وقوله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، فالمراد به ما يسمى ولدا.
واستدل إسماعيل بن إسحاق أنه يرث بهذا وهو غلط، فإنه يرث عند الولادة حيا مستندا إلى حالة كونه نطفة، ولا كلام فيه حتى لو طلقها من أربع سنين وأتت بولد، يعلم أنه في تلك الحالة كان نطفة يرث أيضا، ولو انفصل ميتا وقد تكامل خلقه لم يرث، وانقضت به العدة، فهما بابان متباينان.
قوله تعالى: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ}، الآية: 25
احتج به قوم على منع بيع دور مكة، فإنها مخلاة للساكنين، لا يتخصص سكانها بها، وهذا في غاية البعد، ولا شك أن أبنيتها لملاكها لا يزاحمون فيها دون إذنهم، إلا ما كان وقفا على الصادر والوارد، وأكثر دور مكة كذلك.
وقوله تعالى: {سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ}، الآية: 25.
يظهر حمله على المسجد الذي لا يتخصص به قوم عن قوم، وأنه يشترك في الانتفاع به قعودا وصلاة كافة الناس.
وذكر إسماعيل بن إسحاق عن علقمة بن فضلة قال: توفي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر، وما تدعى رباع مكة إلا السوائب، من احتاج سكن، ومن لم يحتج لم يسكن.
وروي أن عمر كان يمنع أن تغلق دور مكة في زمن الحج، وكانوا ينزلون حيث وجدوا، حتى كانوا يضربون الفسطاط في جوف الدور.
ونهى عمر أهل مكة أن يجعلوا لبيوتهم أبوابا.
وروي عن عمر أنه اشترى دارا بأربعة آلاف.
وبينا بعد قول من يقول لا اختصاص لأهل مكة بدورهم المعروفة بهم، الموروثة عن آبائهم وأسلافهم، وأن من شاء أزعجهم، وما زالوا يتصرفون فيها هدما وبناء وبيعا وإجارة وإعارة من غير نكير، ولعل عمر إنما فعل ذلك عند ازدحام الناس وضيق المنازل، فأباح ذلك لا أنه أزال ملك الرباع، وإلا فقد روي عنه أنه اشترى بها دارا بأربعة آلاف، ولا يمكن الجمع بينهما إلا على هذا الوجه.
قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ}، الآية: معنى الإلحاد من المتعارف: الميل إلى الكفر، والظلم لفظ عام.
أبان اللّه تعالى أن الظلم فيه أعظم من الظلم فيما سواه.
قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}، الآية: 27 ظاهره أنه خطاب لإبراهيم، لأنه مسوق على مخاطبته، بقوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنا لِإبراهيم مَكانَ الْبَيْتِ}، الآية: 26.
وروي عن ابن عباس في ذلك، أن إبراهيم عند هذا الأمر نادى: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتا وقد أمركم أن تحجوه، فلم يبق إنس ولا جن إلا قالوا: لبيك اللهم لبيك.
وعن علي نضر اللّه وجهه مثل ذلك وعلى هذا يقولون إن رسول اللّه كان قد حج قبل الهجرة مرتين، فسقط الفرض عنه بذلك. وهذا بعيد، فإنه إذا ورد في شرعه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}، فلابد من وجوب عليه، بحكم الخطاب في شرعه.
ولئن قيل: إنما خاطب من لم يحج، كان تحكما وتخصيصا بلا دليل، ويلزم عليه أن لا يجب بهذا الخطاب على من يحج على دين إبراهيم، وهذا في غاية البعد.
وقد أبان اللّه تعالى أنهم يأتون ركبانا ومشاة لا لنفس السفر، بل ليشهدوا منافع الدين والدنيا أيضا من التجارة وغيرها، والمقصود أن الاتعاب لغرض جائز.
قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ}، الآية: 28.
ذكرنا من قبل معنى المعلومات والمعدودات والاختلاف فيه.
قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا البائس الْفَقِيرَ}، الآية: 28.
وذلك في دماء النسك، وليس الأكل واجبا بالاتفاق، وإنما يؤكل من دماء النسك، وأما دماء الجنايات، فلا خلاف أن الناسك لا يأكل منها، ودم المتعة والقران دم جبر عند الشافعي، فلا يأكل منه، ويأكل منها عند أبي حنيفة، لأنه رأى الدين دم نسك، فليقع الكلام في ذلك الأصل.
قوله تعالى: {لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}، الآية: 29.
معناه: أنهم عند النحر ينتفون ويحلقون ويقلمون الأظافر، لأن الإحرام إذا منع من ذلك فعل عند التحلل، ويزيل ما به من التفث.
قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا} يدل على أنه لا يجوز بيع جميعه، ولا التصدق بجميعه.
قوله: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}: يدل على وجوب إخراج النذر، وإن كان دما أو هديا أو عمرة، ويدل على ذلك أن النذر لا يجوز أن يؤكل منه وفاء بالنذر.
وقد رتبه اللّه تعالى هذا الترتيب، فبين حكم النحر، ثم عطف عليه بأمور ثلاثة منها: قضاء التفث، والوفاء بالنذر، والطواف، فيجب حمل الطواف على ما يفعل بعد النحر، وهو طواف الزيارة، فإذا أتى به مع ما تقدم حل له النساء والطيب.
ثم عظم الأمر في قول الزور، ومنه أن قرنه بقوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}، الآية: 30.
قوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}، الآية: 32.
فيه إشارة لطيفة، وذلك أن أصل شراء البدن ربما يحمل على فعل ما لابد منه، فلا يدل على الإخلاص، فإن عظمهما مع حصول الإجزاء بما دونه فلا يظهر له محمل إلا تعظيم الشرع، وهو من تقوى القلوب.
وقوله تعالى: {لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى}، الآية: 33.
قال ابن عباس وابن عمر: لكم فيها منافع من ألبانها وأصوافها وظهورها، إلى أن تسمى بدنا، ثم محلها إلى البيت العتيق.
قوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}، الآية: 36: القانع: هو الراضي بما رزق، والمعتر: هو الذي يسأل. ويمكن أن يفهم منه تجزئة المذبوح ثلاثة أجزاء: للأكل، وإطعام القانع، والمعتر.
قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا}، الآية: 39: أبان اللّه تعالى أن الغرض من قتالهم دفع ظلمهم، وأنهم إن مكنوا في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر. والخلفاء الراشدون كانوا بهذه المثابة، ففيه دلالة على صحة إمامتهم.
قوله: {وما أرسلنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أمنيته}، الآية: 52.
ذكروا أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سبق لفظه، إلى تلك الغرانيق العلا، وبينا فساد ذلك، وبينا وجه الرواية الصحيحة في الأصول. اهـ.

