فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{وما أرسلنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى} أي: رغب في انتشار دعوته، وسرعة علوّ شرعته: {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أمنيته} أي: بما يصدّ عنها، ويصرف المدعوّين عن إجابتها: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} أي: يبطله ويمحقه: {ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} أي: يثبتها: {فَأَمَا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرض} [الرعد: 17]، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} يعلم الإلقاءات الشيطانية، وطريق نسخها من وجه وحيه {حَكِيمٌ} يحكم آياته بحكمته. ثم أشار إلى أن من مقتضيات حكمته أنه يجعل الإلقاء الشيطانيّ فتنة للشاكّين المنافقين والقاسية قلوبهم عن قبول الحق، ابتلاء لهم ليزدادوا إثمًا. ورحمة للمؤمنين ليزدادوا ثباتًا واستقامة، فقال تعالى: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي: شك وارتياب: {وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} وهم العتاة المتمردون: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ} أي: خلاف للحق: {بَعِيدٍ} عن موافقته جدًّا، بسبب ظلمهم وشركهم.
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} أي: بالانقياد، والخشية. والضمير للقرأن أو لله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: إلى طريق الحق والاستقامة، فلا تزلّ أقدامهم بقبول ما يلقي الشيطان، ولا تقبل قلوبهم إلا ما يلقي الرحمن، لصفائها. هذا هو الصواب في تفسير الآية. ولها نظائر تظهر المراد منها كما أشرنا إليه، لو احتاجت إلى نظير. ولَكِنها بيّنة بنفسها، غنية عن التطويل في التأويل، لولا ما أحوج المحققين إلى ردّ ما دسه بعض الرواة هنا من الأباطيل. ونحن نسوق ما قيل فيها من ذلك، ثم نتبعه بنقد المحققين، لئلا يبقى في نفس الواقف حاجة.
قال ابن جرير الطبري: قيل: إن السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الشيطان كان ألقى على لسانه، في بعض ما يتلوه مما أنزل الله عليه من القرآن، ما لم ينزل الله عليه. فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم واغتم به، فسلاّه الله مما به من ذلك، بهذه الآيات. ثم ذكر من قال ذلك. فأسند عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس وغيرهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس في ناد من أندية قريش، كثير أهله، فتمنى يومئذ ألا يَأتيه من الله شيء فينفروا عنه. فأنزل الله عليه: {وَالنَّجْمِ إِذَا هوى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وما غَوَى} [النجم: 1- 2]، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخرى} [النجم: 19- 20]، ألقى عليه الشيطان كلمتين: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى. فتكلم بها، ثم مضى فقرأ السورة كلها. فسجد في آخر السورة وسجد القوم جميعًا معه ورضوا بما تكلم به.
قالا: فلما أمسى أتاه جبريل عليه السلام فعرض عليه السورة. فلما بلغ الكلمتين المذكورتين قال: ما جئتك بهاتين. فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله تبارك وتعالى عليه يعزيه: {وما أرسلنا مِنْ قَبْلِكَ} الآية.
وقال القاضي عياض في الشفا: اعلم أن لنا في الكلام على مشكل هذا الحديث مأخذين: أحدهما في توهين أصله، والثاني على تسليمه.
أما المأخذ الأول، فيكفيك أن هذا لم يخرّجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سُلَيم متصل. وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب، المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم. وصدق القاضي بكر بن العلاء المالكي حيث قال: لقد بلي الناس ببعض أهل الأهواء والتفاسير. وتعلق بذلك الملحدون مع ضعف بعض نقلته، واضطراب رواياته، وانقطاع إسناده، واختلاف كلماته. ومن حكيت عنه هذه الحكاية من المفسرين والتابعين، لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب. وأكثر الطرق عنهم فيها، واهية ضعيفة، والمرفوع فيه حديث شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فيما أحسب الشك في الحديث: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان بمكة، وذكر القصة.
