فصل: (سورة الحج: آية 74):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الحج: آية 74]:

{ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)}.
{ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أى ما عرفوه حق معرفته، حتى لا يسموا باسمه من هو منسلخ عن صفاته بأسرها، ولا يؤهلوه للعبادة، ولا يتخذوه شريكا له: إن اللّه قادر غالب، فكيف يتخذ العاجز المغلوب شبيها به؟

.[سورة الحج: الآيات 75- 76]:

{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمور (76)}.
هذا ردّ لما أنكروه من أن يكون الرسول من البشر، وبيان أن رسل اللّه على ضربين: ملائكة وبشر، ثم ذكر أنه تعالى درّاك للمدركات، عالم بأحوال المكلفين ما مضى منها وما غبر، لا تخفى عليه منهم خافية. وإليه مرجع الأمور كلها، والذي هو بهذه الصفات، لا يسأل عما يفعل، وليس لأحد أن يعترض عليه في حكمه وتدابيره واختيار رسله.

.[سورة الحج: آية 77]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)}.
للذكر شأن ليس لغيره من الطاعات. وفي هذه السورة دلالات على ذلك، فمن ثمة دعا المؤمنين أولا إلى الصلاة التي هي ذكر خالص، ثم إلى العبادة بغير الصلاة كالصوم والحج والغزو، ثم عمّ بالحث على سائر الخيرات. وقيل: كان الناس أوّل ما أسلموا يسجدون بلا ركوع ويركعون بلا سجود، فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع وسجود. وقيل: معنى {وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} اقصدوا بركوعكم وسجودكم وجه اللّه. وعن ابن عباس في قوله: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} صلة الأرحام ومكارم الأخلاق {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أى افعلوا هذا كله وأنتم راجون للفلاح طامعون فيه، غير مستيقنين ولا تتكلوا على أعمالكم، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول اللّه في سورة الحج سجدتان؟ قال: «نعم، إن لم تسجدهما فلا تقرأهما» وعن عبد اللّه ابن عمر رضي الله عنهما فضلت سورة الحج بسجدتين. وبذلك احتج الشافعي رضي الله عنه، فرأى سجدتين في سورة الحج. وأبو حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم لا يرون فيها إلا سجدة واحدة، لأنهم يقولون: قرن السجود بالركوع، فدل ذلك على أنها سجدة صلاة لا سجدة تلاوة.

.[سورة الحج: آية 78]:

{وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم هُوَ سَمَاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شهداء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}.
كلهم من رواية ابن لهيعة عن فرج بن ماهان عن عقبة بلفظ «و من لم يسجدهما فلا يقرأهما» قال الترمذي: إسناده ليس بالقوى.
{وَجاهِدُوا} أمر بالغزو وبمجاهدة النفس والهوى وهو الجهاد الأكبر. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رجع من بعض غزواته فقال «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» {فِي اللَّهِ} أى في ذات اللّه ومن أجله. يقال: هو حق عالم، وجدّ عالم، أى: عالم حقا وجدا.
ومنه {حَقَّ جِهادِهِ} فإن قلت: ما وجه هذه الإضافة، وكان القياس: حق الجهاد فيه. أو حق جهادكم فيه، كما قال: {وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ} قلت: الإضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص، فلما كان الجهاد مختصا باللّه من حيث أنه مفعول لوجهه ومن أجله، صحت إضافته إليه. ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله:
ويوما شهدناه سليما وعامرا

