فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ}.
أخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما {ومن الناس من يعبد الله على حرف} قال: كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلامًا ونتجت خيله قال: هذا دين صالح؛ وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله، قال: هذا دين سوء.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان ناس من الإعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن، قالوا: إن ديننا هذا صالح فتمسكوا به؛ وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط، قالوا: ما في ديننا هذا خير. فأنزل الله {ومن الناس من يعبد الله على حرف}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: كان أحدهم إذا قدم المدينة- وهي أرض وبيئة- فإن صح بها جسمه ونتجت فرسه مهرًا حسنًا وولدت امرأته غلامًا، رضي به واطمأن إليه وقال: ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيرًا؛ وإن رجع المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة، أتاه الشيطان فقال: والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شرًّا. وذلك الفتنة.
وأخرج ابن مردويه من طريق عطية، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: «أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني. فقال: إن الإسلام لا يقال. فقال: لم أصب في ديني هذا خيرًا. ذهب بصري ومالي ومات ولدي...! فقال: يا يهودي، الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة ونزلت: {ومن الناس من يعبد الله على حرف}».
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} قال: على شك. وفي قوله: {فإن أصابه خير} قال: رخاء وعافية {اطمأن به} قال: استقر {وإن أصابته فتنة} قال: عذاب ومصيبة {انقلب على وجهه} قال: ارتد على وجهه كافرًا.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} قال: كان الرجل يأتي المدينة مهاجرًا، فإن صح جسمه وتتابعت عليه الصدقة وولدت امرأته غلامًا وأنتجت فرسه مهرًا، قال: والله لنعم الدين وجدت دين محمد صلى الله عليه وسلم هذا، ما زلت أعرف الزيادة في جسدي وولدي؛ وإن سقم بها جسمه واحتبست عليه الصدقة وأزلقت فرسه وأصابته الحاجة وولدت امرأته الجارية، قال: والله لبئس الدين دين محمد هذا، والله ما زلت أعرف النقصان في جسدي وأهلي وولدي ومالي.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} قال: على شك {فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه} يقول: إن أصاب خصبًا وسلوة من عيش وما يشتهي، اطمأن إليه وقال: أنا على حق وأنا أعرف الذي أنا عليه {وإن أصابته فتنة} أي بلاء {انقلب على وجهه} يقول: ترك ما كان عليه من الحق فأنكر معرفته، خسر الدنيا والآخرة. يقول: خسر دنياه التي كان لها يحزن وبها يفرح ولها يسخط ولها يرضى، وهي همه وسدمه وطلبته ونيته، ثم أفضى إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها خيرًا {فذلك هو الخسران المبين}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {يدعو من دون الله ما لا يضره} إن عصاه في الدنيا {وما لا ينفعه} إن أطاعه وهو الصنم {يدعو لمن ضره أقرب من نفعه} يقول: ضره في الآخرة من أجل عبادته إياه في الدنيا {لبئس المولى} يقول: الصنم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد {لبئس المولى ولبئس العشير} قال: الصاحب.
{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخرةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}.
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {من كان يظن أن لن ينصره الله} قال: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا {في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب} قال: فليربط حبلًا {إلى السماء} قال: إلى سماء بيته السقف {ثم ليقطع} قال: ثم يختنق به حتى يموت.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {من كان يظن أن لن ينصره الله} يقول: أن لن يرزقه الله {فليمدد بسبب إلى السماء} فليأخذ حبلًا فليربطه في سماء بيته فليختنق به {فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ} قال: فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق؟
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه {من كان يظن أن لن ينصره الله} قال: أن لن يرزقه الله {فليمدد بسبب إلى السماء} قال: بحبل بيته {ثم ليقطع} ثم ليختنق {فلينظر هل يذهبن كيده} ذلك {ما يغيظ} قال: ذلك خيفة أن لا يرزق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في الآية قال: من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه ويكابد هذا الأمر ليقطعه عنه، فليقطع ذلك من أصله من حيث يأتيه، فإن أصله في السماء {ثم ليقطع} أي عن النبي الوحي الذي يأتيه من الله إن قدر.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه في الآية قال: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا، فليجعل حبلًا في سماء بيته فليختنق به، فلينظر هل يغيظ ذلك إلا نفسه؟...
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {من كان يظن أن لن ينصره الله} يقول: من كان يظن أن الله غير ناصر دينه {فليمدد بحبل إلى السماء} سماء البيت فليختنق {فلينظر} ما يرد ذلك في يده. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ}.
