فصل: تفسير الآيات (6- 10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



(3) نظرا لدقة حجم الحبيبات الصلصالية والتي لايتعدي قطرها واحد على 256 من الملليمتر أي اقل من 0.004- من الملليمتر وهي المكون الرئيسي لتربة الأرض، فان اختلاط الماء بتلك التربة يحولها الي الحالة الفردية وهي حالة تتدافع فيها جسيمات المادة بقوة، وبأقدار غير متساوية في كل الاتجاهات، وعلي كل المستويات في حركة دائبة تعرف باسم الحركة البراونية نسبة الي مكتشفها، وهي من عوامل اهتزاز التربة بشدة وانتفاضها، وكلما كان الماء المختلط بالتربة وفيرا باعد لمسافات اكبر بين حبيبات التربة، وزاد من سرعة حركتها.
(4) تتكون المعادن الصلصالية أساسا من سيليكات الألومنيوم المميأة، وهذا المركب الكيميائي له قدرة على احلال بعض ذرات الألومنيوم بذرات قواعد اخري مثل المغنيسيوم والكالسيوم، وكنتيجة لاحلال ذرات الألومنيوم بذرات غيرها من العناصر ترتبط بعض الأيونات الموجبة الشحنة مثل الصوديوم والكالسيوم على حواف وأسطح راقات الصلصال لمعادلة الشحنات السالبة الناتجة عن احلال ذرة الألومنيوم الثلاثية التكافؤ بذرة الكالسيوم أو المغنيسيوم الثنائية التكافؤ.
والأيونات الموجبة مثل ايونات الصوديوم والكالسيوم سهلة الاحلال بقواعد اخري مما يحدث اهتزازا عنيفا في مكونات رقائق الصلصال في وجود جزئ الماء القطبي الكهربية.
(5) ان العمليات المعقدة التي كونت تربة الأرض عبر ملايين السنين أثرتها بالعديد من العناصر والمركبات الكيميائية اللازمة لحياة النباتات الأرضية، كما ان الكائنات الحية الدقيقة والكبيرة التي أسكنها الله-تعالى- تربة الأرض لعبت ولاتزال تلعب دورا هاما في إثرائها بالمركبات العضوية وغير العضوية، وعند نزول جزيئات الماء ذات القطبية الكهربية، واذابتها لمكونات التربة فان ذلك يؤدي الي تأين تلك المكونات، والي تنافر الشحنات المتشابهة على أسطح رقائق الصلصال وفي محاليل المياه مما يؤدي الي انتفاض تلك الرقائق واهتزازها بشدة.
(6) تحمل الرياح، والطيور، والحشرات، والكائنات الدقيقة الي التربة بذور العديد من النباتات خاصة مما يسمي بالبذور المجنحة والأبواغ والجراثيم وحبوب اللقاح التي تحملها الرياح لمسافات بعيدة، وعندما ينزل الماء على التربة الأرضية وتستقي منه تلك البقايا النباتية القابلة للإنبات مثل البذور فتنشط اجنتها، وتتغذي على المواد المذابة في مياه التربة فانها تنمو، وتندفع جذورها الي أسفل مكونة المجموعات الجذرية لتلك النابتات، وتندفع سويقاتها ريشتها الي أعلي مسببة اهتزازات عنيفة لمكونات التربة.
(7) مع ازدياد هطول الماء على التربة تنتعش كل صور الحياة فيها من البكتريا، والفطريات، والطحالب، وغيرها، كما تغلظ المجموعات الجذرية للنباتات القائمة على سطح الأرض، ويؤدي النشاط الحيوي لكل من هذه الكائنات الي زيادة حجم التربة، والي زيادة الأنشطة الكيميائية والفيزيائية فيها مما يؤدي الي انتفاض مكوناتها واهتزازها، وربوها، وكثرة الإنبات فيها، وقد صورت هذه المراحل بالتصوير البطئ واثبتت الصور صدق القرآن الكريم، في كل ماأشار إليه في هذه القضية.
وهذه حقائق لم يدركها الإنسان إلا في العقود القليلة الماضية، وورودها في كتاب الله المنزل من قبل الف وأربعمائة سنة بهذه الدقة العلمية، والتسلسل التطبيقي، المنطقي..... {وترى الأرض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج} (الحج:5) وتكرار المعني في مقام آخر من كتاب الله حيث يقول-عز من قائل-:
{ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي احياها لمحيي الموتي انه على كل شيء قدير} [فصلت:39].
