فصل: كلام نفيس للقاضى عياض في هذا الموضع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهناك روايات تثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم- هو الذي قرأ وعلى ذلك فيكون معنى الآية: وما أرسلنا يا محمد من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى أى قرأ وتلا ألقى الشيطان في أمنيته أى قراءته وتلاوته، فينسخ اللّه ما يلقى الشيطان ويزيله، ثم يحكم اللّه آياته، واللّه عليم حكيم.
هذه الرواية، رواية باطلة، وإن تكن رواية بعض المفسرين وكيف تصح؟!! ولو جوزناها لارتفع الأمان عن شرعه، وجوزنا في كل حكم أن يكون فيه زيادة أو نقص من قبل الشيطان على أن هذه الرواية وأمثالها تفتح باب الطعن والشك، وتكون سلاحا في يد أعداء الإسلام، وأعداء الأديان كلها، ولا ينفعنا أن ذلك بشكل واسع في الكتب السابقة. وهل تساعد اللغة تفسير تمنى بقرا؟ أظن لا!! وكيف نجوز هذا واللّه يقول وهو أصدق القائلين: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ} {ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إلى وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى} [سورة النجم الآيات 3- 5] {وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أوحينا إِلَيْكَ لِتَفْترى عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [سورة الإسراء 73-74] وقد عرفنا تفسيرها ووقفنا على معناها.
{عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [سورة الجن الآيات 26- 28].
وقال القاضي عياض في كتاب الشفاء: لقد أجمعت الأمة على أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه لا قصدا ولا عمدا ولا سهوا ولا غلطا.
واعلم- أكرمك اللّه يا أخى- أنهم خرجوا هذا الحديث المسمى بحديث الغرانيق على أن أصله واه. وقال علماء الحديث: إنه لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه بسند سليم متصل ثقة، وإنما أولع به وبمثله جماعة من المفسرين والمؤرخين بعضهم بحسن نية، وقال أبو بكر البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل يجوز ذكره.
وإذا سلمنا بالحديث على أنه مروى بعدة روايات وإن تكن كل واحدة ضعيفة إلا أن كثرة طرقها تجعلنا نقبله بتحفظ ونؤوله بما يتفق مع المبادئ العامة الإسلامية، بل بما يتفق مع صدر السورة، وعجزها، ووصف الأصنام بعد قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الأخرى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزى إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وما تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [سورة النجم الآيات 19- 23] وهذا بلا شك وصف للأصنام بأنها لا حقائق لها، وليس لكم فيها حجة، وما تتبعون في عبادتها إلا الظن الذي لا شبهة معه... وإذا سلمنا بالحديث فتأويله هكذا.
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتل القران ترتيلا، ويفصل آياته تفصيلا في قراءته فالجائز أن الشيطان انتظر سكتة من النبي صلى الله عليه وسلم ودس ما اختلقه من تلك المفتريات محاكيا صوت النبي صلى الله عليه وسلم وقد شاعت تلك الزيادة في وسط أهل مكة وسر بها المشركون.
وأما المسلمون فيحفظون السورة كما أنزلها اللّه- سبحانه-، وكما كان يتلوها النبي قبل ذلك، وكانوا متحققين من ذم النبي للأوثان، وما عرف عنه في ذلك، ومن هنا تظهر الحكمة الإلهية وهي الاختبار بأمثال هذا. فأما الكافرون الظالمون، ومن في قلوبهم مرض فسيقولون هذا من عند اللّه، واللّه قد مدح الأصنام التي كان يذمها محمد.
وأما المؤمنون فسيعلمون أن القران هو الحق من عند اللّه، وإن هذا إلقاء شيطان لا يعبأ به، واللّه عليم حكيم وتكون الآية سلوى للنبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يحصل هذا مع الأنبياء قبله، وهو لحكمة اللّه يقصدها ويعلمها، وهي الابتلاء والاختبار.
ويمكن بعد هذا كله أن نفهم الآية على هذا المعنى الآتي- مع أن اللغة لا تمنع منه- يقول اللّه- سبحانه وتعالى-: وما أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول له كتاب وشريعة، ولا نبي- ليس له شريعة ولا كتاب بل ألهم أو أوحى إليه أن يتبع شريعة غيره كأنبياء إسرائيل- وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى- من الأمنية التي تهواها النفس، وكل الأنبياء كانت تحب وتهوى أن يؤمن بهم كل الناس- ألقى الشيطان في أمنيته وفي سبيل تحقيقها من العراقيل والعقبات الشيء الكثير فكان يلقى من نفوس الناس ويزين لهم الكفر والفسوق والعصيان، ولا شك أن الناس الذين أرسل إليهم الرسول هم محل الأمنية، التي يتمناها النبي صلى الله عليه وسلم.
