فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.
لما ذكر تبارك وتعالى حالة من يعبده {على حرف} [الحج: 11] وسفه رأيهم وتوعدهم بخسارة الآخرة عقب ذلك بذكر مخالفيهم من أهل الإيمان وذكر ما وعدهم به من إدخاله إياهم الجنة، ثم أخذت الآية في توبيخ أولئك الأولين وإسلامهم إلى رأيهم، وإحالتهم على ما فيه عنتهم وليس فيه راحتهم كأنه يقول هؤلاء العابدون على حرف صحبهم القلق وظنوا أن الله تبارك وتعالى لن ينصر محمدًا وأتباعه ونحن إنما أمرناهم بالصبر وانتظار وعدنا فمن ظن غير ذلك، {فليمدد بسبب} وليختنق ولينظر هل يذهب بذلك غيظه، قال هذا المعنى قتادة وهذا على جهة المثل السائر قولهم دونك الحبل فاختنق، يقال ذلك للذي يريد من الأمر ما لا يمكنه، والسبب الحبل، والنصر معروف، إلا أن أبا عبيدة ذهب به إلى معنى الرزق كما قالوا أرض منصورة أي ممطورة وكما قال الشاعر: الطويل:
وإنك لا تعطي امرًا فوق حقه ** ولا تملك الشق الذي الغيث ناصره

وقال: وقف بنا سائل من بني أبي بكر فقال من ينصرني ينصره الله، و{السماء} على هذه الأقوال الهواء علوًّا فكأنه أراد سقفًا أو شجرة أو نحوه وقال ابن يزيد {السماء} هي المعروفة، وذهب إلى معنى آخر كأنه قيل لمن يظن أن الله تعالى لا ينصر محمدًا إن كنت تظن ذلك فامدد {بسبب إلى السماء} واقطعه إن كنت تقدر على ذلك فإن عجزت فكذلك لا تقدر على قطع سبب محمد صلى الله عليه وسلم إذ نصرته من هنالك والوحي الذي يأتيه.
قال القاضي أبو محمد: والقطع على هذا التأويل ليس بالاختناق بل هو جزم السبب، وفي مصحف ابن مسعود {ثم ليقطعه} بهاء، والجمهور على أن القطع هنا هو الاختناق، وقال الخليل: وقطع الرجل إذا اختنق بحبل أو نحوه ثم ذكر الآية، وتحتمل الآية معنى آخر وهو أن يراد به الكفار وكل من يغتاظ بأن ينصره الله ويطمع أن لا ينصر قيل له من ظن أن هذا لا ينصر فليمت كمدًا هو منصور لا محالة فليختنق هذا الظان غيظًا وكمدًا ويؤيد هذا أن الطبري والنقاش قالا: ويقال نزلت في نفر من بني أسد وغطفان قالوا نخاف أن ينصر محمد فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من يهود من المنافع، والمعنى الأول الذي قيل فيه للعابدين {على حرف} [الحج: 11] ليس بهذا ولَكِنه بمعنى من قلق واستبطأ النصر وظن أن محمدًا لا ينصر فليختنق سفاهة إذ تعدى الأمر الذي حد له في الصبر وانتظار صنع الله، وقال مجاهد: الضمير في {ينصره} عائد على {من} والمعنى من كان من المتقلقين من المؤمنين.
والضمير في التأويل الذي ذكرناه في أن يراد الكفار لا يعود إلا على النبي صلى الله عليه وسلم فقط، وقالت فرقة: الضمير عائد على الدين والقران، وقرأ أبو عمرو وابن عامر {لِيقطع فلِينظر} بكسر اللام فيهما على الأصل وهي قراءة الجمهور، وقرأ عاصم والحمزة والكسائي بسكون اللام فيهما في لام الأمر في كل القران مع الواو والفاء وثم، واختلف عن نافع وهي قراءة الحسن وأبي عمرو وعيسى، ع أما الواو والفاء إذا دخلا على الأمر فحكى سيبويه أنهم يرونها كأنها من الكلمة، فسكون اللام تخفيف وهو أفصح من تحريكها، وأما ثم فهي كلمة مستقلة فالوجه تحريك اللام بعدها ع وقد رأى بعض النحويين الميم من ثم بمنزلة الواو والفاء، وقوله تعالى: {ما يغيظ} يحتمل أن تكون {ما} بمعنى الذي، وفي {يغيظ} عائد عليها، ويحتمل أن تكون مصدرية حرفًا فلا عائد عليها، والكيد هو مده السبب ع وأبين وجوه هذه الآية أن تكون مثلًا ويكون النصر المعروف والقطع الاختناق و{السماء} الارتفاع في الهواء بسقف أو شجرة ونحوه فتأمله، وقوله تعالى: {وكذلك أنزلناه} إلى {شهيد} المعنى وكما وعدنا بالنصر وأمرنا بالصبر كذلك أنزلنا القران آية بينة لمن نظر واهتدى لا ليقترح معها ويستعجل القدر، وقال الطبري: المعنى وكما بينت حجتي على من جحد قدرتي على إحياء الموتى {كذلك أنزلناه} والضمير في {أنزلناه} عائد على القران، وجاءت هذه الضمائر هكذا لم يتقدم ذكر لشهرة المشار إليه نحو قوله تعالى: {حتى توارت بالحجاب} [ص: 32] وغيره، وقوله تعالى: {وأن} في موضع خير الابتداء والتقدير والأمر أن الله يهدي من يريد، وهداية الله تعالى هي خلقه الرشاد والإيمان في نفس الإنسان. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة}.
