فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



عرض لصورة من صور الإحياء، والبعث، يراها أولو الأبصار، حالا بعد حال، فيما يسفر عنه وجه الأرض، من حياة متجددة عليها، ومن أثواب تلبسها، وحلى تتحلى بها، بعد أن كانت أرضا مواتا، لا معلم من معالم الحياة فيها..
فهذه الأرض الجديب القفر، يأخذها الإنسان بنظره اليوم، فإذا هي- كما يرى- موات في موات، وصمت موحش رهيب، كصمت القبور.. ثم إذا أصابها الماء، وغاثها الغيث، {اهْتَزَّتْ} هزّة الحياة، ونبضت عروقها، وسرت الروح في أوصالها.. {وَرَبَتْ} ونمت كما ينمو الطفل.. {وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} فإذا كرّ الناظر إليها بصره كرّة أخرى، رأى هذا الموات قد أصبح حياة مزهرة مثمرة، تملأ العين بهجة ومسرّة.
فماذا إذن ينكره المنكرون من بعث الموتى؟ وهل هذه القبور وما ضمّت عليه من جثث وأشلاء ورفات، تتراءى فيها صور الآدميين الذين عمروها- هل هذه القبور أبعد من بعث الحياة فيها، وإخراج خبئها- من الأرض الجديب الميتة، التي أحياها اللّه، فاهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج؟ ذلك ما لا يقبله عقل، ولا يرضاه منطق!.
تلك هى قضية البعث.. وهذه هى حيثياتها، يجدها الإنسان في نفسه هو، من مولده إلى مماته.. فإن أعياه النظر إلى نفسه، وجدها في الأرض التي يمشى عليها.. فإن عمى عن هذا وذاك، فهيهات أن يرى وجه الحقّ أبدا.
فإن ذلك العمى من عمى القلب، الذي ليس لمصاب به شفاء، واللّه سبحانه وتعالى يقول: {فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [46: الحج]..
وهنا نحبّ أن نقف وقفة مع عملية الخلق وبعث الحياة في المخلوقات.
فهذه العملية، عملية الخلق، هى مما استأثر اللّه سبحانه وتعالى به، ليس لأحد من مخلوقاته أن يكون له معه شركة فيه.. وفي هذا يقول اللّه تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [54: الأعراف].. هكذا على سبيل القصر.. فللّه وجه- بلا مشاركة- الْخَلْقُ وهو الإيجاد، والتصوير، وبعث الحياة في الموجودات والمصوّرات.. وَالْأَمْرُ وهو التقدير، لخلق ما يخلق وتصوير ما يصور.. {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}.
هذا، وتتطلع الإنسانية دائما إلى كشف هذا السرّ- سرّ الحياة- ويحاول العلماء والباحثون أن يصلوا إلى تلك الحقيقة، وأن يضبطوا قوانينها، وأن يضعوا أيديهم عليها، حتى يكون لهم أن يخلقوا ما يشاءون من مخلوقات، وأن يتحكموا فيما يخلقون.. من إناث أو ذكور، على اختلاف الألوان والصور!.
وقد أجرى كثير من العلماء تجارب عديدة في هذا المجال، وزرعوا واستنبتوا في مخابرهم خمائر للحياة.. ولَكِن ذلك كلّه لم يصل بهم إلى شيء مما أرادوا، وكلّ ما أمسكوا به في أيديهم، هو صور باهتة، إن دلّت على شيء، فإنما تدلّ على تأكيد هذه الحقيقة، وهي أن {الخلق} للّه وحده، وأن غاية العلم، لا تتجاوز أبدا أكثر من هذه الوقفة على شاطىء الحياة، بعيدا عن لمس بحرها العميق..
إن كلّ ما يجريه العلماء من بحوث، وما يضعونه من موادّ في مخابيرهم وأنابيبهم، هو من عناصر الحياة نفسها، التي خلقها الخالق جلّ وعلا.. وأن هذه الأطياف من الحياة التي تطلّ على العلماء من مخابيرهم وأنابيبهم، إنما هي من بذور الحياة التي أوجدها الخالق، وقدّر لها سبلا تسلكها، لتثمر ثمر الحياة، فغيّر العلماء سبيلها، وعدلوا بها عن طريقها المرسوم، الذي خطّته لها القدرة الإلهية..!
فإذا نجح العلم في هذا التدبير، واستطاع أن يصل إلى شيء من صور الخلق- وهيهات- فإن ذلك لا يعدو أن يكون نبتة من نبات تلك البذرة التي أوجدها الخالق، وكل ما كان من العلم والعلماء، هو أشبه بنقل نبات من تربة غير تربته، واستنبات نوع من النبات في غير موطنه.