قال أبو بكر البزّار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل، يجوز ذكره إلا هذا، ولم يسنده عن شعبة إلا أمية بن خالد. وغيره يرسله عن سعيد بن جبير. وإنما يعرف عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. فقد بين لك أبو بكر رحمه الله أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا. وفيه من الضعف ما نبه عليه، مع وقوع الشك فيما ذكرناه، الذي لا يوثق به ولا حقيقة معه. وأما حديث الكلبي فما لا تجوز الرواية عنه ولا ذكره، لقوة ضعفه وكذبه، كما أشار أليه البزار رحمه الله: والذي منه في الصحيح؛ «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم وهو بمكة. فسجد معه المسلمون والمشركون والإنس والجن» هذا توهينه من طريق النقل.
وأما من جهة المعنى فقد قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته عليه السلام، ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة. إما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح غير الله وهو كفر، أو أن يتسوّر عليه الشيطان ويشبه عليه القران حتى يجعل فيه ما ليس منه، حتى ينبهه عليه جبريل عليهما السلام. وذلك كله ممتنع في حقه عليه السلام. أو يقول ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم من قبل نفسه عمدًا، وذلك كفر. أو سهوًا وهو معصوم من هذا كله. ووجه ثان- وهو استحالة هذه القصة نظرًا وعرفًا. وذلك أن الكلام، لو كان كما رُويَ، بعيد الالتئام، متناقض الأقسام ممتزج المدح بالذم، متخاذل التأليف. ولَمَا كان النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا من بحضرته من المسلمين وصناديد المشركين، ممن يخفى عليه ذلك، وهذا لا يخفى على أدنى متأمل. فكيف بمن رجح حلمه، واتسع في باب البيان ومعرفة فصيح الكلام علمه؟ ووجه ثالث- أنه قد علم من عادة المنافقين ومعاندي المشركين وضعفة القلوب والجهلة من المسلمين، نفورهم من أول وهلة، وتخليط العدوّ على النبيّ صلى الله عليه وسلم لأقل فتنة، وتعييرهم المسلمين والشمَات بهم الفينة بعد الفينة. وارتداد من في قلبه مرض ممن أظهر الإسلام لأدنى شبهة. ولم يحك أحد في هذه القصة شيئًا سوى هذه الرواية الضعيفة الأصل. ولو كان ذلك لوجدت قريش بها على المسلمين الصولة. ولأقامت بها اليهود عليهم الحجة. كما فعلوه مكابرة في قصة الإسراء حتى كانت في ذلك لبعض الضعفاء ردّة. وكذلك ما روي في قصة القضية. ولا فتنة أعظم من هذه البلية لو وجدت. ولا تشغيب للمعادي حينئذ أشد من هذه الحادثة لو أمكنت. فما روي عن معاند فيها كلمة. ولا عن مسلم بسببها بنت شفة. فدل على بطلانها، واجتثاث أصلها. ولا شك في إدخال بعض شياطين الإنس والجن، على بعض مغفلي المحدثين، ليلبس به على ضعفاء المسلمين.
ووجه رابع- ذكر الرواة لهذه القضية أن فيها نزلت: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أوحينا إِلَيْكَ} [الإسراء: 73] الآيتين. وهاتان الآيتان تردّان الخبر الذي رووه. لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه حتى يفترى، وأنه لولا أن ثبّته لكاد يركن إليهم. فمضمون هدا ومفهومه، أن الله تعالى عصمه من أن يفترى، وثبته حتى لم يركن إليهم قليلًا، فكيف كثيرًا؟ وهم يروون في أخبارهم الواهية أنه زاد على الركون والافتراء بمدح آلهتهم. وهذا ضد مفهوم الآية، ويضعّف الحديث، لو صح، فكيف ولا صحة له؟ وأما المأخذ الثاني فهو مبنيّ على تسليم الحديث، لو صح. وقد أعاذنا الله من صحته. ولَكِن على كل حال فقد أجاب عن ذلك أئمة المسلمين بأجوبةٍ منها الغث والسمين. فمنها ما رواه قتادة ومقاتل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أصابته سنة عند قراءة هذه السورة. فجرى هذا الكلام على لسانه بحكم النوم. وهذا لا يصح. إذ لا يجوز على النبيّ صلى الله عليه وسلم مثله في حالة من أحواله. ولا يخلقه الله على لسانه ولا يستولي الشيطان عليه في نوم ولا يقظة، لعصمته في هذا الباب من جميع العمد والسهو. وقد قال عليه السلام: «إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي». وفي حديث الكلبي: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حدّث نفسه، فقال ذلك الشيطان على لسانه». وفي رواية ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: ومنها «لما أخبر بذلك قال: إنما ذلك من الشيطان». وكل هذا لا يصح أن يقوله عليه السلام لا سهوًا ولا قصدًا. ولا يتقوله الشيطان على لسانه. وقيل: لعلّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قاله أثناء تلاوته، على تقدير التقرير والتوبيخ للكفار. كقول إبراهيم: {هذا رَبِّي} [الأنعام: 77]، على أحد التأويلات. وكقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا} [63]، بعد السكت وبيان الفصل بين الكلامين. ثم رجع إلى تلاوته. وهذا ممكن مع بيان الفصل وقرينةٍ تدل على المراد، وأنه ليس من المتلوّ. وهو أحد ما ذكره القاضي أبو بكر.
