فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والواو للاعتراض، والذين أوتوا العلم هم المؤمنون.
وقد جمع لهم الوصفان كما في قوله تعالى: {وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث} في سورة [الروم: 56].
وكما في سورة [سبأ: 6] {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق} فإظهار لفظ {الذين آمنوا} في مقام ضمير {الذين أوتوا العلم} لقصد مدحهم بوصف الإيمان، والإيماء إلى أن إيمانهم هو سبب هديهم.
وعكسه قوله تعالى: {إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} [الزمر: 3].
فالمراد بالهُدى في كلتا الآيتين عناية الله بتيسيره وإلا فإن الله هدى الفريقين بالدعوة والإرشاد فمنهم من اهتدى ومنهم من كفر.
وكتب في المصحف {لهاد} بدون ياء بعد الدال واعتبارًا بحالة الوصل على خلاف الغالب.
وفي الوقف يثبت يعقوب الياء بخلاف البقية.
وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)
لمّا حكى عن الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم أن ما يلقيه لهم الشيطان من إبطال ما جاءت به الرّسل يكون عليهم فتنة.
خصّ في هذه الآية الكافرين بالقران بعد أن عمّهم مع جملة الكافرين بالرسل، فخصّهم بأنهم يستمر شكّهم فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ويترددون في الإقدام على الإسلام إلى أن يُحال بينهم وبينه بحلول الساعة بغتة أو بحلول عذاب بهم قبل الساعة، فالذين كفروا هنا هم مشركو العرب بقرينة المضارع في فعل {لا يزال} وفعل {حتى تأتيهم} الدّالين على استمرار ذلك في المستقبل.
ولأجل ذلك قال جمع من المفسرين: إن ضمير {في مرية منه} عائد إلى القرآن المفهوم من المقام، والأظهر أنه عائد إلى ما عاد عليه ضمير {أنه الحق من ربك فيؤمنوا به} [الحج: 54].
و{الساعة} علَم بالغلبة على يوم القيامة في اصطلاح القران، واليوم: يوم الحرب، وقد شاع إطلاق اسم اليوم على وقت الحرب.
ومنه دُعيت حروب العرب المشهورة أيام العرب.
والعقيم: المرأة التي لا تلد؛ استعير العقيم للمشؤوم لأنهم يُعدّون المرأة التي لا تلد مشؤومة.
فالمعنى: يأتيهم يوم يُستأصلون فيه قتلًا: وهذا إنذار بيوم بدر. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{وما أرسلنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أمنيته}.
معنى قوله تمنى في هذه الآية الكريمة فيه للعلماء وجهان من التفسير معروفان:
الأول: أن تمنى بمعنى: قرأ وتلا ومنه قول حسان في عثمان بن عفان رضي الله عنه:
تمنى كتاب الله أول ليلة ** وآخرها لاقى حمام المقادر

وقول الآخر:
تمنى كتاب الله آخر ليلة ** تمنى داود الزبور على رسل

فمعنى تمنى في البيتين قرأ وتلا.
وفي صحيح البخاري، عن ابن عباس أنه قال: إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته: إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه. وكون تمنى بمعنى: قرأ وتلا. هو قول أكثر المفسرين.
القول الثاني: أن تمنى في الآية من التمني المعروف، وهو تمنية إسلام أمته وطاعتهم لله ولرسله، ومفعول ألقى محذوف فعلى أن تمنى بمعنى: أحب إيمان أمته، وعلق أمله بذلك، فمفعول ألقى يظهر أنه من جنس الوساوس، والصد عن دين الله حتى لا يتم للنبي صلى الله عليه وسلم أو الرسول ما تمنى..
ومعنى كون الإلقاء في أمنيته على هذا الوجه: أن الشيطان يلقي وساوسه وشبه ليصدّ بها عما تمناه الرسول أو النَّبي، فصار الإلقاء كأنه واقع فيها بالصد عن تمامها والحيلولة دون ذلك.
وعلى أن تمنى بمعنى: قرأ. ففي مفعول ألقى تقديران:
أحدهما: من جنس الأول: أي ألقى الشيطان في قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو النَّبي الشبه والوساوس ليصد الناس عن اتباع ما يقرؤه، ويتلوه الرسول أو النَّبي، وعلى هذا التقدير فلا إشكال.