والذي نحبّ أن ننبه إليه هنا، هو أن الإسلام- شريعة وعقيدة- لا ينظر إلى تلك المحاولات التي يحاولها العلم في حقل الحياة- نظرة متكرهة أو معادية، بل إنه يزكّى هذا البحث العلمي، ويطلق للإنسان العنان في البحث والدرس، وإجراء ما يشاء من التجارب في عملية الخلق، فهذا كله قراءة في كتاب الكون، وتأمل وتدبّر في آيات اللّه.. وما يصل إليه الإنسان من كشوف علمية، وحقائق كونية، هو منظور إليه من جانب الإسلام على أنّه رسالة العلم، في الكشف عن قدرة اللّه، وعلمه، وحكمته.. الأمر الذي يفتح للناس الطريق إلى الإيمان باللّه، ويجلّى عن عقولهم وقلوبهم غياهب الشك والشرك والإلحاد.. وهنا يمكن أن يقوم العلم في الدعوة إلى اللّه، مقام الرسل والأنبياء!..
ومن جهة أخرى، فإن العلماء الذين يبلغ بهم علمهم هذا المدى الذي يطلعون منه على الناس بهذه الآيات المعجزة- هؤلاء العلماء هم في الواقع آية من آيات اللّه.. فما هم إلا صنعة الخالق، الذي خلق فسوّى، فجعل من ابن الماء والطين، هذه القوة القادرة على أن تجىء بهذا الإعجاز العظيم..
فمر حى بالعلم، ومزيدا من آياته ومعجزاته.. فحصاد هذا كلّه، وثمر هذا كله، عائد إلى الإنسان، في حياته المادية والعقلية والروحية.. وما كان لدين- أي دين- أن يعطل ملكات الإنسان، أو يقيد يديه عن العمل في كل مجال يستطيع العمل فيه- سواء أخطأ أم أصاب، مادام يطلب الخير، ويلقى إليه، بشباكه في الأرض أو في السماء..!
على أن هناك حقيقة، نودّ أن نضعها بين يدى العلماء، دون أن نقطع الطريق عليهم فيما هم سائرون إليه، نحو البحث عن الحياة، واستيلاد الأحياء، أو خلقهم، ودون أن ندخل اليأس عليهم، ونوصد في وجههم هذا الباب..
فنحن وإن كنا على يقين بأن العلم- في عالم البشر- لن يخلق الحياة أبدا، فإننا ندعو إلى مزيد من البحث والانطلاق في هذا المجال إلى أبعد غاية، فإن هذا البحث- في الواقع- لن يضيع هباء، بل إنه سينمّى معارف الإنسان، ويزيده علما إلى علم..
ومن يدرى؟ فلعل العلماء إذا أخطأهم الوصول إلى الحياة وفاتهم الحصول على سرّها، لعلهم يجدون في طريقهم أسرارا أخرى، هى أجدى على الإنسانية وأنفع لها، فيما يدفع عن هذه الحياة ما يعانيه الناس من غوائل الأوبئة والأمراض..
أما الحقيقة التي أريد أن أصارح العلماء بها، فهى ما صرّح به القرآن الكريم في الجزء الأخير من هذه السورة، وهو قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}.
فهذه آية متحدّية، للناس، ولما يعبد الناس من مخلوقين يرونهم آلهة، بما في أيديهم من سلطان مادى أو روحى..
فالناس، فردا فردا، وجماعة جماعة.. {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبابًا}.. وهو أضأل المخلوقات وأضعفها.. {وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}.. واحتشدوا له من أقطار الأرض كلها، وجاءوا بكل ما معهم من علم..
والذباب لا يعدو أن يكون دودة متخلّقة من مخلقات المواد القذرة والمتعفنة، فهو- بهذه الصورة- أدنى مراتب الحياة، وأنزل منازلها.. ومع هذا فإن الناس كلهم لن يخرج من أيديهم بكل ما معهم من علم، أن يخلقوا ذبابة واحدة! وأكثر من هذا، فإن هذا الذباب الذي عجزوا عن خلقه، هو- في حال من أحواله- أقوى منهم، وأقدر على الكيد لهم.. وأنه إذا سلبهم سيئا لا يستنقذونه منه، ولا يستطيعون له ردّا..
والذباب أنواع كثيرة.. منه الذباب المعروف، ومنه ذباب الفاكهة، ومنه الزنابير وغيرها..
فهب أن طائفة من هذه الطوائف، خلت بطعام فالتهمته، أو وقعت على شجرة من أشجار الفاكهة فأتت عليها- أيكون في مستطاع أحد أن يستردّ ما أكل الذباب؟ ذلك محال..