ان هذا كله لمن أبلغ الدلائل على أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق، وان هذا النبي الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بوحي السماء، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض فالحمد لله الذي انزل القران بعلمه، على خاتم انبيائه ورسله، وتعهد بحفظه فحفظه على مدي اربعة عشر قرنا أو يزيد، وانزل فيه قوله الحق مخاطبا نبيه الخاتم ورسوله الخاتم فيقول-عز من قائل-: {لَكِن الله يشهد بما أنزل اليك انزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفي بالله شهيدا} [النساء:166].
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، سيد الأولين والآخرين، وامام النبيين والمرسلين، وهادي الخلق اجمعين الي الدين القويم، من لدن بعثته الشريفة والي يوم الدين وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته في الأولين والآخرين. اهـ.

.تفسير الآيات (6- 10):

قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قرر سبحانه هذين الدليلين، رتب عليهما ما هو مطلوب والنتيجة فقال على طريق التعليل: {ذلك} أي الذي تقدم من الأمر بالتقوى، والترهيب من جلال الله بالحشر، والاستدلال عليه بالتصرف في تطوير الإنسان والنبات إلى ما في تضاعيفه من أنواع الحكم وأصناف اللطائف {بأن} أي بسبب أن تعلموا أن {الله} أي الجامع لأوصاف الكمال {هو} أي وحده {الحق} أي الثابت أتم الثبات، بحيث يقتضي ذلك أنه يكون كل ما يريد، فإنه لا ثبات مع العجز {وأنه يحيي الموتى} أي القادر على ذلك بأنه- كما سيأتي- هو العلي الكبير {وأنه على كل شيء} من الخلق وغيره {قدير} {إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون} [يس: 82] {وأن الساعة} التي تقدم التحذير منها، وهي وقت حشر الخلائق كلهم {آتية لا ريب فيها} بوجه من الوجوه لما دل عليها مما لا سبيل إلى إنكاره بقول من لا مرد لقوله، وهو حكيم فلا يخلف ميعاده، ولا يسوغ بوجه أن يترك عباده بغير حساب {وأن الله} لما له من الجلال والحكم {يبعث} بالإحياء {من في القبور} لحضوره والفصل بينهم فيها في كل ما اختلفوا فيه لأن ذلك من العدل الذي أمر به، وبه يظهر كثير من صفاته سبحانه أتم الظهور، والحاصل أن المراد أنه سبحانه قال ما تقدم وفعل ما ذكر من إيجاد الإنسان والنبات في هذه الأطوار ليعلم أنه قادر على هذه الأمور وعلى كل شيء {ومن} أي فمن الناس الذين كانوا قد وقفوا عن الإيمان قبل هذا البيان من آمن عند سماع هذه القواطع، ومن {الناس} وهم ممن اشتد تكاثف طبعه {من يجادل} أي بغاية جهده {في الله} أي في قدرته وما يجمعه هذا الاسم الشريف من صفاته بعد هذا البيان الذي لا مثل لهه ولا خفاء فيه {بغير علم} أتاه عن الله على لسان أحد من أصفيائه أعم من أن يكون كتابًا أو غيره {ولا هدى} أرشده إليه من عقله أعم من كونه بضرورة أو استدلال {ولا كتاب منير} صح لديه أنه من عند الله، ومن المعلوم أنه بانتفاء هذه الثلاثة لا يكون جداله إلا بالباطل {ثاني عطفه} أي رخي البال معرضًا متكبرًا متماثلًا لاويًّا عنقه لذلك كما قال تعالى: {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرًا} [لقمان: 7] والعطف في الأصل الجانب وموضع الميل.
ولما دل السياق على أنه أكثف الأقسام طبعًا، عبر عن قصده بقوله: {ليضل} أي غيره {عن سبيل الله} إفهامًا لذلك، لأن هذا لا يقصده عاقل، فالقسم الأول تابع ضال، وهذا داع لأهل الضلال، هذا على قراءة الضم للجمهور، وعلى قراءة الفتح لابن كثير وأبي عمرو ورويس عن يعقوب بخلاف عنه من ضل، تكون من باب التهكم كما تقدم غير مرة، أي إنه من الحذق بحيث لا يذهب عليه أن هذا ضلال، فما وصل إليه إلا بقصده له.
