فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخرةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء}.
في هذه الآية الكريمة أوجه من التفسير معروفة عند العلماء، وبعضها يشهد لمعناه قران.
الأول: أن المعنى: من كان من الكفرة الحسدة له صلى الله عليه وسلم، يظن أن لن ينصره الله: أي أن لن ينصر الله نبيه محمدًا صلى الله عليه {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} أي بحبل إلى السماء: أي سماء بيته، والمراد به السقف: لأن العرب تسمي كل ما علاك سماء كما قال:
وقد يسمى سماء كل مرتفع ** وإنما الفضل حيث الشمس والقمر

كما أوضحناه في سورة الحجر.
والمعنى: فليعقد رأس الحبل في خشبة السقف {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} أي ليختنق بالحبل، فيشده في عنقه، ويتدلى مع الحبل المعلق في السقف حتى يموت، وإنما أطلق القطع على الاختناق، لأن الاختناق يقطع النفس بسبب حبس مجاريه، ولذا قيل للبهر وهو تتابع النفس: قطع، فلينظر إذا اختنق {هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ} أي هل يذهب فعله ذلك ما يغيظه من نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم، في الدنيا والآخرة.
والمعنى: لا يذهب ذلك الذي فعله ذلك الكافر الحاسد ما يغيظه ويغضبه من نصر الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الزمخشري: وسمي فعله كيدًا، لأن وضعه موضع الكيد، حيث لم يقدر على غيره، أو على سبيل الاستهزاء لأنه لم يكد به محسوده، إنما كاد به نفسه، والمراد: ليس في يده إلا ما ليس بمذهب لما يغيظه. اهـ منه.
وحاصل هذا القول: أن الله يقول لحاسديه صلى الله عليه وسلم، الذين يتربصون به الدوائر، ويظنون أن ربه لن ينصره: موتوا بغيظكم، فهو ناصره لا محالة على رغم أنوفكم، وممن قال بهذا القول: مجاهد، وقتادة، وعكرمة، وعطاء، وأبو الجوزاء، وغيرهم. كما نقله عنهم ابن كثير، وهو أظهرها عندي.
ومما يشهد لهذا المعنى من القرآن: قوله تعالى. {وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل مِنَ الغيظ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران: 119].
الوجه الثاني: أن المعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، والحال أن النصر يأتيه صلى الله عليه وسلم من السماء، فليمدد بسبب إلى السماء فيرتقي بذلك السبب، حتى يصعد إلى السماء، فيقطع نزول الوحي من السماء، فيمنع النصر عنه صلى الله عليه وسلم.
والمعنى: أنه وإن غاظه نصر الله لنبيه. فليس له حيلة، ولا قدرة على منع النصر، لأنه لا يستطيع الارتقاء إلى السماء ومنع نزول النصر منها عليه صلى الله عليه وسلم: وعلى هذا القول: فصيغة الأمر في قوله: {فَلْيَمْدُدْ} وقوله: {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} للتعجيز {لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ} ذلك الحاسد العاجز عن قطع النصر عنه صلى الله عليه وسلم: هل يذهب كيده إذا بلغ غاية جهده في كيد النَّبي صلى الله عليه وسلم، ما يغيظه من نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم.
والمعنى: أنه إن أعمل كل ما في وسعه، من كيد النَّبي صلى الله عليه وسلم ليمنع عنه نصر الله، فإنه لا يقدر على ذلك، ولا يذهب كيده ما يغيظه من نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم.
ومما يشهد لهذا القول من القرآن قوله تعالى: {أَمْ لَهُم مٌّلْكُ السماوات والأرض وما بَيَنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ في الأسباب جُندٌ مَا هنالِكَ مَهْزُومٌ مِّن الأحزاب} [ص: 10- 11] وقد أوضحنا معنى هذه الآية في سورة الحجر.