وفي التعبير عن أكل الذباب بالسلب إشارة إلى أن ما أكله لم يكن عن رضى من أصحاب هذا المأكول.. فهو أشبه بالسلب والغصب، وفي هذا إظهار لضعف الإنسان، ووقوعه تحت بأس هذا المخلوق الضعيف، الذي يعدّ أضعف ما خلق اللّه، في عالم الأحياء! وفي قوله تعالى: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} تعريض بالإنسان، وبغروره الذي يخيّل إليه أنه يخرق الأرض أو يبلغ الجبال طولا.. إنه والذباب على سواء، كلاهما عاجر ضعيف.. وإن كان الذباب- في بعض الأحوال- أقوى منه، وأقدر على الكيد له! وليس هذا التصوير لضعف الإنسان، استخفافا به، وإطفاء لجذوة الطموح المتّقدة في كيانه، وإنما هو استشفاء للإنسان من داء الغرور، الذي كثيرا ما يستبدّ به، ويفسد عليه وجوده، فإذا هو- وقد استوى على ظهر الغرور- قوة غاشمة، وإعصار مجنون، وعاصفة هو جاء، تهلك الحرث والنسل، حتى إذا انطلقت إلى غايتها دارت حول نفسها دورة، ثم هوت كما تهوى الصاعقة في الوحل والطين! إن الإسلام ليستقبل كل ما يفتح به العلم للناس من أسرار الوجود، في حفاوة وإعزاز، إذ كان ذلك- كما قلنا- هو الطريق المستقيم إلى اللّه، وهو الذي يقيم العقول والقلوب على الإيمان باللّه، إيمانا مصفّى من كل ريب، مبرأ من كل ضعف.. فهذا الكون هو كتاب مفتوح لكل ناظر، وآيات اللّه المبثوثة في هذا الوجود، هى مراد لأنظار العلماء، ومسبح لخواطرهم ومداركهم..
وليس على أحد حرج في أن ينظر في الكون كيف يشاء، ويسبح في الوجود حيث يريد.. بل إن هذا الوجود لا يحسن التعامل معه، ولا يقطف من جنى ثمره الطيب، إلا أهل العلم والمعرفة، وأنه على قدر ما يبلغ الإنسان من العلم يكون حظه من التلقي والانتفاع بهذا الخير المخبوء في صدر الكون.. واللّه سبحانه وتعالى يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ} [43:العنكبوت].
ومرة أخرى.. مرحّى بالعلم، ومزيدا من جهاد العلماء، ومن فتوحاتهم في آفاق هذا الوجود، الذي على الرغم من هذا السعى الجادّ لكشف أسراره، وعلى الرغم مما يبذل العلماء في كل عصر، وفي كل أمة من جهود مضنية وتضحيات سخية في هذا المجال- فإن الإنسانية ما زالت على الشاطئ بعد، لم تكد تبتلّ أقدمها من بحر المعرفة.. واللّه سبحانه وتعالى يقول: {وما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [85: الاسراء]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يا أيها الناس إِن كُنتُمْ في رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خلقناكم مِّن تُرَابٍ}.
أعاد خطاب الناس بعد أن أنذرهم بزلزلة الساعة، وذكر أن منهم من يجادل في الله بغير علم، فأعاد خطابهم بالاستدلال على إمكان البعث وتنظيره بما هو أعظم منه.
وهو الخلق الأول.
قال تعالى: {أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد} [ق: 15].
فالذي خلق الإنسان من عدم وأخرجه من تراب، ثم كونه من ماء.
ثم خلقه أطوارًا عجيبة، إلى أن يتوفاه في أحوال جسمه وفي أحوال عقله وإدراكه، قادر على إعادة خلقه بعد فنائه.
ودخول المشركين بادىء ذي بدء في هذا الخطاب أظهر من دخولهم في الخطاب السابق لأنهم الذين أنكروا البعث، فالمقصود الاستدلال عليهم ولذلك قيل إن الخطاب هنا خاص بهم.
وجُعل ريْبهم في البعث مفروضًا بـ إن الشرطية مع أن ريبهم محقق للدلالة على أن المقام لما حف به من الأدلة المبطلة لريبهم ينزل منزلة مقام من لا يتحقق ريبُه كما في قوله تعالى: {أفنضرب عنكم الذكر صفحًا أنّ كنتم قوما مسرفين} [الزخرف: 5].
والظرفية المفادة بـ في مجازية.
شبهت ملابسة الريب إياهم بإحاطة الظرف بالمظروف.
وجملة {فإنا خلقناكم من تراب} واقعة موقع جواب الشرط ولَكِنها لا يصلح لفظها لأن يكون جوابًا لهذا الشرط بل هي دليل الجواب، والتقدير: فاعلموا أو فنعلمكم بأنه ممكن كما خلقناكم من تراب مثل الرُّفات الذي تصير إليه الأجساد بعد الموت، أو التقدير: فانظروا في بدء خلقكم فإنا خلقناكم من تراب.
