فصل: (سورة المؤمنون: الآيات 57- 63).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



. [سورة المؤمنون: الآيات 57- 63].

{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (60) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (61) وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (63)}.

.الإعراب:

{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} الجملة ابتدائية مستأنفة مسوقة لذكر الأبرار الذين يشفقون من خشية ربهم، وان واسمها و{هم} مبتدأ و{من خشية ربهم} متعلقان بمشفقون و{مشفقون} خبر {هم} والمصدر وهو {خشية} مضاف لمفعوله أي خائفون من عذابه وجملة {هم من خشية ربهم مشفقون} صلة {الذين} وفي الإشفاق معنى يتضمن زيادة على معنى الخشية، هو معنى الرقة والضعف.
{وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} عطف على الجملة السابقة وإعرابها مماثل لها وجملة {يؤمنون} خبرهم. {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ} عطف أيضا على {إن الذين} وجملة {يؤتون} صلة {الذين} و{ما} مفعول {يؤتون} وجملة {آتوا} صلة {وقلوبهم} الواو حالية {وقلوبهم} مبتدأ و{وجلة} خبره و{أنهم} أن وما بعدها نصب بنزع الخافض ويكون تعليلا لقوله: {وجلة} والتقدير وجلة من أنهم أي خائفة من رجوعهم إلى ربهم وأن واسمها و{الى ربهم} متعلقان براجعون و{راجعون} خبر أنهم. {أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ} الجملة خبر {إن الذين هم من خشية ربهم} وما عطف عليه، فاسم إن أربعة موصولات وخبرها جملة {أولئك} و{أولئك} مبتدأ وجملة {يسارعون} خبر المبتدأ و{في الخيرات} متعلقان بيسارعون والواو عاطفة والجملة معطوفة على سابقتها بمثابة تأكيد لها و{هم} مبتدأ و{لها} متعلقان بسابقون و{سابقون} خبرهم والضمير في {لها} يعود على {الخيرات} لتقدمها عليه في اللفظ وهو الظاهر من سياق الكلام وقيل على الجنة وليس ببعيد، ومفعول {سابقون} محذوف أي سابقون الناس لها ويقال سبق له واليه ويجوز أن تكون اللام للتعليل أي سابقون لأجلها.
{وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها} الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة للدلالة على أن التكليف غير خارج عن حدود الطاقات والامكانيات، و{لا} نافية و{نكلف} فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره نحن و{نفسا} مفعول نكلف الأول و{إلا} أداة حصر و{وسعها} مفعول به ثان. {وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} الواو عاطفة و{لدينا} ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم و{كتاب} مبتدأ مؤخر وجملة {ينطق} صفة و{بالحق} حال أي ملتبسا بالحق {وهم} الواو عاطفة و{هم} مبتدأ وجملة {لا يظلمون} خبر. {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا} {بل} حرف إضراب للانتقال إلى أحوال الكفار المحكية و{قلوبهم} مبتدأ و{في غمرة} خبر و{من هذا} صفة لغمرة أي كائنة من هذا الذي وصف به المؤمنون. {وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ} الواو عاطفة و{لهم} خبر مقدم و{أعمال} مبتدأ مؤخر و{من دون ذلك} صفة لأعمال وجملة {هم} صفة ثانية لأعمال و{هم} مبتدأ و{لها} جار ومجرور متعلقان بعاملون، و{عاملون} خبر {هم} أي مستمرون عليها ومعنى من دون ذلك أي متجاوزة متخطية لما وصف به المؤمنون.

. [سورة المؤمنون: الآيات 64- 70].

{حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِرًا تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (70)}.

.اللغة:

مُتْرَفِيهِمْ: أغنياءهم ورؤساءهم.
يَجْأَرُونَ: يضجون وفي القاموس: جأر كمنع جأرا وجؤارا رفع صوته بالدعاء وتضرع واستغاث، والبقرة والثور صاحا، والنبات طال، والأرض طال نبتها، والجؤار من النبت الغض والكثير والرجل الضخم. وقال في اللسان والأساس: الجؤار الصراخ باستغاثة.
تَنْكِصُونَ: في المختار ما يدل على انه من بابي جلس ودخل والمصدر نكوص.
سامِرًا: السامر مأخوذ من السمر وهو سهر الليل وقال الراغب: السامر الليل المظلم وهو اسم جمع كحاج وحاضر وراكب وغائب كانوا يجتمعون حول البيت بالليل يسمرون وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته سحرا وشعرا، وسبّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.
تَهْجُرُونَ: هو بفتح التاء من الهجران وهو الترك أو من هجر هجرا هذى وتكلم بغير معقول لمرض أو نحوه، وقرئ بضمها من أهجر إهجارا: أفحش في كلامه.

