فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذِكر المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين تقدم في آية البقرة وآية العقود.
وزاد في هذه الآية ذكر المجوس والمشركين، لأن الآيتين المتقدمتين كانتا في مساق بيان فضل التوحيد والإيمان بالله واليوم الآخر في كل زمان وفي كل أمة.
وزيد في هذه السورة ذكر المجوس والمشركين لأن هذه الآية مسوقة لبيان التفويض إلى الله في الحكم بين أهل المِلل، فالمجوس والمشركون ليسوا من أهل الإيمان بالله واليوم الآخر.
فأما المجوس فهم أهل دين يثبت إلهين: إلهًا للخير، وإلهًا للشرّ، وهم أهل فارس.
ثم هي تتشعب شعبًا تأوي إلى هذين الأصلين.
وأقدم النِحَل المجوسية أسسها كيومرث الذي هو أول ملك بفارس في أزمنة قديمة يظن أنها قبل زمن إبراهيم عليه السلام، ولذلك يلقب أيضًا بلقب جل شاه تفسيره: ملك الأرض.
غير أن ذلك ليس مضبوطًا بوجه علمي وكان عصرُ كيومرث يلقب زروان أي الأزل، فكان أصل المجوسية هم أهل الديانة المسماة: الزروانية وهي تثبت إلهين هما يَزدَان وأهْرُمُن.
قالوا: كان يَزذان منفردًا بالوجود الأزلي، وأنه كان نُورانيًّا، وأنه بقي كذلك تسعة آلاف وتسعين سنة ثم حدث له خاطر في نفسه: أنه لو حَدَث له منازع كيف يكون الأمر فنشأ من هذا الخاطر موجود جديد ظلماني سمي أهْرُمُن وهو إله الظلمة مطبوعًا على الشرّ والضرّ.
وإلى هذا أشار أبو العلاء المعرّي بقوله في لزومياته:
قال أناسٌ باطل زعمهُم ** فراقِبُوا الله ولاَ تَزعُمُنْ

فكّرَ يَزدانُ على غِرّة ** فصيغ من تفكيره أهْرُمُن

فحدث بين أهْرُمن وبين يزدان خلاف ومحاربة إلى الأبد.
ثمّ نشأت على هذا الدّين نحل خُصّت بألقاب وهي متقاربة التعالى م أشهرها نحلة زَرَادَشْت الذي ظهر في القرن السادس قبل ميلاد المسيح، وبه اشتهرت المجوسية.
وقد سمي إله الخير أهُورَا مَزْدَا أو أرمزد أو هرمز، وسمي إله الشرّ أهْرُمن، وجعل إله الخير نورًا، وإله الشر ظلمة.
ثم دعا الناس إلى عبادة النار على أنها مظهر إله الخير وهو النّور.
ووسّع شريعة المجوسية، ووضع لها كتابًا سمّاه زَندافستا.
ومن أصول شريعته تجنّب عبادة التماثيل.
ثم ظهرت في المجوس نِحلة المَانوية، وهي المنسوبة إلى مَاني الذي ظهر في زمن سابور بن أردشير ملك الفرس بين سنة 238 وسنة 271م.
وظهرت في المجوس نحلة المزدكية، وهي منسوبة إلى مَزدك الذي ظهر في زمن قُباذ بين سنة 487 وسنة 523م.
وهي نحلة قريبة من المانوية، وهي آخر نحلة ظهرت في تطور المجوسيّة قبل الفتح الإسلامي لبلاد الفرس.
وللمجوسية شبه في الأصل بالإشراك إلا أنها تخالفه بمنع عبادة الأحجار، وبأن لها كتابًا، فأشبهوا بذلك أهل الكتاب.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: «سُنوا بهم سنة أهل الكتاب» أي في الاكتفاء بأخذ الجزية منهم دون الإكراه على الإسلام كما يُكره المشركون على الدخول في الإسلام.
وقد تقدم شيء من هذا عند قوله تعالى: {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين} في [سورة النحل: 51].
وأعيدت إنّ في صدر الجملة الواقعة خبرًا عن اسم إنّ الأولى توكيدًا لفظيًّا للخبر لطول الفصل بين اسم إن وخبرها. وكون خبرها جملة وهو توكيد حسن بسبب طول الفصل.
وتقدم منه قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا} في [سورة الكهف: 30].
