فصل: قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)}.
التفسير: لما ذكر حال أحد الخصمين في الآخرة أراد أن يذكر حال الآخر وهو المؤمن ولهذا ألزم التكرار، إلا أنه يفطن بهذه الآية فائدة أخرى هي بيان أهل الجنة يحلون فيها وقد مر مثله في أوائل الكهف. ومن قرأ {لؤلؤًا} بالنصب فعلى تقدير ويؤتون لؤلؤًا لأن السوار من اللؤلؤ غريب إلا أن يكون شيئًا منظوما منه. {وهدوا إلى الطيب من القول} عن ابن عباس هو قولهم الحمد لله الذي صدقنا وعده يلهمهم الله ذلك {وهدوا إلى صراط الحميد} أي إلى طريق المقام المحمود وهو الجنة أو إلى صراط الله كقوله: {إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض} [إبراهيم: 12] وقال السدي: الطيب من القول هو القران. وقيل: شهادة أن لا إله إلا الله وقال حكماء الإسلام: هو كشف الغطاء عن الحقائق الروحانية والمعارف الربانية، ثم كرر وعيد أهل الكفر ومن دناهم فقال: {إن الذين كفروا ويصدون} إنما حسن عطف المستقبل على الماضي لأنه أراد به الاستمرار وأنه من شأنهم الصد وكأنه قيل: كفروا واستمروا على الصد. وقال ابو على الفارسي. كفروا في الماضي وهم الآن يصدون. عن ابن عباس أنها نزلت في أبي سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه عام الحديبية عن أن يحجوا ويعتمروا وينحروا الهدي. ومن قرأ {سواء} بالنصب فعلى أنه مفعول ثانٍ لجعلنا أي جعلناه مستويا {العاكف فيه والباد} ومن قرأ بالرفع فعلى أن {العاكف} مبتدأ و{سواء} خبر مقدم والجملة مفعول ثان ويجوز أن يكون {للناس} مفعولًا ثانيًّا اي جعلناه متعبدًا لكل من وقع عليه اسم الناس، وقوله: {سواء} إلى آخره الجملة بيان لذلك الجعل أي لا فرق بين الحاضر المقيم به وبين الطارئ من البدو، واختلفوا في أن المكي والآفاقي يستويان في أي شيء فعن ابن عباس في بعض الروايات أنهما يستويان في سكنى مكة والنزول بها للآية بناء على أن المراد بالمسجد الحرام مكة، ولما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال «مكة مباحة سبق إليها» وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وهو قول قتادة وسعيد بن جبير أيضًا، ولأجل ذلك زعموا أن كراء دور مكة حرام. والأكثرون على أنهما مستويان في العبادة في المسجد ليس للمقيم أن يمنع البادي وبالعكس ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمور الناس شيئًا فلا يمنعن أحدًا طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار» وعلى هذا فلا منع من بيع دور مكة وإجارتها وهو مذهب الشافعي وقد جرت المناظرة بينه وبين إسحق الحنظلي وكان إسحق لا يرخص في كراء دور مكة فاحتج الشافعي بقوله تعالى: {الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق} [الحج: 40] بأن عمر اشترى دار السجن فسكت إسحق وإنما ذهب الأولون إلى أن المراد بالمسجد الحرام هاهنا مكة كلها لأنه جعل العاكف فيه بإزاء البادي. أجاب الأكثرون بأنه أراد بالعاكف المجاور للمسجد المتمكن في كل وقت من التعبد فيه. والإلحاد العدول عن القصد كما مر في قوله: {وذر الذين يلحدون في أسمائه} [الأعراف: 180] وقوله: {بالحاد بظلم} حالان ومفعول {يرد} متروك ليفيد العموم أي ومن يرد فيه مرادًا ما جائرًا ظالمًا.
