فصل: الخنزير رجس مبنى ومعنى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الخنزير رجس مبنى ومعنى:

تحريم لحم الخنزير:
أورد النص القرآني تحريم لحم الخنزير في أربع مواضع:
1- قوله تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله}. البقرة /173.
2- وقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم}. المائدة 3.
3- وقوله: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير فإنه رجس} الأنعام- 145.
4- وقوله: {إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم}. النحل 115.
يقول القرطبي: لا خلاف أن جملة الخنزير محرم إلا الشعر فإنه يجوز الخرازة به.

.الأضرار الصحية لتناول لحم الخنزير:

.الفرق بين لحم الخنزير وغيره من اللحوم:

يحتوي لحم الخنزير على كمية كبيرة من الدهون ويمتاز باندحال الدهن ضمن الخلايا العضلية للحمه علاوة على تواجدها خارج الخلايا في الأنسجة الضامة بكثافة عالية.
في حين أن لحوم الأنعام تكون الدهون فيها مفصولة عن النسيج العضلي ولا تتوضع خلاياه وإنما تتوضع خارج الخلايا وفي الأنسجة الضامة.
وقد أثبتت الدراسات العلمية أن الإنسان عندما يتناول دهون الحيوانات آكلة العشب فإن دهونها تستحلب في أمعائه وتمتص، وتتحول في جسمه فأن استحلابها عسير في أمعائه وإن جزيئات الغليسرين الثلاثية لدهن الخنزير تمتص هي دون أي تحول وتترسب في أنسجة الإنسان كدهون حيوانية أو خنزيرية.
والكلوسترول الناجم عن تحلل لحم الخنزير في البدن يظهر في الدم على شكل كولسترول جزئي كبير الذرة يؤدي بكثيرة إلى ارتفاع الضغط الدموي وإلى تصلب الشرايين وهما من عوامل الخطورة التي تمهد لاحتشاء العضلة القلبية.و قد وجد البروفسور roff أن الكولسترول المتواجد في خلايا السرطان الجوالة يشابه الكولسترول المتشكل عند تناول لحم الخنزير.
ولحم الخنزير غني بالمركبات الحاوية على نسب عالية من الكبريت وكلها تؤثر على قابلية امتصاص الأنسجة الضامة للماء كالإسفنج مكتسبة شكلًا كيسيًا واسعًا وهذا يؤدي إلى تراكم المواد المخاطية في الأوتار والأربطة والغضاريف بين الفقرات، وإلى تنكس في العظام.
والأنسجة الحاوية على الكبريت تتخرب بالتعفن منتجة روائح كريهة فواحة لانطلاق غاز كبريت الهدروجين. وقد لوحظ أن الآنية الحاوية على لحم الخنزير، على الرغم من أنها محكمة السد إلا أنه يتعين إخراجها من الغرفة بعد عدة أيام نظرًا للروائح الكريهة النتنة وغير المحتملة الناجمة عنهًا.
وبالمقارنة فإن لحومًا أخرى مختلفة خضعت لنفس التجربة، فإن لحم البقر كان أبطأ تعفنا من لحم الخنزير ولم تنطلق منه تلك الروائح النتنة، ويحتوي لحم الخنزير على نسبة عالية من هرمون النمو والتي لها تأثير أكيد للتأهب للإصابة بخامة النهايات علاوة على تأثيره في زيادة نمو البطن الكرش وزيادة معدل النمو وخاصة نمو الأنسجة المهيئة للنمو والتطور السرطاني.و حسب دراسات roffo فإن تلك الوجبة الدسمة الحاوية على لحم الخنزير تعتبر الأساس في التحول السرطاني للخلايا لاحتوائها على هرمون النمو علاوة على أثرها في رفع كولسترول الدم.

.الأمراض التي ينقلها الخنزير:

لقد حرمت الشريعة الإسلامية لحم الخنزير، ونفذها المتدينون امتثالًا لأمر الله الخالق سبحانه وطاعة له دون أن يناقشوا العلة من التحريم، لكن العلماء المحدثين توصلوا إلى نتائج مدهشة في هذا المجال: أليس من المدهش أن نعلم أن الخنزير مرتع خصب لأكثر من 450 مرضًا وبائيًا، وهو يقوم بدور الوسيط لنقل 57 منها إلى الإنسان، عدا عن الأمراض التي يسببها أكل لحمه من عسرة هضم وتصلب للشرايين وسواها. والخنزير يختص بمفرده بنقل 27 مرضًا وبائيًا إلى الإنسان وتشاركه بعض الحيوانات الأخرى في بقية الأمراض لكنه يبقى المخزن والمصدر الرئيسي لهذه الأمراض: منها الكلب الكاذب وداء وايل والحمى اليابانية والحمى المتوهجة والحميرة الخنزيرية والإلهاب السحائي وجائحات الكريب وأنفلونزا الخنزير وغيرها.