ومما يظهر في تأويله، إن سلمنا القصة، أن يراد بالغرانيق الملائكة. ورجاء الشفاعة من الملائكة صحيح. فلما تأوّله المشركون على أن المراد بها آلهتهم. ولبّس عليهم الشيطان ذلك وزيّنه في قلوبهم، وألقاه إليهم، نسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم آياته ورفع تلاوة تلك اللفظتين. انتهى كلام القاضي ملخصًا.
وقال أبو بكر الباقلاني: وقيل كان صلى الله عليه وسلم يرتل القران، فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات. ونطق بتلك الكلمات، محاكيًّا نغمته. بحيث سمعه من دنا إليه، فظنها من قوله تعالى وأشاعها.
قال: وهذا أحسن الوجوه. ويؤيده ما روي عن ابن عباس من تفسير تمنى بتلا وكذا استحسن ابن العربي هذا التأويل. وقال قبله: إن هذه الآية نص في براءة النبيّ صلى الله عليه وسلم ما نسب إليه، وأن الشيطان زاده في قوله صلوات الله عليه، لا أنه عليه السلام قاله.
قال: وقد سبق إلى ذلك الطبري فصوب هذا المعنى وحوّم عليه. واستحسان ابن العربي ذلك، على فرض صحة القصة، وإلا فقد قال: ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها. وقال تقي الدين بن تيمية: في الآية قولان والمأثور عن السلف يوافق القران بذلك. والذين منعوا ذلك من المتأخرين طعنوا فيما ينقل من الزيادة في سورة النجم بقوله: تِلْكَ الغَرَانِيق العُلَى وَإِنَّ شَفَاْعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى. وقالوا: إن هذا لم يثبت. ومن علم أنه ثبت قال: هذا ألقاه الشيطان في مسامعهم، ولم يلفظ به الرسول صلى الله عليه وسلم. ولَكِن السؤال وارد على هذا التقدير أيضًا.
وقالوا في قوله: {إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أمنيته}: هو حديث النفس وأما الذين قرروا ما نقل عن السلف، فقالوا: هذا منقول نقلًا ثابتًا لا يمكن القدح فيه وقالوا: الآثار في تفسير هذه الآية معروفة ثابتة في كتب التفسير والحديث. والقران يوافق ذلك. فإن نسخ الله لما يلقي الشيطان، وإحكامه آياته، إنما يكون لرفع ما وقع في آياته، وتمييز الحق عن الباطل حتى لا تختلط آياته بغيرها. وجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، إنما يكون ذلك ظاهرًا يسمعه الناس، لا باطنًا في النفس. والفتنة التي تحصل بهذا النوع من النسخ، من جنس الفتنة التي تحصل بالنوع الآخر من النسخ. وهذا النوع أدلّ على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعده عن الهوى، من ذلك النوع. فإنه إذا كان يأمر بأمر ثم يأمر بخلافه وكلاهما من عند الله، وهو مصدق في ذلك، فإذا قال عن نفسه أن الثاني هو الذي من عند الله وهو الناسخ، وإن ذلك المرفوع الذي نسخه الله ليس كذلك، كان أدل على اعتماده للصدق وقول الحق. وهذا كما قالت عائشة رضي الله عنها: لو كان محمد كاتمًا شيئًا من الوحي لكتم هذه الآية: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37] ألا ترى أن الذي يعظم نفسه بالباطل يريد أن ينصر كل ما قاله ولو كان خطأ. فبيان الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله أحكم آياته ونسخ ما ألقاه الشيطان، هو أدل على تحريه للصدق وبراءته من الكذب. وهذا هو المقصود بالرسالة. فإنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم تسليمًا. انتهى.
