فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن جزي:

{إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الذين آمنوا} كان الكفار يؤذون المؤمنين بمكة، فوعدهم الله أن يدفع عنهم شرهم وأذاهم، وحذف مفعول يدافع ليكون أعظم وأعم وقرئ: {يدافع} بالألف، ويدفع بسكون الدال من غير الألف، وهما بمعنى واحد، أجريت فاعل مجرى فَعَل من قولك عاقبة الأمر، وقال الزمخشري: {يدافع}: معناه يبالغ في الدفع عنهم، لأنه للمبالغة، وفعل المغالبة أقوى {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} الخوّان مبالغة في خائن، والكفور مبالغة في كافر، قال الزمخشري: هذه الآية علة لما قبلها.
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} هذه أول آية نزلت في الإذن في القتال، ونسخت الموادعة مع الكفار، وكان نزولها عند الهجرة، وقرئ {أذن} بضم الهمزة على البناء لما لم يسم فاعله وبالفتح على البناء للفاعل وهو الله تعالى والمعنى أذن لهم في القتال فحذف المأذون فيه لدلالة {يُقَاتَلُونَ} عليه، وقرئ {يُقَاتَلُونَ} بفتح التاء وكسرها {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ} أي بسبب أنهم ظلموا.
{الذين أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم} يعني الصحابة، فإن الكفار آذوهم وأضروا بهم حتى اضطروهم إلى الخروج من مكة، فمنهم من هاجر إلى أرض الحبشة، ومنهم من هاجر إلى المدينة ونسب الإخراج إلى الكفار؛ لأن الكلام في معرض إلزامهم الذنب وصفهم بالظلم {إِلاَّ أَن يقولواْ رَبُّنَا الله} قال ابن عطية هو استثناء منقطع لا يجوز فيه البدل عند سيبويه، وقال الزمخشري: {أَن يقولواْ} في محل الجر على الابدال من حق {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس} الآية تقوية للإذن في القتال وإظهار للمصلحة التي فيه، كأن يقول لولا القتال والجهاد لا ستولى الكفار على المسلمين وذهب الدين، وقيل: المعنى؛ لولا دفع ظلم الظلمة بعدل الولاة، والأول أليق بسياق الآية، وقرأ نافع: {دفاع} بالألف مصدر دافع، والباقون بغير ألف مصدر دفع {لَّهُدِّمَتْ} قرأ نافع وابن كثير بالتخفيف والباقون بالتشديد للمبالغة {صَوَامِعُ} جمع صومعة بفتح الميم وهي موضع العبادة، وكانت للصابئين ولرهبان النصارى، ثم سمى بها في الإسلام موضع الأذان، والبيع جمع بيعة بكسر الباء وهي كنائس النصارى، والصلوات كنائس اليهود، وقيل: هي مشتركة لكل أمة، والمراد بها مواضع الصلوات، والمساجد للمسلمين، فالمعنى: لولا دفع الله لاستولى الكفار على أهل الملل المتقدمة في أزمانهم، ولاستولى المشركون على هذه الأمة فهدموا مواضع عباداتهم {يُذْكَرُ فِيهَا اسم الله} الضمير لجميع ما تقدم من المتعبدات، وقيل: للمساجد خاصة {وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ} أي من ينصر دينه وأولياءه، وهو وعد تضمن الحض على القتال.
{الذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ} الآية؛ قيل: يعني أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: الصحابة، وقيل: الخلفاء الأربعة لأنهم الذين مكنوا في الأرض بالخلافة ففعلوا ما وصفهم الله به.
