فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكان أهلها بقية من المؤمنين بصالح الرسول عليه السلام.وكان صالح معهم، وأنهم آل أمرهم إلى عبادة صنم وأن الله بعث إليهم حَنظلة بن صفوان رسولًا فنهاهم عن عبادة الصنم فقتلوه فغارت البئر وهلكوا عطشًا.
يريد أن هذه القرية واحدة من القرى المذكورة في هذه الآية وإلا فإن كلمة كأيّنْ تنافي أرادة قرية معيّنة.
وقرأ الجمهور {أهلَكِناها} بنون العظمة: وقرأه أبو عَمرو ويعقوب {أهلكتُها} بتاء المتكلم.
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرض فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}.
تفريع على جملة {فكأين من قرية أهلَكِناها} [الحج: 45] وما بعدها.
والاستفهام تعجيبي من حالهم في عدم الاعتبار بمصارع الأمم المكذّبة لأنبيائها، والتعجيب متعلق بـ من سافروا منهم ورأوا شيئًا من تلك القرى المهلكة وبمن لم يسافروا، فإن شأن المسافرين أن يخبروا القاعدين بعجائب ما شاهدوه في أسفارهم كما يشير إليه قوله تعالى: {أو آذان يسمعون بها}.
فالمقصود بالتعجيب هو حال الذين ساروا في الأرض، ولَكِن جعل الاستفهام داخلًا على نفي السير لأن سير السائرين منهم لما لم يفدهم عبرة وذكرى جُعل كالعدم فكانَ التعجيب من انتفائه، فالكلام جارٍ على خلاف مقتضى الظاهر.
والفاء في {فتكون} سببية جوابية مسبب ما بعدها على السير، أي لم يسيروا سيرًا تكون لهم به قلوب يعقلون بها وآذان يسمعون بها، أي انتفى أن تكون لهم قلوب وآذان بهذه المثابة لانتفاء سيرهم في الأرض.
وهذا شأن الجواب بالفاء بعد النفي أن تدخل الفاء على ما هو مسبب على المنفي لو كان ثابتًا وفي هذا المعنى قال المعرّي:
وقيل أفادَ بالأسفار مالًا ** فقلنا هل أفادَ بها فُؤادا

وهذا شأن الأسفار أن تفيد المسافر ما لا تفيده الإقامة في الأوطان من اطلاع على أحوال الأقوام وخصائص البلدان واختلاف العادات، فهي تفيد كل ذي همّة في شيء فوائدَ تزيد هِمتَه نفاذًا فيما تتوجه إليه وأعظم ذلك فوائد العبرة بأسباب النجاح والخسارة.
وأطلقت القلوب على تقاسيم العقل على وجه المجاز المرسل لأن القلب هو مُفيض الدم وهو مادة الحياة على الأعضاء الرئيسية وأهمها الدماغ الذي هو عضو العقل، ولذلك قال: {يعقلون بها} وإنما آلة العقل هي الدماغ ولَكِن الكلام جرَى أوله على متعارف أهل اللغة ثم أجري عقب ذلك على الحقيقة العلمية فقال: {يعقلون بها} فأشار إلى أن القلوب هي العقل.
ونزّلت عقولهم منزلة المعدوم كما نزّل سَيْرهم في الأرض منزلة المعدوم.
وأما ذكر الآذان فلأنّ الأذن آلة السمع والسائر في الأرض ينظر آثار الأمم ويسمع أخبار فنائهم فيستدل من ذلك على ترتب المسببات على أسبابها؛ على أن حظ كثير من المتحدث إليهم وهم الذين لم يسافروا أن يتلقوا الأخبار من المسافرين فيعلموا ماعلمه المسافرون علمًا سبيلُه سماع الأخبار.
وفي ذكر الآذان اكتفاء عن ذكر الأبصار إذ يعلم أن القلوب التي تعقل إنما طريق علمها مشاهدة آثار العذاب والاستئصال كما أشار إليه قوله بعد ذلك: {فإنها لا تعمى الأبصار ولَكِن تعمي القلوب التي في الصدور}.