قال مقاتل: نزلت في نفر من أسد، وغطفان، قالوا: إِنا نخاف أن لا يُنْصَرَ محمدٌ، فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود، وإِلى نحو هذا ذهب أبو حمزة الثمالي، والسدي.
وحكى أبو سليمان الدمشقي أن الإشارة بهذه الآية إِلى الذين انصرفوا عن الإِسلام، لأن أرزاقهم ما اتَّسعت، وقد شرحنا القصة في قوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف}.
وفي هاء {ينصره} قولان.
أحدهما: أنها ترجع على من، والنصر: بمعنى الرزق، هذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء، وبه قال مجاهد.
قال أبو عبيدة: وقف علينا سائل من بني بكر، فقال: مَنْ ينصرني نصره الله، أي: من يعطيني أعطاه الله، ويقال: نصر المطر أرض كذا، أي: جادها، وأحياها، قال الراعي:
إِذا أدبر الشهر الحرام فودعي ** بلاد تميم وانْصُرِي أَرْضَ عَامِرِ

والثاني: أنها ترجع إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا، رواه التميمي عن ابن عباس، وبه قال عطاء، وقتادة.
قال ابن قتيبة: وهذه كناية عن غير مذكور، وكان قوم من المسلمين لشدة حنقهم على المشركين يستبطئون ما وعد الله رسوله من النصر، وآخرون من المشركين، يريدون اتَّباعه، ويخشَوْن أن لا يتم أمره، فقال هذه الآية للفريقين.
ثم في معنى هذا النصر قولان.
أحدهما: أنه الغلبة، قاله أبو صالح عن ابن عباس، والجمهور.
والثاني: أنه الرزق، حكاه أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: {فليمدد بسبب إِلى السماء} في المراد بالسماء قولان.
أحدهما: سقف بيته، والمعنى: فليشدد حبلًا في سقف بيته، فليختنق به {ثم ليقطع} الحبل ليموت مختنقًا، هذا قول الأكثرين.
ومعنى الآية: ليصور هذا الأمر في نفسه لا أنه يفعله، لأنه إِذا اختنق لا يمكنه النظر والعلم.
والثاني: أنها السماء المعروفة، والمعنى: فليقطع الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إِن قدر، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: {ثم لْيقطع} قرأ أبو عمرو، وابن عامر: {ثم لِيقطع} {ثم لِيقضوا} [الحج: 29] بكسر اللام.
زاد ابن عامر {ولِيوفوا} [الحج: 29] {ولِيطوفوا} [الحج: 29] بكسر اللام أيضًا.
وكسر ابن كثير لام {ثم لِيقضوا} فحسب.
وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: بسكون هذه اللامات، وكذلك في كل القران إِذا كان قبلها واوٌ أو فاءٌ أو ثم، قال الفراء: من سكَّن فقد خفف، وكل لام أمر وصلت بواو أو فاء، فأكثر كلام العرب تسكينها، وقد كسرها بعضهم.
قال أبو علي: الأصل الكسر، لأنك إِذا ابتدأت قلت: ليقم زيد.
قوله تعالى: {هل يذهبن كيدُه} قال ابن قتيبة: المعنى: هل تُذهبن حيلتُه غيظَه، والمعنى: ليجهد جهده.
قوله تعالى: {وكذلك} أي: ومثل ذلك الذي تقدم من آيات القران {أنزلناه} يعني: القران. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} لما ذكر حال المشركين وحال المنافقين والشياطين ذكر حال المؤمنين في الآخرة أيضًا.
{إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} أي يثيب من يشاء ويعذب من يشاء؛ فللمؤمنين الجنة بحكم وعده الصدق وبفضله، وللكافرين النار بما سبق من عدله؛ لا أن فعل الرب معلل بفعل العبيد.
قوله تعالى: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله فِي الدنيا والآخرة فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء} قال أبو جعفر النحاس: من أحسن ما قيل فيها أن المعنى من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأنه يتهيأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه.
{فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء} أي فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء.
{ثُمَّ لْيَقْطَعْ} أي ثم ليقطع النصر إن تهيّأ له.
{فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ} وحيلته ما يغيظه من نصر النبيّ صلى الله عليه وسلم.
والفائدة في الكلام أنه إذا لم يتهيأ له الكيد والحيلة بأن يفعل مثل هذا لم يصل إلى قطع النصر.
وكذا قال ابن عباس: إن الَكِناية في {ينصره الله} ترجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وهو وإن لم يجر ذكره فجميع الكلام دال عليه؛ لأن الإيمان هو الإيمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم، والانقلاب عن الدين انقلاب عن الدّين الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم؛ أي من كان يظن ممن يعادي محمدًا صلى الله عليه وسلم ومَن يعبد الله على حَرْف أنا لا ننصر محمدًا فليفعل كذا وكذا.
وعن ابن عباس أيضًا أن الهاء تعود على من والمعنى: من كان يظن أن الله لا يرزقه فليختنق، فليقتل نفسه؛ إذ لا خير في حياة تخلو من عَوْن الله.
والنصر على هذا القول الرزق؛ تقول العرب: من ينصرني نصره الله؛ أي من أعطاني أعطاه الله.
ومن ذلك قول العرب: أرض منصورة؛ أي ممطورة.
قال الفقعسيّ:
وأنك لا تعطي امرءًا فوق حقه ** ولا تملك الشق الذي الغيث ناصره

وكذا روى ابن أبي نَجيح عن مجاهد قال: {من كان يظن أن لن ينصره الله} أي لن يرزقه.
وهو قول أبي عبيدة.
وقيل: إن الهاء تعود على الدّين؛ والمعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله دينه.
{فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} أي بحبل.
والسبب ما يتوصل به إلى الشيء.
{إِلَى السماء} إلى سقف البيت.
ابن زيد: هي السماء المعروفة.
وقرأ الكوفيون {ثم ليقطع} بإسكان اللام.
قال النحاس: وهذا بعيد في العربية؛ لأن ثم ليست مثل الواو والفاء، لأنها يوقف عليها وتنفرد.
وفي قراءة عبد الله {فليقطعه ثم لينظر هل يُذهبن كيدُه ما يغيظ}.
قيل: ما بمعنى الذي؛ أي هل يذهبن كيده الذي يغيظه، فحذف الهاء ليكون أخف.
وقيل: ما بمعنى المصدر؛ أي هل يذهبن كيدُه غيظَه.
قوله تعالى: {وكذلك أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} يعني القران.
{وَأَنَّ الله} أي وكذلك أن الله {يَهْدِي مَن يُرِيدُ}، علّق وجود الهداية بأرادته؛ فهو الهادي لا هادِي سواه. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات}.
استئنافٌ جيء به لبيان كمال حسنِ حالِ المؤمنينَ العابدينَ له تعالى وأنَّ الله عز وجل يتفضَّل عليهم بما لا غايةَ وراءه من أجلِّ المنافعِ وأعظمِ الخيراتِ إثرَ بيانِ غايةِ سوءِ حالِ الكفرةِ ومالِهم من فريقَيْ المجاهرينَ والمذبذبينَ وأنَّ معبودَهم لا يُجديهم شيئًا من النَّفع بل يضرُّهم مضرَّةً عظيمةً وأنَّهم يعترفون بسوءِ ولايتِه وعشرتِه ويذمُّونه مذمَّةً تامَّةً وقوله تعالى: {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} صفة لجنَّاتٍ فإن أُريد بها الأشجارُ المتكاثفةُ السَّاترةُ لما تحتها فجريانُ الأنهارِ من تحتها ظاهرٌ، وإنْ أُريد بها الأرض فلابد من تقدير مضافٍ أي من تحت أشجارِها، وإن جُعلت عبارةً عن مجموعِ الأرض والأشجارِ فاعتبارُ التَّحتيَّةِ بالنَّظرِ إلى الجزءِ الظَّاهرِ المصحِّح لإطلاقِ اسمِ الجنَّةِ على الكلِّ كما مرَّ تفصيلُه في أوائلِ سورةِ البقرةِ.