قوله: {على حَرْفٍ}: حالٌ من فاعل {يَعْبُدُ} أي: مُتَزَلْزلًا. ومعنى {على حرف} أي: على شك أو على انحرافٍ، أو على طرفِ الدين لا في وسطه، كالذي يكونُ في طرف العَسْكَر: إنْ رأى خيرًا ثبت وإلاَّ فرَّ.
قوله: {خَسِرَ} قرأ العامَّةُ: {خَسِرَ} فعلًا ماضيًّا. وهو يحتملُ ثلاثةَ أوجهٍ: الاستئنافَ، والحاليةَ مِنْ فاعلِ، {انقلبَ}، ولا حاجةَ إلى إضمارِ {قد} على الصحيحِ، والبدليةُ مِنْ قوله: {انقلَبَ}، كما أبدل المضارعَ مِنْ مثِله في قوله: {يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ} [الفرقان: 69].
وقرأ مجاهدٌ والأعرجُ وابنُ محيصن والجحدري في آخرين {خاسِرَ} بصيغة اسم فاعلٍ منصوبٍ على الحال، وهي تؤيدُ كونَ الماضي في قراءة العامَّةِ حالًا. وقرئ برفعهِ. وفيه وجهان، أحدُهما: أَنْ يكونَ فاعِلًا بـ: {انقلبَ} ويكونُ مْنْ وَضْعِ الظاهرِ مَوْضِعَ المضمرِ أي: انقلب خاسرُ الدنيا. والأصلُ: انقلبَ هو. والثاني: أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي: هو خاسرُ. وهذه القراءة تُؤَيِّدُ الاستئنافَ في قراءة المُضِيِّ على التخريج الثاني. وحَقُّ مَنْ قرأ {خاسر} رفعًا ونصبًا أَنْ يَجُرُّ {الآخرةِ} لعطفِها على {الدنيا} المجرورِ بالإضافة. ويجوز أن يبقى النصبُ فيها؛ إذ يجوزُ أَنْ تكونَ {الدنيا} منصوبةً. وإنما حُذِفَ التنوينُ من {خاسر} لالتقاءِ الساكنين نحو قوله:
........................ ** ولا ذاكرَ اللهَ إلاَّ قليلا

قوله: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ}: فيه عشرةُ أوجه، وذلك أنَّه: إمَا بجَعْلِ {يَدْعُو} متسلِّطًا على الجملة مِنْ قوله: {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} أو لا. فإنْ جَعَلْنَاه مُتَسَلِّطًا عليها كان في سبعةُ أوجه، أحدها: أنَّ {يَدْعُو} بمعنى يقول، واللامُ للابتداء، ومن موصولةٌ في محلِّ رفعٍ بالابتدء. و{ضَرُّه} مبتدأ ثانٍ و{أقربُ} خبرُه. وهذه الجملةُ صلةٌ للموصول، وخبرُ الموصولِ محذوفٌ تقديرُه: يقول لَلَّذي ضَرُّه أقربُ من نَفْعِه إلهٌ أو إلهي أو نحوُ ذلك. والجملةُ كلُّها في محلٍّ نصبٍ بـ: {يَدْعُو} لأنَّه بمعنى يقول، فهي محكيَّةٌ به. وهذا قولُ أبي الحسنِ. وعلى هذا فيكون قوله: {لَبِئْسَ المولى} مستأنفًا ليس داخلًا في المَحْكيِّ قبلَه؛ لأنَّ الكفار لا يقولون في أصنامِهم ذلك. وقد رَدَّ بعضُهم هذا القولَ بأنه فاسدُ المعنى، والكافرُ لا يَعتقد في الأصنامِ أنَّ ضَرَّها أقربُ مِنْ نفعِها البتةَ.
الثاني: أنَّ {يَدْعُو} مُشَبَّهٌ بأفعالِ القلوب؛ لأنَّ الدعاء لا يَصْدُرُ إلاَّ عن اعتقادٍ، وأفعال القلوب تُعَلَّق، فـ: {يَدْعُو} مُعَلَّقٌ أيضًا باللام. ومن مبتدأٌ موصولٌ. والجملةُ بعده صلةٌ، وخبرُه محذوفٌ على ما مَرَّ في الوجهِ قبلَه.
والجملة في محلِّ نصبٍ، كما تكون كذلك بعد أفعالِ القلوب. الثالث: أَنْ يُضَمَّن يَدْعُو معنى يزعم، فيُعَلَّق كما يُعَلَّقُ، والكلامُ فيه كالكلامِ في الوجهِ الذي قبله. الرابع: أن الأفعالَ كلَّها يجوزُ أَنْ تُعَلَّق قلبيةً كانت أو غيرَها فاللامُ معلِّقَةٌ لـ: {يَدْعو}، وهو مذهبُ يونسَ. فالجملةُ بعده الكلامُ فيها كما تقدَّم.
