فصل: قال بيان الحق الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}.
وجه الكلام الرفع على الاستئناف. الدليل عَلى ذلكَ دخول الفاء في قوله: {فتعالى} ولو خفضت لكان وَجْهُ الكلام أن يكون وتعالى بالواو؛ لأنه إذا خفض إنما أراد: سُبْحانَ الله عَالم الغيب والشهادة وتعالى. فدلّ دخول الفاء أنه أراد: هو عَالم الغيب والشهادة فتعالى؛ ألا ترى أنك تقول: مررت بعبدالله المحسن وأحسنت إليه. ولو رفعت المحسن لم يكنْ بالواو؛ لانك تريد: هو المحسن فأَحْسنتُ إلَيْه. وقد يكون الخفض في {عَالِم} تتبعه مَا قبله وإنْ كانَ بالفَاء؛ لأنّ العرب قد تستأنف بالفاء كما يستأنفون بالواو.
{رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
وقوله: {رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي}.
هذه الفاء جواب للجزاء لقوله {إِمَّا تُرِيَنِّي} اعترض النداء بينهما كما: تقول إن تأتنى يا زيد فعجّل. ولو لم يكن قبله جزاء لم يجز أن تقول: يا زيد فقم، ولا أن تقول يا ربّ فاغفر لى لأنّ النداء مستأنف، وكذلك الأمر بعده مستأنف لا تدخله الفاء ولا الواو.
لا تقول: يا قوم فقوموا، إلا أن يكون جوابا لكلام قبله، كقول قائل: قد أقيمت الصّلاة، فتقول: يا هؤلاء فقوموا. فهذا جوازه.
وقوله: {قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [99] فجعل الفعل كأنه لجميع وإنما دعا ربه. فهذا ممّا جرى على ما وصف اللّه به نفسه من قوله {وقد خلقناك من قبل} في غير مكان من القرآن. فجرى هذا على ذلك.
وقوله: {وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ} [100] البرزخ من يوم يموت إلى يوم يبعث. وقوله: {وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخًا} يقول حاجزا. والحاجز والمهلة متقاربان في المعنى، وذلك أنك تقول: بينهما حاجز أن يتزاورا، فتنوى بالحاجز المسافة البعيدة، وتنوى الأمر المانع، مثل اليمين والعداوة. فصار المانع في المسافة كالمانع في الحوادث، فوقع عليهما البرزخ.
وقوله: {قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شقاوتنا} [106] حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدّثنى شريك عن أبى إسحاق وقيس عن أبى إسحاق، وزهير ابن معاوية أبو خيثمة الجعفىّ عن أبى إسحاق عن عبد اللّه بن مسعود أنه قرأ {شقاوتنا} بألف وفتح الشين. قيل للفراء أأخبرك زهير؟ فقال: يا هؤلاء إنى لم أسمع من زهير شيئا. وقرأ أهل المدينة وعاصم {شِقْوَتُنا} وهى كثيرة. أنشدنى أبو ثروان:
كلّف من عنائه وشقوته ** بنت ثمانى عشرة من حجّته

قال الفراء: لو لا عبد اللّه ما قرأتها إلا {شِقْوَتُنا}.
وقوله: {سِخْرِيًّا} (110) و{سخريّا}. وقد قرئ بهما جميعا. والضمّ أجود. قال الذين كسروا ما كان من السّخرة فهو مرفوع، وما كان من الهزؤ فهو مكسور.
وقال الكسائي: سمعت العرب تقول: بحر لجّى ولجّى، ودرىّ ودرىّ منسوب إلى الدّرّ، والكرسىّ والكرسىّ. وهو كثير. وهو في مذهبه بمنزلة قولهم العصىّ والعصىّ والأسوة والإسوة.
وقوله: {أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ} (111) كسرها الأعمش على الاستئناف، ونصبها من سواه على:
إنى جزيتهم الفوز بالجنّة، فأنّ في موضع نصب. ولو جعلتها نصبا من إضمار الخفض جزيتهم لأنهم هم الفائزون بأعمالهم في السّابق.
وقوله: {لَبِثْنا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} (113) أي لا ندرى {فاسأل} الحفظة هم العادّون.
وقوله: {قل كم لبثتم} (112) قراءة أهل المدينة {قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ} وأهل الكوفه {قل كم لبثتم}. اهـ.