ولبعض أهل العلم قول ثالث في معنى الآية الكريمة: وهو أن الضمير في {لَّن يَنصُرَهُ} عائد إلى من في قوله تعالى: {مَن كَانَ يَظُنُّ} وأن النصر هنا بمعنى الرزق، وأن المعنى: من كان يظن أن لن ينصره الله أي لن يرزقه، فليختنق، وليقتل نفسه، إذ لا خير في حياة ليس فيها رزق الله وعونه، أو فليختنق، وليمت غيظًا وغمًا، فإن ذلك لا يغير شيئًا مما قضاه الله وقدره، والذين قالوا هذا القول قالوا: إن العرب تسمي الرزق نصرًا، وعن أبي عبيدة قال: وقف علينا سائل من بني بكر، فقال: من ينصرني نصره الله، يعني: من يعطيني أعطاه الله، قالوا: ومن ذلك قول العرب: أرض منصورة: أي ممطورة، ومنه قول رجل من بني فقعس:
وإنك لا تُعطي امرًا فوق حقِّه ** ولا تملك الشّق الذي ألغيت ناصره

أي معطيه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: وهذا القول الأخير ظاهر السقوط، كما ترى، والذين قالوا: إن الضمير في قوله: {أَن لَّن يَنصُرَهُ الله} راجع إلى الدين، أو الكتاب، لا يخالف قولهم قول من قال: إن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم، لأن نصر الدين، والكتاب هو نصره صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى، ونصر الله له صلى الله عليه وسلم في الدنيا، بإعلائه كلمته، وقهره أعداءه، وإظهار دينه، وفي الآخرة بإعلاء درجته، والانتقام ممن كذبه، ونحو ذلك كما قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد} [غافر: 51] فإن قيل: قررتم أن الضمير في ينصره، عائد إليه صلى الله عليه وسلم، وهو لم يجر له ذكر، فكيف قررتم رجوع الضمير إلى غير مذكور.
فالجواب: هو ما قاله غير واحد: من أنه صلى الله عليه وسلم، وإن لم يجر له ذكرن فالكلام دال عليه، لأن الإيمان في قوله في الآية التي قبلها تليها {إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} [الحج: 14] الآية. هو الإيمان بالله، وبمحمد صلى الله عليه وسلم، والانقلاب عن الدين المذكور في قوله: {انقلب على وَجْهِهِ} [الحج: 11] انقلاب عما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: في هذه الآية الكريمة {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} قرأه أبو عمرو، وابن عامر، وورش، عن نافع بكسر اللام على الأصل في لام الأمر، وقرأه الباقون بإسكان اللام تخفيفًا. اهـ.

.قال الشعراوي:

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.
بعد أن تكلَّم الحق- سبحانه وتعالى- عن الكفار وأهل النار ومَنْ يعبدون الله على حَرْف، كان لابد أنْ يأتيَ بالمقابل؛ لأن النفس عندها استعداد للمقارنة والتأمل في أسباب دخول النار، وفي أسباب دخول الجنة، وهذا أَجْدى في إيقاع الحجة.
ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: {إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الفجار لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13- 14] وقوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلًا وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا } [التوبة: 82]
فذِكْر النعمة وحدها دون أنْ تقابلها النِّقْمة لا تُؤتِي الأثر المطلوب، لَكِن حينما تقابل النعمة بالنقمة وَسَلْب الضّر بإيجاب النفع فإنَّ كلاهما يُظهر الآخر؛ لذلك يقول تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ } [آل عمران: 185] فإنْ آمنتَ لا تُزَحْزح عن النار فقط- مع أن هذه في حَدِّ ذاتها نعمة- لَكِن تُزَحْزح عن النار وتدخل الجنة.
والإيمان: عمل قلبي ومواجيد تطمئن بها النفس، لَكِن الإيمان له مطلوب: فأنت آمنتَ بالله، واطمأنَّ قلبك إلى أن الله هو الخالق الرازق واجب الوجود.. إلخ.، فما مطلوب هذا الإيمان؟
مطلوب الإيمان أنْ تستمع لأوامره، لأنه حكيم، وتثق في قدرته لأنه قادر، وتخاف من بطشه لأنه جبار، ولا تيأس من بَسْطه لأنه باسط، ولا تأمن قبضه لأنه قابض.
لقد آمنتَ بكل هذه القضايا، فحين يأمرك بأمر فعليك أنْ تستحضر حيثيات هذا الأمر، وأنت واثق أن ربك عز وجل لم يأمرك ولم يَنْهَكَ من فراغ، إنما من خلال صفات الكمال فيه سبحانه، أو صفات الجلال والجبروت، فاستحضر في كُلِّ أعمالك وفي كُلِّ ما تأتي أو تدع هذه الصفات.