وإذا لم يطل الفصل فالتوكيد بإعادة إن أقل حُسنًا كقول جرير:
إنّ الخليفة أنّ الله سربلَه ** سِربال مُلك به تُزْجَى الخواتيم

ولا يحسن إذا كان مبتدأ الجملة الواقعة خبرًا ضميرَ اسم إنّ الأولى كما تقول: إن زيدًا إنه قائم، بل لابد من الاختلاف ليكون المؤكد الثاني غير الأول فتقبل إعادة المؤكد وإن كان المؤكّد الأول كافيًّا.
والفصل: الحكم، أي يحكم بينهم فيما اختلفوا فيه من تصحيح الديانة.
وجملة {إن الله على كل شيء شهيد} مستأنفة استئنافًا ابتدائيًّا للإعلام بإحاطة علم الله بأحوالهم واختلافهم والصحيح من أقوالهم. اهـ.

.قال الشعراوي:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى}.
هذه فئات ست أخبر الله عنها بقوله: {إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة } [الحج: 17] ومعنى الفصل بينهم أن بينهم خلافًا ومعركة، ولو تتبعتَ الآيات التي ذكرت هذه الفئات تجد أن هناك آيتين في البقرة وفي المائدة.
يقول تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ والنصارى والصابئين مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هم يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62].
وفي المائدة يُقدِّم الصابئين على النصارى، وفي هذا الموضع تأتي بالرفع بالواو، يقول تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ والصابئون والنصارى مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هم يَحْزَنُونَ} [المائدة: 69].
{الذين آمَنُواْ } [الحج: 17] أي: بمحمد صلى الله عليه وسلم، {والذين هَادُواْ } [الحج: 17] أي: اليهود، ثم النصارى وهما قبل الإسلام، أما الصابئون: فهؤلاء جماعة كانوا على دين إبراهيم عليه السلام، ثم عبدوا الكواكب فَسُمُّوا الصابئة لخروجهم عن الدين الحق. أما المجوس: فهم عبدة النار، والذين أشركوا: هم المشركون عَبَدة الأصنام والأوثان.
أما التقديم والتأخير بين النصارى والصابئين، قالوا: لأن النصارى فرقة كبيرة معروفة ولهم نبي، أما الصابئة فكانوا جماعة خرجوا على نبيهم وخالفوه وأتَوْا بعقيدة غير عقيدته، فهم قلَّة، لَكِن سبقوا النصارى في الترتيب الزمني؛ لذلك حين يراعي السَّبْقَ الزمني يقول: {والصابئين والنصارى } [الحج: 17] وحين يراعي الكثرة والشهرة، يقول: {والنصارى والصابئين } [البقرة: 62] فكلٌّ من التقديم أو التأخير مُراد لمعنى مُعيَّن.
أما قوله: {والصابئون } [المائدة: 69] بالرفع على خلاف القاعدة في العطف، حيث عطفت على منصوب، والمعطوف تابع للمعطوف عليه في إعرابه، فلماذا وسَّط مرفوعًا بين منصوبات؟
قالوا: لا يتم الرفع بين المنصوبات إلا بعد تمام الجملة، فكأنه قال: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى، والصابئون كذلك، فعطف هنا جملة تامة، فهي مُؤخَّرة في المعنى، مُقدَّمة في اللفظ، وهكذا تشمل الآية التقديم والتأخير السابق. لَكِن، كيف ينشأ الخلاف بين الأديان؟
ينشأ الخلاف من أن قوما يؤمنون بإله ويؤمنون بالنبي المبلِّغ عن هذا الإله، لَكِنهم يختلفون على أشياء فيما بينهم، كما نرى الخلاف مثلًا بين المعتزلة وأهل السنة، أو الجبرية والقدرية، فجماعة تثبت الصفات، وآخرون يُنكرونها، جماعة يقولون: الإنسان مُجْبَر في تصرفاته، وآخرون يقولون: بل هو مختار.
وقد ينشأ الخلاف بين الأديان للاختلاف في النبوات، فأهل الديانات يؤمنون بالإله الفاعل المختار، لَكِن يختلفون في الأنبياء موسى وعيسى ومحمد مع أنهم جميعًا حَقٌّ. وقد ينشأ الخلاف من الادعاء، كالذين يدَّعُون النبوة كهؤلاء الذين يعبدون النار، أو يعبدون بوذا مثلًا.
