فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)}.
أخبر الله تعالى عن فلاح المؤمنين وأنهم نالوا البغية وأحرزوا البقاء الدائم، وروي عن كعب الأحبار أن الله تعالى لما خلق جنة عدن قال لها تكلمي فقالت {قد أفلح المؤمنون}، وروي عن مجاهد أن الله تعالى لما خلق الجنة وأتقن حسنها قال: {قد أفلح المؤمنون}، وقرأ طلحة بن مصرف {قد أفلحُ المؤمنون} بضم الحاء يريد قد أفلحوا، وهي قراءة مردوة، وروي عنه {قد أُفلِح} بضم الهمزة وكسر اللام، ثم وصف تعالى هؤلاء المفلحين فقال: {الذين هم في صلاتهم خاشعون} والخشوع التطامن وسكون الأعضاء والوقار، وهذا إنما يظهر ممن في قلبه خوف واستكانة، وروي عن بعض العلماء أنه رأى رجلًا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: لو خشع هذا خشعت جوارحه، وروي أن سبب هذه الآية أن المسلمين كانوا يلتفتون في صلاتهم يمنة ويسرة فنزلت هذه الآية وأمروا أن يكون بصر المصلي حذاء قبلته أو بين يديه، وفي الحرم إلى الكعبة، وروي عن ابن سيرين وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلتفت في صلاته إلى السماء فنزلت الآية في ذلك، و{اللغو} سقط القول وهذا يعم جميع ما لا خير فيه ويجمع آداب الشرع، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكأن الآية فيها موادعة، وقوله: {والذين هم للزكاة فاعلون} ذهب الطبري وغيره إلى أنها الزكاة المفروضة في الأموال، وهذا بين، ويحتمل اللفظ أن يريد ب {الزكاة} الفضائل كأنه أراد الأزكى من كل فعل، كما قال تعالى: {خيرًا منه زكاة وأقرب رحمًا} [الكهف: 81] وقوله: {والذين هم لفروجهم حافظون} صفة العفة، وقوله: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} الآية، يقتضي تحريم الزنا والاستمناء ومواقعة البهائم وكل ذلك في قوله، {وراء ذلك} ويريد وراء هذا الحد الذي حد، ومعنى {ما ملكت أيمانهم} من النساء ولما كان {حافظون} بمعنى محجزون حسن استعمال على، و العادي الظالم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

سورة المؤمنون مكية في قول الجميع. روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقد أُنزلت علينا عشر آيات من أقامهنَّ دخل الجنة، ثم قرأ: {قد أفلح المؤمنون} إِلى عشر آيات»، رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه.
وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِن الله تعالى حاط حائط الجنة لَبِنَة من ذهب ولَبِنَة من فضة، وغرس غرسها بيده فقال لها: تكلَّمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون، فقال لها: طوبى لكِ منزل الملوك» قال الفراء: {قد} هاهنا يجوز أن تكون تأكيدًا لفلاح المؤمنين، ويجوز أن تكون تقريبًا للماضي من الحال، لأن {قد} تقرِّب الماضي من الحال حتى تُلحقَه بحكمه، ألا تراهم يقولون: قد قامت الصلاة، قبل حال قيامها، فيكون معنى الآية: إِن الفلاح قد حصل لهم وإِنهم عليه في الحال.
وقرأ أُبيّ بن كعب، وعكرمة، وعاصم الجحدري، وطلحة بن مصرِّف: {قد أُفْلِحَ} بضم الألف وكسر اللام وفتح الحاء، على ما لم يُسمَّ فاعله.
قال الزجاج: ومعنى الآية: قد نال المؤمنون البقاء الدائم في الخير.
ومن قرأ: {قد أُفْلِحَ} بضم الألف، كان معناه: قد أُصيروا إِلى الفلاح.
وأصل الخشوع في اللغة: الخضوع والتواضع.
وفي المراد بالخشوع في الصلاة أربعة أقوال.