وأما التقدير الثاني: فهو ألقى الشيطان في أمنيته أي قراءته ما ليس منها ليظن الكفار أنه منها.
وقوله: {فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان} يستأنس به لهذا التقدير.
وقد ذكر كثير من المفسرين في تفسير هذه الآية قصة الغرانيق قالوا: سبب نزول هذه الآية الكريمة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم بمكة، فلما بلغ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللات والعزى وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى} [النجم: 19- 20] ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى، فلما بلغ آخر السورة سجد وسجد معه المشركون والمسلمون. وقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، وشاع في الناس أن أهل مكة أسلموا بسبب سجودهم مع النَّبي صلى الله عليه وسلم، حتى رجع المهاجرون من الحبشة ظنًا منهم أن قومهم أسلموا، فوجدوهم على كفرهم.
وقد قدمنا في هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولًا، ويكون في الآية قرينة تدل على بطلان ذلك القول، ومثلنا لذلك: بأمثلة متعددة، وهذا القول الذي زعمه كثير من المفسرين: وهو أن الشيطان ألقى على لسان النَّبي صلى الله عليه وسلم، هذا الشرك الأكبر والكفر البواح الذي هو قولهم: تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى، يعنون: اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، الذي لا شك في بطلانه في نفس سياق آيات النجم التي تخللها إلقاء الشيطان المزعوم قرينة قرأنية واضحة على بطلان هذا القول لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم قرأ بعد موضع الإلقاء المزعوم بقليل قوله تعالى، في اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى:
{إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَا أَنَزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ} [النجم: 23] وليس من المعقول أن النَّبي صلى الله عليه وسلم يسب آلهتهم هذا السب العظيم في سورة النجم متأخرًا عن ذكره لها بخير المزعوم، إلا وغضبوا، ولم يسجدوا لأن العبرة بالكلام الأخير، مع أنه قد دلت آيات قرأنية على بطلان هذا القول، وهي الآيات الدالة على أن الله لم يجعل للشيطان سلطانًا على النَّبي صلى الله عليه وسلم، وإخوانه من الرسل، وأتباعهم المخلصين كقوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ على الذين آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 99- 100] وقوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين} [الحجر: 42] وقوله تعالى: {وما كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بالآخرة} [سبأ: 21] الآية وقوله: {وما كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ} [إبراهيم: 22] الآية. وعلى القول المزعوم أن الشيطان ألقى على لسانه صلى الله عليه وسلم ذلك الكفر البواح، فأي سلطان له أكبر من ذلك.
ومن الآيات الدالة على بطلان ذلك القول المزعوم قوله تعالى في النَّبي صلى الله عليه وسلم: {وما يَنطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى} [النجم: 3- 4] وقوله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشياطين تَنَزَّلُ على كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 221- 222] وقوله في القرآن العظيم: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41- 42] فهذه الآيات القرأنية تدل على بطلان القول المزعوم.
مسألة:
اعلم: أن مسألة الغرانيق مع استحالتها شرعًا، ودلالة القران على بطلانها لم تثبت من طريق صالح للاحتجاج، وصرح بعدم ثبوتها خلق كثير من علماء الحديث كما هو الصواب، والمفسرون يروون هذه القصة عن ابن عباس من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. ومعلوم أن الكلبي متروك، وقد بين البزار رحمه الله: أنها لا تعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق أبي بشر عن سيعد بن جبير، مع الشك الذي وقع في وصله، وقد اعترف الحافظ ابن حجر مع انتصاره، لثبوت هذه القصة بأن طرقها كلها إما منقطعة أو ضعيفة إلا طريق سعيد بن جبير.
وإذا علمت ذلك فاعلم أن طريق سعيد بن جبير، لم يروها بها أحد متصلة إلا أمية بن خالد، وهو وإن كان ثقة فقد شك في وصلها.
فقد أخرج البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فيما أحسب، ثم ساق حديث القصة المذكورة، وقال البزار: لا يرى متصلًا إلا بهذا الإسناد، تفرد بوصله أمية بن خالد، وهو ثقة مشهورن وقال البزار: وإنما يروى من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، والكلبي متروك.
