فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله: {ذلك وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ الله إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
قوله: {ذلك} قد مضى الكلام فيه في هذه الآية في هذه السورة.
وقال الزجاج أي الأمر ما قصصنا عليك من إنجاز الوعد للمهاجرين الذين قتلوا أو ماتوا.
المسألة الثانية:
قوله: {ذلك وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ} معناه: قاتل من كان يقاتله، ثم كان المقاتل مبغيًّا عليه بأن اضطر إلى الهجرة ومفارقة الوطن وابتدىء بالقتال، قال مقاتل: نزلت في قوم من المشركين لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم، فقال بعضهم لبعض: إن أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم، فناشدهم المسلمون أن يكفوا عن قتالهم لحرمة الشهر، فأبوا وقاتلوهم. فذلك بغيهم عليهم، وثبت المسلمون لهم فنصروا عليهم.
فوقع في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام ما وقع، فأنزل الله تعالى هذه الآية: وعفا عنهم وغفر لهم.
وهاهنا سؤالات:
السؤال الأول: أي تعلق لهذه الآية بما قبلها؟ الجواب: كأنه سبحانه وتعالى قال مع إكرامي لهم في الآخرة بهذا الوعد لا أدع نصرتهم في الدنيا على من بغى عليهم.
السؤال الثاني: هل يرجع ذلك إلى المهاجرين خاصة أو إليهم وإلى المؤمنين؟ الجواب: الأقرب أنه يعود إلى الفريقين فإنه تقدم ذكرهما، وبين ذلك قوله تعالى: {لَيَنصُرَنَّهُ الله} وبعد القتل والموت لا يمكن ذلك في الدنيا.
السؤال الثالث: ما المراد بالعقوبة المذكورة؟ الجواب: فيه وجهان: أحدهما: المراد ما فعله مشركو مكة مع المهاجرين بمكة من طلب آثارهم، ورد بعضهم إلى غير ذلك، فبين تعالى أن من عاقب هؤلاء الكفار بمثل ما فعلوا فسينصره عليهم، وهذه النصرة المذكورة تقوي تأويل من تأوله على مجاهدة الكفار لا على القصاص، لأن ظاهر النص لا يليق إلا بذلك والجواب الثاني: أن هذه الآية في القصاص والجراحات، وهي آية مدنية عن الضحاك.
السؤال الرابع: لم سمى ابتداء فعلهم بالعقوبة؟ الجواب: أطلق اسم العقوبة على الأول للتعلق الذي بينه وبين الثاني كقوله تعالى: {وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} [الشورى: 40] {ويُخَادعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142].
السؤال الخامس: أي تعلق لقوله: {وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} بما تقدم؟ الجواب: فيه وجوه: أحدها: أن الله تعالى ندب المعاقب إلى العفو عن الجاني بقوله: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله} [الشورى: 40] {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ للتقوى} [البقرة: 237]، {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور} [الشورى: 43] فلما لم يأت بهذا المندوب فهو نوع إساءة، فكأنه سبحانه قال: إني قد عفوت عن هذه الإساءة وغفرتها، فإني أنا الذي أذنت لك فيه وثانيها: أنه سبحانه وإن ضمن له النصر على الباغي، لَكِنه عرض مع ذلك بما كان أولى به من العفو والمغفرة فلوح بذكر هاتين الصفتين وثالثها: أنه سبحانه دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة، لأنه لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده.
السؤال السادس: أي تعلق لقوله: {ذلك بِأَنَّ الله يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل} بما قبله؟ والجواب: من وجهين: أحدهما: ذلك أي ذلك النصر بسبب أنه قادر ومن آيات قدرته البالغة كونه خالقًا لليل والنهار ومتصرفًا فيهما، فوجب أن يكون قادرًا عالمًا بما يجري فيهما، وإذا كان كذلك كان قادرًا على النصر مصيبًا فيه وثانيها: المراد أنه سبحانه مع ذلك النصر ينعم في الدنيا بما يفعله من تعاقب الليل والنهار وولوج أحدهما في الآخر.
السؤال السابع: ما معنى إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل الجواب: فيه وجهان: أحدهما: يحصل ظلمة هذا في مكان ضياء ذلك بغيبوبة الشمس، وضياء ذلك في مكان ظلمة هذا بطلوعها، كما يضيء البيت بالسراج ويظلم بفقده وثانيهما: أنه سبحانه يزيد في أحدهما ما ينقص من الآخر من الساعات.
