فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَهُدُواْ إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أنه قول لا إله إلا الله، وهو قول الكلبي.
والثاني: أنه الإِيمان، وهو قول الحسن.
والثالث: القران، وهو قول قطرب.
والرابع: هو الأمر بالمعروف.
ويحتمل عندي تأويلًا خامسًا: أنه ما شكره عليه المخلوقون وأثاب عليه الخالق.
{وَهُدُواْ إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} فيه تأويلان:
أحدهما: الإِسلام، وهو قول قطرب.
والثاني: الجنة.
ويحتمل عندي تأويلًا ثالثًا: أنه ما حمدت عواقبه وأمنت مغبته. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.
هذه الآية معادلة لقوله: {فالذين كفروا} [الحج: 19] وقرأ الجمهور: {يُحلون} بضم الياء وشد اللام من الحلي، وقرأ ابن عباس {يَحلَون} بفتح الياء واللام وتخفيفها، يقال حلي الرجال وحليت المرأة إذا صارت ذات حلي وقيل هي من قولهم لم يحل فلان بطائل، و{من} في قوله: {من أساور} هي لبيان الجنس ويحتمل أن تكون للتبعيض، والأساور جمع سوار وإسوار بكسر الهمزة، وقيل {أساور} جمع أسورة وأسورة جمع سوار، وقرأ ابن عباس من {أسورة من ذهب}، واللؤلؤ الجوهر وقيل صغاره وقيل كباره وألأشهر أنه اسم للجوهر، وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر {ولؤلؤًا} بالنصب عطفًا على موضع الأساور لأن التقدير يحلون أساور، وهي قراءة الحسن والجحدري وسلام ويعقوب والأعرج وأبي جعفر وعيسى بن عمر، وحمل أبو الفتح نصبه على إضمار فعل، وقرأ الباقون من السبعة و{لؤلؤٍ} بالخفض عطفًا إما على لفظ الأساور ويكون اللؤلؤ في غير الأساور، وإما على الذهب لأن الأساور أيضًا تكون {من ذهب} و{لؤلؤ} قد جمع بعضه إلى بعض، ورويت هذه القراءة عن الحسن بن أبي الحسن وطلحة وابن وثاب والأعمش وأهل مكة، وثبتت في الإمام ألف بعد الواو قاله الجحدري، وقال الأصمعي: ليس فيها ألف، وروى يحيى عن أبي بكر عن عاصم همز الواو الثانية دون الأولى، وروى المعلي بن منصور عن أبي عن عاصم ضد ذلك، قال أبو علي: همزهما وتخفيفهما وهمز إحداهما دون الأخرى جائز كله، وقرأ ابن عباس {ولئلئًا} بكسر اللامين، وأخبر عنهم بلباس الحرير لأنها من أكمل حالات الآخرة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة».
وقال ابن عباس: لا تشبه أمور الآخرة أمور الدنيا إلا في الأسماء فقط وإما الصفات فمتباينة، و{الطيب من القول} لا إله إلاَّ الله وما جرى معها من ذكر الله تعالى وتسبيحه وتقديسه وسائر كلام أهل الجنة من محاورة وحديث طيب فإنها لا تسمع فيها لاغية، و{صراط الحميد} هو طريق الله تعالى الذي دعا عباده إليه، ويحتمل أن يريد بـ: {الحميد} نفس الطريق فأضاف إليه على حد إضافته في قوله: {دار الآخرة} [الأنعام: 32، يوسف 109، النحل: 30]. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولؤلؤٍ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {ولؤلو} بالخفض.
وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم: {ولؤلؤًا} بالنصب.
قال أبو علي: من خفص، فالمعنى: يحلَّون أساور من ذهب ومن لؤلؤٍ؛ ومن نصب قال: ويحلَّوْن لؤلؤًا.
قوله تعالى: {وهُدُوا} أي: أُرْشِدوا في الدنيا {إِلى الطيِّب من القول} وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه لا إِله إِلا الله، والحمد لله قاله ابن عباس.
وزاد ابن زيد: والله أكبر.
والثاني: القران، قاله السدي.
والثالث: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حكاه الماوردي.
فأما {صراط الحميد} فقال ابن عباس: هو طريق الإِسلام. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار}.
لمّا ذكر أحد الخصمين وهو الكافر ذكر حال الخصم الآخر وهو المؤمن.
{يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} من صِلة. والأساور جمع أَسْوِرة، وأسورة واحدها سِوار؛ وفيه ثلاث لغات: ضم السين وكسرها وإسوار.
قال المفسرون: لما كانت الملوك تلبَس في الدنيا الأساور والتِّيجان جعل الله ذلك لأهل الجنة، وليس أحد من أهل الجنة إلا وفي يده ثلاثة أسورة: سوار من ذهب، وسوار من فضة، وسوار من لؤلؤ.
قال هنا وفي فاطر: {مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [فاطر: 33] وقال في سورة الإنسان: {وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ} [الإنسان: 21].
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: «تبلغ الحِلْية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء» وقيل: تُحَلَّى النساء بالذهب والرجال بالفضة.