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ} الآية ضمير الفاعل لقريش، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم على وجه التسلية له والوعيد لهم {نَكِيرِ} مصدر بمعنى الإنكار {على عُرُوشِهَا} العروش السقف فإن تعلق الجار بخاوية: فالمعنى أن العروش سقطت ثم سقطت الحيطان عليها فهي فوقها، وإن كان الجار والمجرور في موضع الحال: فالمعنى أنها خاوية مع بقاء عروشها {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ} أي لا يُسقى الماء منها لهلاك أهلها، ورُوي أن هذا البئر هي الرس، وكانت بعدن لأمة من بقايا ثمود، والأظهر أنه لم يرد التعيين، لقوله: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ} وهذا اللفظ يراد به التكثير {وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} أي مبنى بالشيد وهو الجص، وقيل: المشيد المرفوع البنيان {قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ} دليل على أن العقل في القلب، خلافًا للفلاسفة في قولهم: العقل في الدماغ {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار} أي لا تعمى الأبصار عمى يعتد به، وإنما العمى الذي يعتد به عمى القلوب، وإن هؤلاء القوم ما عميت أبصارهم ولَكِن عميت قلوبهم، فالمعنى الأول لقصد المبالغة، والثاني خاص بهؤلاء القوم {التي فِي الصدور} مبالغة كقوله: {يقولونَ بِأَفْوَاهِهِم} [آل عمران: 167].
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب} الضمير لكفار قريش {وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ} إخبار يتضمن الوعيد بالعذاب، وسماه وعدًا؛ لأن المراد به مفهوم {وَإِنَّ يَوما عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَا تَعُدُّونَ} المعنى أن يوما من أيام الآخرة مقداره ألف سنة من أعوام الدنيا، ولذلك قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم. وذلك خمسمائة سنة»، وقيل: المعنى إن يوما واحدًا من أيام العذاب كألف سنة لطول العذاب، فإن أيام البؤس طويلة، وإن كانت في الحقيقة قصيرة، وفي كل واحد من الوجهين تهديد للذين استعجلوا العذاب، إلا أن الأول أرجح، لأن الألف سنة فيه حقيقة، وقيل: إن اليوم المذكور في الآية هو يوم من الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض.
{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ} ذكر أولًا القرى التي أهلكها بغير إملاء، وذكر هنا التي أهلكها بعد الإملاء، والإملاء هو الإمهال مع أرادة المعاقبة فيما بعد، وعطف هذه الجملة بالواو على الجمل المعطوفة قبلها بالواو، وقال في الأولى {فَكَأَيِّن} لأنه بدل من قوله: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الحج: 44].
{سَعَوْاْ في آيَاتِنَا} أي سعوا فيها بالطعن عليها، وهو من قولك: سعى في الأمر إذا وجد فيه لقصد إصلاحه أو إفساده {مُعَاجِزِينَ} بالألف أي مغالبين، لأنهم قصدوا عجز صاحب الآيات، والآيات تقتضي عجزهم، فصارت مفاعلة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتشديد من غير ألف ومعناه أنهم يعجزون الناس عن الإسلام أي يثبطونهم عنه.
{مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ} النبيّ أعم من الرسول، فكل رسول نبيّ وليس كل نبيّ رسولًا، فقدم الرسول لمناسبته لقوله: {أرسلنا} وأخر النبي لتحصيل العموم، لأنه لو اقتصر على رسول لم يدخل في ذلك من كان نبيًّا غير رسول {إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان في أمنيته} سبب هذه الآية أن رسول الله صلى لله عليه وسلم قرأ سورة والنجم بالمسجد الحرام بمحضر المشركين والمسلمين فلما بلغ إلى قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللات والعزى وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى} [النجم: 19- 20] ألقى الشيطان: تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى، فسمع ذلك المشركون ففرحوا به وقالوا: محمد يذكر آلهتنا بما نريد.