ولما ذكر فعله وثمرته، ذكر ما أعد له عليه فقال: {له في الدنيا خزي} اي إهانة وذل وإن طال زمن استدراجه بتنعيمه «حق على الله أن لا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه» {ونذيقه} أي بما لنا من العظمة {يوم القيامة} الذي يجمع فيه الخلائق بالإحياء بعد الموت {عذاب الحريق} أي بجعله يحس بألم العذاب بالحريق كما يحس الذائق بالشيء كما أحرق قلوب المهتدين بجداله بالباطل، ويقال حقيقة أو مجازًا: {ذلك} أي العذاب العظيم {بما} أي بسبب ما {قدمت يداك} أي بعملك، ولَكِنه جرت عادة العرب أن تضيف الأعمال إلى اليد لأنها آلة أكثر العمل، وإضافة ما يؤدي إليهما أنكأ {وأن} أي وبسبب أن {الله} أي الذي له الكمال كله {ليس بظلام} أي بذي ظلم ما {للعبيد} ولو ترككم بغير ذلك لكان في مجاري عاداتكم ظلمًا أولًا بتسوية المحسن بالمسيء، وثانيًّا بترك الانتصار للذين عادوك فيه وأذيتهم من أجله، ويجوز أن تكون الصيغة للمبالغة لتفهم أنه لو تركه لكان الظلم، وذلك في غاية البعد عن حكمته... ونفي أصل الظلم من آياته الباهرة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى}.
والحق هو الموجود الثابت فكأنه سبحانه بين أن هذه الوجوه دالة على وجود الصانع وحاصلها راجع إلى أن حدوث هذه الأمراض المتنافية وتواردها على الأجسام يدل على وجود الصانع وثانيها: قوله تعالى: {وأنه يحيي الموتى} فهذا تنبيه على أنه لما لم يستبعد من الإله إيجاد هذه الأشياء فكيف يستبعد منه إعادة الأموات وثالثها: قوله: {وَأَنَّهُ على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} يعني أن الذي يصح منه إيجاد هذه الأشياء لابد وأن يكون واجب الإنصاف لذاته بالقدرة ومن كان كذلك كان قادرًا على جميع الممكنات ومن كان كذلك فإنه لابد وأن يكون قادرًا على الإعادة ورابعها: قوله: {وَأَنَّ الساعة ءاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي القبور} والمعنى أنه لما أقام الدلائل على أن الإعادة في نفسها ممكنة وأنه سبحانه وتعالى قادر على كل الممكنات وجب القطع بكونه قادرًا على الإعادة في نفسها، وإذا ثبت الإمكان والصادق أخبر عن وقوعه فلابد من القطع بوقوعه، واعلم أن تحرير هذه الدلالة على الوجه النظري أن يقال الإعادة في نفسها ممكنة والصادق أخبر عن وقوعها فلابد من القطع بوقوعها، أما بيان الإمكان فالدليل عليه أن هذه الأجسام بعد تفرقها قابلة لتلك الصفات التي كانت قائمة بها حال كونها حية عاقلة والبارئ سبحانه عالم بكل المعلومات قادر على كل المقدورات الممكنة وذلك يقتضي القطع بإمكان الإعادة لما قلنا إن تلك الإجسام بعد تفرقها قابلة لتلك الصفات لأنها لو لم تكن قابلة لها في وقت لما كانت قابلة لها في شيء من الأوقات لأن الأمور الذاتية لا تزول، ولو لم تكن قابلة لها في شيء من الأوقات لما كانت حية عاقلة في شيء من الأوقات، لَكِنها كانت حية عاقلة فوجب أن تكون قابلة أبدًا لهذه الصفات.
وأما أن البارىء سبحانه يمكنه تحصيل ذلك الممكن فلأنه سبحانه عالم بكل المعلومات فيكون عالمًا بأجزاء كل واحد من المكلفين على التعيين وقادرًا على كل الممكنات، فيكون قادرًا على إيجاد تلك الصفات في تلك الذوات.
فثبت أن الإعادة في نفسها ممكنة وأنه سبحانه يمكنه تحصيل ذلك الممكن.
فثبت أن الإعادة ممكنة في نفسها.
فإذا أخبر الصادق عن وقوعها فلابد من القطع بوقوعها، فهذا هو الكلام في تقرير هذا الأصل.
فإن قيل فأي منفعة لذكر مراتب خلقة الحيوانات وخلقة النبات في هذه الدلالة؟ قلنا إنها تدل على أنه سبحانه قادر على كل الممكنات وعالم بكل المعلومات، ومتى صح ذلك فقد صح كون الإعادة ممكنة فإن الخصم لا ينكر المعاد إلا بناء على إنكار أحد هذين الأصلين، ولذلك فإن الله تعالى حيث أقام الدلالة على البعث في كتابه ذكر معه كونه قادرًا عالمًا كقوله: {قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 79] فقوله: {قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا} بيان للقدرة وقوله: {وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} بيان للعلم والله أعلم.
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8)}.