أحدها: أنه النظر إِلى موضع السجود.
روى أبو هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا صلى رفع بصره إِلى السماء. فنزلت: {الذين هم في صلاتهم خاشعون} فنكس رأسه».
وإِلى هذا المعنى ذهب مسلم بن يسار، وقتادة.
والثاني: أنه تركُ الالتفات في الصلاة، وأن تُلين كنفك للرجل المسلم، قاله على بن أبي طالب رضي الله عنه.
والثالث: أنه السكون في الصلاة، قاله مجاهد، وإِبراهيم، والزهري.
والرابع: أنه الخوف، قاله الحسن.
وفي المراد باللغو هاهنا خمسة أقوال.
أحدها: الشِّرك، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: الباطل، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: المعاصي، قاله الحسن.
والرابع: الكذب، قاله السدي.
والخامس: الشتم والأذى الذي كانوا يسمعونه من الكفار، قاله مقاتل.
قال الزجاج: واللغو: كل لعب ولهو، وكل معصية فهي مطَّرَحة مُلغاة.
فالمعنى: شغلهم الجِدُّ فيما أمرهم الله به عن اللغو.
قوله تعالى: {للزكاة فاعلون} أي: مؤدُّون، فعبَّر عن التأدية بالفعل، لأنه فعل.
قوله تعالى: {إِلا على أزواجهم} قال الفراء: على بمعنى مِنْ.
وقال الزجاج: المعنى: أنهم يُلامون في إِطلاق ما حُظر عليهم وأُمروا بحفظه، إِلا على أزواجهم {أو ما ملكت أيمانهم} فإنهم لا يُلامون.
قوله تعالى: {فمن ابتغى} أي: طَلَب {وراء ذلك} أي: سوى الأزواج والمملوكات {فأولئك هم العادُون} يعني: الجائرين الظالمين، لأنهم قد تجاوزوا إِلى مالا يَحلُّ. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)}.
السلالة:فعالة من سللت الشيء من الشيء إذا استخرجته منه وقال أمية:
خلق البرية من سلالة منتن ** وإلى السلالة كلها ستعود

والولد سلالة أبيه كأنه انسل من ظهر أبيه قال الشاعر:
فجاءت به عصب الأديم غضنفرا ** سلالة فرج كان غير حصين

وهو بناء يدل على القلة كالقلامة والنحاتة.
سيناء وسينون: اسمان لبقعة وجمهور العرب على فتح سين سيناء فالألف فيه للتأنيث كصحراء فيمتنع الصرف للتأنيث اللازم وكنانة تكسر السين فيمتنع الصرف للتأنيث اللازم أيضًا عند الكوفيين لأنهم يثبتون أن همزة فعلاء تكون للتأنيث وعند البصريين يمتنع من الصرف للعلمية والعجمة أو العلمية والتأنيث لأن ألف فعلاء عندهم لا تكون للتأنيث بل للإلحاق كعلباء ودرحاء قيل وهو جبل فلسطين وقيل بين مصر وأيلة.
الدهن: عصارة الزيتون واللوز وما أشبههما مما فيه دسم والدهن بفتح الدال مسح الشيء بالدهن هيهات اسم فعل يفيد الاستبعاد فمعناها بعد وفيها لغات كثيرة ذكرناها في كتاب التكميل لشرح التسهيل ويأتي منها ما قرئ به إن شاء الله.
الغثاء: الزبد وما ارتفع على السيل ونحو ذلك مما لا ينتفع به قاله أبو عبيد وقال الأخفش الغثاء والجفاء واحد وهو ما احتمله السيل من القذر والزبد وقال الزجاج البالي من ورق الشجر إذا جرى السيل خالط زبده انتهى وتشدد ثاؤه وتخفف ويجمع على أغثاء شذوذًا وروى بيت امرئ القيس من السيل والغثاء بالتخفيف والتشديد بالجمع.
