فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَأَنَّ الله هُوَ العلى الكبير}؛ يعني: هو أعلى وأكبر من أن يعدل به الباطل.
قرأ ابن عامر: {ثُمَّ قُتِلُواْ} بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ} بالياء بلفظ المغايبة، وقرأ الباقون بالتاء، وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلًا} بنصب الميم، وقرأ الباقون بالضم.
ثم قال عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء}، يعني: المطر.
{فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً}، يعني: تصير الأرض مخضرة بالنبات؛ ويقال: ذات خضرة.
{إِنَّ الله لَطِيفٌ} باستخراج النبات، {خَبِيرٌ}؛ أي عليم به وبمكانه.
ثم قال عز وجل: {لَّهُ مَا فِي السماوات وما فِي الأرض} من الخلق.
{وَإِنَّ الله لَهُوَ الغنى} عن الخلق وعن عبادتهم، {الحميد}؛ يعني: المحمود في أفعاله.
قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم}، يعني: ذلل لكم {مَا في الأرض والفلك تَجْرِى}، يعني: تسير {في البحر بِأَمْرِهِ}، يعني: بإذنه.
وروي عن عبد الرحمن الأعرج أنه قرأ: {الفلك} بضم الكاف على معنى الابتداء، وقراءة العامة بالنصب لوقوع التسخير عليها، يعني: سخر لكم الفلك؛ ويقال صار نسبًا بمنطلق على أن تعني أن الفلك تجري.
ثم قال: {وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض}، يعني: لكيلا تقع على الأرض؛ ويقال: كراهية أن تقع على الأرض، {إِلاَّ بِإِذْنِهِ}، يعني: بأمره يوم القيامة.
{إِنَّ الله بالناس لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}، يعني: رحيم مع شركهم ومعصيتهم، حيث يرزقهم في الدنيا ولم يعاقبهم في العاجل.
ثم قال عز وجل: {وَهُوَ الذي أَحْيَاكُمْ}، يعني: خلقكم ولم تكونوا شيئًا، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} في الدنيا، {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} للبعث.
{إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ}، أي كفور لنعمه لا يشكره ولا يطيعه.
قوله عز وجل: {لِكُلّ أُمَّةٍ}، يعني: لكل قوم {جَعَلْنَا مَنسَكًا}، يعني: مذبحًا.
{هُمْ نَاسِكُوهُ}، يعني: ذابحوه؛ وفي منسك من الاختلاف ما سبق.
{فَلاَ ينازعنك في الأمر}، لا يخالفنك في أمر الذبيحة.
نزلت في قوم من خزاعة قالوا: ما ذبح الله، فهو أحل مما ذبحتم؛ وقال الزجاج: المعنى فيه، أي فلا يجادلنك ولا تجادلهم، والدليل عليه وإن جادلوك؛ ويقال: فلا ينازعنك في الأمر، يعني: لا يغلبونك في المنازعة.
{وادع إلى رَبّكَ}، يعني: ادع الخلق إلى معرفة ربك، وإلى توحيد ربك.
{إِنَّكَ لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ}، يعني: على دين مستقيم.
قوله عز وجل: {وَإِن جادلوك}، يعني: إن حاججوك في أمر الذبيحة والتوحيد، {فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ}؛ يعني: عالمًا بأعمالكم فيجازيكم، وذلك قوله: {الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ}، يقضي بينكم {يَوْمَ القيامة فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} من الدين والذبيحة.
قال عز وجل: {أَلَمْ تَعْلَمْ} يا محمد، {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا في السماوات والأرض إِنَّ ذلك في كتاب}، يعني: إن ذلك العلم مكتوب في اللوح المحفوظ.
{إِنَّ ذلك في كتاب} يعني: إن كتابته.
{عَلَى الله يَسِيرٌ}، يعني: هين حال حفظه على الله، أي كتابته على الله يسير.
ثم قال عز وجل: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا}، يعني: عذر ولا حجة.
قرأ أبو عمرو في إحدى الروايتين {مَا لَمْ يُنَزّلْ} بالتخفيف، والباقون بالتشديد.
{وما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ}، يعني: ليس لهم بذلك حجة من المعقول.
{وما للظالمين مِن نَّصِيرٍ}، أي مانع يمنعهم من العذاب.