القراءة: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} بكسر العين الحسن وحده بفتح العين {لِيُضِلَّ} قرئ بضم الياء وفتحها القراءة المعروفة {وَنُذِيقُهُ} بالنون وقرأ زيد بن علي {أذيقه} المعاني في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اختلفوا في أن المراد بقوله: {وَمِنَ الناس مَن يجادل في الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شيطان مَّرِيدٍ} [الحج: 3] من هم؟ على وجوه: أحدها: قال أبو مسلم الآية الأولى وهي قوله: {وَمِنَ الناس مَن يجادل في الله بِغَيْرِ عِلْمٍ} ويتبع كل شيطان مريد واردة في الأتباع المقلدين وهذه الآية واردة في المتبوعين المقلدين، فإن كلا المجادلين جادل بغير علم وإن كان أحدهما تبعًا والآخر متبوعًا وبين ذلك قوله: {وَلا هدًى وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ} فإن مثل ذلك لا يقال في المقلد، وإنما يقال فيمن يخاصم بناء على شبهة، فإن قيل: كيف يصح ما قلتم والمقلد لا يكون مجادلًا؟ قلنا قد يجادل تصويبًا لتقليده وقد يورد الشبهة الظاهرة إذا تمكن منها وإن كان معتمده الأصلي هو التقليد وثانيها: أن الآية الأولى نزلت في النضر بن الحرث، وهذه الآية في أبي جهل وثالثها: أن هذه الآية نزلت أيضًا في النضر وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وفائدة التكرير المبالغة في الذم وأيضًا ذكر في الآية الأولى اتباعه للشيطان تقليدًا بغير حجة، وفي الثانية مجادلته في الدين وإضلاله غيره بغير حجة والوجه الأول أقرب لما تقدم.
المسألة الثانية:
الآية دالة على أن الجدال مع العلم والهدى والكتاب المنير حق حسن على ما مر تقريره.
المسألة الثالثة:
المراد بالعلم العلم الضروري، وبالهدى الاستدلال والنظر لأنه يهدي إلى المعرفة وبالكتاب المنير الوحي، والمعنى أنه يجادل من غير مقدمة ضرورية ولا نظرية ولا سمعية وهو كقوله: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا وما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} [الحج: 71] وقوله: {ائتونى بكتاب مّن قَبْلِ هذا} [الأحقاف: 4] أما قوله: {ثَانِىَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله} فاعلم أن ثنى العطف عبارة عن الكبر والخيلاء كتصعير الخد ولي الجيد وقوله: {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله} فأما القراءة بضم الياء فدلالة على أن هذا المجادل فعل الجدال وأظهر التكبر لكي يتبعه غيره فيضله عن طريق الحق فجمع بين الضلال والكفر وإضلال الغير.
وأما القراءة بفتح الياء فالمعنى أنه لما أدى جداله إلى الضلال جعل كأنه غرضه، ثم إنه سبحانه وتعالى شرح حاله في الدنيا والآخرة.
أما في الدنيا فيوم بدر روينا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهما نزلت في النضر بن الحرث وأنه قتل يوم بدر، وأما الذين لم يخصصوا هذه الآية بواحد معين قالوا المراد بالخزي في الدنيا ما أمر المؤمنون بذمه ولعنه ومجاهدته وأما في الآخرة فقوله: {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق} ثم بين تعالى أن هذا الخزي المعجل وذلك العقاب المؤجل لأجل ما قدمت يداه. قالت المعتزلة هذه الآية تدل على مطالب:
الأول: دلت الآية على أنه إنما وقع في ذلك العقاب بسبب عمله وفعله فلو كان فعله خلقًا لله تعالى لكان حينما خلقه الله سبحانه وتعالى استحال منه أن ينفك عنه، وحينما لا يخلقه الله تعالى استحال منه أن يتصف به، فلا يكون ذلك العقاب بسبب فعله فإذا عاقبه عليه كان ذلك محض الظلم وذلك على خلاف النص.
الثاني: أن قوله بعد ذلك {وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام لّلْعَبِيدِ} دليل على أنه سبحانه إنما لم يكن ظالمًا بفعل ذلك العذاب لأجل أن المكلف فعل فعلًا استحق به ذلك العقاب وذلك يدل على أنه لو عاقبه لا بسبب فعل يصدر من جهته لكان ظالمًا، وهذا يدل على أنه لا يجوز تعذيب الأطفال بكفر آبائهم.
الثالث: أنه سبحانه تمدح بأنه لا يفعل الظلم فوجب أن يكون قادرًا عليه خلاف ما يقوله النظام، وأن يصح ذلك منه خلاف ما يقوله أهل السنة.
الرابع: وهو أن لا يجوز الاستدلال بهذه الآية على أنه تعالى لا يظلم لأن عندهم صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم موقوفة على نفي الظلم فلو أثبتنا ذلك بالدليل السمعي لزم الدور والجواب: عن الكل المعارضة بالعلم والداعي. اهـ.