فصل: تفسير الآيات (168– 169):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (168– 169):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما عجب سبحانه وتعالى من الضالين وبين من مآلهم ما يزجر مثله من له أدنى عقل فكانوا بذلك في عداد المقبل بعد الإدبار والمذعن بعد الاستكبار أقبل على الكل كما فعل في آية التوحيد الأولى فقال: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} إقبال متلطف بعموم الإذن في تناول ما أبدعه لهم ورحمهم به في هذا الملكوت المذكور في ضمن ما نصب من الأدلة تذكيرًا لهم بالنعمة وتوددًا إليهم بجميع ما يوجب المحبة وإشارة إلى أنه هو الذي خلق لهم ما تقربوا به إلى غيره مما ادعوه ندًا من البحيرة والسائبة والوصيلة وما شاكلها فقال: {يا أيها الناس} وإن اختصرت فقل: لما أقام سبحانه وتعالى الدليل على الوحدانية بما خلق من المنافع وصنف الناس صنفين ضال معطوف دال بعطفه على غير مذكور على مهتد معطوف عليه وختم بتأبيد عذاب الضال أقبل على الصنفين إقبال متلطف مترفق مستعطف مناديًا لهم إلى تأبيد نفعهم قائلًا: {يا أيها الناس} أي كافة. وقال الحرالي: لما استوفى سبحانه وتعالى ذكر أمر الدين إلى أنهاه من رتبة دين الإسلام الذي رضيه وكان الدين هو غذاء القلوب وزكاة الأنفس نظم به ذكر غذاء الأبدان من الأقوات ليتم بذكر النماءين نماء الذوات ظاهرها البدني وباطنها الديني، لما بين تغذي الأبدان وقوام الأديان من التعاون على جمع أمري صلاح العمل ظاهرًا وقبوله باطنًا، قال عليه الصلاة والسلام: «لا يقبل الله عملًا إلا بالورع الشافي»؛ وكما قيل: ملاك الدين الورع، وهلاكه الترف، ونقصه السرف؛ فكما انتظم الكتاب قصر الخلق على أفضل متصرفاتهم في التدين اتصل به قصرهم على أفضل مأكلهم في التقوت، ولما ذكر الدين في رتبتي صنفين من الناس والذين آمنوا انتظم به ذكر المأكل في صنفيهما فقال: {يا أيها الناس} فانتظم بخطاب قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} لما بين العبادة والمأكل من الالتزام. انتهى.
ولما كانت رتبة الناس من أدنى المراتب في خطابهم أطلق لهم الإذن تلطفًا بهم ولم يفجأهم بالتقييد فقال مبيحًا لهم ما أنعم به عليهم {كلوا} ولما كان في الأرض ما لا يؤكل قال: {مما في الأرض} أي مما بينا لكم أنه من أدلة الوحدانية. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما بين التوحيد ودلائله، وما للموحدين من الثواب وأتبعه بذكر الشرك ومن يتخذ من دون الله أندادًا، ويتبع رؤساء الكفر أتبع ذلك بذكر إنعامه على الفريقين وإحسانه إليهم وأن معصية من عصاه وكفر من كفر به لم تؤثر في قطع إحسانه ونعمه عنهم، فقال: {يا أيها الناس كُلُواْ مِمَّا في الأرض}. اهـ.

.اللغة:

{خطوات الشيطان} جمع خطوة وهي في الأصل ما بين القدمين عند المشي، وتستعمل مجازًا في تتبع الآثار.
{السوء} ما يسوء الإنسان أي يحزنه ويطلق على المعصية قولا أو فعلًا أو اعتقادا لأنها تسوء صاحبها أي تحزنه في الحال أو المآل.
{الفحشاء} ما يستعظم ويستفحش من المعاصي فهي أقبح أنواع المعاصي.
{ألفينا} وجدنا ومنه قوله سبحانه: {وألفينا سيدها لدى الباب} {إنهم ألفوا آباءهم ضالين} أي وجدوا.
{ينعق} يصيح يقال: نعق الراعي بغنمه ينعق نعيقا إذا صاح بها وزجرها، قال الأخطل:
فانعق بضأنك يا جرير فإنما ** منتك نفسك في الخلاء ضلالا

{أهل} الإهلال: رفع الصوت يقال: أهل المحرم إذا رفع صوته بالتلبية، ومنه إهلال الصبي وهو صياحه عند الولادة، وكان المشركون إذا ذبحوا ذكروا اللات والعزى، ورفعوا بذلك أصواتهم.
{اضطر} ألجئ أي ألجأته الضرورة إلى الأكل من المحرمات.
{باغ ولا عاد} الباغي من البغي، والعادي من العدوان، وهما بمعنى الظلم وتجاوز الحد.
{يزكيهم} يطهرهم من التزكية وهي التطهير.
{شقاق} الشقاق: الخلاف والعداوة، بحيث يكون كل واحد في شق أي طرف. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{خطوات} ساكنة الطاء حيث كان: أبو عمرو وغير عباس ونافع وحمزة وخلف الهاشمي وأبو ربيعة عن البزي والقواس والحماد وأبو بكر غير البرجمي. الباقون: بالضم. {بل نتبع}. وبابه مثل {هل ننبئكم} [الكهف: 103] و{بل نقذف} [الأنبياء: 18] مدغمًا حيث كان: علي وهشام.