فينسخ اللّه ما يلقى الشيطان، ويزيل الوساوس من بعض قلوب الناس ثم يحكم اللّه آياته البينات، حتى تكون محكمة سديدة عند من يؤمن بها، واللّه عليم بخلقه حكيم في صنعه، يعلم خلقه وما هم عليه.
ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة وضلالا للذين في قلوبهم مرض، من شك ونفاق وحسد وبغضاء: وانظر إلى عبارة القرآن {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} والمراد استقر وسكن حتى أصبح طبعا وغريزة، والقاسية قلوبهم، وهم المشركون المكذبون، وإن الظالمين من المنافقين والمشركين لفي شقاق بعيد الغور، كبير الخطر، ولهم عذاب مقيم...
وليعلم الذين أوتوا العلم، وهدوا إلى الصراط المستقيم، وهم المؤمنون القانتون أنه الكتاب المحكم الآيات، البعيد عن الشبهات، هو الحق من ربك، لا شك فيه تنزيل من حكيم حميد، فيؤمنوا به إيمانا صادقا لا شبهة معه، فتخبت له قلوبهم، وتخشع وتسكن مخلصة مطمئنة، وإن اللّه لهادى الذين آمنوا بهذا القرآن إلى صراط مستقيم، وسيجازيهم على ذلك أحسن الجزاء.
ولا يزال الذين كفروا في شك منه مهما أتتهم الأدلة، وتوالت عليهم الحجج، لا يزالون هكذا، في شك وحيرة حتى تأتيهم الساعة بغتة، أو يأتيهم عذاب يوم عقيم لا خير فيه.
ولا غرابة في هذا لأن الملك يوم الجزاء والثواب والعقاب للّه الواحد القهار. يحكم بينهم. اهـ.

.كلام نفيس للقاضى عياض في هذا الموضع:

قال عليه الرحمة ما نصه:
فصل:
وقد توجهت هاهنا لبعض الطاعنين سؤالات منها ما روى من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة والنجم وقال: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} قال تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتها لترتجي ويروى ترتضي، وفي رواية إن شفاعتها لترتجي، وإنها لمع الغرانيق العلى وفي أخرى والغرانقة العلى تلك الشفاعة ترتجى، فلما ختم السورة سجد وسجد معه المسلمون والكفار لما سمعوه أثنى على آلهتهم وما وقع في بعض الروايات أن الشيطان ألفاها على لسانه وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمنى أن لو نزل عليه شيء يقارب بينه وبين قومه وفي رواية أخرى أن لا ينزل عليه شيء ينفرهم عنه وذكر هذه القصة وأن جبريل عليه السلام جاءه فعرض عليه السورة فلما بلغ الكلمتين قال له ما جئتك بهاتين، فحزن لذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى تسلية له {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى} الآية وقوله: {وإن كادوا ليفتنونك} الآية، فاعلم أكرمك الله أن لنا في الكلام على مشكل هذا الحديث مأخذين أحدهما في توهين أصله والثاني على تسليمه، أما المأخذ الأول فيكفيك أن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم وصدق القاضى بكر بن العلاء المالكى حيث قال لقد بلى الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير وتعلق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده واختلاف كلماته فقائل يقول إنه في الصلاة، وآخر يقول قالها في نادى قومه حين أنزلت عليه السورة، وآخر يقول قالها وقد أصابته سنة، وآخر يقول بل حدث نفسه فيها، وآخر يقول إن الشيطان قالها على لسانه وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرضها على جبريل قال ما هكذا أقرأتك، وآخر يقول بل أعلمهم الشيطان أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال والله ما هكذا نزلت، إلى غير ذلك من اختلاف الرواة، ومن حكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية والمرفوع فيه حديث شعبة عن أبى بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال فيما أحسب الشك في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة وذكر القصة قال أبو بكر البزار هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله علبه وسلم بإسناد متصل يجوز ذكره إلا هذا ولم يسنده عن شعبة الا أمية بن خالد وغيره يرسله عن سعيد بن جبير وإنما يعرف عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس فقد بين لك أبو بكر رحمه الله أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا وفيه من الضعف ما نبه عليه مع وقوع الشك فيه كما ذكرناه الذي لا يوثق به ولا حقيقة معه، وأما حديث الكلبى فمما لا تجوز الرواية عنه ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه كما أشار إليه البزار رحمه الله والذى منه في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ والنجم وهو بمكة فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس، هذا توهينه من طريق النقل، فأما من جهة المعنى فقد قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم ونزاهته عن مثل هذه الرذبلة أما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله وهو كفر أو أن يتسور عليه الشيطان ويشبه عليه القران حتى يجعل فيه ما ليس منه ويعتقد النبي صلى الله عليه وسلم أن من القرآن ما ليس منه حتى ينبهه جبريل عليه السلام وذلك كله ممتنع في حقه صلى الله عليه وسلم أو يقول ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من قبل نفسه عمدا- وذلك كفر- أو سهوا وهو معصوم من هذا كله وقد قررنا بالبراهين والإجماع عصمته صلى الله عليه وسلم من جريان الكفر على قلبه أو لسانه لا عمدا ولا سهوا أو أن يتشبه عليه ما يلقيه الملك مما يلقى الشيطان أو يكون للشيطان عليه سبيل أو أن يتقول على الله لا عمدا ولا سهوا ما لم ينزل عليه وقد قال الله تعالى: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل} الآية، وقال تعالى: {إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} الآية، ووجه ثان وهو استحالة هذه القصة نظرا وعرفا وذلك أن هذا الكلام لو كان كما روى لكان بعيد الالتئام متناقض الأقسام ممتزج المدح بالضم متخاذل التأليف والنظم ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم ولا من بحضرته من المسلمين وصناديد المشركين ممن يخفى عليه ذلك وهذا لا يخفى على أدنى متأمل فكيف بمن رجح حلمه واتسع في باب البيان ومعرفة فصيح الكلام علمه، ووجه ثالث أنه قد علم من عادة المنافقين ومعاندي المشركين وضعفة القلوب والجهلة من المسلمين نفورهم لأول وهلة وتخليط العدو على النبي صلى الله عليه وسلم لأقل فتنة وتعييرهم المسلمين والشماتة بهم الفينة بعد الفينة وارتداد من في قلبه مرض ممن أظهر الإسلام لأدنى شبهة ولم يحك أحد في هذه القصة شيئا سوى هذه الرواية الضعيفة الأصل ولو كان ذلك لوجدت قريش بها على المسلمين الصولة ولأقامت بها اليهود عليهم الحجة كما فعلوا مكابرة في قصة الإسراء حتى كانت في ذلك لبعض الضعفاء ردة وكذلك ما روى في قصة القضية ولا فتنة أعظم من هذه البلية لو وجدت ولا تشغيب للمعادي حينئذ أشد من هذه الحادثة لو أمكنت فما روى عن معاند فيها كلمة ولا عن مسلم بسببها بنت شفة فدل على بطلها واجتثاث أصلها ولا شك في إدخال بعض شياطين الإنس أو الجن هذا الحديث على بعض مغفلى المحدثين ليلبسن به على ضعفاء المسلمين.
ووجه رابع ذكر الرواة لهذه القضية أن فيها نزلت {وإن كادوا ليفتنونك} الآيتين، وهاتان الآيتان تردان الخبر الذي رووه لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه حتى يفترى وأنه لولا أن ثبته لكاد يركن إليهم فمضمون هذا ومفهومه أن الله تعالى عصمه من أن يفترى وثبته حتى لم يركن إليهم قليلا فكيف كثيرا وهم يرون في أخبارهم الواهية أنه زاد على الركون والافتراء بمدح آلهتهم وأنه قال صلى الله عليه وسلم: افتريت على الله وقلت ما لم يقل وهذا ضد مفهوم الآية وهي تضعف الحديث لو صح فكيف ولا صحة له؟ وهذا مثل قوله تعالى في الآية الأخرى {ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء} وقد روى عن ابن عباس كل ما في القرآن كاد فهو ما لا يكون قال الله تعالى: {يكاد سنابرقه يذهب بالأبصار} ولم يذهب وأكاد أخفيها ولم يفعل، قال القشيرى القاضى ولقد طالبه قريش وثقيف إذ مر بآلهتهم أن يقبل بوجهه إليها ووعدوه الإيمان به إن فعل فما فعل ولا كان ليفعل، قال ابن الانباري ما قارب الرسول ولا ركن وقد ذكرت في معنى هذه الآية تفاسير أخر ما ذكرناه من نص الله على عصمة رسوله ترد سفسافها فلم يبق في الآية إلا أن الله تعالى امتن على رسوله بعصمته وتثبيته بما كاده به الكفار وراموا من فتنته ومرادنا من ذلك تنزيهه وعصمته صلى الله عليه وسلم وهو مفهوم الآية، وأما المأخذ الثاني فهو مبنى على تسليم الحديث لو صح وقد أعاذنا الله من صحته ولَكِن على كل حال فقد أجاب عن ذلك أئمة المسلمين بأجوبة منها الغث والسمين فمنها ما روى قتادة ومقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم أصابته سنة عند قراءته هذه السورة فجرى هذا الكلام على لسانه بحكم النوم وهذا لا يصح إذ لا يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم مثله في حالة من أحواله ولا يخلقه الله على لسانه ولا يستولى الشيطان عليه في نوم ولا يقظة لعصمته في هذا الباب من جميع العمد والسهو وفي قول الكلبى أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث نفسه فقال ذلك الشيطان على لسانه، وفي رواية ابن شهاب عن أبى بكر بن عبد الرحمن قال وسها فلما أخبر بذلك قال إنما ذلك من الشيطان وكل هذه لا يصح أن يقوله النبي صلى الله عليه وسلم لا سهوا ولا قصدا ولا يتقوله الشيطان على لسانه وقيل لعل النبي صلى الله عليه وسلم قاله أثناء تلاوته على تقدير التقرير والتوبيخ للكفار كقول إبراهيم عليه السلام هذا ربى على أحد التأويلات وكقوله بل فعله كبيرهم هذا بعد السكت وبيان الفصل بين الكلامين ثم رجع إلى تلاوته وهذا يمكن مع بيان الفصل وقرينة تدل على المراد وأنه ليس من المتلو وهو أحد ما ذكره القاضى أبو بكر ولا يعترض على هذا بما روى أنه كان في الصلاة فقد كان الكلام قبل فيها غير ممنوع والذى يظهر ويترجح في تأويله عنده وعند غيره من المحققين على تسليمه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كما أمره ربه يرتل القران ترتيلا ويفصل الآى تفصيلا في قراءته كما رواه الثقات عنه فيمكن ترصد الشيطان لتلك السكتات ودسه فيها ما اختلفه من تلك الكلمات محاكيا نغمة النبي صلى الله عليه وسلم بحيث يسمعه من دنا إليه من الكفا فظنوها من قول النبي صلى الله عليه وسلم وأشاعوها ولم يقدح ذلك عند المسلمين بحفظ السورة قبل ذلك على ما أنزلها الله وتحققهم من حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذم الأوثان وعيبها عرف منه وقد حكى موسى بن عقبة في مغازيه نحو هذا، وقال إن المسلمين لم يسمعوها وإنما ألقى الشيطان ذلك في أسماع المشركين وقلوبهم ويكون ما روى من حزن النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الإشاعة والشبهة وسبب هذه الفتنة وقد قال الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلكم من رسول ولا نبى} الآية فمعنى تمنى: تلا، قال الله تعالى: {لا يعلمون الكتاب إلا أمانى} أي تلاوة وقوله: {فينسخ الله ما يلقى الشيطان} أي يذهبه ويزيل اللبس به ويحكم آياته، وقيل معنى الآية هو ما يقع للنبى صلى الله عليه وسلم من السهو إذا قرأ فينتبه لذلك ويرجع عنه وهذا نحو قول الكلبى في الآية أنه حدث نفسه وقال إذا تمنى أي حدث نفسه، وفي رواية أبى بكر بن عبد الرحمن نحوه وهذا السهو في القراءة إنما يصح فيما ليس طريقه تغيير المعاني وتبديل الألفاظ وزيادة ما ليس من القرآن بل السهو عن إسقاط آية منه أو كلمة ولَكِنه لا يقر على هذا السهو بل ينبه عليه ويذكر به للحين على ما سنذكره في حكم ما يجوز عليه من السهو وما لا يجوز ومما يظهر في تأويله أيضا أن مجاهدا روى هذه القصة والغرانقة العلى فإن سلمنا القصة قلنا لا يبعد أن هذا كان قرأنا والمراد بالغرانقة العلى وأن شفاعتهن لتربحي الملائكة على هذه الرواية وبهذا فسر لكلى الغرانقة أنها الملائكة وذلك أن الكفار كانوا يعتقدون الأوثان والملائكة بنات الله كما حكى الله عنهم.