الخامس: أنَّ {يَدْعُو} بمعنى يُسَمِّي، فتكونَ اللامُ مزيدةً في المفعولِ الأولِ وهو الموصولُ وصلتُه، ويكون المفعولُ الثاني محذوفًا تقديرُه: يُسَمِّي الذي ضَرُّه أقربُ مِنْ نفعِه إلهًا ومعبودًا ونحو ذلك. السادس: أنَّ اللامَ مُزالَةٌ مِنْ موضِعها. والأصلُ: يَدْعُو مَنْ لَضَرُّه أقربُ. فقُدِّمَتْ مِنْ تأخيرٍ. وهذا قولُ الفراء. وقد رَدُّوا هذا بأنَّ ما في صلةِ الموصولِ لا يتقدَّمُ على الموصولِ. السابع: أنَّ اللامَ زائدةٌ في المفعول به وهو من. والتقديرُ: يَدْعُو مَنْ ضَرُّه أقرب. فـ: من موصولٌ، والجملةُ بعدَها صلتُها، والموصولُ هو المفعولُ بـ: {يَدْعُو} زِيْدتْ فيه اللامُ كزيادتِها في قوله: {رَدِفَ لَكُم} [النمل: 72] في أحدِ القولين. وقد رُدَّ هذا بأنَّ زيادةَ اللام إنما تكونُ إذا كان العاملُ فَرْعًا، أو بتقديم المعمول. وقرأ عبد الله {يَدْعُو مَنْ ضَرُّه} بعيرِ لامِ ابتداءٍ، وهي مؤيدةٌ لهذا الوجهِ.
وإنْ لم تجعَلْه متسلِّطًا على الجملةِ بعدَه كان فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أظهرُها: أنَّ {يَدْعُو} الثاني توكيدٌ لـ: {يَدْعو} الأولِ فلا معمولَ له، كأنه قيل: يَدْعو يَدْعو مِنْ دونِ الله الذي لا يَضُرُّه ولا ينفعه.
وعلى هذا فتكونُ الجملةُ مِنْ قوله: {ذلك هُوَ الضلال} معترضةً بين المؤكَّدِ والتوكيدِ؛ لأنَّ فيها تَسْديدًا وتأكيدًا للكلام، ويكون قوله: {لَمَنْ ضَرُّهُ} كلامًا مستأنفًا. فتكونُ اللامُ للابتداء ومن موصولةٌ، و{ضَرُّه} مبتدأ و{أقربُ} خبرُه. والجملةُ صلةٌ، و{لَبِئْسَ} جوابٌ قسمٍ مقدر. وهذا القسمُ المقدرُ وجوابُه خبرُ المبتدأ الذي هو الموصول.
الثاني: أن يُجْعَلَ {ذلك} موصولًا بمعنى الذي. و{هو} مبتدأ، و{الضلالُ} خبره والجملةُ صلةٌ. وهذا الموصولُ مع صلتِه في محلِّ نصبٍ مفعولًا بـ: {يَدْعو} أي: يدعو الذي هو الضلالُ. وهذا منقولٌ عن أبي على الفارسي، وليس هذا بماشٍ على رأي البصريين؛ إذ لا يكونُ عندهم من أسماءِ الإشارة موصولٌ إلاَّ {ذا} بشروطٍ ذكرْتُها فيما تقدَّم. وأمَا الكوفيون فيُجيزون في أسماءِ الإشارة مطلقًا أن تكونَ موصولةً، وعلى هذا فيكونُ {لَمَنْ ضَرُّه أَقْرَبُ} مستأنفًا، على ما تقدَّم تقريرُه.
