فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.
التحلية تحصينٌ لهم، وسَتْرٌ لأحْوالهم؛ فهم للجنة زينة، وليس لهم بالجنة زينة:
وإذا الدُرُّ زَانَ حُسْنَ وجوهٍ ** كان للدُّرِّ حُسْنُ وَجْهِكَ زَيْنَا

قوله جلّ ذكره: {وَهُدُواْ إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُواْ إِلَى صِرَاطِ الحَمِيدِ}.
الطيبُ من القول ما صَدَر عن قلبٍ خالصٍ، وسِرٍّ صافٍ مما يَرْضَى به علم التوحيد، فهو الذي لا اعتراض عليه للأصول.
ويقال الطيب من القول ما يكون وعظًا للمسترشدين، ويقال الطيبُ من القول هو إرشاد المريدين إلى الله.
ويقال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويقال الدعاء للمسلمين.
ويقال كلمة حقٍ عند من يُخَافُ ويُرْجَى.
ويقال الشهادتان عن قلبٍ مخلص.
ويقال ما كان قائله فيه مغفورًا وهو مُسْتَنْطَقٌ.
ويقال هو بيان الاستغفار والعبد برئٌ من الذنوب.
ويقال الإقرار بقوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: 23].
ويقال أَنْ تَدْعُوَ للمسلمين بما لا يكون لَكَ فيه نصيب.
وأَمَا {صِرَاطِ الْحَمِيدِ}: فالإضافة فيه كالإضافة عند قولهم: مسجد الجامع أي المسجد الجامع والصراط الحميد: الطريق المرضي وهو ما شهدت له الشريعة بالصحة، وليس للحقيقة عليه نكير.
ويقال الصراط الحميد: ما كان طريق الاتباع دون الابتداع. اهـ.

.تفسير الآية رقم (25):