وقوله تعالى: {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} تعليلٌ لما قبلَه وتقريرٌ له بطريقِ التَّحقيقِ أي يفعلُ البتة كلَّ ما يريدُه من الأفعالِ المتقنةِ اللاَّئقةِ المبنيَّةِ على الحكمِ الرَّائقةِ التي من جُملتها إثابةُ مَن آمنَ به وصدَّقَ رسولَه صلى الله عليه وسلم وعقابُ مَن أشركَ به وكذَّب برسولِه عليه السَّلامُ ولمَا كانَ هذا من آثارِ نُصرته تعالى له عليه السَّلامُ عُقِّب بقوله عزَّ وعلا: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله في الدنيا والآخرة} تحقيقًا لها وتقريرًا لثبوتها على أبلغِ وجهٍ وآكَدِه. وفيه إيجازٌ بارعٌ واختصارٌ رائعٌ والمعنى: أنَّه تعالى ناصرٌ لرسوله في الدُّنيا والآخرةِ لا محالةَ من غير صارفٍ يَلويه ولا عاطفٍ يَثنيه فمن كانَ يغيظُه ذلك من أعاديهِ وحُسَّادِه ويظنُّ أنْ لَنْ يفعله تعالى بسببِ مدافعتِه ببعضِ الأمور ومباشرة ما يردُّه من المكايد فليبالغْ في استفراغِ المجهودِ وليجاوزْ في الجدِّ كلِّ حدَ معهودٍ فقُصارى أمرِه وعاقبةِ مكرِه أنْ يختنقَ حنقًا ممَا يرى من ضلالِ مساعيهِ وعدمِ إنتاجِ مقدِّماتِه ومباديهِ {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء} فليمدُدْ حبلًا إلى سقفِ بيتِه {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} أي ليختنقْ، من قطَع إذا اختنقَ لأنَّه يقطع نفَسَه بحبسِ مجاريهِ وقيل: ليقطعِ الحبلَ بعد الاختناقِ على أنَّ المرادَ به فرضُ القطعِ وتقديرُه، كما أنَّ المرادَ بالنَّظرِ في قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} تقديرُ النَّظر وتصويرُه أي فليصوِّر في نفسِه النَّظرَ هل يُذهبنَّ كيدُه ذلك الذي هو أقصى ما انتهتْ إليه قدرتُه في باب المُضادَّةِ والمُضارَّةِ ما يغيظه من النُّصرةِ كلا، ويجوز أنْ يُراد فلينظر الآنَ أنَّه إنْ فعلَ ذلك هَلْ يُذهب ما يغيظُه، وقيل: المعنى فليمدُدْ حبلًا إلى السماء المُظِلَّةِ وليصعدْ عليه ثم ليقطعْ الوحيَ، وقيل: ليقطعَ المسافةَ حتَّى يبلغَ عنانَها فيجتهدَ في دفعِ نصرِه ويأباهُ أنَّ مساقَ النَّظمِ الكريمِ بيانُ أنَّ الأمور المفروضةَ على تقديرِ وقوعِها وتحقُّقِها بمعزلٍ من إذهابِ ما يغيظُ ومن البيِّنِ أنْ لا معنى لفرضِ وقوعِ الأمور الممتنعةِ وترتيبِ الأمرِ بالنَّظرِ عليه لاسيما قطعُ الوحيِ فإنَّ فرضَ وقوعِه مخلٌّ بالمرامِ قطعًا، وقيل: كانَ قومٌ من المسلمينَ لشدَّةِ غيظِهم وحنقِهم على المُشركين يستبطئونَ ما وعد الله رسولَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من النَّصرِ وآخرون من المشركينَ يُريدون اتباعَه عليه السَّلامُ ويخشَون أنْ لا يثبت أمرُه فنزلتْ وقد فسِّر النَّصرُ بالرِّزق فالمعنى أنَّ الأرزاقَ بيدِ الله تعالى لا تُنال إلاَّ بمشيئتِه تعالى فلابد للعبدِ من الرِّضا بقسمتِه فمن ظنَّ أنَّ الله تعالى غيرُ رازقِه ولم يصبرْ ولم يستسلمْ فليبلغ غايةَ الجزعِ وهو الاختناقُ فإنَّ ذلكَ لا يغلبُ القسمةَ ولا يردُّه مرزوقًا.
{وكذلك} أي مثلَ ذلك الإنزالِ البديعِ المنطوي على الحكمِ البالغةِ {أنزلناه} أي القرآن الكريم كلَّه وقوله تعالى: {ءَايَاتٍ بَيّنَاتٍ} أي واضحاتِ الدِّلالةِ على معانيها الرَّائقةِ حالٌ من الضَّميرِ المنصوبِ مبينةٍ لما أُشير إليه بذلك {وَأَنَّ الله يَهْدِى} به ابتداءً أو يثبِّت على الهُدى أو يزيدُ فيه {مَن يُرِيدُ} هدايتَه أو تثبيتَه أو زيادتَه فيها ومحلُّ الجملةِ إمَا الجرُّ على حذف الجارِّ أو متعلق بمحذوف مؤخَّرٍ أي ولأنَّ الله يهدي من يريدُ أنزلَه كذلك أو الرَّفعُ على أنَّه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ أي والأمرُ أنَّ الله يهدي مَن يُريد هدايتَه. اهـ.