.الميتة أولى الخبائث المحرمة:

قال تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه}. البقرة /173.

.حكمة التحريم:

تنفذ الجراثيم إلى الميتة من الأمعاء والجلد والفتحات الطبيعية لكن الأمعاء هي المنفذ الأكثر مفعمة بالجراثيم، لكنها أثناء الحياة تكون عرضة للبلعمة ولفعل الخمائر التي تحلها. أما بعد موت الحيوان فإنها تنمو وتحل خمائرها الأنسجة وتدخل جدر المعي ومنها تنفذ إلى الأوعية الدموية واللمفاوية.. أما الفم والأنف والعينين والشرج فتصل إليها الجراثيم عن طريق الهواء أو الحشرات والتي تضع بويضاتها عليها. أما الجلد فلا تدخل الجراثيم عبره إلا إذا كان متهتكًا كما في المتردية والنطيحة وما شابهها.
وإن احتباس دم الميتة، كما ينقص من طيب اللحم ويفسد مذاقه فإنه يساعد على انتشار الجراثيم وتكاثرها فيه.
وكلما طالت المدة بعد هلاك الحيوان كان التعرض للضرر أشد عند أكل الميتة لأن تبدل لحمها وفسادها وتفسخه يكون أعظم، إذ إنه بعد 3- 4 ساعات من الموت يحدث ما يسمى بالمصل الجيفي التيبس الرمي حيث تتصلب العضلات لتكون أحماض فيها كحمض الفسفور واللبن والفورميك ثم تعود القلوية للعضلات فيزول التيبس وذلك بتأثير التعفنات الناتجة عن التكاثر الجرثومي العفني التي تغزو الجثة بكاملها.
هذا وينشأ عن تفسخ وتحلل جثمان الميتة مركبات سامة ذات روائح كريهة، كما أن الغازات الناتجة عن التفسخ تؤدي إلى انتفاخ الجثة خلال بضع ساعات، وهي أسرع في الحيوانات آكلة العشب من إبل وضأن وبقر وغيرها كما تعطي بعض الجراثيم أثناء تكاثرها مواد ملونة تعطي اللحم منظرًا غير طبيعي ولونًا إلى الأخضر أو السواد وقوامه ألين من اللحم العادي.
الميتة بمرض: قد تصاب البهائم بمرض جرثومي يمنع تناول لحمها ولو كانت مذكاة تكون الحرمة أشد فيما لو مات الحيوان بذلك المرض لانتشار الجراثيم في جثته عن طريق الدم المحتبس وتكاثرها بشدة وزيادة مفرزاتها السمية وأهم هذه الأمراض:
السل: كثير التصادف في البقر ثم الدواجن من الطيور وقليل في الضأن وتوصي كتب الطب بإحراق جثة الحيوان المصاب بالسل الرئوي وسل الباريتوان وكذا إذ وجدت الجراثيم في عشلات الحيوان أو عقده اللمفاوية.
الجمرة الخبيثة: الحيوان الذي يصاب بالجمرة يجب أن لا يمس، وأن يحرق ويدفن حتى لا تنتشر جراثيمه وتنتقل العدوى إلى الحيوان وإلى البشر.
الميتة هرمًا: كلما كبر سن الحيوان تصلبت وتليفت وأصبحت عسرة الهضم، علاوة على احتباس الدم في الجثة الميتة مما يجعل لحمها أسرع تفسخًا.
الميتة إختناقاَ: الأختناق انعصار الحلق بما يسد مسالك الهواء. ومن علامات احتقان الملتحمة في عين الدابة ووجود نزوف تحتها وجحوظ العينين وزرقة الشفتين.
ويؤكد علم الحل عدم صلاحية المنخنقة للأكل لفساد لحمها وتغير شكله إذ يصبح لونه أحمر قاتمًا.
الميتة دهسًا أو رضًا: وهي انواع أشار إليها القرآن الكريم بقوله: {والموقوذة والمتردية والنطيحة} أما ما أكل السبع، فقد يميتها رضًا أو خنقًا وكما ينجس الدم في جثتها، علاوة على أن الرضوض تجعل الدم ينتشر تحت وداخل اللحم والأنسجة المرضوضة، لذا يسود لون اللحم ويصبح لزجًا كريه الرائحة غير صالح للأكل. ويزيد الطين بلة انتشار الجراثيم من خلال السحجات والأنسجة المتهالكة، فتنتشر بسرعة خلال اللحم المرضوض وتتكاثر فيه بسرعة وتعجل تحلله وفساده. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)}.
أخرج أحمد وابن ماجه والدارقطني والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال».
أما قوله تعالى: {وما أهل به} الآية.