وفائدة الحال الثانية أن العدول عن القصد قد يكون بالحق كقوله: {وجزاء سيئة سيئة} [الشورى: 40] واختلفوا في الإلحاد في الحرم فعن قتادة وسعيد بن جبير وابن عباس في رواية عطاء أنه الشرك يعني من لجأ إلى حرم الله ليشرك به عذبه الله. وقال مقاتل: نزلت في عبد الله بن حنظلة حيث قتل الأنصاري وهرب إلى مكة كافرًا. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله يوم الفتح وهو العذاب الأليم. وعن مجاهد أنه الاحتكار. وقيل: المنع من عمارته. وعن عطاء: هو قول الرجل في المبايعة لا والله وبلى والله. ومثله ما روي عن عبد الله بن عمر أنه كان له فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل فقيل له في ذلك فقال: كنا نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل لا والله وبلى والله. والأولى التعميم. وفيه أن الواجب على من كان فيه أن يضبط نفسه ويسلك طريق السداد والعدل في مهامه ومقاصده، وهذا وإن كان واجبًا في كل مكان إلا أن وجوبه هناك أو كد فللمكان خاصية كما للزمكان ولهذا قال مجاهد: تضاعف السيئات فيه كما تضاعف الحسنات. عن ابن مسعود: أن القصد إلى الذنب يكتب هناك ذنبًا وإن لم يخرج إلى الفعل. وعنه لو أن رجلًا يهم بأن يعمل سيئة عند البيتن اذاقه الله تعالى عذابًا أليمًا. واعلم أن خبر إن محذوف لدلالة جواب الشرط عليه كأنه قيل: إن الذين كفروا ويصدون نذيقهم من عذاب أليم ومن يرد في الحرم بإلحاد فهو كذلك، وحين انجر الكلام إلى ذكر المسجد الحرام أتبعه ذكر الكعبة وبعض ما يتعلق به من المناسك فقال: {وإذ بوأنا} أي واذكر حين جعلنا {لإبراهيم مكان البيت} مباءة أي مرجعًا يرجع إليه للعمارة والعبادة، ويروى أن موضع البيت كان مطموسًا بفبعث الله تعالى ريحًا كنست ما حوله حتى ظهر اسه القديم فبنى إبراهيم عليه وقد مر قصة ذلك في البقرة.
وقيل: بعث غمامة على قدر البيت الحرام في العرض والطول وفيها راس يتكلم وله لسان وعينان فقال: يا إبراهيم ابن علي قدري فأخذ في البناء وذهبت السحابة. وأن في {أن لا تشرك} هي المفسرة وذلك أن المقصود من التوبة هو العبادة فكأنه قيل: تعبدنا لإبراهيم قلنا له: لا تشرك وطهر وقد مر مثله في البقرة. وإنما قال هاهنا {والقائمين} لأن العاكف ذكر مرة في قوله: {سواء العاكف} والقائم إما بمعنى القيام في الصلاة بدليل قوله: {والركع السجود} أو بمعنى المقيم المتوطن. والظاهر أن الخطاب في {وأذن} لإبراهيم أيضًا أي ناد {في الناس} وهو أن يقول حجوا أو عليكم {بالحج} يروى أنه صعد أبا قبيس فقال: ايها الناس حجوا بيت ربكم، قال مجاهد: فما حج إنسان ولا يحج إلى القيامة إلا وقد سمع ذلك النداء من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فمن أجاب مرة حج مرة ومن أجاب أكثر فأكثر.
ولعل الفائدة في قوله: {يأتوك} هي هذه لأن الإتيان إلى مكة بسبب ندائه إتيان إليه. وأيضًا هو أول من حج وغيره يقتدي به وكأنه يأتيه. وعن الحسن وهو اختيار أكثر العلماء المعتزلة أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه معطوف على أذكر مقدرًا، ثم إنه عام لجميع الناس أو خاص بمن حج معه في حجة الوداع قولان. وقيل: إنه ابتداء فرض الحج والرجال المشاة واحده راجل. وقوله: {وعلى كل ضامر} حال آخر كأنه قيل رجالًا وركبانًا. والضامر البعير المهزول لطول السفر. {ويأتين} صفة {لكل ضامر} لأنه في معنى الجمع. والفج الطريق الواسع وقد مر في السورة المتقدمة. والعميق البعيد ومثله معيق وبه قرأ ابن مسعود. وفي تقديم المشاة تشريف لهم. روى سعيد بن جبير بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الحاج الراكب له بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة وللماشي سبعمائة من حسنات الحرم. قيل: يا رسول الله وما حسنات الحرم؟ قال: الحسنة بمائة ألف حسنة» قال جار الله: نكر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات وقد كنى عن النحر والذبح بذكر اسم الله تعالى لأن المسلمين لا ينفكون عن التسمية إذا نحروا أو ذبحوا، وفيه تنبيه على أن التسمية من الأغراض الأصلية المعتبرة خلاف ما كان يفعله المشركون من الذبح للنصب. وفي قوله: {على ما رزقهم} إشارة إلى أن نفس القربان وتيسير ذلك العمل من نعم الله تعالى ولو قيل لينحروا في أيام معلومات بهيمة الأنعام لم يكن شيء من هذه الفوائد. والأيام المعلومات عند أكثر العلماء عشر ذي الحجة الأول آخرها يوم النحر لأنها معلومة عند الناس لحرصهم على أعمال الحج فيها. ثم للمنافع أوقات من العشر معروفة كيوم عرفة والمعشر الحرام، كذلك للذبح وقت بعينه وهو يوم النحر وهذا قول مجاهد وعطاء وقتادة والحسن ورواية سعيد بن جبير عن ابن عباس واختيار الشافعي وأبي حنيفة.