ثم قال عز وجل: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا بَيّنَاتٍ}، يعني: يعرض عليهم القران.
{تَعْرِفُ في وُجُوهِ الذين كَفَرُواْ المنكر}، يعني: الغم والحزن والكراهية.
{يكادون يَسْطُونَ}، أي هموا لو قدروا يضربون ويبطشون أشد البطش {بالذين يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءاياتنا}، يعني: يقرؤون عليهم القران؛ وقال القتبي: {يَسْطُونَ} أي يتناولونهم بالمكروه من الضرب والشتم؛ ويقال: {يَسْطُونَ} يعني: يفرطون عليهم، والسطوة العقوبة.
{قُلْ أَفَأُنَبّئُكُم بِشَرّ مّن ذلكم النار}، يعني: بأشد وأسوأ من ضربكم وبطشكم؛ ويقال: إنهم كانوا يعيرون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ببذاذة حالهم ورثاثتها.
قال الله تعالى: قل لهم يا محمد: أفأنبئكم بشر من ذلك يعني: مما قلتم للمؤمنين؟ قالوا: ما هي؟ قال: النَّارُ.
{وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ} يعني: للكافرين.
قوله: {وَبِئْسَ المصير} صاروا إليه.
قوله عز وجل: {المصير يا أَيُّهَا الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ} يعني: بين ووصف شبه به لآلهتكم، أي أجيبوا عنه؛ وقال بعضهم: ليس هاهنا مثل، وإنما أراد به قطع الشغب لأنهم كانوا يقولون: {وَقال الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]، فقال: يا أيها الناس ضرب مثل، فاصغوا إليه استماعًا للمثل.
فأوقع في أسماعهم عيب آلهتهم، فقال: {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله}، ويقال مثلكم مثل من عبد آلهة، {لَن يَخْلُقُواْ ذُبَابًا}، أي يقدروا على خلق الذباب؛ ويقال: المثل في الآية لا غير، وهو قوله: {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُواْ ذُبَابًا}، أي لن يقدروا أن يخلقوا ذبابًا من الذباب في المثل.
{وَلَوِ اجتمعوا لَهُ}، أي على تخليقه.
ثم ذكر من أمرها ما هو أضعف من خلق الذباب، فقال: {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئًا}، وذلك أنَّهم كانوا يلطخون العسل على فم الأصنام، فيجيء الذباب فيسلب منها ما لطخوا عليها.
{لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ}، أي لا يقدرون أن يستنقذوا من الذباب ما أخذ منهم.
{ضَعُفَ الطالب والمطلوب}، يعني: الذباب والصنم؛ ويقال: ضعف العابد والمعبود.
قوله عز وجل: {مَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ}، أي ما عظموا الله حق عظمته، حين أشركوا به غيره ولم يوحدوه؛ ويقال: ما وصفوه حق صفته؛ ويقال: ما عرفوه حق معرفته كما ينبغي.
وقال ابن عباس: نزلت الآية في يهود المدينة، حين قالوا: خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استلقى فاستراح ووضع إحدى رجليه على الأخرى، وكذب أعداء الله، فنزل {مَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ}.
{إِنَّ الله لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ}، أي قوي في أمره، {عَزِيزٌ}؛ يعني: منيع في ملكه، ومعبودهم لا قوة له ولا منفعة؛ ويقال: إن الله لقوي على عقوبة من جعل له شريكًا، عزيز للانتقام منهم.
قوله عز وجل: {الله يَصْطَفِى مِنَ الملائكة رُسُلًا}؛ قيل: جبريل، وإسرافيل، وميكائيل، وملك الموت، والحفظة الذين يكتبون أعمال بني آدم.
{وَمِنَ الناس}، يعني: ويختار من الناس مثل، منهم محمد، وعيسى، وموسى، ونوح عليهم السلام فجعلهم أنبياء ورسلًا إلى خلقه.
{إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ}، سميع لمقالتهم، بصير بمن يتخذه رسولًا؛ وذلك أن الوليد بن المغيرة قال: أأنزل عليه الذكر من بيننا؟ فأخبر الله تعالى أنه سميع مقالة من يكفر، بصير بمن يصلح للرسالة فيختاره ويجعله رسولًا.
ثم قال عز وجل: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ}، يعني: من أمر الآخرة وأمر الدنيا.
{وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور}، يعني: عواقب الأمور في الآخرة؛ ويقال: معناه منه بدأ وإليه يرجع.
قوله عز وجل: {الأمور يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ اركعوا واسجدوا}، يعني: صلوا لله تعالى؛ وقال: بعض الناس يسجد في هذا الموضع، يذكر ذلك عن عمر وابن عمر؛ وروي عن ابن عباس أنه قال: السجدة في الحج في الأولى منهما، وهذا قول أهل العراق، لأن السجدة سجدة الصلاة، بدليل أنها مقرونة بالركوع.
معناه: اركعوا واسجدوا في الصلوات المفروضات والتطوع؛ وروي عن ابن عباس أنه قال: أول ما أسلموا، كانوا يسجدون بغير ركوع، فأمرهم الله تعالى بأن يركعوا ويسجدوا.
ثم قال: {وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ}، أي وحدوه وأطيعوه، {وافعلوا الخير}؛ أي أكثروا من الطاعات والخيرات ما استطعتم، وبادروا إليها؛ ويقال: التسبيحات.
{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، يعني: تنجون من عذاب الله تعالى.
قوله عز وجل: {وجاهدوا في الله حَقَّ جهاده}، يعني: اعملوا لله عز وجل حق عمله؛ ويقال: جاهدوا في طاعة الله عز وجل وطلب مرضاته؛ وقال الحسن: {حَقَّ جهاده} أن تؤدي جميع ما أمرك الله عز وجل به، وتجتنب جميع ما نهاك الله عنه، وأن تترك رغبة الدنيا لرهبة الآخرة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلًا سأله، فقال: أي الجهاد أفضل؟ فقال: كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ السُّلْطَانِ.
ثم قال: {هُوَ اجتباكم}، يعني: اختاركم واصطفاكم.
{وما جَعَلَ عَلَيْكمْ في الدين مِنْ حَرَجٍ}، يعني: في الإسلام من ضيق، ولَكِن جعله واسعًا ولم يكلفكم مجهود الطاقة، وإنما كلفكم دون ما تطيقون؛ ويقال: وضع عنكم إصركم والأغلال التي كانت عليكم؛ ويقال: {وما جَعَلَ عَلَيْكمْ في الدين مِنْ حَرَجٍ} وهو ما رخص في الإفطار في السفر، والصلاة قاعدًا عند العلة؛ وقال قتادة: أعطيت هذه الأمة ثلاثًا لم يعطها إلا نبي، كان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فليس عليك من حرج، وقال لهذه الأمة {وما جَعَلَ عَلَيْكمْ في الدين مِنْ حَرَجٍ}؛ وكان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت شهيد على قومك، وقال لهذه الأمة: {وَتَكُونُواْ شهداء عَلَى الناس}؛ وكان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم: سل تعط، وقال لهذه الأمة: {وَقال رَبُّكُمْ ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخرين} [غافر: 60].
ثم قال: {مّلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم}، قال الزجاج: إنما صار منصوبًا، لأن معناه اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم.
قال: وجائز أن يكون وافعلوا الخير فعل أبيكم إبراهيم؛ ويقال: معناه {وما جَعَلَ عَلَيْكمْ في الدين مِنْ حَرَجٍ} ولَكِن جعل لكم ملة سمحة سهلة كملة أبيكم إبراهيم.
{هُوَ سماكم المسلمين مِن قَبْلُ}، يعني: الله تعالى سماكم المسلمين؛ ويقال: إبراهيم سماكم، أي من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم والقران؛ ويقال: إبراهيم سماكم المسلمين يا أمة محمد؛ والطريق الأول أصح، لأنه قال: من قبل هذا القرآن.
{وفي هذا}، يعني: القران، الله سماكم المسلمين في سائر الكتب من قبل هذا القرآن.
وفي هذا القرآن، {لِيَكُونَ الرسول شَهِيدًا عَلَيْكُمْ}؛ يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم على أمته بأنه بلغهم الرسالة بالتصديق لهم {وَتَكُونُواْ شهداء عَلَى الناس}؛ يعني: على سائر الأمم أن الرسل قد بلغتهم؛ وقال مقاتل: {وَتَكُونُواْ شهداء عَلَى الناس}، يعني: للناس، يعني: للرسل على قومهم، كقوله: وما ذبح على النصب أي المنصب.