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وما أهل} قال: ذبح.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وما أهل به لغير الله} يعني ما أهلّ للطواغيت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {وما أهل} قال: ما ذبح لغير الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية {وما أهل به لغير الله} يقول: ما ذكر عليه اسم غير الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فمن اضطر} يعني إلى شيء مما حرم {غير باغ ولا عاد} يقول: من أكل شيئًا من هذه وهو مضطر فلا حرج، ومن أكله وهو غير مضطر فقد بغى واعتدى.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {غير باغ} قال: في الميتة. قال: في الأكل.
وأخرج سفيان بن عيينة وآدم بن أبي إياس وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في المعرفة وفي السنن عن مجاهد في قوله: {غير باغ ولا عاد} قال: غير باغ على المسلمين ولا متعد عليهم، من خرج يقطع الرحم، أو يقطع السبيل، أو يفسد في الأرض، أو مفارقًا للجماعة والأئمة، أو خرج في معصية الله، فاضطر إلى الميتة لم تحل له.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} قال: العادي الذي يقطع الطريق لا رخصة له {فلا إثم عليه} يعني في أكله حين اضطر إليه {إن الله غفور} يعني لما أكل من الحرام {رحيم} به إذ أحل له الحرام في الاضطرار.
وأخرج وكيع عن إبراهيم والشعبي قالا: إذا اضطر إلى الميتة أكل منها قدر ما يقيمه.
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن مسروق قال: من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فتركه تقذرًا ولم يأكل ولم يشرب ثم مات دخل النار.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} قال: غير باغ في أكله ولا عاد بتعدي الحلال إلى الحرام، وهو يجد عنه بلغة ومندوحة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)}.
قوله: {إنَّمَا حَرَّمَ}: الجمهور قرءوا {حَرَّمَ} مشدَّدًا مبنيًّا للفاعل {المَيْتَة} نصبًا على أنَّ ما كافَّةٌ مهيِّئة لإنَّ في الدُّخول على هذه الجملة الفعليَّة، وفاعل {حَرَّمَ} ضمير الله تعالى، و{المَيْتَةَ}: مفعولٌ به، وابن أبي عَبْلَة برفع {المَيْتَةُ}، وما بعدها، وتخريج هذه القراءة سهل وهو أن تكون ما موصولةً، و{حَرَّمَ} صلتها، والفاعل ضمير الله تعالى والعائد محذوفٌ؛ لاستكمال الشُّروط، تقديره: حَرَّمَهُ، والموصول وصلته في محلِّ نصب اسم إنَّ، و{الميتة}: خبرها.
وقرأ أبو جعفر، وحمزة مبنيًّا للمفعول، فتحتمل ما في هذه القراءة وجهين:
أحدهما: أن تكون ما مهيئةً، و{المَيْتَةُ} مفعول ما لم يسمَّ فاعل.
والثاني: أن تكون موصولةً، فمفعول {حُرِّمَ} القائم مقام الفاعل ضميرٌ مستكنٌّ يعود على ما الموصولة، و{الميتة} خبر إنَّ.
وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلَمِيُّ، {حَرُمَ}، بضمِّ الراء مخفَّفة، و{المَيْتَةُ} رفعًا وما تحتمل الوجهين أيضًا، فتكون مهيِّئة، و{المَيْتَةُ}؛ فاعلٌ ب {حَرُمَ}، أو موصولةً، والفاعل ضميرٌ يعود على ما وهي اسمُ إنَّ، والمَيْتَة: خبرها، والجمهور على تخفيف {المَيْتَة} في جميع القرآن، وأبو جعفر بالتَّشديد، وهو الأصل، وهذا كما تقدَّم في أنَّ الميْت مخفَّفٌ من المَيِّت، وأن أصله مَيْوتٌ، وهما لغتان، وسيأتي تحقيقه في سورة آل عمران عند قوله: {وَتُخْرِجُ الحي مِنَ الميت} [آل عمران: 27].
ونقل عن قدماء النحاة، أنَّ المَيْتَ بالتَّخفيف: من فارقت روحه جسده، وبالتشديد: من عاين أسباب الموت، ولم يمت، وحكى ابن عطيَّة رحمه الله عن أبي حاتم: أنَّ ما قد مات فيقال أن فيه، وما لم يَمُتْ بعد، لا يقال فيه بالتخفيف، ثم قال: ولم يقرأ أحدٌ بتخفيف ما لم يمت إلا ما روى البزِّيُّ عن ابن كثير: {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم: 17]، وأما قوله: الوافر:
إذَا مَا مَاتَ مَيْتٌ مِنْ تَمِيمٍ ** فَسَرَّكَ أنْ يَعِيشَ فَجِئ بِزَادِ