واختلف في كيفية إلقاء الشيطان، فقيل: إن الشيطان هو الذي تكلم بذلك، وظن الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المتكلم به؛ لأنه قرّب صوته من صوت النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى التبس الأمر على المشركين، وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي تكلم بذلك على وجه الخطأ والسهو؛ لأن الشيطان ألقاه ووسوس في قلبه، حتى خرجت تلك الكلمة على لسانه من غير قصد، والقول الثاني أشهر عند المفسرين والناقلين لهذه القصة، والقول الأول أرجح لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم في التبليغ، فمعنى الآية: أن كل نبي وكل رسول قد جرى له مثل ذلك من إلقاء الشيطان، واختلف في معنى تمنى وأمنيته في هذه الآية فقيل: تمنى بمعنى تلا، والأمنية: التلاوة: أي إذا قرأ الكتاب ألقى الشيطان من عنده في تلاوته، وقيل: هو من التمني بمعنى حب الشيء، وهذا المعنى أشهر في اللفظ: أي تمنى النبي صلى الله عليه وسلم مقاربة قومه واستئلافهم، وألقى الشيطان ذلك في هذه الأمنية ليعجبهم ذلك {فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان} أي يبطله كقولك: نسخت الشمس الظل.
{لِّيَجْعَلَ} متعلق بـ قوله: {يَنسَخُ} و{يُحْكِمُ} {لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أي أهل الشك {والقاسية قُلُوبُهُمْ} المكذبون، وقيل: {لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} عامة الكفار، {والقاسية قُلُوبُهُمْ} أشدُّ كفرًا وعتوًّا كأبي جهل {وَإِنَّ الظالمين لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} يعني بالظالمين المذكورين قبل، ولَكِنه جعل الظاهر موضع المضمر، ليقضي عليهم بالظلم، والشقاق: العداوة، ووصفه ببعيد، لأنه في غاية الضلال والبعد عن الخير.
{الذين أُوتُواْ العلم} قيل: يعني الصحابة، واللفظ أعم من ذلك.
{أَنَّهُ الحق} الضمير عائد على القران، وقال الزمخشري: هو لتمكين الشيطان من الإلقاء {فَتُخْبِتَ} أي تشخع.
{فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ} الضيمر للقرأن، أو للنبي صلى الله عليه وسلم أو للإلقاء {يَوْمٍ عَقِيمٍ} يعني يوم بدر، ووصفه بالعقيم لأنه لا ليلة لهم بعده ولا يوم، لأنهم يقتلون فيه، وقيل: هو يوم القيامة، والساعة مقدّماته، ويقوي ذلك قوله: {الملك يَوْمَئِذٍ للَّهِ}، ثم قسم الناس إلى قسمين: أصحاب الجحيم وأصحاب النعيم.
{قتلوا أَوْ مَاتُواْ} روى أن قوما قالوا: يا رسول الله قد علمنا ما أعطى الله لمن قتل من الخيرات، فما لمن مات معك؟ فنزلت الآية معلمة أن الله يرزق من قتل ومن مات معًا، ولا يقتضي ذلك المساواة بينهم لأن تفضيل الشهداء ثابت {رِزْقًا حَسَنًا} يحتمل أن يريد به الرزق في الجنة بعد يوم القيامة، أو رزق الشهداء في البرزخ، والأول أرجح، لأنه يعم الشهداء والموتى {مُّدْخَلًا} يعني الجنة. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

قوله تعالى: {إنّ الله} أي: الذي لا كفء له {يدفع عن الذين آمنوا} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وسكون الدال وفتح الفاء والباقون بضم الياء وفتح الدال وبعدها ألف وكسر الفاء أي: يبالغ في الدفع مبالغة من يغالب فيه ولم يذكر الله تعالى ما يدفعه عنهم حتى يكون أعظم وأفخم وأعمّ وإن كان في الحقيقة أنه يدفع بأس المشركين فلذلك قال تعالى بعده {إنّ الله} أي: الذي له صفات الكمال {لا يحب} أي: لا يكرم كما يفعل المحب {كل حوّان} في أمانته {كفور} لنعمته وهم المشركون، قال ابن عباس: خانوا الله فجعلوا معه شريكًا وكفروا نعمه، فنبه بذلك على أنه يدفع عن المؤمنين كيد من هذه صفته وقال مقاتل: يدفع عن الذين آمنوا بمكة حين أمر المؤمنين بالكف عن كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم فاستأذنوا النبيّ صلى الله عليه وسلم في قتلهم سرًّا فنهاهم عن ذلك ثم أذن الله تعالى لهم قتالهم بقوله تعالى: {أذن للذين يقاتلون} أي: المشركين والمأذون فيه وهو في القتال محذوف لدلالة يقاتلون عليه {بأنهم} أي بسبب أنهم {ظلموا} فكانوا يأتونه صلى الله عليه وسلم بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه فيقول لهم: اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزلت وهي أوّل آية نزلت في القتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية وقيل نزلت في قوم بأعيانهم مهاجرين من مكة إلى المدينة فاعترضهم مشركو مكة فأذن الله لهم في قتال الكفار الذي منعوهم من الهجرة بأنهم ظلموا واعتدوا عليهم بالإيذاء وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم بضم الهمزة والباقون بفتحها.
