فصل: (سورة المؤمنون: الآيات 29- 36).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



. [سورة المؤمنون: الآيات 29- 36].

{وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرابًا وَعِظامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (36)}.

.الإعراب:

{وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} الواو عاطفة و{قل} أمر وفاعله مستتر تقديره أنت و{رب} منادى مضاف إلى ياء المتكلم المحذوفة وحرف النداء محذوف و{أنزلني} فعل أمر للدعاء والفاعل مستتر تقديره {أنت} والنون للوقاية والياء مفعول به و{منزلا} اسم مكان أو مصدر مفعول به ثان أو مفعول مطلق و{مباركا} صفة {وأنت} الواو حالية و{أنت} مبتدأ و{خير المنزلين} خبر. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} الجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما ذكر وإن حرف مشبه بالفعل و{في ذلك} خبرها المقدم و{لآيات} اللام المزحلقة وآيات اسم إنّ، وإن مخففة من الثقيلة والغالب إهمالها و{كنا} كان واسمها واللام الفارقة و{مبتلين} خبر {كنا} ويجوز أن يكون اسمها ضمير الشأن والجملة خبرها ويجوز أن تكون إن نافية واللام بمعنى إلا. {ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} ثم حرف عطف للتراخي وأنشأنا فعل وفاعل ومن بعدهم حال وقرنا مفعول به أي قوما وآخرين صفة وهم قوم عاد. {فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} الفاء حرف عطف وأرسلنا فعل وفاعل وفيهم متعلق بأرسل ورسولا مفعول به ومنهم صفة. {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ} أن مفسرة لأن في الإرسال معنى القول دون حروفه أي قلنا لهم على لسان الرسول اعبدوا اللّه ثم إن إرسال الرسل هو للتبليغ، ويجوز أن تكون مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر في موضع نصب بنزع الخافض أي بأن اعبدوا والجار والمجرور متعلقان بأرسلنا وما بقي تقدم إعرابه قريبا بنصه فجدد به عهدا. {وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} الواو عاطفة وقال الملأ فعل وفاعل، والجملة من كلامهم الباطل معطوفة على كلامه الحق فالعطف هنا لبيان المفارقة، وقد سبق مثل هذا التعبير في سورة الأعراف مجردا من الواو كأنه جواب سؤال مقدر فلم يحتج إليها، ومن قومه حال والذين صفة لقومه وجملة كفروا صلة وما بعدها عطف عليه داخل في حيزها، وأسهب في وصفهم لبيان فداحة ما ارتكبوه من كفران للنعم وجحود للنعم المترادفة عليهم ليورد بعد ذلك على لسانهم شبهتين من شبهات الملاحدة وبنوا عليها انكارهم البعث والطعن في رسالته عليه السلام. {مَا هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} {ما} نافية و{هذا} مبتدأ و{إلا} أداة حصر و{بشر} خبر و{مثلكم} صفة وجملة {يأكل} صفة ثانية و{مما} متعلقان بيأكل وجملة {تأكلون} صلة ولك أن تجعلها مصدرية أي من مأكولكم وكذلك قوله: {ويشرب مما يشربون} وحذف العائد من الثاني اكتفاء بالعائد الأول وهو {منه} والجملة كلها مقول القول وهي تتضمن الشبهة الاولى.
{وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخاسِرُونَ} الواو عاطفة واللام موطئة للقسم وإن شرطية و{أطعتم} فعل وفاعل وهو في محل جزم فعل الشرط و{بشرا} مفعول به و{مثلكم} صفة وإن واسمها واللام المزحلقة وخاسرون خبرها، وإذن: هذه ليست هي الناصبة للفعل المضارع وانما هي إذا الشرطية حذفت جملتها التي تضاف وعوض عنها التنوين كما في يومئذ ولهذا لا يختص دخولها على المضارع بل تدخل على الماضي وعلى الاسم وقد وردت في القرآن كثيرا مثل {إنكم إذن من المقربين} فقد دخلت هنا على الاسم ومن دخولها على الماضي قوله: {وإذن لآتيناهم} وهذا تقرير عن شبهتهم الثانية. والجملة جواب القسم لأنه المتقدم حسب القاعدة. {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرابًا وَعِظامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} الهمزة للاستفهام الانكاري الاستبعادي وجملة {يعدكم} مستأنفة مسوقة لتقرير ما قبله من زجرهم عن اتباعه بانكار وقوع ما يدعوهم إلى الايمان به واستبعاده. ويعدكم فعل مضارع وفاعل مستتر تقديره هو والكاف مفعول به وأن وما في حيزها في محل نصب مفعول به ثان وأن واسمها و{مخرجون} خبرها وإذا ظرف متعلق بمخرجون وجملة {متم} في محل جر باضافة الظرف إليها {وكنتم ترابا وعظاما} عطف على إذا {متم} و{أنكم} الثانية تأكيد للأولى لما طال الفصل بين اسم ان وهو الكاف وخبرها وهو {مخرجون} ولما كانت لمجرد التأكيد اللفظي لم تحتج إلى الخبر، وهذا أحد أوجه ذكرها النحاة وسنأتي على ذكرها في باب الفوائد لأنها كلها صحيحة وما ذكرناه أسهلها.
{هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ} {هيهات} اسم فعل ماض بمعنى بعد وسيأتي الكلام عليها مطولا في باب الفوائد والثانية تأكيد لفظي لها واللام زائدة وما اسم موصول فاعل لاسم الفعل وهو هيهات ومحله القريب الجر باللام الزائدة ومحله البعيد الرفع على أنه فاعل هيهات، ويجوز أن تكون ما مصدرية، والمصدر المؤول فاعل هيهات، وسيأتي مزيد من الأوجه في اعراب هذا التركيب في باب الفوائد.