فقد حمل على من شارف الموت، وحمله على الميِّت حقيقةً أبلغ في الهجاء.
وأصل مَيْتَةٍ مَيْوِتَةٌ، فأُعلَّت بقلب الواو ياء، وإدغام الياء فيها، وقال الكوفيُّون: أصله مَوِيتٌ، ووزنه فَعِيلٌ.
قال الواحديُّ: المَيْتَة: ما فارقته الرُّوح من غير ذكاةٍ ممَّا يُذْبَح.
قوله: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ}: {مَا} موصولةٌ بمعنى الذي، ومحلُّها: إمَّا النصبُ، وإمَّا الرفع؛ عطفًا على {المَيْتة} والرَّفع: إما خبر إنّ، وإما على الفاعلية؛ على حسب ما تقدم من القراءات؛ و{أُهِلَّ} مبنيٌّ للمفعول، والقائم مقام الفاعل هو الجار والمجرور في {بِهِ} والضمير يعود على {ما} والباء بمعنى في ولابد من حذف مضافٍ، أي: في ذبحه؛ لأن المعنى: وما صِيحَ في ذَبْحِهِ لغير الله، والإهلال: مصدر أَهَلَّ، أي: صَرَخَ.
قال الأصْمعِيُّ: أصله رفع للصَّوت، وكلُّ رافعٍ صوته، فهو مهلٌّ.
ومنه الهلالُ؛ لأنَّه يصرخ عند رؤيته، واستهلَّ الصبُّح قال ابن أحمر: السريع:
يُهِلُّ بِالغَرْقَدِ غَوَّاصُهَا ** كَمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ المُعْتَمِرْ

وقال النَّابِغَةُ: الكامل:
أَوْ دُرَّةٍ صَدَفِيَّةٍ غَوَّاصُهَا ** بَهِجٌ مَتَى يَرَهَا يُهِلَّ وَيَسْجُدِ

وقال القائل: المديد:
تَضْحَكُ الضَّبعُ لِقَتْلَى هُذَيْلٍ ** وَتَرَى الذِّئْبَ لَهَا يَسْتَهِلُّ