.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة المؤمنون:
{قد أفلح المؤمنون} [1] عن ابن عباس: فازوا بما طلبوا، ونجوا عما هربوا. {خاشعون} [2] خائفون بالقلب، ساكنون بالجوارح. {للزكاة فاعلون} [4] لما كانت الزمان توجب زكاء المال، كان لفظ الفعل أليق به من لفظ الأداء والإخراج. والفردوس: أعلى الجنان، قالـه قطرب، واستشهد بقول ذي الرمة:
يا صاحبي انظرا آواكما درج عال ** وظل من الفردوس ممدود

هل تبصران حمولًا بعدما اشتملت ** من دونهن جبال الأشيم القود

{من سلالة} أي: سل كل إنسان من ظهر أمه. {من طين} من آدم عليه السلام، وسلالة كل شيء وسليلته: خلاصته. قالت امرأة:
وهل هند إلا مهرة عربية ** سليلة أفراس تجللها بغل

فإن نتجت مهرًا كريمًا فبالحرى ** وإن يك إقراف فما أنجب البغل

والنطفة: الماء الذي منه الولد، وأصله: الماء الصافي. قال عمارة:
لن يلبث التخشين نفسًا ** كريمة عريكتها أن يستمر مريرها

وما النفس إلا نطفة في قرارة ** إذا لم يكدر كان صفوًا غديرها

والعلقة: الدم الطري. قال أبو محجن الثقفي:
هل أطعن الطعنة النجلاء عن عرض ** وأكتم السر فيه ضربة العنق

وأشهد المأزق المخشي غمته ** وعامل الرمح أرويه من العلق

والمضغة: القطعة من اللحم، قال زهير:
تلجلج مضغة فيها أنيض ** أصلت فهي فوق الكشح أداء

غصصت بنيئها وبشمت منها ** وعندي- لو طلبت- لها شفاء

وجمعت العظام مع إفراد أخواتها المتقدمة، لاختلافها بين صغير وكبير، ومدور وطويل، وصلب وغضروف. {ثم أنشأناه خلقًا ءاخر} [14] بنفخ الروح فيه. وقيل: بإنبات الشعر والأسنان.
وقيل: إن ذلك الإنشاء هو في السنة الرابعة، لأن المولود في سني التربية يعد في حد النقصان، والتهيؤ للتمام، والشيء قبل التمام في حيز العدم. ولهذا إن المبرزين في علم الفراسة والتنجيم، لا ينظرون في أخلاق الطفل وأحواله، ولا يصححون مواقع النجوم على ميلاده إلا في السنة الرابعة، فيأخذون الطالع وصور الكواكب من هناك. {سبع طرائق} [17] سبع سموات، لأنها طريق الملائكة. وقيل: لأنها طباق بعضها فوق بعض، يقال: أطرقت النعل إذا خصفتها، وأطبقت بعضها على بعض، قال تأبط شرًا:
بادرت قنتها صحبي وما كسلوا ** حتى نميت إليها بعد إشراق

بشرثة خلق يوقى البنان بها ** شددت فيها سريحًا بعد إطراق

{سيناء} [20] على وزن فيعال، نحو ديار وقيام. وسيناء، وسيناه على وزن فيعال، مثل: ديماس وقيراط، والفتح أقوى، لأنه لا فعلاء غير منصرف. وقيل: بل الكسر، كقوله: {وطور سينين}. {تنبت بالدهن} [20] قيل: إن الباء زائدة، وتكثر زيادتها في كلامهم، مثل قول الهذلي:
ألا يا فتى ما نازل القوم واحدًا ** بنعمان لم يخلق ضعيفًا منترًا

أخو الحرب إن عضت به الحرب ** عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

أي: عضته الحرب. وقال آخر:
قد هراق الماء في أجوافها ** وتطايرن بأشتات شقق

وأثار النقع في أكسايها ** مثل ما شقق سربال ما خلق

أي: تطايرن أشتاتًا. وعندنا لا يحكم لشيء بكونه زيادة، وله معنى ما، وللباء ها هنا معاني صحيحة: أحدها: أن تقديره تنبت ما تنبت والدهن فيها، كقول ثعلبة بن حرز:
ومستنة كاستنان الخروف ** قد قطع الحبل بالمرود

دفوع الأصابع ضرح الشم ** وس نجلاء مؤيسة العود

والمعنى: أنه قطعه والمرود فيه. والثاني: أن إنباتها الدهن بعد إنبات الثمر الذي يخرج الدهن منه، فلما كان الفعل في المعنى تعلق بمفعولين يكونان في حال بعد حال، وهما الثمر والدهن، احتاج إلى تقويته بالباء. والثالث: أن أنبت جاء لازمًا مثل نبت، فيعدى بحرف الصفة. قال زهير:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ** قطينًا لهم حتى إذا أنبت البقل.