فهذه ست طوائف مختلفة ذكرتهم الآية، فما حكم هؤلاء جميعًا بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم؟
نقول: أما المشركون الذين عبدوا الأصنام، وكذلك الذين عبدوا النبوة المدَّعاة، فهؤلاء كفار ضائعون.
أما اليهود والنصارى الذين يؤمنون بإله فاعل مختار، ويؤمنون بنبوة صادقة، فشأنهم بعد ظهور الإسلام، أن الله تعالى أقام لنا تصفية آخر الأمر لهذه الديانات، فمَنْ كان يهوديًّا قبل الإسلام، ومن كان نصرانيًّا قبل الإسلام، فإن الله أجْرى لهم تصفية عقدية هي الإسلام، فإنْ كانوا مؤمنين الإيمان الأول بالله تعالى فعليهم أنْ يبدأوا من جديد مؤمنين مسلمين.
لذلك قال بعدها: {مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هم يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62].
فبعد ظهور الإسلام بدأت لهؤلاء جميعًا- اليهود والنصارى والمجوس والمشركين- حياة جديدة، وفُتِحَتْ لهم صفحة جديدة هم فيها أولاد اليوم، حيث لزمهم جميعًا الإيمان بالله تعالى والإيمان بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وكأن الإسلام تصفية وأوكازيون إيماني يجُبُّ ما قبله، وعفا الله عما سلف.
والحق- سبحانه- حينما تكلم عن الأجيال السابقة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم قال: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءكمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قال أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِي قالوا أَقْرَرْنَا قال فاشهدوا وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشاهدين} [آل عمران: 81] لذلك نبَّه كُلٌّ من موسى وعيسى- عليهما السلام- بوجود محمد صلى الله عليه وسلم وبشَّروا به، بدليل قول الله تعالى: {فَلَمَا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } [البقرة: 89] والمراد اليهود والنصارى.
وقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وجامعًا للأديان كلها في الإسلام الذي زاد عليها ما زاد مما تقتضيه أمور الحياة وتطورات العصر، إلى أن تقوم الساعة.
جاء الإسلام تصفية لهؤلاء، استأنفوها بإيمان، واستأنفوها بعمل صالح، فكان لهم أجرهم كاملًا عند ربهم لا يطعن فيهم دينهم السابق، ولا عقائدهم الفاسدة الكافرة.
أما إنْ حدث خلاف حول النبوات كما تذكر الآية التي نحن بصددها: {إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17] والفَصْل أن نعرف مِنَ المحقُّ ومَنِ المبطل، وهكذا جمعتْ الآيات بين حالة الاتفاق وحالة الاختلاف وبيَّنَتْ جزاء كل منهما.
فالفصل إما فصل أماكن، وإما فصل جزاءات، قالوا: بالطبع فالحكم بينهم: هذا مُحِقٌّ وهذا مُبطِل سيؤدي إلى اختلاف الأماكن واختلاف الجزاءات.
وقوله تعالى: {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17] لأن الله تعالى هو الحكَم الذي يفصل بين عباده، والحكم يحتاج إما إلى بينة أو شهود، والشهود لابد أن يكونوا عُدولًا، ولا يتحقق العدل في الشهادة إلا بدين يمنع الإنسان أنْ يميل عن الحق، فإن كان الحكم هو الله فلا حاجة لبيِّنة، ولا حاجةَ لشهود؛ لأنه سبحانه يحيط علمه بكل شيء، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.
ومن العجيب أن الحُكْم والفَصْل من الحق سبحانه يشمل كل السلطات: التشريعية والقضائية والتنفيذية، فحُكْمه سبحانه لا يُؤجَّل ولا يُتحّايل عليه، ولا تضيع فيه الحقوق كما تضيع في سراديب وأدراج المحاكم.
أما حُكْم البشر فينفصل فيه التشريع عن القضاء عن التنفيذ، فربما صدر الحكم وتعطَّل تنفيذه، أما حكم الله فنافذ لا يُؤجِّله شيء.
إذن: المسألة لن تمرَّ هكذا، بل هي محسوبة لك أو عليك. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ}.