لذلك، جمعت الآية بين الإيمان والعمل الصالح: {إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَاتٍ } [الحج: 14]
وفي سورة العصر: {والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } [العصر: 1- 3] ليس ذلك وفقط إنما أيضًا: {وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} [العصر: 3].
فالتواصي بالحق والصبر على الشدائد من الاستجابة لداعي الإيمان وثمرة من ثماره؛ لأن المؤمن سيتعرَّض في رحلة الحياة لفِتَن كثيرة قد تزلزله، وسيواجه سُخْرية واستهزاءً، وربما تعرَّض لألوان العذاب.
فعليه إذن- أنْ يتمسَّك بالحق ويتواصى به مع أخيه، وعليه أن يصبر، وأنْ يتواصى بالصبر مع إخوانه، ذلك لأن الإنسان قد تعرض له فترات ضَعف وخَوَر، فعلى القوي في وقت الفتنة أنْ ينصحَ الضعيف.
وربما تبدَّل هذا الحال في موقف آخر وأمام فتنة أخرى، فَمنْ أوصيْتَه اليوم بالصبر ربما يوصيك غدًا، وهكذا يُثمِر في المجتمع الإيماني التواصي بالحق والتواصي بالصبر.
إذن: تواصَوْا؛ لأنكم ستتعرضون لِهزَّات ليست هزَّات شاملة جامعة، إنما هزَّات يتعرض لها البعض دون الآخر، فإنْ ضعُفْتَ وجدتَ من إخوانك مَنْ يُواسيك: اصبر، تجلَّد، احتسب.
وإياك أنْ تُزحزحك الفتنة عن الحق، أو تخرج عن الصبر، وهذه عناصر النجاة التي ينبغي للمؤمنين التمسك بها: إيمان، وعمل صالح، وتواصٍ بالحق، وتواصٍ بالصبر.
وقوله سبحانه: {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } [الحج: 14].
الجنات: هي الحدائق والبساتين المليئة بأنواع المتَّع: الزرع، والخضرة، والنضارة، والزهور، والرائحة الطيبة، وهذه كلها بنت الماء؛ لذلك قال: {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } [الحج: 14] ومعنى: {مِن تَحْتِهَا } [الحج: 14] أن الماء ذاتيٌّ فيها، لا يأتيها من مكان آخر ربما ينقطع عنها، كما جاء في آية أخرى: {تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار } [التوبة: 100].
ثم يقول سبحانه: {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [الحج: 14] لأنه سبحانه لا يُعْجِزه شيء، ولا يعالج أفعاله كما يعالج البشر أفعالهم {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أراد شَيْئًا أَن يقول لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82] ولو تأملتَ هذه الآية لوجدتَ الشيء الذي يريده الله ويأمر بكونه موجودًا في الحقيقة، بدليل أن الله تعالى يخاطبه {يقول لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82] فهو- إذن- كائن فعلًا، وموجود حقيقةً، والأمر هنا إنما هو لإظهاره في عالم المشاهدة.
ثم يقول سبحانه: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله فِي الدنيا والآخرة فَلْيَمْدُدْ }.
يظنُّ تفيد عِلْمًا غير يقيني وغير مُتأكد، وسبق أنْ تكلَّمنا في نسبة القضايا، فهناك حكم محكوم به ومحكوم عليه، تقول: زيد مجتهد، فأنت تعتقد في نِسْبة الاجتهاد لزيد، فإنْ كان اعتقادك صحيحًا فتستطيع أنْ تُقدِّم الدَليل على صحته فتقول: بدليل أنه ينجح كل عام بتفوق.
أما إذا اعتقد هذه القضية ولم يُقدِّم عليها دليلًا كأنْ سمع الناسَ يقولون: زيد مجتهد. فقال مثلهم، لَكِن لا دليلَ عنده على صِدْق هذه المقولة، كالطفل الذي نُلقّنه {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] هذه قضية واقعية يعتقدها الولد، لَكِن لا يستطيع أنْ يُقدِّم الدليل عليها إلا عندما يكُبر ويستوي تفكيره.