.الفوائد:

1- في قوله تعالى: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ} الآية: اختلفت آراء الأئمة النحاة والمفسرين في اعراب هذه الآية وقد ذكرنا في الاعراب ما رأيناه أقرب إلى التناول وأدنى إلى المنطق وسنورد لك هنا ما قالوه لوجاهته، ولترى ما تختار فقال سيبويه: إن خبر أن الأولى محذوف لدلالة خبر الثانية عليه تقديره أنكم مخرجون وهو العامل في الظرف و أن الثانية وما في حيزها بدل من الأولى.
وذهب الجرمي والمبرد والفراء: إلى أن خبر أن الأولى هو مخرجون وهو العامل في إذا وكررت الثانية توكيدا لما طال الفصل وهذا هو الوجه الذي اخترناه.
واختار أبو البقاء أن اسم الأولى محذوف أقيم مقام المضاف اليه تقديره: أن إخراجكم، و إذا هو الخبر و{أنكم مخرجون} تكرير لأن أن وما عملت فيه للتوكيد أو للدلالة على المحذوف.
وقيل {أنكم مخرجون} مبتدأ وخبره الظرف مقدما عليه والجملة خبر عن إنكم الأولى والتقدير: أيعدكم انكم إخراجكم كائن أو مستقر وقت موتكم، ولا يجوز أن يكون العامل في إذا مخرجون لأن ما في حيز أن لا يعمل فيما قبلها ولا يعمل فيها {متم} لأنه مضاف اليه، وانكم وما في حيزه في محل نصب أو جر بعد حذف حرف الجر إذ الأصل أيعدكم بأنكم، ويجوز أن لا يقدر حرف جر فيكون في محل نصب فقط نحو وعدت زيدا خيرا.
2- هيهات:
في هذه اللفظة لغات كثيرة تزيد على الأربعين ونذكر فيما يلي أشهرها وما قرىء به، فالمشهور هيهات بفتح التاء من غير تنوين بني لوقوعه موقع المبني أو لشبه الحرف وبها قرأ العامة وهي لغة الحجازيين، وهيهاتا بالفتح والتنوين، وهيهات بالضم والتنوين، وبالضم من غير تنوين، وهيهات بالكسر والتنوين، وبالكسر من غير تنوين، وهيهات بإسكان التاء، وهيهه بالهاء آخرا ووصلا ووقفا، وأيهات بابدال الهاء همزة مع فتح التاء. فهذه تسع لغات وقد قرىء بهن ولم يتواتر منهن غير الأولى، ويجوز ابدال الهمزة من الهاء الاولى في جميع ما تقدم فيكمل بذلك ست عشرة لغة، وايهان بالنون آخرا وايها بالألف آخرا، ويقع الاسم بعدها مرفوعا بها ارتفاع الفعل بفعله لأنها جارية مجرى الفعل فاقتضت فاعلا كاقتضائه الفعل. قال جرير:
فهيهات هيهات العقيق ومن به ** وهيهات خلّ بالعقيق نواصله

والعقيق واد بالمدينة يقول فيه جرير ويبدع:
ولم أنس يوما بالعقيق تخايلت ** ضحاه وطابت بالعشي أصائله

رزقنا به الصيد العزيز ولم ** نكن كمن نبله محرومة وحبائله

وقال الزمخشري: فان قلت ما توعدون هو المستبعد ومن حقه أن يرتفع بهيهات كما ارتفع في قوله:
فهيهات هيهات العقيق وأهله

فما هذه اللام؟ قلت: قال الزجاج في تفسيره: البعد لما توعدون أو بعد لما توعدون فيمن نوّن فنزله منزلة المصدر وفيه وجه آخر وهو أن يكون اللام لبيان المستبعد ما هو بعد التصويت بكلمة الاستبعاد كما جاءت اللام في هيت لك لبيان المهيت به. وما اخترناه في الاعراب أسهل وأقرب.