وعن ابن عباس في رواية أخرى أنها يوم النحر وثلاثة ايام بعدها وهو اختيار أبي مسلم وقول أبي يوسف ومحمد. وعلى الأول يكون قوله: {في أيام} متعلقًا بكلا الفعلين أعني {ليشهدوا} {وليذكروا} وعلى الثاني يختص تعلقه بالثاني. ومعنى {بهيمة الأنعام} بهيمة من الأنعام لأن البهيمة تشمل كل ذات أربع في البر والبحر فبينت بالأنعام وهي الإبل والبقر والضأن والمعز، وقد مر في أول المائدة قال مقاتل: إذا ذبحت فقل بسم الله والله أكبر اللهم منك وإليك وتستقبل القبلة.
وزاد الكلبي إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. قال القفال: كأن المتقرب بها وبإراقة دمائها متصور بصورة من يفدي نفسه بما يعادلها فكأنه يبذل تلك الشاة بذل مهجته طلبًا لمرضاة الله واعترافًا بأن تقصيره كاد يستحق مهجته. أما قوله: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} فالبائس الذي أصابه بؤس أي شدة والفقير قد مر في آية الصدقات في التوبة وفي غيرها. ثم من الناس من قال: الأمران للوجوب لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون منها فأمر المسلمون بمخالفتهم. والأكثرون على أن الأكل ليس بواجب. ثم منهم من قال: يحسن أن يأكل النصف ويتصدق بالنصف رعاية للأمرين. ومنهم من قال: يأكل الثلث ويتصدق بالثلثين لما يجيء من قوله: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} فجعلها على ثلاثة أقسام ومنهم من قال: يأكل الثلث ويدخر الثلث ويتصدق بالثلث لما جاء في الحديث من الأمر بالادخار. والأولى وهو مذهب الشافعي أنه إن أطعم جميعها أجزاه، وإن أكل جميعها لم يجزئه، وإذا تصدق بأقل شيء من لحمها يكفي هذا إذا كان متطوعًا. وأما الواجبات كالنذور والكفارات وجبران النقصانات مثل دم القران ودم التمتع ودم الإساءة فلا يأكل منها لا هو ولا أغنياء الرفقة ولا فقرأؤها لما روي عن هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية الخزاعي «قال: قلت: يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من البدن؟ قال: انحرها ثم إغمس نعلها في دمها ثم خل بين الناس وبينها يأكلونها» وقال ايضًا صلى الله عليه وسلم في مثله: «لا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك» قوله: {ثم ليقضوا تفثهم} لا يبعد أن يكون معطوفًا على {ليشهدوا} فإن هذه الأعمال كلها غايات للإتيان إلا أن إسكان هذه اللامات في بعض القراءات يدل على أنها لام الأمر وعلى هذا تكون هذه الأوامر الغائبة معطوفة على الأمرين الحاضرين قبلها والله أعلم. قال أبو عبيدة: لم يجيء في الشعر ما يحتج به في معنى النفث.
وقال الزجاج: إن أهل اللغة لا يعرفون التفث إلا من التفسير. وقال القفال: قال نفطويه: سألت إعرابيًّا فصيحًا ما معنى قوله: {ثم ليقضوا نفثهم}؟ فقال: ما أفسر القران ولَكِنا نقول للرجل: ما أتفثك وما أدرنك! ثم زعم القفال أن هذا أولى من قول الزجاج لأن المثبت أولى من النافي. وقال المبرد: أصل التفث في كلام العرب كل قاذورة تلحق الإنسان فيجب عليه نقضها. وأجمع أهل التفسير على أن المراد هاهنا إزالة الأوساخ والزوائد كقص الشارب والأظفار ونتف الإبط وحلق العانة.
