فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{في الدنيا والآخرة} الشفاعة في {الآخرة}.
قوله: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء}، يعني: فليربط بحبل من سقف البيت، لأن كل ما علاك فهو سماء.
{ثُمَّ لْيَقْطَعْ}، يعني: ليختنق، {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ}، يعني: اخْتِنَاقُه.
{مَا يَغِيظُ}، معناه هل ينفعه ذلك.
قال ابن عباس: نزلت الآية في نفر من أسد وغطفان، فقالوا: نخافُ أن لن ينصر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيقطع ما بيننا وبين حلفائنا من المودة يعني: اليهود وقال القتبي: كان قوم من المسلمين لشدة غيظهم على المشركين، يستبطئون ما وعد لهم من النصرة، وآخرون من المشركين يريدون اتباعه ويخشون أن لا يتم لهم أمره، فنزل {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله}، يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم بعدما سمعوا منه النصرة والإظهار.
ولَكِن كلام العرب على وجه الاختصار، يعني: إن لم تثق بما أقول لك، فاذهب واختنق أو اجتهد جهدك.
قال: وفيه وجه آخر، وهو أن يكون هاهنا السماء بعينها لا السقف، فكأنه قال: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء} أي بحبل وليرتق فيه، ثم ليقطع، يعني: الحبل، حتى يخر فيهلك، فلينظر هل ينفعه، كقوله عز وجل: {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن استطعت أَن تَبْتَغِىَ نَفَقًا في الأرض أَوْ سُلَّمًا في السماء فَتَأْتِيَهُمْ بِأايَةٍ وَلَوْ شَاءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهدى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين} [الأنعام: 35] وقال أبو عبيدة: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله في الدنيا والآخرة} يعني: أن لن يرزقه الله.
وذهب إلى قول العرب: أرض منصورة، أي ممطورة؛ فكأنه قال: من كان قانطًا من رزق الله ورحمته، فليفعل ذلك {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ}، أي حيلته ما يغيظ، أي غيظه لتأخير الرزق عنه؛ وقال الزجاج: من كان يظن أن لن ينصره الله، يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، حتى يظهره الله على الدين كله فليمت غيظًا.
ثم قال تعالى: {وكذلك أنزلناه}، يعني: جبريل عليه السلام بالقران {بَيّنَاتٍ فاسأل}، يعني: واضحات بالحلال والحرام.
{وَأَنَّ الله يَهْدِى مَن يُرِيدُ}، يعني: يرشد إلى دينه من كان أهلًا لذلك، فيوفقه لذلك؛ وهذا كقوله: {والله يدعوا إلى دَارِ السلام وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [يونس: 25].
{إِنَّ الذين ءامَنُواْ}، يعني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن كان مثل حالهم، {والذين هَادُواْ}؛ يعني: مالوا عن الإسلام يعني: اليهود {والصابئين}؛ وقد ذكرناه من قبل، {والنصارى والمجوس}، يعني: عبدة النيران، {والذين أَشْرَكُواْ}؛ يعني: عبدة الأوثان والأديان ستة: فواحد لله تعالى، والخمسة للشيطان.
{إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ}، يعني: يقضي ويحكم بينهم {يَوْمُ القيامة}، يعني: بين هذه الأديان الستة؛ وقال بعضهم: إن الفاء مضمرة في الكلام ومعناه: فإن الله يفصل بينهم على معنى جواب الشرط؛ ويقال: جوابه في قوله: {فالذين كَفَرُواْ}.
ثم قال: {إِنَّ الله على كُلّ شيء شَهِيدٌ}، من أعمالهم.
ثم قال عز وجل: {أَلَمْ تَرَ}، يعني: ألم تعلم؟ ويقال: ألست تعلم، ويقال: ألم تخبر في الكتاب؟ {أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن في السماوات} من الملائكة، {وَمَن في الأرض} من الخلق، {والشمس والقمر والنجوم والجبال}.
قال مقاتل: سجود هؤلاء حين تغرب الشمس تحت العرش؛ ويقال: سجودها دورانها {وَ} سجود {الشجر والدواب}، إذا تحول ظل كل شيء فهو سجوده.
قوله: {وَكَثِيرٌ مّنَ الناس}، أي المؤمنين.
{وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب} أي: بترك سجودهم في الدنيا ويقال: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب} بعدم الطاعة؛ ويقال: سجود الشجر، أي هو سجود ظلّها، ويقال: يسجد أي يخضع.
وفيه آية الخلق، فهو سجودهم.
{وَمَن يُهِنِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ}، يعني: من قضى الله عز وجل عليه بالشقاوة، فما له من مسعد.
{إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاء}، يعني: يحكم ما يشاء في خلقه من الإهانة والإكرام. اهـ.

.قال الثعلبي:

{يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ}.
الزلزلة والزلزال: شدّة الحركة على الحال الهائلة، من قوله: زلّت قدمه إذا زالت عن الجهة بسرعة، ثم ضوعف.
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا} يعني الساعة {تَذْهَلُ} أي تشغل، عن ابن عباس، وقال الضحّاك تسلو، ابن حيان: تنسى، يقال: ذهلت عن كذا أي تركته واشتغلت بغيره أذهل ذهولًا، وأذهلني الشيء إذهالًا. قال الشاعر:
صحا قلبه ياعزُّ أو كاد يذهل

{كُلُّ مُرْضِعَةٍ} يعني ذات ولد رضيع، والمرضع المرأة التي لها صبي ترضعه لغيرها، هذا قول أهل الكوفة، وقال أهل البصرة: يقال: امرأة مرضع إذا أُريد به الصفة مثل مقرب ومشرق وحامل وحائض، فإذا أرادوا الفعل أدخلوا الهاء فقيل: مرضعة، التي ترضع وَلَدَها.
{وتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} أي تسقط ولدها من هول ذلك اليوم.
{وَتَرَى الناس سكارى وما هم بسكارى}.
قال الحسن: معناه: وترى الناس سكارى من الخوف، ما هم بسكارى من الشراب.
وقال أهل المعاني: مجازه: وترى الناس كأنّهم سكارى، تدل عليه قراءة أبي زرعة بن عمرو بن جرير: وتُرى الناس بضم التاء أي تظن.
وقرأ أهل الكوفة إلاّ عاصمًا: سكرى وما هم سكرى بغير ألف فيهما، وهما لغتان لجمع السكران مثل كسلى وكسالى {ولَكِن عَذَابَ الله شَدِيدٌ}.
روى عمران بن حصين وأبو سعيد الخدري وغيرهما: إنَّ هاتين الآيتين نزلتا ليلًا في غزوة بني المصطلق وهم حيّ من خزاعة والناس يسيرون، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحثوا المطيّ حتى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأهما عليهم فلم يُر أكثر باكيًّا من تلك الليلة، فلمّا أصبحوا لم يحطّوا السُرُج عن الدواب ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا قدرًا والناس من بين باك أو حاسر حزين متفكّر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشروا وسدّدوا وقاربوا، فإن معكم خليقتين ما كانتا في قوم إلاّ كثّرتاه يأجوج وماجوج».
ثمَّ قال: إنّي لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبّروا وحمدوا الله، ثمَّ قال: «إنّي لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، فكبّروا وحمدوا الله، ثمَّ قال: اني لأرجوا أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبّروا وحمدوا الله، ثمَّ قال: إنّي لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنّة وإنّ أهل الجنة، مائة وعشرون صفًا، ثمانون منها أُمّتي وما المسلمون في الكفّار إلاّ كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة، بل كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، ثمَّ قال: ويدخل من أُمتي سبعون ألفًا الجنة بغير حساب، فقال عمر: سبعون ألفًا؟ فقال: نعم ومع كلّ واحد سبعون ألفاّ، فقام عكاشة بن محصن فقال: يارسول الله ادع الله اٌن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، فقام رجل من الأنصار فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقك بها عكاشة».
{ومِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ} نزلت في النضر بن الحرث، كان كثير الجدال فكان يقول: الملائكة بنات الله، والقران أساطير الأولين، ويزعم أنّ الله غير قادر على إحياء من قد بلي وعاد ترابًا.
قال الله سبحانه: {وَيَتَّبِعُ} في قيله ذلك وجداله في الله بغير علم {كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ} قضي عليه، على الشيطان {أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ} اتّبعه {فَأَنَّهُ} يعني الشيطان {يُضِلُّهُ} يعني يضلّ من تولاه {وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير} وتأويل الآية: قضي على الشيطان أنّه يضلّ أتباعه ويدعوهم إلى النار.