وروى ابن درستويه: أن الدهن: المطر اللين. {وصبغ} [20] إدام. قال عليه السلام: «الزيت من شجرة مباركة فائتدموا به وادهنوا». {يتفضل عليكم} [24].
يكون أفضل منكم. قال القطامي:
بنو القرم الذي علمت معد ** تفضل فوقها سعة وباعا

و{اصنع الفلك بأعيننا} [27] على ما نمثله لك بالوحي. وقيل: معناه أن يصنعه وهو واثق بحفظ الله له، ورؤيته إياه، فلا يخاف قومه. والسلوك: لازم ومتعد. {عما قليل} [40].
ما - في مثل هذا- لتقريب المدى، أو تقليل الفعل، كقولك: بسبب ما، أي: بسبب وإن قل. {فجعلناهم غثاء} [41] هلكى، كما يحتمله الماء من الزبد والورق البالي. {فبعدًا} إهلاكًا على طريق الدعاء عليهم. قال عبد يغوث:
يقولون لا تبعد وهم يدفنونني ** وأين مكان البعد إلا مكانيا

{تترا} [44] متواترًا، متراصفًا، وأصله: وترى، من وتر القوس لاتصاله، كأنه واترنا رسلنا تترى، فجاء على غير لفظ الفعل. {وإن هذه أمتكم أمة واحدة} [52] أي: ملتكم وطريقتكم في توحيد الله وأصول الشرائع، طريقة واحدة. وفتح أن على تقدير: ولأن هذه أمتكم، أي: فاتقون لهذا. هذا قول الخليل. وقال الأخفش: العامل فيما بعد قليل ضعيف، ولكن فتحها بالعطف على ما، {إني بما تعملون عليم}، وبأن هذه. ويجوز فتحها بفعل مضمر، أي: واعلموا أن هذه. وانتصاب {أمة واحدة} على الحال.
{فتقطعوا أمرهم بينهم زبرًا} [53] أي: افترقوا في دينهم فرقًا، كل ينتحل كتابًا ينسبه إلى نبيه. {وهم لها سابقون} [61] أي: لأجلها سبقوا الناس. {تنكصون} [66] ترجعون إلى الكفر. {مستكبرين به} [67] بالحرم، أي: بلغ أمركم أنكم تسمرون بالبطحاء لا تخافون أحدًا. وتوحيد {سامرًا} على معنى المصدر، أي: تسمرون سمرًا، كقولك: قوموا قائمًا، أي: قيامًا. ويجوز حالًا للحرم، لأن السمر في اللغة: ظلمة الليل، تقول العرب: حلف بالسمر والقمر.
{تهجرون} [67] تقولون الهجر، وهو الهذيان، مثل كلام الموسوس والمحموم. و{تهجرون} من الإهجار، وهو الإفحاش في القول. {بل أتيناهم بذكرهم} [71] أي: بشرفهم لكون رسولهم منهم، والقرآن بلسانهم.
{فما استكانوا لربهم} [76] أي: بالجدب الذي أصابهم بدعائه عليه السلام. {بابًا ذا عذاب شديد} [77] يعني يوم بدر. {سيقولون لله} [87، 89] جاء في الثاني والثالث على صورة الكلام الأول، تقريرًا وتوكيدًا. وخرج الجواب على المعنى دون اللفظ، فإن معنى قوله: {من رب السموات والأرض}: لمن ملكهما وتدبيرهما. وأنشد الفراء:
وأعلم أنني سأكون رمسًا ** إذا سار النواعج لا أسير

فقال السائلون لمن حفرتم ** فقال المخبرون لهم وزير

أي: فيقولون لوزير- وهو اسمه- حفرناه. {ومن ورائهم برزخ} [100] أي: ومن أمامهم حاجز وهو ما بين الدنيا والآخرة. وقيل: إنه ما بين الموت والبعث.
وقال مجاهد: وهو الحاجز بين الميت وبين الرجوع إلى الدنيا. {ولا يتساءلون} [101] أي: عن أنسابهم ومعارفهم، لاشتغال كل واحد بنفسه. وقيل: إنه تساءل أن يحمل بعضهم عن بعض، ولكنهم يتساءلون عن حالهم، وعما عمهم من البلاء سؤال العاني المعذب من لقيه في مثل حاله، كما قال عز وجل: {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون}. وهذا التساؤل في مواقف الأمن بعد زوال الدهش والأهوال، بدليل ما اتصل به من قوله: {قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين} واللفح: إصابة سموم النار. والكلوح: تقلص الشفتين عن الأسنان.
{اخسئوا} [108] اسكتوا. وقيل: ابعدوا بعد الكلب. {سخريًا} [110] بالكسر هزءًا. وبالضم- كما هو في الزخرف- سخرة وعبودة.
{قال إن لبثتم إلا قليلًا} [114] أي: في الدنيا، أو في القبور بالإضافة إلى طول لبثكم في النار.
تمت سورة المؤمنون. اهـ.