والثالث: أن يُجْعَلَ {ذلك} مبتدأ. و{هو}: جوَّزوا فيه أن يكونَ بدلًا أو فَصْلًا أو مبتدًا، و{الضلالُ} خبرُ {ذلك} أو خبرُ {هو} على حَسَبِ الخلافِ في {هو} و{يَدْعُو} حالٌ، والعائدُ منه محذوفٌ تقديرُه: يَدْعوه، وقدَّروا هذا الفعلَ الواقعَ موقعَ الحال بـ: مَدْعُوًَّا قال أبو البقاء: وهو ضعيفٌ، ولم يُبَيِّنْ وجه ضَعْفِه. وكأنَّ وجهَه أنَّ {يَدْعُو} مبنيٌّ للفاعلِ فلا يناسِبُ أن تُقَدَّرَ الحالُ الواقعةُ موقعَه اسمَ مفعولٍ، بل المناسِبُ أن تُقَدَّرَ اسمَ فاعل، فكان ينبغي أَنْ يُقَدِّروه: داعيًّا ولو كان التركيبُ يدعى مبنيًّا للمفعول لَحَسُن تقديرُهم مَدْعُوًَّا. ألا ترى أنَّك إذا قلتَ: جاء زيدٌ يضربُ كيف تُقَدِّره بـ: ضارب لا بـ: مَضْروب.
والمخصوصُ بالذمِّ محذوفٌ، وتقديرُه: لبِئْسَ المولى ولبئس العشيرُ ذلك المَدْعُوُّ. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في ضر:
ضرّه وضَرَرًا وضرًّا، وضَرُورة وَضرُوراء، وضاروراء، وهو سُوءُ الحال، إِمّا في نفسه؛ كقلّة العلم والفضل والعفّة، وإِمّا في بدنه، كعدم جارحة ونقص، وإِمّا في حالة ظاهرة من قلّّة مال وجاه.
والمُضِرّ بمعناه.
وقد ورد في القرآن واللغة على وجوه:
1- بمعنى البلاء والشدّة: {وَالصَّابِرِينَ فِي البأساء والضراء}، {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضراء}.
2- بمعنى الفقر والفاقة: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلا هو}، {إِنْ أرادنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}، أَى ما قدّر من الفقر.
3- بمعنى القحط والجَدْب، وضِيق المعيشة: {مَّسَّتْهُمُ البأساء وَالضراء} {مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ}، أراد به قحط المطر.
4- بمعنى اختلاف الرّياح والأَمواج وخوف الهلاك: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ}.
5- بمعنى المرض والوجع والعِلّة: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ}، أَى العلَّة، {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ}، أَى من عِلَّة.
6- بمعنى نقص القَدْر والمنزلة: {لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئًا} أَى لن ينقصوره، {وما يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ}: ما ينقصونك.
7- بمعنى الإِيذاء وإِيصال المِحَن، في معارضة المنفعة والراحة: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ}، {إِنْ أراد بِكُمْ ضرًّا أَوْ أراد بِكُمْ نَفْعًا}.
8- بمعنى الجوع والعُرْى: {يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ}.
وله نظائر.
وقوله تعالى: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى} تنبيه على قلّة ما ينالهم من جهتهم، وتأمين من ضرر يلحقهم، نحو: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}.
وقوله: {يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وما لاَ يَنفَعُهُ} إلى قوله: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ}، فالأَول يَعنى به الضرّ والنفع اللذين بالقصد والإِدارة؛ تنبيهًا أَنَّه لا يقصد في ذلك ضرًّا ولا نفعًا لكونه جمادًا.
وفي الثاني يريد ما يتولّد من الاستعانة به وعبادته، لا ما يكون منه بقصد.
والضراء تُقابَل بالسّراءِ والنَّعماءِ، والضَرّ بالنَّفع.
ورجل ضَرِير: كناية عن فاقد البصر.
والضَّرير: المضارّ.
{وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ}، يجوز أَن يكون مسندًا إِلى الفاعل، كأَنَّه قال: لا يضارِرْ، وأَن يكون مسندًا إِلى المفعول، أَى لا يضارَرْ بأَن يُشغل عن صنعته ومعاشه باستدعاءِ شهادته.
وقوله: {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}، فإِذا قرئ بالرَّفع فلفظه خبرٌ ومَعناه أَمر، وإِذا فُتح فأَمرٌ.
والاضطرار: حَمْلُ الإنسان على مايُضرّ.
وهو في التعارف: حملٌ على أَمر يكرهه، وذلك على ضر بين: أَحدهما اضطرار بسبب خارج كمن يُضرَب أَو يهدَّد حتى ينقاد، أَو يؤخذ قهرًا فيُحمل على ذلك؛ كما قال تعالى: {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ}.
والثاني بسبب داخل، وذلك إِمّا بقهر قوّة لا يناله بدفعها هلاك؛ كم غَلَب عليه شهوة خمر أَو قِمار، وإِمّا بقهر قوّة يناله بدفعها الهلاك؛ كمن اشتدّ به الجوع فاضطُرّ إِلى أَكل مَيتة، وعلى هذا: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ}.
وقوله: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} هو عامّ في كلّ ذلك. اهـ.