فتحصل أن قصة الغرانيق، لم ترد متصلة إلا من هذا الوجه الذي شك راويه في الوصل، ومعلوم أن ما كان كذلك لا يحتج به لظهور ضعفه، ولذا قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: إنه لم يرها مسندة من وجه صحيح.
وقال الشوكاني في هذه القصة: ولم يصح شيء من هذا، ولا يثبت بوجه من الوجوه، ومع عدم صحته، بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله كقوله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل} [الحاقة: 44] الآية وقوله: {وما يَنطِقُ عَنِ الهوى} [النجم: 3] الآية. وقوله: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74] فنفى المقاربة للركون فضلًا عن الركون، ثم ذكر الشوكاني عن البزار أنها لا تروى بإسناد متصل، وعن البيهقي أنه قال: هي غير ثابتة من جهة النقل، وذكر عن إمام الأئمة ابن خزيمة: أن هذه القصة من وضع الزنادقة وأبطلها ابن العربي المالكي، والفخر الرازي وجماعات كثيرة، وقراءته صلى الله عليه وسلم سورة النجم وسجود المشركين ثابت في الصحيح، ولم يذكر فيه شيء من قصة الغرانيق. وعلى هذا القول الصحيح وهو أنها باطلة فلا إشكال.
وأما على ثبوت القصة كما هو رأي الحافظ ابن حجر فإنه قال في فتح الباري: إن هذه القصة ثابتة بثلاثة أسانيد كلها على شرط الصحيح، وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل، وكذلك من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض، لأن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها، دل ذلك على أن لها أصلًا. فللعلماء عن ذلك أجوبة كثيرة أحسنها، وأقربها: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يرتل السورة ترتيلًا تتخلله سكتات، فلما قرأ {وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى} قال الشيطان لعنه الله محاكيًّا لصوته: تلك الغرانيق العلى الخ فظن المشركون أن الصوت صوته صلى الله عليه وسلم، وهو برئ ومن ذلك براءة الشمس من اللمس، وقد أوضحنا هذه المسألة في رحلتنا إيضاحًا وافيًّا، واختصرناها هنا، وفي كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب.
والحاصل: أن القران دل على بطلانها، ولم تثبت من جهة النقل، مع استحالة الإلقاء على لسانه صلى الله عليه وسلم لما ذكر شرعًا، ومن أثبتها نسب التلفظ بذلك الكفر للشيطان. فتبين أن نطق النَّبي صلى الله عليه وسلم بذلك الكفر، ولو سهوًا مستحيل شرعًا، وقد دل القران على بطلانه، وهو باطل قطعًا على كل حال، والغرانيق: الطير البيض المعروفة واحدها: غرنوق كزنبور وفردوس، وفيه لغات غير ذلك، يزعمون أن الأصنام ترتفع إلى الله كالطير البيض، فتشفع عنده لعابديها قبحهم الله ما أكفرهم، ونحن وإن ذكرنا أن قوله: {فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان} يستأنس به لقول من قال: إن مفعول الإلقاء المحذوف تقديره: ألقى الشيطان في قراءته ما ليس منها، لأن النسخ هنا هو النسخ اللغوي، ومعناه الإبطال والإزالة من قولهم: نسخت الشمس الظل، ونسخت الريح الأثر، وهذا كأنه يدل على أن الله ينسخ شيئًا ألقاه الشيطان، ليس ما يقرؤه الرسول أو النَّبي، فالذي يظهر لنا أنه الصواب.
وأن القران يدل عليه دلالة واضحة، وإن لم ينته له من تكلم على الآية من المفسرين: هو أن ما يلقيه الشيطان في قراءة النَّبي: الشكوك والوساوس المانعة من تصديقها وقبولها، كإلقائه عليهم أنها سحر أو شعر، أو أساطير الأولين، وأنها مفتراة على الله ليست منزلة من عنده.