.قال القنوجي:

سورة الحج:
وآياتها ثمان وسبعون آية.
هي مكيّة، أو مدنيّة. والجمهور على أنها مختلطة: منها مكيّة، ومنها مدنيّة.
قال الجمهور: إن السورة مختلطة: منها مكي ومنها مدني.
قال القرطبي: وهذا هو الصحيح.
قال العزرمي: وهي من أعاجيب السور نزلت ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، مكيا ومدنيا، سلميا وحربيا، ناسخا ومنسوخا، محكما ومتشابها.
وقد وردت في فضلها الأحاديث.

.الآية الأولى:

{يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نشاء إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأرض هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الماء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)}.
{يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ}: أي الإعادة بعد الموت فانظروا في مبدإ خلقكم.
{فَإِنَّا خَلَقْناكُم}: في ضمن خلق أبيكم آدم عليه السلام.
{مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ}: أي من مني، سمي نطفة لقلته. والنطفة: القليل من الماء قد يقع على الكثير منه، والنطفة: القطرة.
{ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ}: هي الدّم الجامد. والعلق الدم العبيط، أي الطري المتجمد. وقيل: الشديد الحمرة. والمراد الدم المتكون من المني.
{ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ}: هي القطعة من اللحم قدر ما يمضغ الماضغ، تتكون من العلقة.
{مُخَلَّقَةٍ} بالجر صفة لمضغة، أي مستبينة الخلق ظاهرة التصوير.
وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ: أي لم يتبين خلقها ولا ظهر تصويرها. قال ابن الإعرابي: مخلقة يريد قد بدا خلقها وغير مخلقة لم تصور.
قال الأكثر: ما أكمل خلقه بنفخ الروح فهو المخلقة وهو الذي ولد لتمام، وما سقط كان غير مخلقة، أي غير حي بإكمال خلقته بالروح. قال الفراء: مخلقة تامة الخلق، وغير مخلقة السقط. ومنه قول الشاعر:
أفي غير المخلقة البكاء ** فأين الحزم ويحك والحياء