وقيل للمحرم: مُهِلٌّ؛ لرفع الصوت باتَّلبية، والذَّبح مهلٌّ؛ لأنَّ العرب كانوا يسمُّون الأوثان عند الذَّبح، ويرفعون أصواتهم بذكرها، فمعنى قوله: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله}، يعني: ما ذبح للأصنام، والطَّواغيت، قاله مجاهد، والضَّحَّاك وقتادة، وقال الرَّبيع ابن أنسٍ، وابن زيد: يعني: ما ذكر عليه غير اسم الله.
قوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ} في مَنْ وجهان:
أحدهما: أن تكون شرطيةً.
والثاني: أن تكون موصُولةً بمعنى الذي.
فعلى الأوَّل: يكون {اضطُرَّ} في محلِّ جزم بها، وقوله: {فلا إِثْمَ عَلَيْهِ} جواب الشرط، والفاء فيه لازمةٌ.
وعلى الثاني: لا محلَّ لقوله: {اضْطُرَّ} من الإعراب، لوقوعه صلةً، ودخلت الفاء في الخبر؛ تشبيهًا للموصول بالشَّرط، ومحلُّ {فلا إِثْمَ عَلَيْهِ} الجزم على الأوَّل، والرفع على الثاني.
والجمهور على {اضْطُرَّ} بضمِّ الطاء، وهي أصلها، وقرأ أبو جعفر بكسرها؛ لأنَّ الأصل اضْطُرِرَ بكسر الراء الأولى، فلمَّا أدغمت الراء في الرَّاء، نقلت حركتها إلى الطَّاء بعد سلبها حركتها، وقرأ ابن مُحَيْصِن: اطُّرَّ بإدغام الضَّاد في الطَّاء، وقد تقدَّم الكلام في المسألة هذه عند قوله: {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ} [البقرة: 126].
وقرأ أبو عَمْرٍو، وعاصمٌ، وحمزة بكسر نون مَن على أصل التقاء الساكنين، وضمَّها الباقون؛ إتباعًا لضمِّ الثالث.
وليس هذا الخلاف مقصور على هذه الكلمة، بل إذا التقى ساكنان من كلمتين؛ وضُمَّ الثالث ضمًّا لازمًا نحو: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ} [الأنعام: 10] {قُلِ ادعوا} [الإسراء: 110]، {وَقَالَتِ اخرج} [يوسف: 31]، جرى الخلاف المذكور، إلاَّ أنَّ أبا عمرو خرج عن أصله في {أَو} [المزمل: 3] و{قُلِ ادعوا} [الإسراء: 110] فضمَّهما، وابن ذكوان خرج عن أصله، فكسر التنوين خاصَّة؛ نحو {مَحْظُورًا انظر} [الإسراء: 20- 21] واختلف عنه في {بِرَحْمَةٍ ادخلوا} [الأعراف: 49] {خَبِيثَةٍ اجتثت} [إبراهيم: 26] فمن كسر، فعلى أصل التقاء الساكنين، ومن ضمَّ، فلإتباع، وسيأتي بيان الحكمة في ذلك.
عند0 ذكره، إن شاء الله- تعالى- والله أعلم.
قوله: {غَيْرَ باغٍ}: {غَيْرَ}: نصب على الحال، واختلف في صاحبها:
فالظاهر: أنه الضمير المستتر في {اضْطُرَّ}، وجعله القاضي، وأبو بكر الرازيُّ من فاعل فعل محذوف بعد قوله: {اضْطُرَّ}؛ قالا: تقديره: فَمَنَ اضْطُرَّ فَأَكَلَ غَيْرَ بَاغٍ؛ كأنهما قصَدَا بذلك أن يجعلاه قيدًا في الأكل لا في الاضطرار.
قال أبو حيَّان: ولا يتعيَّن ما قالاه؛ إذ يحتمل أن يكون هذا المقدَّر بعد قوله: {غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} بل هو الظاهر والأولى؛ لأنَّ في تقديره قبل {غَيْرَ بَاغٍ} فضْلًا بين ما ظاهره الاتصال فيما بعده، وليس ذلك في تقديره بعد قوله: {غَيْرَ بِاغٍ}.
و{عَادٍ}: اسم فاعل من: عَدَا يَعْدُو، إذا تجاوز حدَّه، والأصل: عَادِوٌ فقلب الواو ياءً؛ لانكسار ما قبلها؛ كغاز من الغزو، وهذا هو الصحيح؛ وقيل: إنَّه مقلوب من، عاد يعود، فهو عائدٌ، فقدِّمت اللام على العين، فصار اللَّفظ عَادِوٌ فأعلَّ بما تقدَّم، ووزنه فَالِعٌ؛ كقولهم: شَاكٍ في شَائِكٍ من الشَّوكة، وهارٍ، والأصل هَائِر، لأنَّه من: هَارَ يَهُورُ.
قال أبُو البَقَاءِ رحمه الله تعالى: ولو جاء في غير القرآن الكريم منصوبًا، عطفًا على موضع {غَيْرَ} جاز، يعني: فكان يقال: وَلاَ عَادِيًا.
قوله: {اضْطُرَّ} أُحْوِجَ وأُلْجِئ، فهو: افْتُعِلَ من الضَّرورة، وأصله: من الضَّرر، وهو الضِّيق، وهذه الضَّرورة لها سببان:
أحدهما: الجوع الشَّديد، وألاَّ يجد مأكولًا حلالًا يسدُ به الرَّمَق، فيكون عند ذلك مضطرًا.
والثاني: إذا أكره على تناوله.
والبغي: أصله في اللغة الفساد.
قال الأصمعيُّ: يقال: بغى الجرح بغيًا: إذا بدأ في الفساد، وبغت السماء، إذا كثر مطرها، والبغي: الظلم، والخروج عن الإنصاف؛ ومنه قوله تبارك وتعالى: {والذين إِذَا أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ} [الشورى: 39] وأصل العدوان: الظُّلم، ومجاوزة الحد. اهـ. باختصار.