وفيه نظر، والقران يرده.
{وَلُؤْلُؤًا} قرأ نافع وابن القَعْقاع وشيبة وعاصم هنا وفي سورة الملائكة {لؤلؤًا} بالنصب، على معنى ويُحَلَّون لؤلؤًا؛ واستدلوا بأنها مكتوبة في جميع المصاحف هنا بألف.
وكذلك قرأ يعقوب والجَحْدَرِيّ وعيسى بن عمر بالنصب هنا والخفض في فاطر اتباعًا للمصحف، ولأنها كتبت هاهنا بألف وهناك بغير ألف.
الباقون بالخفض في الموضعين.
وكان أبو بكر لا يهمز اللؤلؤ في كل القران؛ وهو ما يستخرج من البحر من جوف الصَّدَف.
قال القُشيرِيّ: والمراد ترصيع السوار باللؤلؤ؛ ولا يبعد أن يكون في الجنة سوار من لؤلؤ مُصْمَت.
قلت: وهو ظاهر القران بل نصّه.
وقال ابن الأنباري: من قرأ {لؤلؤٍ} بالخفض وقف عليه ولم يقف على الذهب.
وقال السِّجِستانِيّ: من نصب {اللؤلؤ} فالوقف الكافي {من ذهب}؛ لأن المعنى ويحلون لؤلؤ.
قال ابن الأنباري: وليس كما قال، لأنا إذا خفضنا {اللؤلؤ} نسقناه على لفظ الأساور، وإذا نصبناه نسقناه على تأويل الأساور؛ وكأنا قلنا: يحلون فيها أساور ولؤلؤًا، فهو في النصب بمنزلته في الخفض، فلا معنى لقطعه من الأوّل.
قوله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} أي وجميع ما يلبَسونه من فُرُشهم ولباسهم وستورهم حرير، وهو أعلى مما في الدنيا بكثير.
وروى النَّسائيّ عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من لبِس الحرير في الدنيا لم يلبَسه في الآخرة ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب فيها في الآخرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لباسُ أهل الجنة وشراب أهل الجنة وآنية أهل الجنة» فإن قيل: قد سوّى النبيّ صلى الله عليه وسلم بين هذه الأشياء الثلاثة وأنه يُحْرمُها في الآخرة؛ فهل يحرمها إذا دخل الجنة؟ قلنا: نعم! إذا لم يتب منها حُرِمها في الآخرة وإن دخل الجنة؛ لاستعجاله ما حرم الله عليه في الدنيا.
لا يقال: إنما يُحْرَم ذلك في الوقت الذي يعذَّب في النار أو بطول مقامه في الموقف، فأما إذا دخل الجنة فلا؛ لأن حرمان شيء من لذّات الجنة لمن كان في الجنة نوع عقوبةٍ ومؤاخذةٍ، والجنة ليست بدار عقوبة، ولا مؤاخذةَ فيها بوجه.
فإنا نقول: ما ذكرتموه محتمل، لولا ما جاء ما يدفع هذا الاحتمال ويردّه من ظاهر الحديث الذي ذكرناه.
وما رواه الأئمة من حديث ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حُرِمها في الآخرة» والأصل التمسك بالظاهر حتى يرد نصّ يدفعه؛ بل قد ورد نصّ على صحة ما ذكرناه، وهو ما رواه أبو داود الطيالسيّ في مسنده: حدّثنا هشام عن قتادة عن داود السرّاج عن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو» وهذا نص صريح وإسناده صحيح.
فإن كان «وإن دخل الجنة لبسه أهلُ الجنة ولم يلبسه هو» من قول النبيّ صلى الله عليه وسلم فهو الغاية في البيان، وإن كان من كلام الراوي على ما ذكر فهو أعلم بالمقال وأقعد بالحال، ومثله لا يقال بالرأي، والله أعلم.
وكذلك «من شرب الخمر ولم يتب». و«من استعمل آنية الذهب والفضة» وكما لا يشتهي منزلة من هو أرفع منه، وليس ذلك بعقوبة، كذلك لا يشتهي خمر الجنة ولا حريرها ولا يكون ذلك عقوبة.
وقد ذكرنا هذا كله في كتاب التذكرة مستوفى، والحمد لله، وذكرنا فيها أن شجر الجنة وثمارَها يتّفتق عن ثياب الجنة، وقد ذكرناه في سورة الكهف.
قوله تعالى: {وهدوا إِلَى الطيب مِنَ القول} أي أُرشِدوا إلى ذلك.
قال ابن عباس: يريد لا إله إلا الله والحمد لله.
وقيل: القران، ثم قيل: هذا في الدنيا، هُدُوا إلى الشهادة، وقراءة القرآن.
{وهدوا إلى صِرَاطِ الحميد} أي إلى صراط الله.
وصراط الله: دينه وهو الإسلام.
وقيل: هُدُوا في الآخرة إلى الطيِّب من القول، وهو الحمد لله؛ لأنهم يقولون غدًا الحمد لله الذي هدانا لهذا، الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَن؛ فليس في الجنة لَغْوٌ ولا كذب فما يقولونه فهو طيب القول.