فحصل من مجموع نظم الآية أنهم بمنزلة الأنعام لهم آلات الاستدلال وقد انعدمت منهم آثارها فلهم قلوب لا يعقلون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ولهم أعين لا يبصرون بها وهذا كقوله تعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون} [البقرة: 171].
والفاء في جملة {فإنها لا تعمى الأبصار} تفريع على جواب النفي في قوله: {فتكون لهم قلوب يعقلون بها}، وفذلكة للكلام السابق، وتذييل له بما في هذه الجملة من العموم.
والضمير في قوله: {فإنها} ضمير القصة والشأن، أي فإن الشأن والقصة هو مضمون الجملة بعدَ الضمير، أي لا تعمى الأبصار ولَكِن تعمى القلوب، أي فإن الأبصار والأسماع طرق لحصول العلم بالمبصرات والمسموعات، والمدرِك لذلك هو الدماغ فإذا لم يكن في الدماغ عقل كان المبصر كالأعمى والسامع كالأصمّ، فآفة ذلك كله هو اختلال العقل واستعير العَمى الثاني لانتفاء إدراك المبصرات بالعقل مع سلامة حاسّة البصر لشبهه به في الحالة الحاصلة لصاحبه.
والتعريف في {الأبصار}، و{القلوب}، و{الصدور} تعريفُ الجنس الشامل لقلوب المتحدّث عنهم وغيرهم، والجمْع فيها باعتبار أصحابها.
وحرف التوكيد في قوله: {فإنها لا تعمى الأبصار} لغرابة الحكم لا لأنه مما يشك فيه.
وغالب الجمل المفتتحة بضمير الشأن اقترانُها بحرف التوكيد.
والقصر المستفاد من النفي وحرف الاستدراك قصر ادعائيّ للمبالغة بجعل فقد حاسة البصر المسمى بالعمى كأنه غير عمىً، وجعل عدم الاهتداء إلى دلالة المبصرات مع سلامة حاسة البصر هو العمى مبالغة في استحقاقه لهذا الاسم الذي استعير إليه، فالقصر ترشيح للاستعارة.
ففي هذه الآية أفانين من البلاغة والبيان وبَداعة النظم.
و{التي في الصدور} صفة لـ: {القلوب} تفيد توكيدًا للفظ {القلوب}. فوزانه وزان الوصف في قوله تعالى: {ولا طائر يطير بجناحيه} [الأنعام: 38].
ووزان القيد في قوله: {يقولون بأفواههم} [آل عمران: 167] فهو لزيادة التقرير والتشخيص.
ويفيد هذا الوصف وراء التوكيد تعريضًا بالقوم المتحدث عنهم بأنهم لم ينتفعوا بأفئدتهم مع شدّة اتصالها بهم إذ هي قارة في صدورهم على نحو قول عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «فالآن أنت أحبّ إلى من نفسي التي بين جنبيَّ» فإن كونها بين جنبيه يقتضي أن تكون أحبّ الأشياء إليه.
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ}.
عطف على جملة {وإن يكذبوك} [الحج: 42] عطف القصة على القصة فإن من تكذيبهم أنهم كذبوا بالوعيد وقالوا: لو كان محمد صادقًا في وعيده لعُجّل لنا وعيده، فكانوا يسألونه التعجيل بنزول العذاب استهزاء، كما حكى الله عنهم في قوله: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال: 32]، وقال: {ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين} [السجدة: 28] فذكر ذلك في هذه الآية بمناسبة قوله: {فأمليت للكافرين} [الحج: 44] الآية.
وحُكي {ويستعجلونك} بصيغة المضارع للإشارة إلى تكريرهم ذلك تجديدًا منهم للاستهزاء وتوركًا على المسلمين.
والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمقصود إبلاغه إياهم.
والباء من قوله: {بالعذاب} زائدة لتأكيد معنى الاستعجال بشدّته كأنه قيل يحرصون على تعجيله.
وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى: {ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة} في أول [سورة الرعد: 6].
ولما كان استعجالهم إياه تعريضًا منهم بأنهم موقنون بأنه غير واقع أعقب بقوله: {ولن يخلف الله وعده}، أي فالعذاب الموعود لهم واقع لا محالة لأنه وعدٌ من الله والله لا يخلف وعده.