.الوقوف:

{طيبًا} ز والوصل أجوز لعطف الجملتين المتفقتين {الشيطان} ط {مبين} o {ما لا تعلمون} o {آباءنا} ط لابتداء الاستفهام {ولا يهتدون} o {ونداء} ط لحق المحذوف أي هم صم {لا يعقلون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {يا أيها الناس كلوا في الأرض حلالًا طيبًا} نزلت في ثقيف وخزاعة وعامر بن صعصعة وبني مدلج فيما حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة والحام. اهـ.

.قال ابن عرفة:

قوله تعالى: {يا أيها الناس كُلُواْ مِمَّا فِي الأرض حَلاَلًا طَيِّبًا}.
قال ابن عرفة: هذا الأمر إما للوجوب أي أوجب الله علينا الأكل لأنّ به قوام الأجسام، أو لوجوب الأكل من الحلال. وإما للندب أو للإباحة وفيه دليل على أنّ الأشياء على الحظر، أو على الإباحة. اهـ.
ومِن في قوله: {مما في الأرض} للتبعيض، فالتبعيض راجع إلى كون المأكول بعضًا من كل نوع وليس راجعًا إلى كون المأكول أنواعًا دون أنواع، لأنه يفوت غرض الآية، فما في الأرض عام خصصه الوصف بقوله: {حلالًا طيبًا} فخرجت المحرمات الثابت تحريمها بالكتاب أو السنة. اهـ.
الحلال المباح الذي انحلت عقدة الحظر عنه وأصله من الحل الذي هو نقيض العقد ومنه: حل بالمكان إذا نزل به، لأنه حل شد الارتحال للنزول وحل الدين إذا وجب لانحلال العقدة بإنقضاء المدة، وحل من إحرامه، لأنه حل عقدة الإحرام، وحلت عليه العقوبة، أي وجبت لانحلال العقدة بالمانعة من العذاب والحلة الإزار والرداء، لأنه يحل عن الطي للبس، ومن هذا تحلة اليمين، لأنه عقدة اليمين تنحل به، واعلم أن الحرام قد يكون حرامًا لخبثه كالميتة والدم والخمر، وقد يكون حرامًا لا لخبثه، كملك الغير إذا لم يأذن في أكله فالحلال هو الخالي عن القيدين. اهـ.
الطيب في اللغة قد يكون بمعنى الطاهر والحلال يوصف بأنه طيب، لأن الحرام يوصف بأنه خبيث قال تعالى: {قُل لاَّ يَسْتَوِى الخبيث والطيب} [المائدة: 100] والطيب في الأصل هو ما يستلذ به ويستطاب ووصف به الطاهر والحلال على جهة التشبيه، لأن النجس تكرهه النفس فلا تستلذه والحرام غير مستلذ، لأن الشرع يزجر عنه وفي المراد بالطيب في الآية وجهان الأول: أنه المستلذ لأنا لو حملناه على الحلال لزم التكرار فعلى هذا إنما يكون طيبًا إذا كان من جنس ما يشتهي لأنه إن تناول ما لا شهوة له فيه عاد حرامًا وإن كان يبعد أن يقع ذلك من العاقل إلا عند شبهة والثاني: المرادمنه المباح وقوله يلزم التكرار قلنا: لا نسلم فإن قوله: {حلالا} المراد منه ما يكون جنسه حلالًا وقوله: {طَيّبًا} المراد منه لا يكون متعلقًا به حق الغير فإن أكل الحرام وإن اسطابه الآكل فمن حيث يفضي إلى العقاب يصير مضرة ولا يكون مستطابًا، كما قال تعالى: {إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أموال اليتامى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وفي هذا الوصف معنى عظيم من الإيماء إلى قاعدة الحلال والحرام فلذلك قال علماؤنا: إن حكم الأشياء التي لم ينص الشرع فيها بشيء أن أصل المضار منها التحريم وأصل المنافع الحل، وهذا بالنظر إلى ذات الشيء بقطع النظر عن عوارضه كتعلق حق الغير به الموجب تحريمه، إذ التحريم حينئذٍ حكم للعارض لا للمعروض.
وقد فسر الطيب هنا بما يبيحه الشرع وهو بعيد لأنه يفضي إلى التكرار، ولأنه يقتضي استعمال لفظ في معنى غير متعارف عندهم. اهـ.