والذي خُلق من تراب هو أصل النوع، وهو آدم عليه السلام وحواء، ثم كونت في آدم وزوجه قوة التناسل، فصار الخلق من النطفة فلذلك عطفت بـ ثم.
والنطفة: اسم لمنّي الرجل، وهو بوزن فُعلة بمعنى مفعول، أي منطوف، والنَطْف: القطر والصب.
والعلقة: القطعة من الدم الجامد اللين.
والمضغة: القطعة من اللحم بقدر ما يُمضغ مثله، وهي فعلة بمعنى مَفعولة بتأويل: مقدار ممضوغة.
و ثم التي عطف بها {ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة} عاطفة مفردات فهي للتراخي الحقيقي.
و مِن المكررة أربع مرات هنا ابتدائية وتكريرها توكيد.
وكون الإنسان مخلوقًا من النطفة لأنه قد تقرر في علم الطب أن في رحم المرأة مُدة الحيض جزءًا هو مقر الأجرام التي أعدت لأن يتكون منها الجنين، وهذا الجُزء من الرحم يسمى في الاصطلاح الطبي المَبِيض بفتح الميم وكسر الموحدة على وزن اسم المكان لأنه مقر بَيضات دقيقة هي حُبيبات دقيقة جدًّا وهي من المرأة بمنزلة البيضة من الدجاجة أو بمنزلة حبوب بيض الحوت، مودعة في كرة دقيقة كالغِلاف لها يقال لها الحُويصلة بضم الحاء بصيغة تصغير حَوصلة تشتمل على سائل تسبح فيه البيضة فإذا حاضت المرأة ازدادت كمية ذلك السائل الذي تسبح فيه البيضة فأوجب ذلك انفجار غلاف الحُويصلة، فيأخذ ذلك السائل في الانحدار يَحمل البيضة السابحة فيه إلى قناة دقيقة تسمى بوق فلوبيوس لشبهه بالبُوق، وأضيف إلى فلوبيوس اسم مكتشفه وهو البزرخ بين المَبِيض والرحم، فإذا نزل فيه ماء الرجل وهو النطفة بعد انتهاء سيلان دم الحيض لقحت فيه البيضة واختلطت أجزاؤها بأجزاء النطفة المشتملة على جرثومات ذات حياة وتمكث مع البيضة متحركة مقدار سبعة أيام تكون البيضة في أثنائها تتطور بالشكل بشِبه تقسيم من أثر ضغط طبيعي.
وفي نهاية تلك المدة تصل البيضة إلى الرحم وهنالك تأخذ في التشكل، وبعد أربعين يوما تصير البيضة عَلَقة في حجم نملة كبيرة طولها من 12 إلى 14 مليمتر، ثم يزداد تشكلها فتصير قطعة صغيرة من لَحم هي المسماة مُضغة طولها ثلاثة سنتيمتر تلوح فيها تشكلات الوجه والأنف خفيّة جدًّا كالخطوط، ثم يزداد التشكل يوما فيوما إلى أن يستكمل الجنين مدته فيندفعَ للخروج وهو الولادة.
فقوله تعالى: {مخلقة وغير مخلقة} صفة {مضغة}.
وذلك تطور من تطورات المضغة.
أشار إلى أطوار تشكل تلك المضغة فإنها في أول أمرها تكون غير مخلّقة، أي غير ظاهر فيها شَكل الخِلقة، ثم تكون مخلّقة، والمراد تشكيل الوجه ثم الأطراف، ولذلك لم يُذكر مثل هذين الوصفين عند ذكر النطفة والعلقة، إذ ليس لهما مثل هذين الوصفين بخلاف المضغة.
وإذْ قد جعلت المضغة من مبادئ الخلق تعيّن أن كلا الوصفين لازِمان للمضغة، فلا يستقيم تفسير من فسّر غير المخلقة بأنها التي لم يكمل خلقها فسقطت.
والتخليق: صيغة تدل على تكرير الفعل، أي خلقًا بعد خلق، أي شكلًا بعد شكل.
وقُدم ذكر المخلقة على ذكر غير المخلقة على خلاف الترتيب في الوجود لأن المخلقة أدخل في الاستدلال، وذُكر بعده غير المخلقة لأنه إكمال للدليل وتنبيه على أن تخليقها نشأ عن عدم.
فكلا الحالين دليل على القدرة على الإنشاء وهو المقصود من الكلام.
ولذلك عقب بقوله تعالى: {لنبين لكم}، أي لنظهر لكم إذا تأملتم دليلًا واضحًا على إمكان الإحياء بعد الموت.