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إن الذين آمنوا} الآية. قال: الصابئون قوم يعبدون الملائكة ويصلون القبلة ويقرأون الزبور {والمجوس} عبدة الشمس والقمر والنيران وأما {الذين أشركوا} فهم عبدة الأوثان {إن الله يفصل بينهم يوم القيامة} قال: الأديان ستة: فخمسة للشيطان ودين لله عز وجل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {إن الله يفصل بينهم} قال: فصل قضاءه بينهم فجعل الجنة مشتركة وجعل هذه الأمة واحدة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال: قالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله. وقالت الصابئة: نحن نعبد الملائكة من دون الله. وقالت المجوس: نحن نعبد الشمس والقمر من دون الله. وقالت المشركون: نحن نعبد الأوثان من دون الله. فأوحى الله إلى نبيه ليكذِّبَ قولهم: {قل هو الله أحد} [الصمد: 1] إلى آخرها {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا} [الإسراء: 111] وأنزل الله {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس }.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال: {الذين هادوا} اليهود، والصابئون، ليس لهم كتاب {والمجوس} أصحاب الأصنام والمشركون، نصارى العرب. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {إِنَّ الذين آمَنُواْ}: الآية فيها ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنَّ أن الثانيةَ واسمَها وخبرَها في محلِّ رفع خبرًا لـ: أن الأولى. قال الزمخشري: وأُدْخِلَتْ أن على كلِّ واحدٍ من جُزْأَي الجملةِ لزيادةِ التأكيدِ. ونحوُه قولُ جريرٍ:
إنَّ الخليفةَ إنَّ اللهَ سَرْبلَه ** سِرْبالَ مُلْكٍ به تُرْجَى الخواتيمُ

قال الشيخ: وظاهرُ هذا أنه شَبَّه البيتَ بالآية، وكذلك قرنه الزَّجَّاج بالآية، ولا يتعيَّنُ أن يكونَ البيتُ كالآية؛ لأنَّ البيتَ يَحْتمل أَنْ يكونَ الخليفةَ خبرُه به ترجى الخواتيمُ، ويكونَ إنَّ اللهَ سَرْبَله جملةَ اعتراضٍ بين اسمِ أن وخبرِها، بخلافِ الآية، فإنه يتعيَّنُ قوله: {إِنَّ الله يَفْصِلُ}. وحَسَّنَ دخولَ أن على الجملةِ الواقعةِ خبرًا طولُ الفَصْلِ بينهما بالمعاطيف.
قلت: قوله: فإنَّه يتعيَّنُ قوله إن الله يَفْصِل يعني أن يكونَ خبرًا. ليس كذلك لأنَّ الآية محتمِلةٌ لوجهين آخرين ذكرهما الناسُ. الأول: أن يكونَ الخبرُ محذوفًا تقديرُه: يفترقون يومَ القيامة ونحُوه، والمذكورُ تفسيرٌ له. كذا ذكره أبو البقاء. والثاني: أنَّ أن الثانيةَ تكريرٌ للأولى على سبيلِ التوكيدِ. وهذا ماشٍ على القاعدة: وهو أنَّ الحرفَ إذا كُرِّرَ توكيدًا أُعِيْدَ معه ما اتَّصل به أو ضميرُ ما اتَّصل به، وهذا قد أُعِيدَ معه ما أتَّصل به أولًا: وهي الجلالةُ المعظمةُ، فلم يتعيَّنْ أَنْ يكونَ قوله: {إِنَّ الله يَفْصِلُ} خبرًا لـ: أن الأولى كما ذُكر.
وقد تقدَّم تفسيرُ ألفاظِ هذه الآية، إلاَّ المجوسَ. وهم قومٌ اختلف أهلُ العلمِ فيهم فقيل: قومٌ يعبدون النارَ. وقيل: الشمسَ والقمرَ. وقيل: اعتزلوا النصارى ولَبِسوا المُسُوْح. وقيل: أَخَذوا من دين النصارى شيئًا، ومن دينِ اليهودِ شيئًا، وهم القائلونَ بأنَّ للعالم أصلين: نورٌ وظلمةٌ. وقيل: هم قومٌ يستعملون النجاساتِ، والأصل: نَجوس بالنونِ فأُبْدِلَتْ ميمًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
أصناف الناس على اختلاف مراتبهم: الوليُّ والعدوُّ، والموحِّد والجاحد يُجْمَعُون يومَ الحشر، ثم الحقُّ- سبحانه- يعامِل كلًا بما وَعَدَه؛ إما بوصالٍ بلا مَدَى، أو بأحوالٍ بلا منتهى. الوقتُ واحد؛ وكلٌّ واحدٍ لما أُعِدَّ له وافد، وعلى ما خُلِقَ له وارد. اهـ.