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَواء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين ما للفريقين، وتضمن ما للفريق الثاني بيان أعمالهم الدالة على صدق إيمانهم، كرر ذكر الفريق الأول لبيان ما يدل على استمرار كفرهم، ويؤكد بيان جزائهم، فقال: {إن الذين كفروا} أي أوقعوا هذا الفعل الخبيث.
ولما مان المضارع قد لا يلحظ منه زمان معين من حال أو استقبال، بل يكون المقصود منه الدلالة على مجرد الاستمرار كقولهم: فلان يعطي ويمنع، قال عاطفًا له على الماضي: {ويصدون} أي ويديمون الصد {عن سبيل الله} أي الملك الأعظم، باقتسامهم طرق مكة، وقول بعضهم لمن يمر به: خرج فينا ساحر، وآخر يقول شاعر، وآخر: كاهن، فلا تسمعوا منه، فإنه يريد أن يردكم عن دينكم؛ قال بعض من أسلم: لم يزالوا بي حتى جعلت في أدنى الكرسف مخافة أن أسمع شيئًا من كلامهم.
وكانوا يؤذون من أسلم- إلى غير ذلك من أعمالهم، ولعله إنما عبر بالمضارع رحمة منه لهم ليكون كالشرط في الكفر فيدل على أن من ترك الصد زال عنه الكفر وإن طال ذلك منه {و} يصدون عن {المسجد الحرام} أن تقام شعائره من الطواف فيه بالبيت والصلاة والحج والاعتمار ممن هو أهل ذلك من أوليائنا.
ثم وصفه بما يبين شديد ظلمهم في الصد عنه فقال: {الذي جعلناه} بما لنا من العظمة {للناس} أي كلهم؛ ثم بين جعله لهم بقوله: {سواء العاكف فيه} أي المقيم {والباد} أي الزائر له من البادية؛ قال الرازي في اللوامع: {سواء} رفع بالابتداء، و{العاكف} خبره، وصلح من تنكيره للابتداء، لأنه كالجنس في إفادة العموم الذي هو أحسن العهد.
ولما ذكر الكفار ودليل كفرهم بما استعطفهم، وزاد في الاستعطاف بحذف الخبر عنهم، ودل آخر الآية هلى أنه يذيقهم العذاب الأليم، عطف عليه ما ينفر عن وصفهم فقال: {ومن يرد فيه} أي شيئًا من أفعال الكفار من الصد المذكور وغيره، أي يقع منه أرادة لشيء من ذلك {بإلحاد} أي مصاحبة تلك الأرادة وملتبسة بجور عن الأمر المعروف وميل واعوجاج.
ولما كان ذلك يقع على مطلق هذا المعنى، بين المراد بقوله: {بظلم} أي في غير موضعه، وأما صد الكفار عنه فإنه بحق، لأنهم نجس لا ينبغي قربانهم المحال المقدسة، وكذا صد الحائض والجنب والخائن {نذقه} ولما كان المشروط نوعًا من الإلحاد، لا الإلحاد الكامل، عبر بقوله: {من عذاب أليم} ودل هذا الخبر عمن أراد شيئًا مما فعله الكفار أن الخبر عن الكفار الفاعلين لما رتب هذا الجزاء على أرادته ما قدرته. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.
اعلم أنه تعالى بعد أن فصل بين الكفار والمؤمنين ذكر عظم حرمه البيت وعظم كفر هؤلاء فقال: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ} بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله والمسجد الحرام} وذلك بالمنع من الهجرة والجهاد لأنهم كانوا يأبون ذلك.
وفيه إشكال وهو أنه كيف عطف المستقبل وهو قوله: {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} الماضي وهو قوله: {كَفَرُواْ} والجواب: عنه من وجهين: الأول: أنه يقال فلان يحسن إلى الفقراء ويعين الضعفاء لا يراد به حال ولا استقبال وإنما يراد استمرار وجود الإحسان منه في جميع أزمنته وأوقاته، فكأنه قيل إن الذين كفروا من شأنهم الصد عن سبيل الله، ونظيره قوله: {الذين ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله} [الرعد: 28].
وثانيهما: قال أبو على الفارسي التقدير إن الذين كفروا فيما مضى وهم الآن يصدون ويدخل فيه أنهم يفعلون ذلك في الحال والمستقبل، أما قوله: {والمسجد الحرام} يعني ويصدوهم أيضًا عن المسجد الحرام، قال ابن عباس رضي الله عنهما نزلت الآية في أبي سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية عن المسجد الحرام عن أن يحجوا ويعتمروا وينحروا الهدي فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالهم وكان محرمًا بعمرة ثم صالحوه على أن يعود في العام القابل.
أما قوله: {الذي جعلناه لِلنَّاسِ سَواء العاكف فِيهِ والباد} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال أبو على الفارسي أي جعلناه للناس منسكًا ومتعبدًا وقوله: {سَواء العاكف فِيهِ والباد} رفع على أنه خبر مبتدأ مقدم أي العاكف والباد فيه سواء، وتقدير الآية المسجد الحرام الذي جعلناه للناس منسكًا فالعاكف والبادي فيه سواء وقرأ عاصم ويعقوب سواء بالنصب بإيقاع الجعل عليه لأن الجعل يتعدى إلى مفعولين، والله أعلم.
المسألة الثانية:
العاكف المقيم به الحاضر.
والبادي الطارىء من البدو وهو النازع إليه من غربته، وقال بعضهم يدخل في العاكف القريب إذا جاور ولزمه للتعبد وإن لم يكن من أهله.
المسألة الثالثة:
اختلفوا في أنهما في أي شيء يستويان قال ابن عباس رضي الله عنهما في بعض الروايات إنهما يستويان في سكنى مكة والنزول بها فليس أحدهما أحق بالمنزل الذي يكون فيه من الآخر إلا أن يكون واحد سبق إلى المنزل وهو قول قتادة وسعيد بن جبير ومن مذهب هؤلاء أن كراء دور مكة وبيعها حرام واحتجوا عليه بالآية.
والخبر، أما الآية فهي هذه قالوا إن أرض مكة لا تملك فإنها لو ملكت لم يستو العاكف فيها والبادي، فلما استويا ثبت أن سبيله سبيل المساجد، وأما الخبر فقوله عليه السلام: «مكة مباح لمن سبق إليها» وهذا مذهب ابن عمر وعمر بن عبد العزيز ومذهب أبي حنيفة وإسحق الحنظلي رضي الله عنهم وعلى هذا المراد بالمسجد الحرام الحرم كله لأن إطلاق لفظ المسجد الحرام والمراد منه البلد جائز بدليل قوله تعالى: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مّنَ المسجد الحرام} [الإسراء: 1] وهاهنا قد دل الدليل وهو قوله: {العاكف} لأن المراد منه المقيم إقامة، وإقامته لا تكون في المسجد بل في المنازل فيجب أن يقال ذكر المسجد وأراد مكة.
القول الثاني: المراد جعل الله الناس في العبادة في المسجد سواء ليس للمقيم أن يمنع البادي وبالعكس قال عليه السلام: «يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمور الناس شيئًا فلا يمنعن أحدًا طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة من ليل أو نهار» وهذا قول الحسن ومجاهد وقول من أجاز بيع دور مكة.
وقد جرت مناظرة بين الشافعي وإسحق الحنظلي بمكة وكان إسحق لا يرخص في كراء بيوت مكة، واحتج الشافعي رحمه الله بقوله تعالى: {الذين أُخْرِجُواْ مِن ديارهم بِغَيْرِ حَقّ} [الحج: 40] فأضيفت الدار إلى مالكها وإلى غير مالكها، وقال عليه السلام يوم فتح مكة: {من أغلق بابه فهو آمن} وقال صلى الله عليه وسلم: «هل ترك لنا عقيل من ربع» وقد اشترى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما دار السجن، أترى أنه اشتراها من مالكها أو من غير مالكها؟ قال إسحق: فلما علمت أن الحجة قد لزمتني تركت قولي.
أما الذي قالوه من حمل لفظ المسجد على مكة بقرينة قوله العاكف، فضعيف لأن العاكف قد يراد به الملازم للمسجد المعتكف فيه على الدوام، أو في الأكثر فلا يلزم ما ذكروه، ويحتمل أن يراد بالعاكف المجاور للمسجد المتمكن في كل وقت من التعبد فيه فلا وجه لصرف الكلام عن ظاهره مع هذه الاحتمالات.
أما قوله: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرئ {يُرِدْ} بفتح الياء من الورود، ومعناه من أتى فيه بإلحاد وعن الحسن ومن يرد إلحاده بظلم، والمعنى ومن يرد إيقاع إلحاد فيه، فالإضافة صحيحة على الاتساع في الظرف كمكر الليل والنهار، ومعناه ومن يرد أن يلحد فيه ظالمًا.
المسألة الثانية:
الإلحاد العدول عن القصد وأصله إلحاد الحافر، وذكر المفسرون في تفسير الإلحاد وجوهًا: أحدها: أنه الشرك، يعني من لجأ إلى حرم الله ليشرك به عذبه الله تعالى، وهو إحدى الروايات عن ابن عباس وقول عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وقتادة ومقاتل.
وثانيها: قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في عبد الله بن سعد حيث استسلمه النبي صلى الله عليه وسلم فارتد مشركًا، وفي قيس بن ضبابة.