والدليل على هذا المعنى: أن الله بين أن الحكمة في الإلقاء المذكور امتحان الخلق، لأنه قال: {لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشيطان فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [الحج: 53] ثم قال: {وَلِيَعْلَمَ الذين أُوتُواْ العلم أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 54] فقوله: {وَلِيَعْلَمَ الذين أُوتُواْ العلم أَنَّهُ الحق} الآية. يدل على أنّ الشيطان يلقي عليهم، أن الذي يقرأه النَّبي ليس بحق فيصدقه الأشقياء، ويكون ذلك فتنة لهم، ويكذبه المؤمنون الذين أوتوا العلم، ويعلمون أنه الحق لا الكذب كما يزعم لهم الشيطان في إلقائه: فهذا الامتحان لا يناسب شيئًا زاده الشيطان من نفسه في القراءة، والعلم عند الله تعالى.
وعلى هذا القول، فمعنى نسخ ما يلقى الشيطان: إزالته وإبطاله، وعدم تأثيره في المؤمنين الذين أوتوا العلم.
ومعنى يحكم آياته: يتقنها بالإحكام، فيظهر أنها وحي منزل منه بحق، ولا يؤثر في ذلك محاولة الشيطان صد الناس عنها بإلقائه المذكور، وما ذكره هنا من أنه يسلط الشيطان فيلقى في قراءة الرسول والنَّبي، فتنة للناس ليظهر مؤمنهم من كافرهم.
بذلك الامتحان، جاء موضحًا في آيات كثيرة قدمناها مرارًا كقوله: {وما جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النار إِلاَّ مَلاَئِكَةً وما جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب وَيَزْدَادَ الذين آمنوا إِيمَانًا وَلاَ يَرْتَابَ الذين أُوتُواْ الكتاب والمؤمنون وَلِيقول الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ والكافرون مَاذَآ أراد الله بهذا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ} [المدثر: 31] الآية وقوله تعالى: {وما جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسول مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143] الآية وقوله: {وما جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ والشجرة الملعونة في القرآن} [الإسراء: 60] أي لأنها فتنة، كما قال: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزقوم إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الجحيم} [الصافات: 62- 64] الآية. لأنه لما نزلت هذه الآية قالوا: ظهر كذب محمد صلى الله عليه وسلم لأن الشجر لا ينبت في الموضع اليابس، فكيف تنبت شجرة في أصل الجحيم إلى غير ذلك من الآيات، كما تقدم إيضاحه مرارًا، والعلم عند الله تعالى واللام في قوله: {لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشيطان} [الحج: 53] الآية الأظهر أنها متعلقة، بألقى أي ألقى الشيطان في أمنية الرسل والأنبياء، ليجعل الله ذلك الإلقاء فتنة للذين في قلوبهم مرض، خلافًا للحوفي القائل: إنها متعلقة بيحكم، وابن عطية القائل: إنها متعلقة بينسخ. ومعنى كونه: فتنة لهم أنه سبب لتماديهم في الضلال والكفر، وقد أوضحنا معاني الفتنة في القرآن سابقًا، وبينا أن أصل الفتنة في اللغة وضع الذهب في النار، ليظهر بسبكه فيها أخالص هو أم زائف، وأنها في القرآن تطلق على معان متعددة منها: الوضع في النار، ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] أي يحرقون بها. وقوله تعالى: {إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات} [البروج: 10] الآية أي أحرقوهم بنار الأخدود على أظهر التفسيرين، ومنها: الاختبار وهو أكثر استعمالاتها في القرآن، كقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] وقوله تعالى: {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] وقوله تعالى: {وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى الطريقة لأَسْقَيْنَاهُم مَاءً غَدَقًا لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الجن: 16- 17] ومنها: نتيجة الابتلاء إن كانت سيئة كالكفر والضلال كقوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] أي شرك بدليل قوله: {الدين للَّهِ} [البقرة: 193] أي شرك بدليل قوله: {وَيَكُونَ الدين للَّهِ} [البقرة: 193] وقوله في الأنفال {وَيَكُونَ الدين كُلُّهُ للهِ} [الأنفال: 39] ومما يوضح هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلاَّ الله» الحديث. فالغاية في الحديث مبينة للغاية في الآية، لأن خير ما يفسر به القرآن بعد القرآن السنة، ومنه بهذا المعنى قوله هنا {لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشيطان فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أي كفر وشك.