فتقدير الآية ثم ليقضوا إزالة تفثهم وليوفوا نذورهم اي الأعمال التي أوجبها الحج بالشروع فيه، أو أعمال البر التي أوجبوها على أنفسهم بالنذر فإن الرجل إذا حج أو اعتمر فقد يوجب على نفسه من الهدي وغيره ما لولا إيجابه لم يكن الحج يقتضيه. {وليطوفوا} هو طواف الإفاضة والزيارة التي هي ركن وقد شرحت حاله في البقرة في قوله: {فإذا أفضتم من عرفات} [البقرة: 198] وقيل: هو طواف الوداع والصدر. سمي {بالبيت العتيق} لأنه أول بيت وضع للناس عن الحسن، وقال قتادة: لأنه أعتق من تسلط الجبابرة عليه وهو قول ابن عباس وابن الزبير ورووه عن رسول الله صلى الله عيله وسلم. وعن ابن عيينة لأنه لم يملك قط. وعن مجاهد لأنه أعتق من الغرق أيام الطوفان. وقيل: معناه البيت الكريم من قولهم عتاق الخيل والطير. والحرمة مالا يحل هتكه وجميع التكاليف بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرها، ويحتمل أن يراد هاهنا ما يتعلق بالحج، عن زيد بن أسلم أن الحرمات خمس: الكعبة الحرام والمسجد الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام والمحرم حتى يحل. وتعظيمها العلم بوجوبها والقيام بحقوقها. وقوله: {فهو خير} أي فالتعظيم له خير من التهاون بذلك. وقوله: {عند ربه} إشارة إلى أن ثوابه مدخر لأجله. قوله: {وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم} قد مر في أول المائدة مثله أي إلا ما يتلى عليكم آية تحيمه وهي {حرمت عليكم الميتة} [المائدة: 3] أو قوله: {غير محلي الصيد وأنتم حرم} [المائدة: 1] أو قوله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121] وحين حث على تعظيم الحرمات أتبعه الأمر بما هو أعظم أنواعها وأقدم أصنافها قائلًا {فاجتنبوا الرجس} وبينه بقوله: {من الأوثان} أي الرجس الذي هو الأوثان كقولك عندي عشرون من الدراهم. والرجس العمل القبيح في الغاية وقد مر في آخر المائدة في تفسير قوله: {رجس من عمل الشيطان} [الآية: 90]
والزور من الزور الميل والإضافة كقولهم رجل صدق جمع بين القول الزور وبين الشرك لأن عبادة الأوثان هي راس الزور وملاكه. قال الصم: وصف الأوثان بأنها رجس لأن عادتهم في القرابين أن يتعمدوا سقوط الدماء عليها، والأقرب أنها وصفت بذلك لأن عبادتها فعلة ممادية في القبح والسماجة. وللمفسرين في قول الزور وجوه منها: أنه قولهم هذا حلال وهذا حرام. ومنها أنه شهادة الزور رفعوا هذا التفسير إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها أنه الكذب والبهتان. ومنها أنه قول أهل الجاهلية في الطواف لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك وقوله: {حنفاء لله غير مشركين به} حالان مؤكدان والمراد الإخلاص في التوحيد كقوله: {حنيفًا ولم يك من المشركين} [النحل: 120] وفائدة الحالين هي فائدة التولي والتبري وإنما أخر نفي الإشراك وإن كان مقدمًا في الرتبة إذ التخلية والتبرئة مقدمة على التحلية والتولية ليرتب عليه قوله: {ومن يشرك بالله} الآية. قال جار الله: إن كان تشبيهًا مركبًا فمعناه من أشرك بالله فقد هلك نفسه غاية الإهلاك وذلك بأن صور حاله بصورة من خر من السماء فاحتطفه أي استلبته الطير فتفرق مزعًا أي قطعًا من اللحم في حواصلها، أو بحال من خر فعصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح السحيقة البعيدة. وإن كان مفرقًا فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء، والذي تركه فأشرك فقد سقط منها والإهواء التي توزع أفكاره بالطير المتخطفة، وفي المثل الآخر شبه الشيطان الذي يطرح به في وادي الضلالة بالريح التي تهوي بالأشياء في المهاوي المتلفة. وتعظيم شعائر الله وهي الهدايا كما مر في أمر المائدة هي أن يختارها عظام الأجرام غالية الأثمان. وقد مر وصفها الشرعي في البقرة في قوله: {فما استيسر من الهدي} [الآية: 196] وقد أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب قال في الكشاف {فإنها من تقوى القلوب} أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها لأنه لابد من راجع من الجزاء إلى من ليرتبط به. وأقول: في هذا الوجوب نظر لأنه ليس بشرعي ولا بعقلي على ما تزعم المعتزلة. أما المضاف الأول فلأنه يحتمل أن يعود الضمير إلى التعظيم موحدين حتى لا يطابقها لفظ القلوب بل يحتمل أن يقدر لفظة منهم أويقدر فإن تعظيمهم إياها فيرجع الكلام إلى قلوبنا {ومن يعظم شعائر الله} فإن تلك الخلة منهم من تقوى القلوب أي ناشيءة من تقوى قلوبهم، فإن القلوب مراكز التقوى التي منها عيارها وعليها مدارها ولا عبرة بما يظهر من آثارها على سائر الجوارح دونها.