تترى: واحدًا بعد واحد قال الأصمعي وبينهما مهلة وقال غيره المواترة التتابع بغير مهلة وتاؤه مبدلة من واو على غير قياس إذ أصله الوتر كتاء تولج وتيقور الأصل وولج وويقور لأنه من الولوج والوقار وجمهور العرب على عدم تنوينه فيمتنع الصرف للتأنيث اللازم وكنانة تنونه وينبغي أن تكون الألف فيه للإلحاق كهي في علقي المنون وكتبه بالياء يدل على ذلك ومن زعم أن التنوين فيه كصبرًا ونصرًا فهو مخطىء لأنه يكون وزنه فعلًا ولا يحفظ فيه الإعراب في الراء فتقول تتر في الرفع وتتر في الجر لكن ألف الإلحاق في المصدر نادر ولا يلزم وجود النظير وقيل تترى اسم جمع كأسرى وشتى المعين الميم فيه زائدة ووزنه مفعول كمخيط وهو المشاهد جريه بالعين تقول عانه أدركه بعينه كقولك كبده ضرب كبده وأدخله الخليل في باب ع ي ن وقيل الميم أصلية من باب معن الشيء معانة كثر فوزنه فعيل وأجاز الفراء الوجهين وقال جرير:
إن الذين غدوا بلبك غادروا ** وشلًا بعينك ما يزال معينا

الغمرة: الجهالة، ورجل غمرغافل لم يجرب الأمور وأصله الستر ومنه الغمر للحقد لأنه يغطي القلب والغمر للماء الكثير لأنه يغطي الأرض والغمرة الماء الذي يغمر القامة والغمرات الشدائد ورجل غامر إذا كان يلقي نفسه في المهالك ودخل في غمار الناس أي في زحمتهم.
الجؤار: مثل الخوار جأر الثور يجأر صاح وجأر الرجل إلى الله تضرع بالدعاء قاله الجوهري وقال الشاعر يراوح من صلوات المليك فطورًا سجودًا وطورًا جؤارًا وقيل الجؤار الصراخ باستغاثة قال جأر ساعات النيام لربه السامر: مفرد بمعنى الجمع يقال قوم سامر وسمر ومعناه سهر الليل مأخوذ من السمر وهو ما يقع على الشجر من ضوء القمر وكانوا يجلسون للحديث في ضوء القمر والسمير الرفيق بالليل في السهر ويقال له السمار أيضًا ويقال لا أفعله ما أسمر ابنا سمير والسمير الدهر وابناه الليل والنهار.
نكب: عن الطريق ونكب بالتشديد إذا عدل عنه اللجاج في الشيء التمادي عليه هذه السورة مكية بلا خلاف، وفي الصحيح للحاكم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقد أنزلت على عشر آيات من أقامهن دخل الجنة» ثم قرأ قد {أفلح المؤمنون} إلى عشر آيات.
ومناسبتها لآخر السورة قبلها ظاهرة لأنه تعالى خاطب المؤمنين بقوله: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا} الآية وفيها {لعلكم تفلحون} وذلك على سبيل الترجية فناسب ذلك قوله: {قد أفلح المؤمنون} إخبارًا بحصول ما كانوا رجوه من الفَلاح.
وقرأ طلحة بن مصرف وعمرو بن عبيد {قد أفلح المؤمنون} بضم الهمزة وكسر اللام مبنيًا للمفعول، ومعناه ادخلوا في الفلاح فاحتمل أن يكون من فلح لازمًا أو يكون أفلح يأتي متعديًا ولازمًا.
وقرأ طلحة أيضًا بفتح الهمزة واللام وضم الحاء.
قال عيسى بن عمر: سمعت طلحة بن مصرف يقرأ قد أفلحوا المؤمنون، فقلت له: أتلحن؟ قال: نعم، كما لحن أصحابي انتهى.
يعني أن مرجوعه في القراءة إلى ما روي وليس بلحن لأنه على لغة أكلوني البراغيث.
وقال الزمخشري: أو على الإبهام والتفسير.