ولماكان التقدير فإنّ الله أراد إظهار دينه بهم عطف عليه قوله تعالى: {وإنّ الله} أي: الذي هو الملك الأعلى {على نصرهم لقدير} وفي ذلك وعد من الله بنصر المؤمنين ثم وصفهم بقوله تعالى: {الذين أخرجوا من ديارهم} إلى الشعب والحبشة والمدينة {بغير حق} أوجب ذلك ما أخرجوا {إلا أن يقولوا} أي: بقولهم {ربنا الله} وهذا القول حق والإخراج به إخراج بغير حق ونظير ذلك قوله تعالى: {هل تنقمون منا إلا أن آمنا با} [المائدة:].
تنبيه:
الذين أخرجوا مجرور نعت للذين يقاتلون، أو بدل منه، أو منصوب على المدح، أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف {ولولا دفع الله} أي: المحيط بكل شيء علمًا {الناس بعضهم ببعض} أي: بتسليط المسلمين منهم على الكافرين بالمجاهدة لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمانهم وعلى متعبداتهم كما قال تعالى: {لهدّمت} أي: خربت {صوامع} وهي: معابد صغار للرهبان مرتفعة {وبيع} كنائس للنصارى {وصلوات} أي: كنائس لليهود وسميت بها لأنها يصلى فيها، وقيل: هي كلمة معربة أصلها بالعبرانية صلوتا {ومساجد} للمسلمين {يذكر فيها} أي: هذه المواضع المذكورة {اسم اللَّه} العليّ العظيم {كثيرًا} وتنقطع العبادات بخرابها، وقيل: الضمير يرجع للمساجد فقط تشريفًا لها بأن ذكر الله يحصل فيها كثيرًا فإن قيل لم قدم الصوامع والبيع في الذكر على المساجد أجيب بأنها أقدم في الوجود وقيل: أخرها في الذكر كما في قوله تعالى ومنهم سابق بالخيرات ولأنّ الذكر آخر العمل فلما كان نبينا صلى الله عليه وسلم خير الرسل وأمتنا خير الأمم لا جرم كانوا آخرهم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم «نحن الآخرون والسابقون» وقيل: أخرها لتكون بعيدة عن الهدم قريبة من الذكر وقرأ نافع {دفاع} بكسر الدال وفتح الفاء وألف بعدها والباقون بفتح الدال وسكون الفاء وقرأ نافع وابن كثير {لهدمت} بتخفيف الدال والباقون بتشديدها وأظهر التاء عند الصاد نافع وابن كثير وعاصم وأدغمها الباقون {ولينصرن الله} أي: الملك الأعظم {من ينصره} أي: ينصر دينه وأولياءه كائنًا من كان منهم أو من غيرهم وقد أنجز الله تعالى وعده بأن سلطا المهاجرين والأنصار على صناديد العرب وأكاسرة العجم وقياصرتهم وأورثهم أرضهم وديارهم {إنّ الله} أي: الذي لا كفء له {لقويّ} أي: على ما يريد {عزيز} أي: منيع في سلطانه وقدرته وقوله تعالى: {الذين إن مكناهم} أي: بما لنا من القدرة {في الأرض} بإعلائهم على ضدّهم {أقاموا الصلاة} أي: التي هي عماد الدين الدالة على المراقبة والإعراض عن تحصيل الفاني {وآتوا الزكاة} أي المؤذنة بالزهد في الحاصل منه المؤذن بعمل النفس للرحيل {وأمروا بالمعروف} أي: الذي أمر الله تعالى ورسوله به {ونهوا عن المنكر} أي: الذي نهى الله ورسوله عنه وصف للذين هاجروا وهو إخبار من الله تعالى بظهر الغيب عما ستكون عليه سيرة المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم، وعن عثمان رضي الله تعالى عنه هذا والله ثناء قبل بلاء يريد أن الله تعالى أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا.
