فصل: فصل في التعريف بالسورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في التعريف بالسورة الكريمة:

.قال محمد أبو زهرة:

سورة المؤمنون:
تمهيد:
هى سورة مكية نزلت قبل الهجرة، وعدد آياتها 118 (ثمانى عشرة ومائة آية)، قيل إنها نزلت بعد سورة الأنبياء، وقد ابتدأت بأوصاف المؤمنين الذين كتب الله تعالى لهم الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)}.
ثم بين سبحانه أن رعاية الأمانة والعهد من أوصاف أهل الإيمان، وأشار إلى أن الذين وصفوا بهذه الأوصاف هم {الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}. وبين سبحانه أصل خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله سبحانه نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة، ثم خلق من العلقة مضغة، فخلق من المضغة عظاما، فكسا العظام لحما، ثم أنشأه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)}.
ولقد بين بعد ذلك خلق الكون، فأنشأ فوق الأرض سبع طرائق، {وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون}، ثم بين سبحانه نعمه تعالى فيما أنشأ به الماء من جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه ومنها تأكلون، ثم ذكر ما أنعم الله به من شجرة الزيتون التى تنبت في سيناء، وبين نعم الله تعالى في الأنعام، والعبرة في أنه سبحانه وتعالى يسقينا ما في بطونها، وما فيها من منافع، ونأكل من لحمها.
وذكر سبحانه وتعالى خبر قوم نوح وكفرهم وما آل إليه أمرهم بعد أن صنع الفلك ونجا هو وأهله ومن اتبعه، ثم بين سبحانه أنه بعد أن أغرق قوم نوح أنشأ من بعدهم قرنا اخرين، وأرسل فيهم رسولا وكذبوه، وكان ما سوغوه لأنفسهم من كفر أنه بشر مثلهم، وأنه ينذرهم بالبعث، فقالوا: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)}.
ورموا رسولهم بالكذب وقالوا: {إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين}، فاتجه رسولهم إلى ربه يستنصر به، قال: {قال رب انصرني بما كذبون قال عما قليل ليصبحن نادمين}.
ثم بين بعد ذلك ما نزل بهم من عذاب ساحق {فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين}.
بعد ذلك أشار الله تعالى إلى قصة موسى وهارون وإرسالهما {إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين} استغربوا أن يؤمنوا لموسى وهارون، وقومهما مستعبدون لهم، فكذبوهما، وكانوا من المهلكين، {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50)}.
وبعد ذلك وجه الله تعالى خطابه للرسل عامة فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)}.
ولنبين بذلك وحدة الرسالة الإلهية، ولكن الناس تقطعوا أمرهم وكل حزب بما لديهم فرحون، واغتر الأكثرون بما أوتوا من مال وبنين، {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)}.
ويذكر سبحانه حال المؤمنين الذين اتبعوا الرسل: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)}.
ويبين سبحانه بعد ذلك ظلم الظالين، وأنهم في غمرة من هذا القرآن، ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون، وأن الترف هو الذى أفسد نفوسهم {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرض وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)}.
وإن الرحمة تطغيهم، وكشف الضر يعميهم، {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} وإنهم يتحيرون إذا أنزل الله تعالى عليهم عذابا.
ومن بعد ذلك يبين سبحانه فضل الإنشاء، وقدرته في الإحياء والإماتة، واختلاف الليل والنهار: {أفلا تتقون}، بل قالوا مثل ما قال الأولون: {قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)}.
يوجه سبحانه وتعالى أنظارهم إلى خلق السموات والأرض وما فيهما، ومن رب السموات السبع والأرض ورب العرش، ومن بيده ملكوت كل شىء وهو يجير ولا يجار عليه وسيقولون في كل هذه الأسئلة المنبهة بأنها لله سبحانه وتعالى: {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)}.
وقد أمر الله تعالى بأن يدعوهم هو ومن تبعه {قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95)} ويأمرهم سبحانه بالدعوة إلى الحق بالتى هى أحسن ولا يحاربهم في حمقهم {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)}.
ثم يذكر بعد ذلك يوم القيامة، وكيف يبتدئ بالنفخ في الصور {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)}.
ويبين لهم كيف كذبوا بآيات الله ويجيبون مدعين، {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)}.
ويتجهون إلى ربهم طالبين أن يخرجهم، وأنهم لا يعودون، فيجابون: {اخسئوا فيها ولا تكلمون}.
ويبين سبحانه وتعالى فريق الصالحين، وأنهم يعاملون بما قدموا، {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)}.
ويبين سبحانه أن أمد الدنيا قصير في علم الله مهما يطل في علم الناس وإنهم لا يحسون معدود ما يلبثون في الدنيا، {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)}.
وقد بين الله تعالى حكمة البعث فقال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)}.
وختم سبحانه وتعالى السورة ببيان واسع سلطانه، وكفر من يشرك به فقال عز من قائل: {فَتعالى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
سورة المؤمنين:
ويقال سورة المؤمنون.
فالأول على اعتبار إضافة السورة إلى المؤمنين لافتتاحها بالإخبار عنهم بأنهم أفلحوا. ووردت تسميتها بمثل هذا فيما رواه النسائي: عن عبد الله بن السائب قال: «حضرت رسول الله يوم الفتح فصلى في قبل الكعبة فخلع نعليه فوضعهما عن يساره فافتتح سورة المؤمنون فلما جاء ذكر موسى أو عيسى أخذته سعلة فركع».