وفي كلامه رحمه الله نظر من وجوه:
أولًا: دعواه أن المأثور يوافق القران. فإنه ذهاب إلى أن الإلقاء إلقاء في الآيات. ولا تدل الآية عليه، لا مطابقة ولا التزامًا. بل القول بذلك ينافي التنزيل والوحي منافاة النار للماء، كما ستراه.
وثانيًّا: دعواه أن تلك الرواية نقلها ثابت لا يمكن القدح فيه. فقد قدح فيها من لا يحصى من المتقدمين والمتأخرين. ويكفي أن تلميذه الحافظ ابن كثير قال: قد ذكر كثير من المفسرين ها هنا قصة الغرانيق. وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة، ظنًا منهم أن مشركي قريش أسلموا. ولَكِنها من طرق كلها مرسلة. ولم أرها مسندة من وجه صحيح. وتعداد طرقها، بعد ضعف أصلها، لا يفيد. وهذه شبهة يعتمدها كثير من الواقفين مع الروايات. يظنون أن الضعيف بكثرة طرقه يقوى. والحال أن الضعيف ضعيف كيفما جاء. وقد سرت هذه الشبهة للحافظ ابن حجر. فأخذ يقوي بعض طرقها ويصححها من جهة الإسناد. كما ستمر بك مناقشته. ولو كان لها أدنى رائحة من الصحة لأخرجها البخاري معلقة أو موقوفة، أو أرباب السنن.
وثالثًا: اعترافه بأن السؤال وارد على تقدير ثبوتها، وإلقاء الشيطان ذلك في مسامعهم، مما يبرهن أن فيها مغامز تنبذها العقول، كما نبذتها صحة النقول.
فصل:
وقال الفخر الرازي في تفسيره: هذه الرواية باطلة موضوعة، عند أهل التحقيق. واحتجوا عليه بالقران والسنة والمعقول. أما القران فوجوه:
أحدها: قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: 44- 46].
وثانيها: قوله: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إلى} [يونس: 15].
وثالثها: قوله: {وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3- 4].
ورابعها: قوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أوحينا إِلَيْكَ لِتَفْترى عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} [الإسراء: 73]، وكلمة كاد عند بعضهم معناها أنه لم يحصل.
وخامسها: قوله: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74]، وكلمة لولا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره. فدل على أن ذلك الركون القليل لم يحصل.
وسادسها: إلى قوله: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان: 32].
وسابعها: قوله: {سَنُقرئكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: 6].
وأما السنة فهي ما روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة، أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا وضع من الزنادقة. وصنف فيه كتابًا.
وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل. ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعون فيهم. وأيضًا فقد روى البخاري في صحيحه أن النبيّ عليه السلام قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والإنس والجن. وليس فيه حديث الغرانيق. وروي هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها البتة حديث الغرانيق.
وأما المعقول فمن وجوه:
أحدها: أن من جوّز على الرسول صلى الله عليه وسلم تعظيم الأوثان، فقد كفر لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان.
وثانيها: أنه عليه السلام ما كان يمكنه في أول الأمر أن يصلي ويقرأ القرآن عند الكعبة آمنًا أذى المشركين له طول دعوته. حتى كانوا ربما مدّوا أيديهم إليه. وإنما كان يصلي، إذا لم يحضروها، ليلًا، أو في أوقات خلوة. وذلك يبطل قولهم.