تنبيه:
في ذلك دليل على صحة خلافة الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين إذ لم يستجمع ذلك غيرهم من المهاجرين وإذا ثبت ذلك وجب أن يكونوا على الحق ولا يجوز حمل الآية على أمير المؤمنين على وحده لأنّ الآية دالة على الجمع، وعن الحسن هم أمّة محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: الذين منصوب بدل من قوله تعالى من ينصره {و} أي: الملك الأعلى {عاقبة الأمور} أي: آخر أمور الخلق ومصيرها إليه في الآخرة فلا يكون لأحد فيها أمر حتى أنه لا ينطق أحد إلا بإذن منه.
ولما بين سبحانه وتعالى فيما تقدّم إخراج الكفار للمؤمنين من ديارهم بغير حق وأذن في مقاتلتهم وضمن لرسوله صلى الله عليه وسلم النصرة وبين أنّ الله عاقبة الأمور أردفه بما يرجي مجرى التسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم في الصبر على ما هم عليه من أذيته وأذية المؤمنين بالتكذيب وغيره فقال تعالى: {وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم} أي: قبل قومك {قوم نوح} وتأنيث قوم باعتبارالمعنى وتحقير المكذبين في قدرته وإن كانوا من أشدّ الناس {وعاد} أي: ذوو الأبدان الشداد قوم هود {وثمود} ولو الأبنية الطوال في السهول والجبال قوم صالح {وقوم إبراهيم} التجبرون المتكبرون {وقوم لوط} الأنجاس بما لم يسبقهم إليه أحد من الناس {وأصحاب مدين} أرباب الأموال المجموعة من خزائن الضلال فأنت يا أشرف الخلق لست بأوحديّ في التكذيب، فإنّ هؤلاء قد كذبوا رسلهم قبل قومك.
ولما كان موسى عليه السلام قد أتى من الآيات المرئية ثم المسموعة بما لم يأت بمثله أحدهن تقدّمه فكان تكذيبه في غاية البعد غير سبحانه وتعالى الأسلوب تنبيها على ذلك وعلى أنّ الذين أطبقوا على تكذيبه القبط وأمّا قومه فما كذبه منهم إلا أناس يسير فقال تعالى: {وكذب موسى} وفي ذلك أيضًا تعظيم للتأسية وتفخيم للتسلية {فأمليت للكافرين} أي: أمهلتهم بتأخير العقاب عنهم إلى الوقت الذي ضربته لهم وعبر عن طول الإملاء بأداة التراخي لزيادة التأسية فقال تعالى: {ثم أخذتهم} أخذ عزيز مقتدر.
ثم نبه سبحانه وتعالى بالاستفهام في قوله تعالى: {فكيف كان نكير} أي: إنكاري لأفعالهم على أنه كان في أخذهم عبر وعجائب وأهوال وغرائب حيث أيد لهم بالنعمة محنة، وبالحياة هلاكًا، وبالعمارة خرابًا، والاستفهام للتقرير أي: وهو واقع موقعه فليحذر هؤلاء الذين أتبتهم بأعذم ما أتى به رسول قومه مثل ذلك فإن لم يؤمنوا بك فعلت بهم كما فعلت بهؤلاء وإنكانوا أمكن الناس فلا يحزنك أمرهم.