.الإعراب:

{حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ} {حتى} هنا ابتدائية يبتدأ بها الكلام و{إذا} ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه وهو {يجأرون} وجملة {أخذنا} في محل جر بإضافة الظرف إليها ونا فاعل و{مترفيهم} مفعول به و{بالعذاب} متعلقان بأخذنا و{إذا} الثانية حرف مفاجأة قائمة مقام فاء الجزاء في الربط والجملة بعدها جواب إذا الأولى لا محل لها كأنه قيل فهم يجأرون وقيل حتى حرف غاية وجر.
{لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ} {لا} ناهية و{تجأروا} فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل و{اليوم} متعلق بتجأروا و{إنكم} تعليل للنهي وإن واسمها و{منا} متعلقان بتنصرون و{لا} نافية وجملة {تنصرون} خبر {إنكم} والواو نائب فاعل. {قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ} {قد} حرف تحقيق و{كانت آياتي} كان واسمها وجملة {تتلى} خبرها و{عليكم} متعلقان بتتلى، {فكنتم} الفاء عاطفة وكان واسمها و{على أعقابكم} حال من فاعل {تنكصون} وجملة {تنكصون} خبر {كنتم}.
{مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِرًا تَهْجُرُونَ} {مستكبرين} حال ثانية من فاعل {تنكصون} و{به} متعلقان بمستكبرين أي بسببه والضمير في {به} للبيت العتيق والحرم وقيل عائد إلى القرآن، و{سامرا} حال ثالثة وجملة {تهجرون} حال رابعة فهي أحوال متداخلة أي كل واحدة مما قبلها. {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} الجملة مستأنفة مسوقة لبيان أسباب ركوبهم متن الضلالة، وسيأتي أنها خمسة سنشير إليها في مواطنها، والهمزة للاستفهام الانكاري التقريري ولم حرف نفي وقلب وجزم و{يدبروا} فعل مضارع مجزوم بلم والقول مفعول به والفاء عاطفة على محذوف دخلت عليه الهمزة أي فعلوا ما فعلوا مما سبق ذكره فلم يدبروا القول، و{أم} عاطفة بمعنى بل الانتقالية أي بل أجاءهم بل ألم يعرفوا بل أيقولون، وقوله: {أفلم يدبروا القول} هو السبب الأول لإقدامهم على الضلالة واجترائهم على ارتكابها أي أنهم صدفوا عن التأمل في دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم وفي مقدمتها القرآن المعجز، و{جاءهم} فعل ومفعول به ثان و{ما} موصول فاعل وجملة {لم يأت آباءهم الأولين} صلة وهذا هو السبب الثاني وهو اعتقادهم أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم أمر غريب لأنها لم تسمع عن الأمم السالفة.
{أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} عطف على ما تقدم كما ذكرنا وهذا هو السبب الثالث في إقدامهم على ركوب الغي وهو عدم علمهم بأمانة مدعي الرسالة وصدقه قبل أن يدعيها وليس الأمر بهذه المثابة بل أنهم سبروا غوره وعلموا حقيقته واكتنهوا صدقه ولقبوه بالأمين فكيف كذبوه بعد أن أجمعوا على جدارته باللقب الذي أطلقوه عليه. والفاء عاطفة وهم مبتدأ وله متعلقان بمنكرون و{منكرون} خبرهم.
{أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ} عطف على ما تقدم أيضا وهذا هو السبب الرابع وهو اعتقادهم فيه الجنون وهذا الاعتقاد مناقض لما كانوا يعتقدون فيه من كمال الرجاحة وتمام الحصافة. و{به} خبر مقدم و{جنة} أي جنون مبتدأ مؤخر {بل} حرف عطف وإضراب انتقالي، و{جاءهم} فعل ومفعول به وفاعل مستتر و{بالحق} متعلقان بجاءهم أو بمحذوف حال أي ملتبسا بالحق والواو حالية {وأكثرهم} مبتدأ و{للحق} متعلقان بكارهون و{كارهون} خبر {أكثرهم}.

.الفوائد:

معنى {وأكثرهم}:
اعترض الزمخشري على نفسه فوجه إليها سؤالا وأجاب عليه وفيما يلي نص السؤال والجواب قال: فإن قلت: قوله: {وأكثرهم} فيه أن أقلهم كانوا لا يكرهون الحق، قلت: كان فيهم من يترك الايمان به أنفة واستنكافا من توبيخ قومه وأن يقولوا صبأ وترك دين آبائه لا كراهة للحق كما يحكى عن أبي طالب.
فإن قلت يزعم بعض الناس أن أبا طالب صح إسلامه قلت:
يا سبحان اللّه كأن أبا طالب كان أخمل أعمام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى يشتهر اسلام حمزة والعباس ويخفى إسلامه.
وهذا جميل من الزمخشري ولكن أولى من ذلك أن يكون الضمير في قوله: {وأكثرهم} عائدا على الجنس للناس كافة ولما ذكر هذه الطائفة من الجنس بنى الكلام في قوله وأكثرهم على الجنس بجملته كقوله: {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين} وكقوله: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} ويدل على ذلك قوله تعالى: {بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ} والنبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى الناس كلهم وبعث إلى الكافة ويحتمل أن يحمل الأكثر على الكل كما حمل القليل على النفي، وأما قول الزمخشري إن من تمادى على الكفر وآثر البقاء عليه تقليدا لآبائه ليس كارها للحق فمردود فإن من أحب شيئا كره ضده فإذا أحبوا البقاء على الكفر فقد كرهوا الانتقال عنه إلى الايمان ضرورة، ثم انجر الكلام إلى استبعاد ايمان أبي طالب وتحقيق القول فيه أنه مات على الكفر ووجه ذلك بأنه أشهر عمومة النبي صلى الله عليه وسلم فلو كان قد أسلم لاشتهر إسلامه كما اشتهر اسلام العباس وحمزة لأنه أشهر، وللقائل بإسلامه أن يعتذر عن عدم شهرته بأنه إنما أسلم قبيل الاحتضار فلم يظهر له مواقف في الإسلام يشتهر بها كما اشتهر لغيره من عمومته.