ثمّ ألزم الحجّة منكري البعث فقال عزَّ من قائل: {يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ} يعني أباكم آدم الذي هو أصل النسل ووالد البشر {مِّن تُرَابٍ} ثم ذرّيته {مِن نُّطْفَةٍ} وهو المنيّ وأصلها الماء القليل وجمعها نطاف {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} وهي الدم العبيط الجامد وجمعها علق {ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ} وهي لحمة قليلة قدر ما تمضغ {مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}.
قال ابن عباس وقتادة: تامّة الخلق وغير تامة، وقال مجاهد: مصوّرة وغير مصوّرة يعني السقط.
قال عبد الله بن مسعود: إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله عز وجل مَلَكًا فقال: يا رب مخلّقة أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلّقة مجّتها الأرحام دمًا وإن قال: مخلّقة قال: يا ربّ فما صفة هذه النطفة؟ أذكر أم أُنثى؟ ما رزقها؟ ما أجلها؟ أشقي أم سعيد؟ فيقال له: انطلق إلى أُمّ الكتاب فاستنسخ منه صفة هذه النطفة، فينطلق الملك فينسخها فلا تزال معه حتى يأتي على آخر صفتها.
{لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ} كمال قدرتنا وحكمتنا في تصريفنا أطوار خلقكم.
{وَنُقِرُّ} روي عن عاصم بفتح الراء على النسق، غيره: بالرفع على معنى ونحن نقرُ في الأرحام {مَا نشاء} فلا تمجّه ولا تسقطه {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} وقت خروجها من الرحم تامّ الخلق والمدّة {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ} من بطون أُمهاتكم {طِفْلًا} صغارًا ولم يقل أطفالًا لأنّ العرب تسمّي الجمع باسم الواحد.
قال الشاعر:
إنّ العواذل ليس لي بأمير

ولم يقل أُمَراء.
وقال ابن جريج: تشبيهًا باسم المصدر مثل: عدل وزور، وقيل: تشبيهًا بالخصم والضيف.
{ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ} كمال عقولكم ونهاية قواكم.
{وَمِنكُمْ مَّن يتوفى} قبل بلوغ الأشدّ {وَمِنكُمْ مَّن} يعمّر حتى {يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر} وهو الهرم والخرف {لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا}.
ثمَّ بيَّن دلالة أُخرى للبعث فقال تعالى: {وَتَرَى الأرض هَامِدَةً} يابسة دارسة الأثر من الزرع والنبات كهمود النار.
{فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء} المطر {اهتزت} تحرّكت بالنبات {وَرَبَتْ} أي زادت وأضعفت النبات بمجيء الغيث، وقرأ أبو جعفر: ربأت بالهمز، ومثله في حم السجدة أي ارتفعت وعلت وانتفخت، من قول العرب: ربا الرجل إذا صعد مكانًا مشرفًا، ومنه قيل للطليعة رئبة.
{وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} صنف حسن {ذلك} الذي ذكرت لتعلموا {بِأَنَّ الله هُوَ الحق} والحق هو الكائن الثابت {وَأَنَّهُ يُحْيِي الموتى وَأَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الساعة آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي القبور}.
{ومِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هدًى} بيان وبرهان {وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ} نزلت في النضر بن الحرث {ثَانِيَ عِطْفِهِ} نصب على الحال.
قال ابن عباس: مستكبرًا في نفسه، تقول العرب: جاء فلان ثاني عطفه أي متجبّرًا لتكبّره وتجبّره، والعطف: الجانب.
الضحّاك: شامخًا بأنفه، مجاهد وقتادة: لاويًّا عنقه، عطيّة وابن زيد: معرضًا عمّا يُدعى إليه من الكبر.
ابن جريج: أي يعرض عن الحقّ نظيرها قوله سبحانه: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا ولى مُسْتَكْبِرًا} [لقمان: 7] الآية.
وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ} [المنافقون: 5] الآية.
{لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ} عذاب وهوان وهو القتل ببدر.
{وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق} فيقال له يومئذ {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} وهذا وأضرابه مبالغة في إضافة الجرم إليه.
{وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ} فيعذّبهم بغير ذنب وهو سبحانه على أي وجه تصرّف في عبده فإنّه غير ظالم، بل الظالم: المتعدّي المتحكّم في غير ملكه.
{وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} الآية.
نزلت في إعراب كانوا يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرين من باديتهم فكان أحدهم إذا قدم المدينة، فإن صحّ بها جسمه ونتجت فرسه مهرًا حسنًا وولدت امرأته غلامًا وكثر ماله وماشيته رضي به واطمأنَّ إليه وقال: ما أصبت مذ دخلت في ديني هذا إلا خيرًا، وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وأجهضت رماكه وذهب ماله وتأخرّت عنه الصدقة، أتاه الشيطان فقال: والله ما أصبت مذ كنت على دينك هذا إلاّ شرًّا، فينقلب عن دينه، وذلك الفتنة، فأنزل الله سبحانه: {وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} أي طرف واحد وجانب في الدين لا يدخل فيها على الثبات والتمكين، والحرف: منتهى الجسم، وقال مجاهد: على شكّ.
وقال بعض أهل المعاني: يريد على ضعف في العبادة كضعف القائم على حرف مضطربًا فيه.
وقال بعضهم: أراد على لون واحد في الأحوال كلّها يتّبع مراده، ولو عبدوا الله في الشكر على السرّاء والصبر على الضراء لما عبدوا الله على حرف.
وقال الحسن: هو المنافق يعبده بلسانه دون قلبه.
{فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ} صحة في جسمه وسعة في معيشته {اطمأن بِهِ} أي رضي واطمأن إليه وأقام عليه.
{وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} بلاء في جسمه وضيق في معاشه وتعذّر المشتهى من حاله {انقلب على وَجْهِهِ} ارتدّ فرجع إلى وجهه الذي كان عليه من الكفر {خَسِرَ الدنيا والآخرة} وقرأ حميد الأعرج ويعقوب: خاسر الدنيا بالألف على مثال فاعل، والآخرة خفضًا، على الحال.
{ذلك هُوَ الخسران المبين} الضرر الظاهر {يَدْعُو مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُ} إن عصاه {وما لاَ يَنفَعُهُ} إن أطاعه بعد إسلامه راجعًا إلى كفره {ذلك هُوَ الضلال البعيد} ذهب عن الحق ذهابًا بعيدًا.
{يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} اختلف النحاة في وجه هذه اللام فقال بعضهم: هي صلة مجازُها: يدعو من ضرّه أقرب من نفعه، وهكذا قرأها ابن مسعود، وزعم الفّراء والزجّاج أنّ اللام معناها التأخير تقديرها: يدعو والله لمن ضرّه أقرب من نفعه.
وقال بعضهم: هذا على التأكيد معناه: يدعو لمن ضرّه أقرب من نفعه يدعو ثم حذفت يدعو الأخيرة اجتزاء بالأولى، ولو قلت: تضرب لمن خيره أكثر من شرّه تضرب، ثمّ يحذف الأخير جاز.
وحكي عن العرب سماعًا: أعطيتك لما غيره خير منه، وعنده لما غيره خير منه.
وقيل: يدعو لمَنْ ضرّه من قوله: {ذلك هُوَ الضلال البعيد}، وموضع {ذلك} نصب بـ: يدعو كأنّه قال: الذي هو الضلال البعيد يدعو، ثم استأنف فقال: لَمَن ضرّه أقرب من نفعه، وتكون من في محل الرفع بالابتداء وخبره {لَبِئْسَ المولى وَلَبِئْسَ العشير}.
وقيل: يدعو بمعنى يقول، والخبر محذوف تقديره: لمن ضرّه أقرب من نفعه إلهه لبئس المولى الناصر، ولبئس العشير المعاشر، والصاحب والخليط يعني الوثن.
{إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله فِي الدنيا والآخرة} اختلفوا في المعنى بالهاء التي في قوله ينصره، فقال أكثر المفسّرين: عنى بها نبيّه صلى الله عليه وسلم قال قتادة: يقول: من كان يظنّ أن لن ينصر الله نبيّه {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} بحبل {إِلَى السماء} إلى سقف البيت فليختنق به حتى يموت {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} الحبل بعد الاختناق {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ} صنيعه وحيلته {مَا يَغِيظُ} هذا قول أكثر أهل التأويل، وإنّما معنى الآية: فليصوّر هذا الأمر في نفسه وليس يختم لأنّه إذا اختنق ومات لا يمكنه القطع والنظر.