وقد هُدُوا في الجنة إلى صراط الله، إذ ليس في الجنة شيء من مخالفة أمر الله.
وقيل: الطيب من القول ما يأتيهم من الله من البِشارات الحسنة {وهدوا إلى صِرَاطِ الحميد} أي إلى طريق الجنة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار}.
ولما ذكر تعالى ما أعد لأحد الخصمين من العذاب ذكر ما أعد من الثواب للخصم الآخر.
وقرأ الجمهور {يُحلونْ} بضم الياء وفتح الحاء وتشديد الللام، وقرئ بضم الياء والتخفيف.
وهو بمعنى المشدد، وقرأ ابن عباس {يحلون} بفتح الياء واللام وسكون الحاء من قولهم: حلى الرجل وحليت المرأة إذا صارت ذات حلي والمرأة ذات حلي والمرأة حال.
وقال أبو الفضل الرازي: يجوز أن يكون من حَلي يعيني يحلى إذا استحسنته، قال فتكون {من} زائدة فيكون المعنى يستحسنون فيها الأساورة الملبوسة انتهى.
وهذا ليس بجيد لأنه جعل حلى فعلًا متعديًّا ولذلك حكم بزيادة {من} في الواجب وليس مذهب البصريين، وينبغي على هذا التقدير أن لا يجوز لأنه لا يحفظ لازمًا فإن كان بهذا المعنى كانت {من} للسبب أي بلباس أساور الذهب يحلون بعين من يراهم أي يحلى بعضهم بعين بعض.
قال أبو الفضل الرازي: ويجوز أن تكون {من} حليت به إذا ظفرت به، فيكون المعنى {يحلون فيها} بأساور فتكون {من} بدلًا من الباء، والحلية من ذلك فإما إذا أخذته من حليت به فإنه الحلية، وهو من الياء وإن أخذته من حلي بعيني فإنه من الحلاوة من الواو انتهى.
ومن معنى الظفر قولهم: لم يحل فلان بطائل، أي لم يظفر.
والظاهر أن {من} في {من أساور} للتبعيض وفي {من ذهب} لابتداء الغاية أي أنشئت من ذهب.
وقال ابن عطية: {من} في {من أساور} لبيان الجنس، ويحتمل أن تكون للتبيعض.
وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة في الكهف.
وقرأ ابن عباس من أسور بفتح الراء من غير ألف ولا هاء، وكان قياسه أن يصرفه لأنه نقص بناؤه فصار كجندل لَكِنه قدر المحذوف موجودًا فمنعه الصرف.
وقرأ عاصم ونافع والحسن والجحدري والأعرج وأبو جعفر وعيسى بن عمر وسلام ويعقوب {ولؤلؤًا} هنا وفي فاطر بالنصب وحمله أبو الفتح على إضمار فعل وقدره الزمخشري ويؤتون {لؤلؤًا} ومن جعل {من} في {من أساور} زائدة جاز أن يعطف {ولؤلؤًا} على موضع {أساور} وقيل يعطف على موضع {من أساور} لأنه يقدر و{يحلون} حليًّا {من أساور}.
وقرأ باقي السبعة والحسن أيضًا وطلحة وابن وثاب والأعمش.
وأهل مكة ولؤلؤ بالخفض عطفًا على {أساور} أو على {ذهب} لأن السوار يكون من ذهب ولؤلؤ، يجمع بعضه إلى بعض.
قال الجحدري: الألف ثابتة بعد الواو في الإمام.
وقال الأصمعي: ليس فيها ألف، وروى يحيى عن أبي بكر همز الأخير وإبدال الأولى.
وروى المعلي بن منصور عنه ضد ذلك.
وقرأ الفياض: ولوليًّا قلب الهمزتين واوًا صارت الثانية واوًا قبلها ضمة، عمل فيها ما عمل في أدل من قلب الواو ياء والضمة قبلها كسرة.
وقرأ ابن عباس وليليًّا أبدل الهمزتين واوين ثم قلبهما ياءين اتبع الأولى للثانية.
وقرأ طلحة ولول مجرورًا عطفًا على ما عطف عليه المهموز.
و{الطيب من القول} إن كانت الهداية في الدنيا فهو قول لا إله إلاّ الله، والأقوال الطيبة من الأذكار وغيرها، ويكون الصراط طريق الإسلام وإن كان إخبارًا عما يقع منهم في الآخرة فهو قولهم: الحمد لله الذي صدقنا وعده وما أشبه ذلك من محاورة أهل الجنة، ويكون الصراط الطريق إلى الجنة.
وعن ابن عباس: هو لا إله إلا الله والحمد لله زاد ابن زيد والله أكبر.
وعن السدّي القران.
وحكى الماوردي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وعن ابن عباس: هو الحمد لله الذي صدقنا وعده، والظاهر أن {الحميد} وصف لله تعالى.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يرد بالحميد نفس الطريق، فأضاف إليه على حد إضافته في قوله: دار الآخرة. اهـ.