ثم قال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ}، يعني: أقروا بها وأتموها، {وَإِذْ أَخَذْنَا}؛ يعني: أقروا بها وأدوها.
ثم قال: {واعتصموا بالله}، يعني: وثقوا بالله إذا فعلتم ذلك، ويقال: معناه تمسكوا بتوحيد الله، وهو قول لا إله إلا الله.
{هُوَ مولاكم}، أي وليكم وناصركم وحافظكم.
{فَنِعْمَ المولى}، يعني: نعم الحافظ، {وَنِعْمَ النصير}؛ يعني: نعم المانع لكم برحمته؛ والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا. اهـ.

.قال الثعلبي:

{ذلك وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ الله إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}.
نزلت في قوم من المشركين لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرّم، فكره المسلمون قتال المشركين وسألوهم أن يكفّوا عن القتال من أجل الأشهر الحرم فأبى المشركون وقاتلوهم فذلك بغيهم عليه، وثبت المسلمون لهم فنُصروا عليهم، فأنزل الله سبحانه هذه الآيات، والعقاب الأول بمعنى الجزاء.
{ذلك} يعني هذا الذي أنصر المظلوم بأنّي القادر على ما أشاء، فمن قدرته أنّه {بِأَنَّ الله يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل وَأَنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ} بالياء بصري كوفي غير أبي بكر، الباقون: بالتاء {مِن دُونِهِ هُوَ الباطل وَأَنَّ الله هُوَ العلي} فلا شيء أعلى منه ولأنّه تعالى عن الأشباه والأشكال {الكبير} العظيم الذي كلّ شيء دونه فلا شيء أعظم منه.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً} بالنبات، رفع فتصبح لأن ظاهر الآية استفهام ومعناه الخبر، مجازها: اعلم يا محمّد أن الله ينزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرّة، وإن شئت قلت: قد رأيت أنَّ الله أنزل من السماء ماءً، كقول الشاعر:
ألم تسألِ الربع القديم فينطق ** وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق

معناه: قد سألته فنطق.
{إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ لَّهُ مَا فِي السماوات وما فِي الأرض وَإِنَّ الله لَهُوَ الغني الحميد أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَا فِي الأرض والفلك تَجْرِي فِي البحر بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض} يعني لكيلا تسقط على الأرض {إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَهُوَ الذي أَحْيَاكُمْ} ولم تكونوا شيئًا {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند انقضاء آجالكم وفناء أعماركم {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} للثواب والعقاب {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ} لجحود لما ظهر من الآيات والدلالات.
{لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا} مألفًا يألفونه وموضعًا يعتادونه لعبادة الله، وأصل المنسك في كلام العرب الموضع المعتاد لعمل خير أو شرّ يقال: إن لفلان منسكًا أي مكانًا يغشاه ويألفه للعبادة، ومنه مناسك الحج لتردّد الناس إلى الأماكن التي تعمل فيها أعمال الحج والعمرة. وقال ابن عباس: {لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا} أي عيدًا. وقال مجاهد وقتادة: موضع قربان يذبحون فيه، غيرهم: أراد جميع العبادات.
{فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأمر} أي في أمر الذبح، نزلت في بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان ويزيد بن الخنيس قالوا لأصحاب رسول الله عليه السلام: ما لكم تأكلون ما تقتلون بأيديكم ولا تأكلون ما قتله الله؟.
{وادع إلى رَبِّكَ} دين ربّك {إِنَّكَ لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} فتعرفون حينئذ المحقّ من المبطل والاختلاف ذهاب كلّ واحد من الخصمين إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر، وهذا أدب حسنٌ علّم الله سبحانه فيمن جادل على سبيل التعنّت والمراء كفعل السفهاء أن لا يجادل ولا يناظر، ويدفع بهذا القول الذي علّمه الله سبحانه لنبيّه عليه السلام.
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السماء والأرض إِنَّ ذلك} كلّه {فِي كِتَابٍ} يعني اللوح المحفوظ {إِنَّ ذلك} يعني علمه تعالى بجميع ذلك {عَلَى الله يَسِيرٌ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وما لِلظَّالِمِينَ} الكافرين {مِن نَّصِيرٍ} يمنعهم من عذاب الله.