السؤال الثامن: أي تعلق لقوله: {وَأَنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} بما تقدم؟ الجواب: المراد أنه كما يقدر على ما لا يقدر عليه غيره، فكذلك يدرك المسموع والمبصر، ولا يجوز المنع عليه، ويكون ذلك كالتحذير من الإقدام على ما لا يجوز في المسموع والمبصر.
السؤال التاسع: ما معنى قوله: {ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق} وأي تعلق له بما تقدم؟ الجواب: فيه وجهان: أحدهما: المراد أن ذلك الوصف الذي تقدم ذكره من القدرة على هذه الأمور إنما حصل لأجل أن الله هو الحق أي هو الموجود الواجب لذاته الذي يمتنع عليه التغير والزوال فلا جرم أتى بالوعد والوعيد ثانيهما: أن ما يفعل من عبادته هو الحق وما يفعل من عبادة غيره فهو الباطل كما قال: {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدنيا وَلاَ فِي الآخرة} [غافر: 43].
السؤال العاشر: أي تعلق لقوله: {وَأَنَّ الله هُوَ العلى الكبير} بما تقدم؟ والجواب: معنى العلي القاهر المقتدر الذي لا يغلب فنبه بذلك على أنه القادر على الضر والنفع دون سائر من يعبد مرغبًا بذلك في عبادته زاجرًا عن عبادة غيره، فأما الكبير فهو العظيم في قدرته وسلطانه، وذلك أيضًا يفيد كمال القدرة.
المسألة الثالثة:
قوله: {لَيَنصُرَنَّهُ الله} إخبار عن الغيب فإنه وجد مخبره كما أخبر فكان من المعجزات.
المسألة الرابعة:
قال الشافعي رحمه الله: من حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: بل يقتل بالسيف.
واحتج الشافعي رحمه الله بهذه الآية، فإن الله تعالى جوز للمظلوم أن يعاقب بمثل ما عوقب به ووعده النصر عليه.
المسألة الخامسة:
قرأ نافع وابن عامر {تَدْعُونَ} بالتاء هاهنا وفي لقمان وفي المؤمنين وفي العنكبوت.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو كلها بالياء على الخبر، والعرب قد تنصرف من الخطاب إلى الإخبار ومن الإخبار إلى الخطاب. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {ذلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} الآية، فيها قولان: أحدهما: أنها نزلت في قوم من مشركي قريش لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فحملوا عليهم فناشدهم المسلمون ألا يقاتلوهم في الشهر الحرام فأبوا فأظفر الله المسلمين فنزل ذلك فيهم، حكاه النقاش.
الثاني: أنها في قوم من المشركين مثلوا بقوم من المسلمين قتلوهم يوم أحد فعاقبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله فنزل ذلك فيهم، حكاه ابن عيسى. ونصر الله في الدنيا بالغلبة والقهر، وفي الآخرة بالحجبة والبرهان.
قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ}.
فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن الحق اسم من أسمائه تعالى، قاله يحيى ابن سلام.
الثاني: أنه ذو الحق، قاله ابن عيسى.
الثالث: معناه أن عبادته حق وهو معنى قول السدي.
{وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} فيه قولان: أحدهما: الأوثان، قاله الحسن.