وفيه تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لئلا يستبطئونه.
وقوله: {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} عطف على جملة {ولن يخلف الله وعده}، فإن الله توعدهم بالعذاب وهو صادق على عذاب الدنيا والآخرة وهم إنما استعجلوا عذاب الدنيا تهكمًا وكناية عن إيقانهم بعدم وقوعه بلازم واحد، وإيماء إلى عدم وقوع عذاب الآخرة بِلازمين، فَردّ الله عليهم ردًا عامًا بقوله: {ولن يخلف الله وعده}، وكان ذلك تثبيتًا للمؤمنين، ثم أعقبه بإنذارهم بأن عذاب الآخرة لا يفلتون منه أيضًا وهو أشدّ العذاب.
فقوله: {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} خبر مستعمل في التعريض بالوعيد، وهذا اليوم هو يوم القيامة.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى: {يستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} [العنكبوت: 5354].
وليس المراد بقوله: {وإن يوما عند ربك} إلى آخره استقصار أجل حلول العذاب بهم في الدنيا كما درج عليه أكثر المفسرين لعدم رشاقة ذلك على أن هذا الاستقصار يغني عنه قوله عقب هذا: {وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها} [الحج: 48].
والخطاب في {تعدون} للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
وقرأ الجمهور {تعدون} بالفوقية، وقرأه ابن كثير، وحمزة، والكسائي {مما يعدون} بياء الغائبين.
أي مما يعده المشركون المستعجلون بالعذاب.
{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وإلي المصير (48)}.
عطف على جملة {ويستعجلونك بالعذاب} [الحج: 47] أو على جملة {ولن يخلف الله وعده} [الحج: 47] باعتبار ما تضمنه استعجالهم بالعذاب من التعريض بأنهم آيسون منه لتأخّر وقوعه، فذُكّروا بأن أممًا كثيرة أمهلت ثمّ حلّ بها العذاب.
فوزان هذه الآية وِزان قوله آنفًا: {فكأين من قرية أهلَكِناها وفي ظالمة} [الحج: 45] الخ؛ إلا أن الأولى قصد منها كثرة الأمم التي أهلكت لئلا يتوهّم من ذكر قوم نوح ومَن عطف عليهم أن الهلاك لم يتجاوزهم ولذلك اقتصر فيها على ذكر الإهلاك دون الإمهال.
وهذه الآية القصد منها التذكير بأنّ تأخير الوعيد لا يقتضي إبطاله، ولذلك اقتصر فيها على ذكر الإمهال ثم الأخذِ بعده المناسب للإملاء من حيث إنه دخول في القْبضَة بعد بعده عنها.
وأما عطف جملة {فكأين من قرية أهلَكِناها} [الحج: 45] بالفاء وعطف جملة {وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة} بالواو فلأن الجملة الأولى وقعت بدَلًا من جملة {فكيف كان نكير} [الحج: 44] فقرنت بالفاء التي دخلت نظيرتُها على الجملة المبدَل منها، وأما هذه الجملة الثانية فخليّة عن ذلك فعطفت بالحرف الأصلي للعطف.
وجملة {وإلي المصير} تذييل، أي مصير الناس كلهم إلى.
والمصير مِصدر ميمي لـ: صار بمعنى: رجع، وهو رُجوع مجازي بمعنى الحصول في المكنة.
وتقديم المجرور للحصر الحقيقي، أي لا يصير الناس إلا إلى الله، وهو يقتضي أنّ المصير إليه كائن لا محالة، وهو المقصود من الحصر لأن الحصر يقتضي حصول الفعل بالأحرى فهو كناية عن عدم الإفلات. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أهلَكِناها وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}.
بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه أهلك كثيرًا من القرى في حال كونها ظالمة: أي بسبب ذلك الظلم، وهو الكفر بالله وتكذيب رسله، فصارت بسبب الإهلاك والتدمير ديارها متهدمة وآبارها معطلة، لا يسقي منها شيء لإهلاك أهلها الذين كانوا يستقون منها. وهذا المعنى الذي ذكره تعالى في هذه الآية: جاء موضحًا في آيات كثيرة كقوله تعالى: {وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسرًّا أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} [الطلاق: 8- 10] وقوله تعالى: {وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ صلى الله عليه وسلم {وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}» إلى غير ذلك من الآيات، وقوله تعالى: في هذه الآية الكريمة: {فَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا} العروش السقوف والخاوية الساقطة ومنه قول الخنساء:
كان أبو حسان عرشًا خوى ** مما بناه الدهر دان ظليل

والمعنى: أن السقوف سقطت ثم سقطت عليها حيطانها على أظهر التفسيرات، والقصر المشيد المطلي بالشيد بكسر الشين، وهو الجص، وقيل المشيد الرفيع الحصين. كقوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء: 78] أي حصون رفيعة منيعة. والظاهر أن قوله: {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ} معطوف على قرية: أي وكأين من قرية أهلَكِناها، وكم من بئر عطلناها بإهلاك أهلها، وكم من قصر مشيد أخليناه من ساكنيه، وأهلَكِناهم لما كفروا وكذبوا الرسل. وفي هذه الآية وأمثالها: تهديد لكفار قريش الذين كذبوه صلى الله عليه وسلم، وتحذير لهم من أن ينزل بهم ما نزل بتلك القرى من العذاب لما كذبت رسلها.
تنبيه:
يظهر لطالب العلم في هذه الآية سؤال: وهو أن قوله: {فَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا} يدل على تهدم أبنية أهلها، وسقوطها قولها: {وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} يدل على بقاء أبنيتها قائمة مشيدة.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الظاهر لي في جواب هذا السؤال: أن قصور القرى التي أهلكها الله، وقت نزول هذه الآية منها ما هو متهدم كما دل عليه قوله: {فَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا} ومنها ما هو قائم باق علي بنائه، كما دل عليه قوله تعالى: {وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} وإنما استظهرنا هذا الجمع، لأن القران دل عليه، وخير ما يفسر به القرآن القران، وذلك في قوله جل وعلا في سورة هود: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ القرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} [هود: 100] فصرح في هذه الآية بأن منها قائمًا، ومنها حصيدًا.
وأظهر الأقوال وأجراها على ظاهر القران: أن القائم هو الذي لم يتهدم. والحصيد هو الذي تهدم وتفرقت أنقاضه. ونظيره من كلام العرب قوله:
والناس في قسم المنية بينهم ** كالزرع منه قائم وحصيد

وفي معنى القائم والحصيد، أقوال أخر غير ما ذكرنا، ولَكِن ما ذكرنا هو أظهرها. وذكر الزمخشري ما يفهم منه وجه آخر للجمع، وهو أن معنى قوله خاوية: خالية من أهلها من قوله: خوى المكان إذا خلا من أهله، وأن معنى: على عروشها: أن الأبنية باقية أي هي خالية من أهلها مع بقاء عروشها قائمة على حيطانها. وما ذكرناه أولًا هو الصواب إن شاء الله تعالى.
وقد دلت هذه الآية الكريمة وأمثالها في القرآن أن لفظ القرية: يطلق تارة على نفس الأبنية، وتارة على أهلها الساكنين بها، فالإهلاك في قوله: {أهلَكِناها}، والظلم في قوله: {وَهِيَ ظَالِمَةٌ}: يراد به أهلها الساكنون بها وقوله: {فَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا} يراد به الأبنية كما قال في آية: {واسأل القرية التي كُنَّا فِيهَا} [يوسف: 82] وقال في أخرى: {حتى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ استطعما أَهْلَهَا} [الكهف: 77].
وقد بينا في رسالتنا المسماة منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز: أن ما يسميه البلاغيون مجاز النقص، ومجاز الزيادة، ليس بمجاز حتى عند جمهور القائلين بالمجاز من الأصوليين، وأقمنا الدليل على ذلك، وقرأ هذا الحرف ابن كثير: وكائن بألف بعد الكاف، وبعد الألف همزة مكسورة، فنون ساكنة وقرأه الباقون: وكأين بهمزة مفتوحة بعد الكاف بعدها ياء مكسورة مشددة فنون ساكنة. ومعنى القراءتين واحد، فهما لغتان فصيحتان، وقراءتان سبعيتان صحيحتان.