{اجْتَباكُمْ} اختاركم لدينه ولنصرته {وما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} فتح باب التوبة للمجرمين، وفسح بأنواع الرخص والكفارات والديات والأروش. ونحوه قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وأمّة محمد صلى الله عليه وسلم هي الأمة المرحومة الموسومة بذلك في الكتب المتقدمة.
نصب الملة بمضمون ما تقدّمها. كأنه قيل: وسع دينكم توسعة ملة أبيكم، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. أو على الاختصاص، أى: أعنى بالدين ملة أبيكم كقولك: الحمد للّه الحميد. فإن قلت: لم يكن إبراهيم أبا للأمّة كلها. قلت: هو أبو رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فكان أبا لأمته، لأنّ أمة الرسول في حكم أولاده هُوَ يرجع إلى اللّه تعالى: وقيل: إلى إبراهيم. ويشهد للقول الأوّل قراءة أبىّ بن كعب: {اللّه سماكم مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا} أى من قبل القرآن في سائر الكتب وفي القرآن، أى: فضلكم على الأمم وسماكم بهذا الاسم الأكرم {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ} أنه قد بلغكم {وَتَكُونُوا شهداء عَلَى النَّاسِ} بأنّ الرسل قد بلغتهم. وإذ خصكم بهذه الكرامة والأثرة، فاعبدوه وثقوا به ولا تطلبوا النصرة والولاية إلا منه، فهو خير مولى وناصر.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الحج أعطى من الأجر كحجة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي». اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {ذلك} أي الأمر ذلك الذي قصصنا عليك {ومن عاقب بمثل ما عوقب به} يعني جازى الظالم بمثل ظلمه وقيل يعني قاتل المشركين كما قاتلوه {ثم بغى عليه} يعني ظلم بإخراجه من منزله يعني ما أتاه المشركون من البغي على المسلمين حتى أحوجوهم إلى مفارقة أوطانهم نزلت في قوم من المشركين أتوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا في المحرم فكره المسلمون قتالهم وسألوهم أن يكفوا عن القتال من أجل الشهر الحرام فأبى المشركون وقاتلوهم فذلك بغيهم عليهم وثبت المسلمون فنصرهم الله عليهم فذلك قوله تعالى: {لينصرنه الله إن الله لعفو} يعني عن مساوي المؤمنين {غفور} يعني لذنوبهم {ذلك} النصر {بأن الله} القادر على ما يشاء فمن قدرته أنه {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} في معنى هذا الإيلاج قولان، أحدهما: أنه يجعل ظلمه الليل ما كان ضياء النهار وذلك بغيبوبة الشمس ويجعل ضياء النهار مكان ظلمة الليل بطلوع الشمس.
القول الثاني: هو ما يزيد في أحدهما وينقص من الآخر من الساعات وذلك لايقدر عليه إلا الله تعالى: {وأن الله سميع بصير ذلك بأن الله هو الحق} أي ذو الحق في قوله وفعله، ودينه حق وعبادته حق {وأن ما يدعون} يعني المشركين {من دونه هو الباطل} يعني الأصنام التي ليس عندها ضر ولا نفع {وأن الله هو العلي} أي العالي على كل شيء {الكبير} أي العظيم في قدرته وسلطانه.
قوله عز وجل: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة} يعني بالنبات {إن الله لطيف} يعني باستخراج النبات من الأرض رزقًا للعباد والحيوان {خبير} يعني بما في قلوب العباد إذا تأخر المطر عنهم {له ما في السماوات وما في الأرض} يعني عبيدًا وملكًا {وإن الله لهو الغني الحميد} يعني الغني عن عباده الحميد في أفعاله {ألم تر أنّ الله سخر لكم ما في الأرض} يعني الدواب التي تركب في البر {والفلك} أي وسخر لكم السفن {تجري في البحر بأمره} يعني سخر لها الماء والرياح ولولا ذلك ما جرت {ويمسك السماء أن تقع} أي لكيلا تسقط {على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم} يعني أنه أنعم بهذه النعم الجامعة بمنافع الدنيا والدين وقد بلغ الغاية في الإنعام والإحسان فهو إذن رؤوف رحيم بكم {وهو الذي أحياكم} أي أنشأكم ولم تكونوا شيئًا {ثم يميتكم} أي عند انقضاء آجالكم {ثم يحييكم} أي يوم البعث للثواب والعقاب {إن الإنسان لكفور} أي لجحود لنعم الله عز وجل.
قوله تعالى: {لكل أمة جعلنا منسكًا} قال ابن عباس شريعة {هم ناسكوه} هم عاملون بها وعنه أنه قال عيدًا وقيل موضع قربان يذبحون فيه وقيل موضع عبادة {فلا ينازعنك في الأمر} أي في أمر الذبائح نزلت في بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان ويزيد بن خنيس قالوا لأصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم: ما لكم تأكلون مما تقتلون بأيديكم ولا تأكلون مما قتله الله؟ وقيل معناه لا تنازعهم أنت.
قوله تعالى: {وادع إلى ربك} أي إلى الإيمان به وإلى دينه {إنك لعلى هدى مستقيم} أي على دين واضح قويم {وإن جادلوك} يعني خاصموك في أمر الذبح وغيره {فقل الله أعلم بما تعملون} أي من التكذيب {الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون} يعني فتعلمون حينئذٍ الحق من الباطل وقيل حكم يوم القيامة يتردّد بين جنة وثواب لمن قبل وبين نار وعقاب لمن رد وأبى.