الثاني: إبليس، قاله قتادة. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {ذلك}، إلى قوله: {الكبير} المعنى الأمر ذلك، ثم أخبر تعالى عمن عاقب من المؤمنين من ظلمه من الكفرة ووعد المبغي عليه بأنه ينصره وسمي الذنب في هذه الآية باسم العقوبة كما تسمى العقوبة كثيرًا الذنب وهذا كله تجوز واتساع، وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين لقيهم كفار في أشهر الحرم فأبى المؤمنون من قتالهم وأبى المشركون إلا القتال فلما اقتتلوا جد المؤمنون ونصرهم الله، فنزلت هذه الآية فيهم، وقوله: {ذلك بأن الله يولج الليل في النهار}، معناها نصر الله أولياءه ومن بغي عليه بأنه القادر على العظائم الذي لا تضاهى قدرته فأوجزت العبارة بأن أشار بـ: {ذلك} إلى النصر وعبر عن القدرة بتفصيلها فذكر منها مثلًا لا يدعى لغير الله تعالى، وجعل تقصير الليل وزيادة النهار وعكسهما إيلاجًا تجوزًا وتشبيهًا، وقوله: {ذلك بأن الله هو الحق} معناه نحو ما ذكرناه، وقرأت فرقة {وأن} بفتح الألف، وقرأت فرقة {وإن} بكسر الألف، وقرأت فرقة {تدعون} بالتاء من فوق، وقرأت فرقة {يدعون} والإشارة بما يدعى من دونه، قالت فرقة هي إلى الشيطان، وقالت فرقة هي إلى الأصنام والعموم هنا حسن. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ذلك} قال الزجاج: المعنى: الأمر ذلك، أي: الأمر ما قصصنا عليكم {ومن عاقب بمثل ما عُوقب به} والعقوبة: الجزاء؛ والأول ليس بعقوبة، ولَكِنه سمي عقوبةً، لاستواء الفعلين في جنس المكروه، كقوله: {وجزاء سيِّئةٍ سيِّئةٌ مثلها} [الشورى: 40] لما كانت المجازاة إِساءة بالمفعول به سمِّيت سيِّئة، ومثله: {الله يستهزئ بهم} [البقرة: 15]، قاله الحسن.
ومعنى الآية: من قاتل المشركين كما قاتلوه {ثُمَّ بُغِيَ عليه} أي: ظُلم باخراجه عن منزله.
وزعم مقاتل أن سبب نزول هذه الآية أن مشركي مكة لقوا المسلمين لليلةٍ بقيت من المحرَّم، فقاتلوهم، فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام، فأبوا إِلا القتال، فثبت المسلمون، ونصرهم الله على المشركين، ووقع في نفوس المسلمين من القتال في الشهر الحرام، فنزلت هذه الآية، وقال: {إِن الله لعفوٌّ} عنهم {غفور} لقتالهم في الشهر الحرام.
قوله تعالى: {ذلك} أي: ذلك النصر {بأنَّ الله} القادر على ما يشاء.
فمن قُدرته أنه {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأنّ الله سميع} لدعاء المؤمنين {بصير} بهم حيث جعل فيهم الإِيمان والتقوى، {ذلك} الذي فعل من نصر المؤمنين {بأن الله هو الحقُّ} أي: هو الإِله الحق {وأنَّ ما يَدْعُون} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {يدعون} بالياء. وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: بالتاء، والمعنى: وأنَّ ما يعبدون {من دونه هو الباطل}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {ذلك وَمَنْ عَاقَبَ} {ذلك} في موضع رفع؛ أي ذلك الأمر الذي قصصنا عليك.
قال مقاتل: نزلت في قوم من مشركي مكة لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرّم فقالوا: إن أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم؛ فناشدهم المسلمون ألا يقاتلوهم في الشهر الحرام؛ فأبى المشركون إلا القتال، فحملوا عليهم فثبت المسلمون ونصرهم الله على المشركين؛ وحصل في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام شيء؛ فنزلت هذه الآية.
وقيل: نزلت في قوم من المشركين، مثّلوا بقوم من المسلمين قتلوهم يوم أُحُد فعاقبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله.
فمعنى {من عاقب بمثل ما عوقب به} أي من جازى الظالم بمثل ما ظلمه؛ فسمَّى جزاء العقوبة عقوبة لاستواء الفعلين في الصورة؛ فهو مثل {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: 40]. ومثل {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]. وقد تقدم.
{ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ} أي بالكلام والإزعاج من وطنه؛ وذلك أن المشركين كذبوا نبيَّهم وآذَوْا من آمن به وأخرجوه وأخرجوهم من مكة، وظاهروا على إخراجهم.
{لَيَنصُرَنَّهُ الله} أي لينصرَنَّ الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فإن الكفار بغوا عليهم.
{إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} أي عفا عن المؤمنين ذنوبهم وقتالهم في الشهر الحرام وستر.
قوله تعالى: {ذلك بِأَنَّ الله يُولِجُ الليل فِي النهار} أي ذلك الذي قصصت عليك من نصر المظلوم هو بأني أنا الذي أولج الليل في النهار فلا يقدر أحد على ما أقدر عليه؛ أي من قدر على هذا قدر على أن ينصر عبده. وقد مضى في آل عمران معنى {يولج الليل في النهار}.
{وَأَنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} يسمع الأقوال ويبصر الأفعال، فلا يَعْزُب عنه مثقال ذرّة ولا دبِيب نملة إلا يعلمها ويسمعها ويبصرها.
قوله تعالى: {ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق} أي ذو الحق؛ فدينه الحق وعبادته حق.
والمؤمنون يستحقون منه النصر بحكم وعده الحق.
{وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الباطل} أي الأصنام التي لا استحقاق لها في العبادات.
وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر {وأن ما تدعون} بالتاء على الخطاب، واختاره أبو حاتم.
الباقون بالياء على الخبر هنا وفي لقمان، واختاره أبو عبيد.
{وَأَنَّ الله هُوَ العلي} أي العالي على كل شيء بقدرته، والعالي عن الأشباه والأنداد، المقدس عما يقول الظالمون من الصفات التي لا تليق بجلاله.
{الكبير} أي الموصوف بالعظمة والجلال وكبرِ الشأن.
وقيل: الكبير ذو الكبرياء.
والكبرياء عبارة عن كمال الذات؛ أي له الوجود المطلق أبدًا وأزلًا، فهو الأول القديم، والآخر الباقي بعد فناء خلقه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ذلك ومن عاقب} الآية.
قيل: نزلت في قوم من المؤمنين لقيهم كفار في الأشهر الحرم فأبى المؤمنون من قتالهم وأبى المشركون إلاّ القتال، فلما اقتتلوا جدّ المؤمنون ونصرهم الله.
ومناسبتها لما قبلها واضحة وهو أنه تعالى لما ذكر ثواب من هاجر وقتل أو مات في سبيل الله أخبر أنه لا يدع نصرتهم في الدنيا على من بغى عليهم.
وقال ابن جريج: الآية في المشركين بغوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجوه والتقدير الأمر ذلك.
قال الزمخشري: تسمية الابتداء بالجزاء لملابسته له من حيث إنه سبب وذلك مسبب عنه كما يجملون النظير على النظير والنقيض على النقيض للملابسة فإن قلت: كيف طابق ذكر العفو الغفور هذا الموضع؟ قلت: المعاقب مبعوث من جهة الله عز وجل على الإخلال بالعقاب، والعفو عن الجاني على طريق التنزيه لا التحريم ومندوب إليه ومستوجب عند الله المدح إن آثر ما ندب إليه وسلك سبيل التنزيه، فحين لم يؤثر ذلك وانتصر وعاقب ولم ينظر في قول: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} {وأن تعفوا أقرب للتقوى} {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} فإن {الله لعفوّ غفور} أي لا يلومه على ترك ما بعثه عليه وهو ضامن لنصره في كرته الثانية من إخلاله بالعفو وانتقامه من الباغي عليه، ويجوز أن يضمن له النصر على الباغي فيعرض مع ذلك بما كان أولى به من العفو، ويلوح به ذكر هاتين الصفتين أو دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة لأنه لا يوصف بالعفو إلاّ القادر على حده ذلك، أي ذلك النصر بسبب أنه قادر.
ومن آيات قدرته البالغة أنه {يولج الليل في النهار} و{النهارَ في الليل} أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصرفهما فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشر والبغي والانتصار.
وأنه {سميع} لما يقولون {بصير} بما يفعلون وتقدم في أوائل آل عمران شرح هذا الإيلاج.
{ذلك} أي ذلك الوصف بخلق الليل والنهار والإحاطة بما يجري فيهما وإدراك كل قول وفعل بسبب {أن الله} {الحق} الثابت الإلهية وأن كل ما يدعى إلهًا دونه باطل الدعوة، وأنه لا شيء أعلى منه شأنًا وأكبر سلطانًا. وقرأ الجمهور {وأن ما} بفتح الهمزة. وقرأ الحسن بكسرها. وقرأ الاخوان وأبو عمرو وحفص {يدعون} بياء الغيبة هنا في لقمان. وقرأ باقي السبعة بتاء الخطاب وكلاهما الفعل فيه مبني للفاعل. وقرأ مجاهد واليماني وموسى الأسواري {يدعو} بالياء مبنيًّا للمفعول والواو عائدة على ما على معناها و{ما} الظاهر أنها أصنامهم. وقيل: الشياطين والأولى العموم في كل مدعو دون الله تعالى. اهـ.