والمعنى إنا خلقناكم على هذا النمط البديع.
{لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} كمال قدرتنا على ما أردنا كإحياء الأموات وبعثهم، فآمنوا بذلك وتيقنوا، والآية من شواهد البعث بعد الموت.

.الآية الثانية:

{هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)}.
{هذانِ خَصْمانِ}: أحدهما: أنجس الفرق اليهود والنصارى والصابئون والمجوس والذين أشركوا. والخصم الآخر: المسلمون، فهما فريقان مختصمان. قاله الفراء وغيره.
وقيل: المراد بالخصمين الجنة والنار: قالت الجنة: خلقني لرحمة، وقالت النار: خلقني لعقوبة.
وقيل: المراد بالخصمين هم الذين برزوا يوم بدر: فمن المؤمنين حمزة وعلي وعبيدة، ومن الكافرين عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة. وقد كان أبو ذر يقسم أن هذه الآية نزلت في هؤلاء المتبارزين وقال بمثل هذا جماعة من الصحابة وهم أعرف من غيرهم بأسباب النزول.
وقد ثبت في الصحيح أيضا عن علي عليه السلام أنه قال: فينا نزلت هذه الآية.
وقال سبحانه: اخْتَصَمُوا ولم يقل اختصما؟
قال الفراء: لأنهم جمع ولو قال اختصما لجاز.
ومعنى {فِي رَبِّهِمْ}: أي في شأن ربهم، أي في دينه، أو في ذاته، أو في صفاته، أو في شريعته لعباده أو في جميع ذلك.

.الآية الثالثة:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (25)}.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ}: المراد بالصد هنا الاستمرار، لا مجرد الاستقبال فصح بذلك عطفه على الماضي. ويجوز أن تكون الواو في: {وَيَصُدُّونَ} واو الحال أي كفروا والحال أنهم يصدون. والمراد بالصد المنع عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي دينه. فالمعنى يمنعون من أراد الدخول في دين اللّه.
{وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ} معطوف على سبيل اللّه.
قيل: المراد به المسجد نفسه كما هو الظاهر من هذا النظم القرآني.
وقيل: الحرم كله لأن المشركين صدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأصحابه عنه يوم الحديبية. وقيل: المراد به مكة، بدليل قوله: {الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً}: أي جعلناه للناس على العموم يصلون فيه ويطوفون به، مستويا فيه.
{الْعاكِفُ}: هو المقيم فيه الملازم له. {وَالْبادِ}: أي الواصل من البادية، والمراد به الطارئ عليه من غير فرق بين كونه من أهل البادية، أو من غيرهم.
قال القرطبي: وأجمع الناس على الاستواء في المسجد الحرام نفسه، واختلفوا في مكة.
فذهب مجاهد ومالك إلى أن دور مكة ومنازلها يستوي فيها المقيم والطارئ.
وذهب عمر بن الخطاب وابن عباس وجماعة إلى أن للقادم أن ينزل حيث وجد وعلى رب المنزل أن يؤويه شاء أم أبى.
وذهب الجمهور إلى أن دور مكة ومنازلها ليست كالمسجد الحرام ولأهلها منع الطارئ من النزول فيها.
والحاصل أن الكلام في هذا راجع إلى أصلين:
الأول: ما في هذه الآية هل المراد بالمسجد نفسه؟ أو جميع الحرم؟ أو مكة على الخصوص.
والثاني: هل كان فتح مكة صلحا؟ أو عنوة؟ وعلى فرض أن فتحها كان عنوة، فهل أقرها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في أيدي أهلها على الخصوص؟ أو جعلها لمن نزل بها على العموم؟
وقد أوضح الشوكاني رحمه اللّه هذا في شرحه نيل الأوطار على منتقى الأخبار بما لا يحتاج الناظر فيه إلى زيادة.