.قال الألوسي:

وقوله تعالى: {طَيّبًا} صفة {حلالا} ومعناه كما قال الإمام مالك ما يجده فم الشرع لذيذًا لا يعا فهو لا يكرهه، أو تراه عينه طاهرًا عن دنس الشبهة، وفائدة وصف الحلال به تعميم الحكم كما في قوله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ في الارض} [الأنعام: 8 3] ليحصل الرد على من حرم بعض الحلالات، فإن النكرة الموصوفة بصفة عامة تعم بخلاف غير الموصوفة، وقال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: المراد به ما تستطيبه الشهوة المستقيمة الناشئة من المزاج الصحيح، ورد بأن ما لا تستطيبه إما حلال لا شبهة فيه فلا منع وإلا خرج بقيد الحلال، وأجيب بأن المراد بالحلال ما نص الشارع على حله وبهذا ما لم يرد فيه نص ولكنه مما يستلذ ويشتهيه الطبع المستقيم، ولم يكن في الشرع ما يدل على حرمته كاسكار وضرر، والأولى نظرًا للمقام أن يقال إن التقييد ليس للاحتراز عما تستطيبه الشهوة الفاسدة بل لكونه معتبرًا في مفهومه إذ لا يقال الطيب واللذيذ إلا على ما تستلذه الشهوة المستقيمة وتكون فائدة التوصيف حينئذٍ التنصيص على إباحة ما حرموه، والقول بأن في الآية على هذا التفسير إشارة إلى النهي عن الأكل على امتلاء المعدة والشهوة الكاذبة لأن ذلك لا يستطيب لا يستطيب لأن الطعام اللذيذ المأكول كذلك مما تستطيبه الشهوة إلا أنه ليس مأكولًا بالشهوة المستقيمة، وبين المعنيين بعد بعيد كما قاله بعض المحققين واستدل بعضهم بالآية على أن من حرم طعامًا مثلًا فهو لاغ ولا يحرم عليه، وفيه خفاء لا يخفى. اهـ.
قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}:
قال ابن السكيت فيما رواه عنه الجبائي الخطوة والخطوة بمعنى واحد وحكى عن الفراء: خطوت خطوة والخطوة ما بين القدمين كما يقال: حثوت حثوة، والحثوة اسم لما تحثيت، وكذلك غرفت غرفة والغرفة اسم لما اغترفت، وإذا كان كذلك فالخطوة المكان المتخطى كما أن الغرفة هي الشيء المغترف بالكف فيكون المعنى: لا تتبعوا سبيله ولا تسلكوا طريقه لأن الخطوة اسم مكان، وهذا قول الزجاج وابن قتيبة فانهما قالا: خطوات الشيطان طر فهو إن جعلت الخطوة بمعنى الخطوة كما ذكره الجبائي فالتقدير: لا تأتموا به ولا تقفوا أثره والمعنيان مقاربان وإن اختلف التقديران هذا ما يتعلق باللغة، وأما المعنى فليس مراد الله هاهنا ما يتعلق باللغة بل كأنه قيل لمن أبيح له الأكل على الوصف المذكور احذر أن تتعداه إلى ما يدعوك إليه الشيطان وزجر المكلف بهذا الكلام عن تخطي الحلال إلى الشبه كما زجره عن تخطيه إلى الحرام لأن الشيطان إنما يلقي إلى المرء ما يجري مجرى الشبهة فيزين بذلك ما لا يحل له فزجر الله تعالى عن ذلك، ثم بين العلة في هذا التحذير، وهو كونه عدوًا مبينًا أي متظاهر بالعداوة، وذلك لأن الشيطان التزم أمورًا سبعة في العداوة أربعة منها في قوله تعالى: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتّكُنَّ ءَاذَانَ الأنعام وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ خَلْقَ الله} [النساء: 119] وثلاثة منها في قوله تعالى: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرين} [الأعراف: 16 17] فلما التزم الشيطان هذه الأمور كان عدوًا متظاهرًا بالعداوة فلهذا وصفه الله تعالى بذلك. اهـ.

.قال الماوردي:

{وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} وهي جمع خطوة، واختلف أهل التفسير في المراد بها على أربعة أقاويل:
أحدها: أن خطوات الشيطان أعماله، وهو قول ابن عباس.
والثاني: أنها خطاياه وهو قول مجاهد.
والثالث: أنها طاعته، وهو قول السدي.
والرابع: أنها النذور في المعاصي. اهـ.

.قال ابن عاشور:

واللام في {الشيطان} للجنس، ويجوز أن تكون للعهد، ويكون المراد إبليسَ وهو أصل الشياطين وآمرهم فكل ما ينشأ من وسوسة الشياطين فهو راجع إليه لأنه الذي خطا الخطوات الأولى. اهـ.

.قال الفخر:

وأما قوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بالسوء والفحشاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فهذا كالتفصيل لجملة عداوته، وهو مشتمل على أمور ثلاثة أولها: السوء، وهو متناول جميع المعاصي سواء كانت تلك المعاصي من أفعال الجوارح أو من أفعال القلوب وثانيها: الفحشاء وهي نوع من السوء، لأنها أقبح أنواعه، وهو الذي يستعظم ويستفحش من المعاصي وثالثها: {أَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} وكأنه أقبح أنواع الفحشاء، لأنه وصف الله تعالى بما لا ينبغي من أعظم أنواع الكبائر، فصارت هذه الجملة كالتفسير لقوله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان} فيدخل في الآية أن الشيطان يدعو إلى الصغائر والكبائر والكفر والجهل بالله. اهـ.