فمن أين أخذ الطفل هذه القضية واعتقدها؟ أخذها من المأمون عليه: من أبيه أو أستاذه ثم قلَّده. إذن: إنْ كانت القضية واقعة، لَكِن لا تستطيع أنْ تقيم الدليل عليها فهي تقليد، فإنِ اعتقدتَ قضية واقعة، وأقمْتَ الدليل عليها، فهذا أسمْى مراتب العلم، فإنِ اعتقدتَ قضيةً غير واقعيةٍ، فهذا جهل.
فالجاهل: مَنْ يعتقد شيئًا غير واقع، وهذا الذي يُتعِب الدنيا كلها، ويُشقي من حوله، لأن الجاهل الأميَّ الذي لا يعلم شيئًا، وليست لديه فكرة يعتقدها صفحة بيضاء، تستطيع أنْ تقنعه بالحقيقة ويقبلها منك؛ لأنه خالي الذهن ولا يعارضك.
فإنْ تشككْتَ في النسبة بحيث استوت عندك نسبة الخطأ مع نسبة الصواب، فهذا هو الشَّكُّ، فلا تستطيع أنْ تجزم باجتهاد زيد، ولا بعدم اجتهاده، فإنْ غلب الاجتهاد فهو ظَنٌّ، فإنْ غلب عدم الاجتهاد فهو وَهْم.
إذن: نسبة القضايا إما علم تعتقده: وهو واقع وتستطيع أنْ تقيمَ الدليل عليه، أو تقليد: وهو ما تعتقده وهو واقع، لَكِن لا تقدر على إقامة الدليل عليه، أو جهل: حين تعتقد شيئًا غير واقع، أو شك: حين لا تجزم بالشيء ويستوي عندك النفي والإثبات، أو ظن: حين تُرجِّح الإثبات، أو وهم: حين تُرجِّح النفي.
فالظن في قوله تعالى: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله } [الحج: 15] أي: يمرُّ بخاطره مجرد مرور أن الله لن ينصر محمدًا، أو يتوهم ذلك- ولا يتوهم ذلك إلا الكفار- لأنهم يأملون ذلك في معركة الإيمان والكفر- مَنْ ظَنَّ هذا الظنَّ فعليه أنْ ينتهيَ عنه؛ لأنه أمر بعيد، لن يحدث ولن يكون.
وقد ظَنَّ الكفار هذا الظن حين رَأَوْا بوادر نصر الإيمان وعلامات فوزه، فاغتاظوا لذلك، ولم يجدوا شيئًا يريح خاطرهم إلا هذا الظن.
لذلك؛ يردُّ الله غيظهم عليهم، فيقول لهم: ستظلون بغيظكم؛ لأن النصر للإيمان ولجنوده مستمر، فليس أمامك إلا أنْ تجعل حبلًا في السماء وتربط عنقك به، تشنق نفسك حتى تقع، فإنْ كان هذا الكيد لنفسك يُنجيك من الغيظ فافعل: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج: 15].
لَكِن ما الغيظ؟ الغيظ: نوع من الغضب مصحوب ومشُوب بحزن وأَسَىً وحَسْرة حينما ترى واقعًا يحدث أمام عينيك ولا يرضيك، وفي الوقت نفسه لا تستطيع أن تفعل شيئًا تمنع به مَا لا يُرضيك.
وهذه المادة غيظ موجودة في مواضع أخرى من كتاب الله، وقد استُعْملَتْ حتى للجمادات التي لا تُحسُّ، اقرأ قول الله تعالى عن النار: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ } [الملك: 8] وقال: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12] فكأن النار مغتاظة من هؤلاء، تتأهب لهم وتنتظرهم.
والغَيْظ يقع للمؤمن والكافر، فحين نرى عناد الكفار وسُخريتهم واستهزاءهم بالإيمان نغتاظ، لَكِن يُذهب الله غيْظ قلوبنا، كما قال سبحانه: {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } [التوبة: 15].
أما غيْظ الكفار من نصْر الإيمان فسوف يَبْقى في قلوبهم، فربُّنا- سبحانه وتعالى- يقول لهم: ثقُوا تمامًا أن الله لم يرسل رسولًا إلا وهو ضامن أنْ ينصره، فإنْ خطر ببالكم خلافُ ذلك فلن يُريحكم ويَشْفي غيظكم إلاّ أنْ تشنقوا أنفسكم؛ لذلك خاطبهم الحق سبحانه في آية أخرى فقال: {قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ } [آل عمران: 119].