قوله عز وجل: {ألم تعلم} الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ويدخل فيه الأمة {أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب} يعني في اللوح المحفوظ {إن ذلك} يعني علمه بجميعه {على الله يسير} أي هين وقيل: إن كتب الحوادث مع أنها من الغيب على الله يسير {ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانًا} يعني حجة ظاهرة من دليل سمعي {وما ليس لهم به علم} يعني أنهم فعلوا ما فعلوه عن جهل لا عن علم ولا دليل عقلي {وما للظالمين} يعني المشركين {من نصير} يعني مانع يمنعهم من العذاب.
{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} يعني القران وصفه بذلك لأنه فيه بيان الأحكام والفصل بين الحلال والحرام {تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر} يعني الإنكار والكراهية يتبين ذلك في وجوههم {يكادون يسطون} يعني يقعون ويبسطون إليكم أيديهم بالسوء وقيل يبطشوه {بالذين يتلون عليهم آياتنا} أي بمحمد وأصحابه من شدة الغيظ {قل} يعني قل لهم يا محمد {أفأنبئكم بشر من ذلكم} يعني بشر لكم وأكره إليكم من هذا القرآن الذي تستمعون {النار} يعني هي النار {وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير} قوله تعالى: {يا أيها الناس ضرب مثل} فإن قلت الذي جاء به ليس بمثل فكيف سماه مثلًا.
قلت لما كان المثل في الأكثر نكتة عجيبة غريبة جاز أن يسمى كل كلام كان كذلك مثلًا.
وقال في الكشاف قد سميت الصفة والقصة الرائقة المتلقاة بالاستحسان والاستغراب مثلًا تشبيهًا لها ببعض الأمثال المسيرة لكونها مسيرة عندهم مستحسنة مستغربة {فاستمعوا له} يعني تدبروه حق تدبره فإنّ الاستماع بلا تدبر وتعقل لا ينفع والمعنى جعل لي شبيه وشبه به الأوثان أي جعل المشركون الأصنام شركائي يعبدونها ثم بين حالها وصفتها فقال تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله} يعني الأصنام {لن يخلقوا ذبابًا} يعني واحدًا في صغره وضعفه وقلته لأنها لا تقدر على ذلك {ولو اجتمعوا له} يعني لخلقه، والمعنى أن هذه الأصنام لو اجتمعت لم يقدروا على خلق ذبابة على ضعفها وصغرها فكيف يليق بالعاقل جعلها معبودًا له {وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه} قال ابن عباس: كانوا يطلون الأصنام بالزعفران فإذا جف جاء الذباب فاستلبه منه.
وقيل: كانوا يضعون الطعام بين أيدي الأصنام فيقع الذباب عليه ويأكل منه {ضعف الطالب والمطلوب} قال ابن عباس الطالب الذباب يطلب ما يسلب من الطيب الذي على الصنم والمطلوب هو الصنم وقيل الطالب الصنم والمطلوب الذباب أي لو طلب الصنم أن يخلق الذباب لعجز عنه وقيل الطالب عابد الصنم والمطلوب هو الصنم {ما قدروا الله حق قدره} يعني ما عظموه حق عظمته وما عرفوه حق معرفته ولا وصفوه حق صفته حيث أشركوا به ما لا يمتنع من الذباب ولا ينتصف منه {إن الله لقوي عزيز} يعني غالب لا يقهر.
قوله عز وجل: {الله يصطفي من الملائكة} يعني يختار من الملائكة {رسلًا} جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وغيرهم {ومن الناس} يعني يختار الله من الناس رسلًا مثل إبراهيم وعيسى ومحمد وغيرهم من الأنبياء والرسل صلّى الله عليهم أجمعين.
نزلت حين قال المشركون أأنزل عليه الذكر من بيننا فأخبر الله تعالى أن الاختيار إليه يختار من يشاء من عباده لرسالته {إن الله سميع} يعني بأقوالهم {بصير} يعني لأفعالهم لا تخفى عليه خافية.
قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم} قال ابن عباس: ما قدموا {وما خلفهم} يعني ما خلفوا وقيل يعلم ما عملوا ما هم عاملون وقيل يعلم ما بين أيدي ملائكته ورسله قبل أن يخلقهم ويعلم ما هو كائن بعد فنائهم {وإلى الله ترجع الأمور} يعني في الآخرة.
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} يعني صلوا لأن الصلاة لا تكون إلا بالركوع والسجود {واعبدوا ربكم} يعني وحدوه وقيل أخلصوا له العبادة {وافعوا الخير} قال ابن عباس: صلة الأرحام ومكارم الأخلاق وقيل فعل الخير ينقسم إلى خدمة المعبود الذي هو عبارة عن التعظيم لأمر الله تعالى وإلى الإحسان الذي هو عبارة عن الشفقة على خلق الله ويدخل فيه البر والمعروف والصدقة وحسن القول غير ذلك من أعمال البر {لعلكم تفلحون} يعني لكي تسعدوا وتفوزوا بالجنة.
فصل: في حكم سجود التلاوة هنا:
لم يختلف العلماء في السجدة الأولى من هذه السورة واختلفوا في السجدة الثانية فروي عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء وأبي موسى أنهم قالوا في الحج سجدتان وبه قال ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، يدل عليه ما روي عن عقبة بن عامر قال: قلت يا رسول الله في الحج سجدتان قال: «نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما» أخرجه الترمذي وأبو داود.
وعن عمر بن الخطاب أنه قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين وقال: إن هذه السورة فضلت بسجدتين.